رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الند الواحد... عبور نهر الأردن تحت قيادة يشوع اختلف تمامًا عن عبور البحر الأحمر تحت قيادة موسى النبي، فالأخير تحقق خلال انشقاق البحر وعبور الشعب حيث كانت المياه الملحة على الجانبين كسور لهما، أما هنا فالمياه"المنحدرة من فوق تنفلق وتقف ندًا واحدًا" [13]، بمعنى أن المياه المنحدرة من أعلى تبقى حيث المنبع متوقفة في هذا الجانب الأيمن، أما النازلة في البحر الميت المالح فتنحدر فيه ويجف موضعها. فتكون المياه حلوة من جانب واحد ونحو المنبع وليس كسورين من الجانبين كما في عبور البحر الأحمر. هذا الأمر لم يتحقق مصادفة لكن حمل رمزًا للعهد الجديد ندركه خلال تقديم مقارنة بين العبورين في شيء من الاختصار، مع توضيح الجوانب الرمزية في كل تفاصيل العبور الجديد: أولًا: في دراستنا لسفر الخروج تعرضنا للحديث عن عبور البحر الأحمر تحت قيادة موسى النبي بكونه رمزًا للمعمودية، فما هو وجه الاختلاف بينه وبين عبور نهر الأردن تحت قيادة يشوع بن نون! ما أريد توضيحه هنا أن العبورين في الواقع يمثلان جانبين متكاملين لسرّ المعمودية، فالأول يشير إلى خلع الإنسان العتيق، والثاني يشير إلى التمتع بعطية الإنسان الجديد، وهما عملان في حقيقتهما عمل واحد متكامل، فلا تمتع بالإنسان الجديد ما لم يُخلع القديم ولا يمكن خلع القديم ما لم نلبس الجديد. لهذا وإن كنا نقارن بين العبورين إنما في الحقيقة هما عبور واحد ممتد فيه يخلع طالب العماد الإنسان العتيق الذي أعلنه الناموس (موسى) وفضحه مظهرًا ثمره أي الموت الأبدي، ويلبس الإنسان الجديد الذي تقدمه النعمة الإلهية بيشوعنا الحق، كقول الإنجيلي: "لأن الناموس بموسى أُعطي أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو 1: 17). الأول يمثل الصليب مع المسيح والثاني يمثل القيامة معه، لهذا تحقق الأول بضرب البحر بالعصا (الصليب) أما الثاني فبوقوف الكهنة حاملي التابوت (القيامة)! ثانيًا: في عبور البحر الأحمر تحت قيادة موسى انشقت المياه إلى اثنين وصارت كسورين عن يمينهم وعن يسارهم، أما هنا فالمياه اجتمعت عند المنبع بينما انحدرت الأخرى إلى البحر الميت ليجف الطريق أمامهم. يرى العلامة أوريجانوسفي ذلك صورة حيَّة لعمل المعمودية التي [جعلت الاثنين واحدًا، ونقضت حائط السياج المتوسط، فقد تراكمت المياه في ناحية واحدة]. خلال موسى أو الناموس انشقت البشرية إلى يهود وأمم، أما في المسيح يسوع فنلنا بالمعمودية روح الوحدة، ليس فقط بيننا وبين السماء، وإنما بين بعضنا البعض... حيث تجمعت الكنيسة من كل الأمم وكل الشعوب وكل الألسنة، وصار الكل أعضاء في الجسد الواحد. طريق الناموس ضيق لا يمكن أن يعبر فيه إلاَّ شعب واحد، وتحصره المياه كسورين عن اليمين واليسار، أما طريق يشوع الجديد فمتسع تتجمع المياه من جانب واحد، يمكن أن يعبر فيه كل العالم، منفتح للجميع بلا تمايز عنصري! هذا ومن ناحية أخرى، ليس بدون سبب بقيت المياه العذبة من جانب واحد، على يمينهم عند العبور، بينما انحدرت المياه من الجانب الآخر في البحر الميت المالح [16]. يقول العلامة أوريجانوس: [لو كان الذين يتعمدون جميعهم يحتفظون بعذوبة الروح الإلهي الذي نالوه، ولا يعود واحد منهم إلى مرارة الخطية، ما كان بالتأكيد قد كتب أن جزءًا من النهر يُقذف في هوة البحر المالح. لهذا فإن هذه الكلمات كما يبدو ليّ تشير إلى وجود اختلاف بين المعمدين... فإنه يوجد من ينال المعمودية المقدسة ويرجع فيُسلم نفسه لاهتمامات العالم وميول الشهوات، فيشرب من كأس الشهوة المالح مرة أخرى. لقد رُمز عن هؤلاء بالجزء من الماء الذي يتدفق إلى البحر ويفنى في المياه المالحة. أما الجزء الذي يظل متوفقًا، ويحتفظ بعذوبته، فيمكن أن يشير إلى الذين في غير تراجع يحفظون العطية التي نالوها من الله. وطبيعي هؤلاء الذين خلصوا يمكن أن يُرمز لهم بجزء واحد، لأنه أيضًا لا يوجد سوى "خبز الله (الواحد) هو النازل من السماء الواهب حياة للعالم" (يو 6: 33)، كما يوجد "إيمان واحد ومعمودية واحدة وروح واحد" (أف 4: 4-6)]... ثالثًا: العبور تحت قيادة موسى يدخل بنا إلى طريق بين سورين من الماء المالح، أما تحت قيادة يشوع فالمياه عذبة والطريق متسع... الأول يعبّر عن الناموس الذي يدخل بنا إلى المرارة ويجعلنا كمن هم محصورين وفي خطر، أما الثاني فيعبّر عن نعمة ربنا يسوع العذبة والغنية، التي تعطي للنفس فرحًا أثناء عبورنا هذا العالم. رابعًا: العبور الأول كان في اضطراب فالعدو من خلف والمياه المالحة من الجانبين أما العبور الثاني فكان في سلام، ليس من عدو خلفنا ولا من مياه مالحة حولنا... إنه الطريق الذي هو "يسوعنا الحق"، فيه نستريح ولا نخاف العدو، ولا تقدر المياه المالحة أن تقترب إلينا. خامسًا: في العبور الأول ينتظر الشعب برية قاحلة يسيرون فيها أربعون عامًا، وأن كان الله لم يتركهم وسط البرية بل كان يرعاهم بنفسه ويهتم بكل احتياجاتهم الروحية والجسدية والأدبية، أما في العبور الثاني فيرى المؤمن أرض كنعان ليست بعيدة عنه وأورشليم قريبة إليه جدًا. ففي المسيح يسوع ربنا نرى أورشليم العليا واضحة بالإيمان ومواعيده السماوية ليست ببعيدة، إنما ننعم بعربونها. والعجيب أنه في العبور الثاني تبقى المياه عند المنبع متوقفة في الأعالي... وكأنها تُشير إلى ارتفاع النفس المؤمنة إلى فوق لتحيا في السمويات ولا تنحدر إلى مياه البحر الميت. سادسًا: يقول العلامة أوريجانوس: [عندما أخرج موسى الشعب من أرض مصر لم يكن هناك أي نظام بين الجموع ولا طقس لدى الكهنة، هكذا كانوا يعبرون ماء البحر... لكن عندما يقود سيدي يشوع الجيش فلننظر فإن: "الكهنة يسيرون أمام الشعب حاملين تابوت العهد على أكتافهم... حيث تُحفظ فيه الشريعة والمائدة المقدسة (المن)"]. سابعًا: في العبور الأول كان الكل صامتًا، أما في العبور الجديد فكان الكهنة يحملون الأبواق علامة الغلبة والنصرة. ثامنًا:في العبور الأول لم يحمل الشعب ذكرى للعبور، أما في العبور الجديد فحملوا معهم إثني عشر حجرًا إشارة إلى الكنيسة المقدسة التي وجدت في أعماق الأردن... أي انطلقت سريًا خلال المعمودية. تاسعًا: تحقق العبور عندما استقرت بطون أقدام الكهنة حاملي تابوت الرب في مياه الأردن، إشارة إلى سحق السيد المسيح رئيس الكهنة الأعظم للشيطان تحت قدميه. فعبورنا إنما هو ثمرة سحقه لقوى الظلمة! عاشرًا: توقيت عبور نهر الأردن كان دقيقًا، فنحن نعلم أن النهر مقابل أريحا حوالي 150-180 قدمًا عمقًا، وقد تم العبور أثناء الفيضان، ما بين شهري إبريل ومايو، فتكون المياه مضاعفة والنهر متسعًا في عرضه وشديدًا في سرعته، إشارة إلى عمل الله في المعمودية إنه يفيض وبطريقة فائقة! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|