رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تحذير من الأشرار قُلْتُ لِلمُفْتَخِرِينَ: لاَ تَفْتَخِرُوا، وَلِلأَشْرَارِ: لاَ تَرْفَعُوا قَرْنًا [4]. في نوع من الجنون يفتخر الأشرار بشرورهم، ويرفعون قرنًا كالحيوانات المتوحشة التي تنطح بقرونها بعنفٍ وفي غير وعيٍ. كان من عادات الأمم القديمة خاصة في الشرق، ولا زالت في بعض القرى، بل وحتى بين الأطفال حينما يعبرون عن فرحهم بالنصرة، يرتدون على رؤوسهم أشبه بقرن مخروطي ويناطحون به كأبطالٍ غالبين. يطلب المرتل بروح الله ألا يفتخر الأشرار في كبرياء بشرورهم، فإنهم وإن ظهروا كأبطالٍ غالبين إنما إلى حين، فستنحل الأرض التي يقفون عليها. لعل القديس أغسطينوس يرى الأشرار وقد أمسكوا بالقرن الذي يستخدم لتضخيم الصوت كبوقٍ، فيطلب منهم أن يكفوا عن هذا ليسمعوا بوق الإنجيل واهب التوبة والخلاص والمجد الحقيقي. * قرنكم من الإثم، وقرن المسيح من الجلالة (العظمة الحقيقية) . القديس أغسطينوس يرى القديس كيرلس السكندريأن المرتل يتحدث عن الهراطقة والرسل الكذبة والأنبياء الكذبة الذين في تشامخهم وكبريائهم يقدمون اختراعات واهية، ويعتمدون على فلسفات زمنية، فيُحرفون كلمة الله[9]. اُختتم المزمور السابق بالصراخ: "قم يا الله، أقم دعواك" (مز ٧٤: ٢٢). لقد تحققت الصلاة هنا، فقد تطلع المرتل إلى السيد المسيح ربنا الذي قام من الأموات وأعلن قوة الصليب المجيد، وظهر السيد بكونه الملك المخلص الذي يملك على قلوب مؤمنيه. * ماذا يعني "القرن" على الأرض؟ القوة، والمجد، والشهرة، حيث يُستخدم كرمزٍ من الحيوانات الوحشية. لقد غرس الله فيها القرن فقط كطريقٍ للمجد، وكسلاحٍ للدفاع عن نفسها، فإن فقدته تفقد أكثر قوتها. كالجندي الذي بلا سلاح هكذا الثور بدون قرنين يمكن السيطرة عليه بسهولة . القديس يوحنا الذهبي الفم لاَ تَرْفَعُوا إِلَى العُلَى قَرْنَكُمْ. لاَ تَتَكَلَّمُوا بِعُنُقٍ مُتَصَلِّبٍ [5]. يحذر المرتل الأشرار الذين يتشامخون على الله، ويتكلمون بعنقٍ صلبٍ وعنيفٍ. يليق بهم أن يتشبهوا بحنة أم صموئيل، فعوض رفع القرن ضد العليّ يقولون معها: "ارتفعَ قرني بالرب... لا تكثروا الكلام العالي المستعلي، ولتبرح وقاحة من أفواهكم (1 صم 2: 1، 3). يقول المرتل: "لتُبكم شفاه الكذب المتكلمة على الصديق بوقاحة بكبرياء واستهانة" (مز 31: 18). "يبقون يتكلمون بوقاحةٍ، كل فاعلي الإثم يفتخرون" (مز 94: 4). * كثيرون ينطقون بهذا الإثم، لكنهم لا يتجاسرون على ممارسته علنًا، لئلا يمقتهم الأتقياء كمجدفين... قيل في مزمور آخر: "قال الجاهل في قلبه: لا إله" (مز 14: 1). يقول الجاهل، لكنه يخشى الناس، فلا يقول هذا حيث يسمعه بشر، إنما يقوله حيث يسمعه ذاك الذي ينطق عنه هكذا (الله) . القديس أغسطينوس لأَنَّهُ لاَ مِنَ المَشْرِقِ وَلاَ مِنَ المَغْرِبِ، وَلاَ مِنْ بَرِّيَّةِ الجِبَالِ [6]. إذ يطلب من الأشرار أن يكفوا عن التكلم بكبرياء وتشامخ ضد الله يلزمهم ألا يكفوا عن هذا خوفًا من الناس سواء القادمين من المشرق أو المغرب، من برية أو جبال، إنما من الله نفسه. إنه لا يطلب الكف عن الشر خوفًا من الناس، لئلا يمارسوا هذا خفية في قلوبهم. يُحذر الله الأشرار المتكبرين والذين يقاومون الحق الإلهي، فإنه إذ يدينهم لا يجدون موضعًا في المشارق أو المغارب يهربون فيه من وجه الديان. وَلَكِنَّ اللهَ هُوَ القَاضِي. هَذَا يَضَعُهُ وَهَذَا يَرْفَعُهُ [7]. الله الذي لا يحده مكان، حاضر أينما وُجد الشرير، وهو يسمع ما ينطق به قلبه وفكره. هو العالم بالخفيات، وفي نفس الوقت هو الديان القدير. إنه يقيم أممًا ويزيلهم (دا 4: 17، 32، 35). * الله هو ديان آثامكم. إن كان هو القاضي فهو حاضر في كل مكان. أين يمكنك أن تهرب من عينيّ الله حتى تنطق في زاوية لا يسمعك فيها...؟ اِحذر أن تتكلم بالإثم ضد الله... إنك تنسحب إلى قلبك (لتنطق فيه بالإثم)، إنه أكثر عمقًا من قلبك. أينما هربتَ تجده هناك... هل تهرب منه؟ اهرب إليه . القديس أغسطينوس * يضع الله الظالم ويهينه، ويرفع المظلوم، وذلك بأحكام لا يمكننا نحن البشر أن ندركها، كما حفر للأشوريين بسبب ظلمهم، ورفع الإسرائيليين لتواضع قلوبهم. وكذلك وضع أهل الختان لاستكبارهم وعدم إيمانهم، ورفع الوثنيين لأنهم تواضعوا وآمنوا، كما يقيم الفقير من الأرض والمزبلة، ويجلسه على الكرسي، أما الجالسون على الكراسي فيطرحهم على الأرض، لأنه هو الديان العادل الذي بقدرته الفعّالة ينصب ملوكًا ويعزلهم. الأب أنثيموس الأورشليمي لأَنَّ فِي يَدِ الرَبِّ كَأْسًا، وَخَمْرُهَا مُخْتَمِرَةٌ. مَلآنَةٌ شَرَابًا مَمْزُوجًا. وَهُوَ يَسْكُبُ مِنْهَا. لَكِنْ عَكَرُهَا يَمَصُّهُ يَشْرَبُهُ كُلُّ أَشْرَارِ الأَرْضِ [8]. كانت العادة هي تقديم كأس الخمر في كل المناسبات، المفرحة كما في الأحزان الشريرة، بل وكان شرب الكأس يُعبِّر عن الدينونة والقصاص. "يمطر على الأشرار فخاخًا ونارًا وكبريتًا وريح السموم تصيب كأسهم" (مز 11: 6). "اِنهضي، اِنهضي، قومي يا أورشليم التي شربت من يد الرب كأس غضبه، ثقل كأس الترنح، شربت مصصت" (إش 51: 17). "لأنه هكذا قال لي الرب إله إسرائيل: خذ كأس خمر هذا السخط من يدي، واسقِ جميع الشعوب الذين أرسلك أنا إليهم إياها، فيشربوا ويترنحوا ويتجننوا من أجل السيف الذي أرسله أنا بينهم" (إر 25: 15-16). "في طريق أختك سلكتِ، فأرفع كأسها ليدكِ، هكذا قال السيد الرب. إنك تشربين كأس أختك العميقة الكبيرة. وتكونين للضحك وللاستهزاء، تسع كثيرًا. تمتلئين سكرًا وحزنًا، كأس التحير والخراب، كأس أختكِ السامرة" (حز 23: 31-33). يرى القديس أغسطينوس أن الأبرار يشربون من يد الرب الخمر النقي، الذي يسكرهم بالحب النقي الذي يسكرهم بالحب الإلهي. أما الأشرار فيشربون الحثالة أو التفل الذي في أسفل قاع الكأس، لا ليهلكهم الرب، بل ليردهم بالتوبة إلى برِّه. لذلك قيل عن الخمر إنها نقية بالنسبة للأبرار، وإنها ممزوجة بالنسبة للخطاة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مزمور 58 - هلاك الأشرار |
مزمور 58 - القضاة الأشرار |
مزمور 50 - تحذير |
مزمور 50 - عدم الشركة مع الأشرار |
مزمور 11 - نصيب الأشرار |