رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تَبَصّروا وَاحْذَروا كُلَّ طَمَع أَيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء في الْمَسيحِ يسوع. مَثَلُ الوكيلِ الخائِن مِن الأمثلِةِ الّتي قَد يُساءُ فَهمُها، إنْ لَم يُفسّر التَّفسيرَ الصّحيح! فَكلامُ الْمَسيح قَدْ يُشْعِرُ البعَض بالاستغرابِ، وَكَأنَّهُ أَخطَأ القَولَ والتّعليم! بِدايةً لا بُدَّ لَنَا مِنَ الإشارَةِ إلى أنَّ السّياقَ الّذي تحدَّثَ فيهِ الْمسيح هو سِياقُ مَثَل. والْمَثَل أسلوبٌ أَدَبي يُستَخدَم لِغَايةِ التَّعليم وَتَبسيطِ الْمَفَاهيمِ، فَيُدرِكُها السّامِعُ أَو القارِئ. واسْتخِدامي لِلمثل لا يَعني بالضّرورة أَنّني أَتَبنّى الْمَثل، أَو أنْتَهِجُ مَا جَاءَ فيه، بِقَدرِ مَا هو استخدامُ صُورٍ أَدَبيّة مِن واقِعِ حَياةِ النَّاس، لِنَقلِ رسالَةٍ مُعَيّنَة! فِعنْدَما استَخدَمَ الْمَسيحُ مَثلَ السَّارِق، اِسْتَخدَمَهُ لِيُبيّن أَهَمّيةَ الاسْتِعدادِ وَضرورَةَ اليَقَظة الرّوحية، وَلَيس لِتَأييدِ السَّطوِ والتَّشجيعِ عَلَى السَّرقَة! مَثَلُ اليوم هو مَثَلُ الوكيلِ الخائِن، الّذي أَسَاءَ إلى سَيّدِه الّذي اِئْتَمَنَهُ على مَالِه، وَفي نَفس الوَقت اِمتازَ بالدّهاءِ والحِكمة الدُّنيويّة، لِكَي يَنجوَ مِن العِقابِ الّذي أَوشَكَ سَيّدُهُ أَن يُنزِلَهُ بِهِ، بعَد أن عَرف عَن فَسَادِه! فَمِن ناحية يَبقى الوكيل فاسِدًا وَخائِنًا، وَمِن ناحية أُخرى عَرَف كَيف يُهيِّأُ نَفسَه للحياةِ الّتي تَنتَظِرُهُ، بعدَ طَردِهِ مِن وَظيفتِه! والْمسيحُ مِن خلالِ طَرحِه لِهذا الْمثل، لَم يُثني على ما صَنَع الوكيلُ الخائِن، ولَم يَطلُب مِنّا الاقتداءَ بِه، ولكنّهُ أَرَادَ أنْ يُرينَا أَنَّ أَهَلَ الدُّنيا، الْمُعَلِّقينَ قُلوبَهم بما فيها مِن خَيراتٍ زَمنيّة زائِلَة ومِتاعٍ فانية، يَفعلون كُلَّ ما يَلزم للاستزادَة مِن خيراتِها، وَيَسعون جاهدينَ للتَّمَسُّكِ بِها حتّى آخِر نَفس، بالرّغمِ مِن عِلمِهم أَنّهم إلى زوالٍ بَعدَ حين! فَكيف يكونُ حَالُنا نحنُ الّذينَ نَسعَى وَراءَ الخيراتِ الأبدية، الّتي أَعدّها اللهُ لَنا قَبل إنشاءِ العالم، والّتي لا تزولُ بَل تَبقى؟ يَقول القدّيسُ بولس في رسالتِه الأولى إلى أهلِ قورنتوس: ﴿مَا لَم تَرَهُ عَينٌ، ولا سَمِعَت بِه أُذنٌ، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشر، ذَلِكَ ما أَعَدَّهُ اللهُ لِلّذينَ يُحبُّونَهُ﴾ (1قور 9:2). أَيُعقَلُ إذًا أن يكونَ سَعيُنا وجهادُنا، لأجلِ مَا أَعَدَّ اللهُ لَنا مِن خَيرٍ أَبَدي لا يُثَمَّن، أَقلَّ درجة مِن سَعيِ أَهلِ الدُّنيا، وراءَ ما في الدّنيا، مِن أمورٍ تَفسَدُ وَتَفنَى؟! للأسف نَعم، في كَثيرٍ مِن الحالات، وَلَدى كَثيرٍ مِن الْمسيحيين! في أحيانٍ كَثيرة نَفْتَقِرُ إلى الحِكمَةِ والإعدادِ، نَفتَقِرُ إلى الفِطنةِ والتَّهيئُ. نَطلُبُ كُلَّ شَيء، وَلا نَطلُب مَلكوتَ اللهِ وَبِرَّهُ (متى 33:6). نَصرِفُ اِهتِمَامَنا إلى كثيرٍ من الأشياء، وَنكون على مِثال مرتا، حِينَ خاطَبَها الرّبُّ قائِلًا: ﴿مرتا، مرتا، إنَّكِ في هَمٍّ وارتِباكٍ إلى أُمورٍ كَثيرَة، مَع أنَّ الحاجَةَ إلى أمرٍ واحِد﴾ (لوقا 41:10) نختارُ كُلَّ نَصيب، وَنَتَخلَّى عن النّصيبِ الأفضل! ذاك النَّصيب الّذي لِأجلِهِ قالَ بولس: ﴿عَدَدتُ كُلَّ شَيءٍ نُفايَةً لأربحَ الْمَسيح، وأكونَ فيه﴾ (فيلبّي 8:3-9). لِذلِك يا أحبّة، إِن كَانَ مَثلُ اليومِ يَتَحَدَّثُ عَن وكيلٍ خَائِن، فَطِنَ فَاجتَهَدَ لِيؤمِّنَ مُستَقبَلَه بِطُرُقٍ مُلتَويَة، فَدَعونا نحنُ نَكونُ وُكلاءَ أَمِينينَ صَالِحين مُتَيقّظين، نَجتَهِدُ وَنَسعَى لأجل الفَوزِ بإكليلِ الْمَجدِ والغايةِ الأسمَى وَالرّبحِ الأفضل. عِندها نكونُ فِعلًا فَطِنينَ مُزَيَّنينِ بالحكمةِ الإلهية، الّتي يُفيضُها الرّوحُ القُدس في نُفوسِنا. آَيَةٌ أُخرى قَد تُفَاجِأُنَا، حينَ يَقولُ الرّب: ﴿اِتَّخِذوا لَكُم أصدِقاءً بالْمالِ الحرام، حتّى إذا فُقِدَ قبِلوكم في الْمظالِّ الأبديّة﴾ (لوقا 9:16). بِدايَةً الْمَظال تَعني الخِيام! وعِندَ اليهودِ عيدٌ يُدعى عيدُ الْمظال، وَيُسمّى بالعبريةِ سوكّوت، وَيَقَعُ في بِدايَةِ شهرِ تِشرين الأوّل، وفيه يحتفِلون بِذكرى خُروجِهم مِن أرضِ مصرَ، وَمُكوثِهم في الخيامِ الْمَصنوعَةِ مِن سُعَف النّخيل، عندَ عبورِهم صوبَ الأرضِ الّتي وَعَدَهم اللهُ بِها. أَمَّا الْمالُ الحرام أو الْمالُ الظّالِم، فَيُقصَدُ بِه الْمالُ بِشَكلٍ عام. فَالْمالُ حَسَبَ الكِتابِ الْمُقَدّس، هوَ وَسيلَةٌ بها يَزوغُ قَلبُ الإنسان ويُبعِدُهُ عَنِ الله. لِذلك كانَ الْمالُ عادَةً مَحطَّ انتِقاد، لِما يملِكُ مِن قُدرَةٍ تَجعل الإنسانَ يحيدُ عَن رَبِّه. والْمَسيحُ نَفسُه اِنْتَقدَ حُبَّ الْمَال، وَبَيّنَ بِشكلٍ جَلِي خَطَرَ الغِنى، الّذي مِن شَأنِه أن يُسيطِرَ تمامًا عَلى الإنسان، وبالتّالي يَضعُه أَمَامَ خَيارَين: ﴿مَا مِن أَحَدٍ يَستَطيعُ أن يَعمَلَ لِسيّدين... لا تَستَطيعونَ أن تَعمَلوا لله ولِلمَال﴾ (متّى 24:6). ولكِن، حَتّى وإن كانَ الْمَال سَيّدًا ظالِمًا، فَالْمؤمِنُ لَديه الخيارُ أَن يُطوِّعَهُ ويجعَلَهُ خادِمًا مُطيعًا، وَأَداةً نافِعَةً لِعملِ الخيرِ والإحسانِ تجاهَ القَريب، وَهو مَا يَشفَعُ لَكَ عِندَ مُثولِكَ في حَضرةِ الله. وَهذا يُذكِّرنُا بِقَولِ بولسَ الرّسول في رسالتِه الثّانية لِأهل قورنتوس: ﴿لِيَنالَ كلُّ وَاحِدٍ مَا عَمِلَ وَهوَ في الجَسَدِ، أَخيرًا كانَ أَم شَرًّا﴾ (2قور 10:5). يَقول بولسُ أيضًا في رِسالتِه الأولى إلى تِلميذِه طيموتاوس: ﴿لأنَّ حُبَّ الْمال، أَصلُ كُلِّ شَر. وَقَد اِسْتَسلَمَ إليهِ بَعضُ النّاسِ، فَضَلُّوا عنِ الإيمانِ، وأصابوا أَنْفُسَهُم بأوجاعٍ كَثيرَة﴾ (1طيمو 10:6). وِمن السّهلِ جِدًّا أن تَتَغلغَلَ محبّةُ الْمَالِ في قُلوبِ الجَميعِ دُونَ استثناء! فالْمالُ كالْماء، يَتَسلَّلُ من أَصغرِ الفتَحات والْمَسمات. وَأَحيَانًا نَتَذرّعُ بِغَايَاتٍ شَريفَة، وَنُغلِفُ نِيّاتِنا الباطِنيّة، الّتي تَنُمُّ عَن طَمَعٍ وجَشعٍ وَبُخلٍ، وعدمِ اكتِفاء ورَغبةٍ في الْمَزيد! لِذلِك، وَجَبَ الحَذَرُ في التّعاملِ مَع الْمَال، لأنَّ لَهُ سطوةً وشهوَةً تَتَمَلَّكُ قلبَ الإنسان، فَتُقسّيه وَتُقلِّصُهُ وَتُعميه عن رؤيةِ غيرِه، لأنّه مَشغولٌ فَقط في التّحصيلِ لِنَفسه! فَصدقَ الْمزمور لَمّا قال: ﴿الإنسانُ في التَّرَفِ لا يَفهَم، بَل يُشبِهُ البهائِمَ العَجماء﴾ (مزمور 13:49). يا أحبّة، الإنسان لا يَكتَفي ولا يَقنع ولا يَشبَع، حتّى وَإنْ مَلَكَ الأرضَ وما فيها. وَما يُؤلِمُ أنَّ غيرَ الْمُحتاجِ يَطلُبُ كَالْمُحتَاج! تِلك طَبيعَةٌ سَيّئةٌ وعَادةٌ رَديئة، وَمِن الصَّعبِ التَّخلّي عَنهَا. وهذا ما جَعَلَ صَديقَنا الغَني يْنصَرِفُ حَزينًا، لَمَّا وَضَعَهُ يَسوع أَمَام خَيارينِ اِثنين: فَإمّا مالَكَ وغِناكَ، وإمّا الْمَسيح! (راجِع متّى 16:19-22). وَيَبقى الْمالُ وكُلُّ مِتاعٍ زَمنيٍّ مادّي، باطِلًا وحرامًا، لأنّه بِبَساطَةٍ قادِرٌ أن يَظلِمَكَ، عِندما يُغويكَ وَيمتَلِكُكَ، وفي سَبيلِهِ تَبيعُ آَخِرَتَكَ في سَبيلِ دُنياك، وَعِندها: ﴿مَاذَا يَنفَعُ الإنسانَ لَو رَبِحَ العالَمَ كُلَّهُ وخَسِرَ نَفسَهُ؟﴾ (مرقس 36:8) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|