رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
العِبادُ الصّادِقون (يوحنّا 23:4) عظة عيد ظهورِ الرّب ﴿قَد أُظهِرَ في الجَسدِ، وأُعلِنَ بارًّا في الرّوح، وتَراءَى للملائكة، وبُشِّرَ بِه عِندَ الوَثَنيّين، وأُومِنَ بِه في العَالَم، وَرُفِعَ في الْمَجد﴾ (1طيموتاوس 16:3). أَيُّهَا الأحبَّة، مَعْ عِيدِ الظُّهورِ الرّب، نَكونُ قَدْ شَارفنَا عَلَى الوُصولِ إلى نهايةِ الزّمَنِ الْمِيلادي. هَذا الزَّمَنُ الجَميلُ بِصَلَواتِه وَطُقوسِه، العَذبُ بِألحانِه وَتَراتيلِه! هَذا الزّمنُ الَّذي فِيهِ نُحي حَدَثًا عَظيمًا، مِنْ سِلْسِلَةِ أَحْدَاثٍ عُظْمَى، فيهِ تَجلَّى اللهُ لَنَا، وَالكَلِمَةُ سَكَنَ بَينَنَا، مُتَّخِذًا جَسَدَنَا البَشَريّ، فَاتَّحَدَت الألوهيّةُ بالإنسانيّةِ، في شَخْصِ يَسوعَ الْمسيح! تَسْميَةُ هذا العيدِ بِعيدِ الظُّهورِ الإلهيّ، نِسبَةً إلى الاسمِ اليُونَانيّ لِلعيد "Epipháneia"، بِمعنى ظُهورٍ وَتَرائي. فَفي هَذا العيد، نُحي ذِكرى حَدثِ زِيارةِ الْمَجوس، لِلْمَسيحِ مَلِكِ اليَهودِ، الّذي ظَهَرَ لَهُم في مَهدِه. وَبِظهورِهِ هَذا، يُعلِنُ الْمَسيحُ، أَنَّ رِسالَتَهُ الخَلاصِيَّة رِسَالَةٌ شَامِلَة، تَعُمُّ جَميعَ بَني البَشر، يَهودًا كَانوا أَم وَثَنيّين. وَهذا ما يُؤكِّدُهُ القدّيسُ بولس، في رِسَالتِهِ الأولى إلى تَلْميذِه طيموتاوس، قَائِلًا: ﴿إنَّ اللهَ يُريدُ أن يَخلُصَ جَميعُ النّاس، وَيَبلُغوا مَعرِفَةَ الحقّ﴾ (1طيموتاوس 4:2). ثمَّ أنَّ زَمَنَ الْمِيلاد بِأَحدَاثِهِ جَميعِها، يَرتَكِزُ عَلَى فِكْرةِ الظُّهور! كلمةُ اللهِ الّذي ظَهَرَ في هَيئةِ إنسان. وَهَذَا مَا أَعلَنَهُ القدّيسُ يُوحَنَّا، مُسْتَهِلًّا بِشَارتَهُ، قائِلًا: ﴿والكَلِمَةُ صارَ بَشرًا، فَسَكنَ بينَنا، فَرَأينا مَجدَهُ﴾ (يوحنّا 14:1). كَلِمَةُ الله لَحظةَ الوِلادَة ظَهرَ أَوّلًا لِوَالِدَيهِ مَريمَ وَيُوسُف. ثُمَّ ظَهرَ لِمَجموعَةِ الرُّعاة، وَقَدْ زَفَّتْ لهمُ الْمَلائِكَةُ البُشرَى بِوَلادَةِ الْمُخلِّص (راجع لوقا 8:2-20). وَهَا هوَ اليَوم، يَظْهَرُ وَيَتَراءَى لِلمَجوسِ، وَقَدْ جَاؤوا يُؤدّونَ السَّجودَ لِمَلِكِ اليهودِ، إذْ شَاهَدوا نَجمَهُ في الْمَشرِق! وَهُنا أُريدُ أَنْ أَقومَ بمُقَارَنَةٍ بَسيطَة. فَالرّعاةُ نَالوا وَحيًا مُبَاشِرًا مِن مَلائِكةِ العُلَى، بِولادَةِ الْمُخَلِّصِ الْمَسيحِ الرّب، الّذي كَانَ اليهودُ يَنتَظِرونَ قُدُومَهُ. أَمَّا الْمَجوسُ فَقَدْ نَالوا وَحيًا غَيرَ مُباشِرٍ، بِرؤيتِهم النَّجمَ في العُلَى، فَأَدرَكوا أنَّ حَدَثًا عَظيمًا سَوفَ يَتِم! وَهَذا ما يَقودُنَا إلى مَا وَرَدَ في رِسَالةِ القدّيسِ بُولسَ إلى أَهلِ رومة، حَولَ هذا النّمطِ مِنَ الوَحي، قائِلًا: ﴿لأَنَّ ما يُعرَفُ عنِ اللهِ بَيِّنٌ لَهم، فقَد أَبانَهُ اللهُ لَهم. فَمُنْذُ خَلْقِ العَالَم لا يَزالُ مَا لا يَظهَرُ مِن صِفَاتِه، أَي قُدرَتُه الأَزَلِيَّةُ وأُلوهَتُه، ظاهِرًا لِلبَصائِرِ في مَخلوقاتِه﴾ (رومة 20:1). فَالطَّبيعَةُ، بِنِظَامِهَا وَخَلائِقِها، قادِرَةٌ أَنْ تُخبِرَنَا عنِ الله، الْمُهندسِ الأعظَم، كَمَا دَعاهُ الفَيلسوفُ الإغريقيُّ أَفْلاطون. كِلا الوَحيانِ أَتَيا مِنَ العُلَى، وَكِلاهُمَا قَادَا إلى نَتيجَةٍ واحِدة، أَلا وَهي: مَعرفَةُ الْمَسيحِ الْمَلِكِ والْمُخَلّص، والإيمانُ بِه! وَهذا مَا يُخبِرنا عَنهُ كَاتِبُ الرِّسالَةِ إلى العِبرانيّين، قائِلًا: ﴿إنَّ الله، بَعدمَا كلّمَ الآباءَ قديمًا، مَرّاتٍ كثيرةً بِوجوهٍ كَثيرة، كَلَّمَنا في آخِرِ الأيّام هَذِه، بابنٍ هو شُعاعُ مَجدِهِ وَصورةُ جَوهَرِهِ﴾ (عبرانيّين 1:1-3). فَاللهُ يَا أَحبَّة، قَادِرٌ أنْ يُكلِّمَنَا بِطُرقٍ عِدَّة وَوَسائِلَ مُنَوَّعَة. يُكَلِّمُنا وَسَطَ ظُروفِنَا الْمُتَعَدِّدَة، وَوَاقِعنَا الّذي يختَلِفُ مِن شَخصٍ لِآخر. الْمُهِم أَنْ نَكونَ نحنُ قَادرينَ عَلَى إِدْرَاكِ ذَلكَ وَالإصغاءِ إليهِ. لأنَّ الأمورَ الّتي تَمنَعُنَا مِنَ الإصغاءِ إلى الله، وإِدْراكِ حُضورِه، وتمييزِ عَلامَاتِهِ، وَالوصولِ إِليِه، كَثيرة وَالْمُشَوِّشَاتُ كَثيرةٌ أَيضًا! فالْمَجوسُ بالرّغمِ مِن مَكْرِ هيرودسَ وَخُبثِهِ وَسُوءِ نَوايَاه، إلّا أنَّهُم اِسْتَطَاعوا بُلوغَ الْمَسيح، وَمُعايَنَةَ مَجدِهِ، والسّجودَ لَه، مُقَدِّمينَ الهدايا. فَهَلْ نحنُ بِدَورِنَا، وَسَطَ تَقَلُّبَاتِ هَذَا الدَّهرِ الحَاضِر، قادِرونَ عَلى فِعلِ ذَلِك؟! قَادِرونَ عَلَى تَقْدِمَةِ حَياتِنا وَحاضِرِنا وَمُسْتَقبَلِنَا لله؟! مُعْتَرِفينَ بِهِ رَبًّا ومَلِكًا ومُخلِّصًا؟! هَذَا سؤالٌ يُترَكُ لِكلٍّ مِنَّا أَنْ يُجيبَ عَليهِ بِشَكلٍ شَخصِيّ. مُقارَنةٌ أُخرى أريدُ أن أقومَ بِها، بَينَ مَوقِفِ الْمَجوسِ وَمَوقِف هيرودس. فَالْمَجوسُ، الّذينَ كَانوا مِنْ غَيرِ اليَهود، قَدِمُوا بِصدقٍ لِيُؤدّوا الإكرامَ والسّجودَ لِملِكِ اليهودِ الّذي وُلِدَ. أَمَّا هيرودس، مَلِكِ اليهودِيَّة والْمُرتَبِط بالدّيانةِ اليَهوديّة، فَقَدْ كَانَ كَاذِبًا وَخَبيثَ النّوايا. فَهوَ لَم يَقصِدْ السُّجودَ لِلمَسيح، بَلْ القَضَاءَ عَليه! وَهذا مَا يَقودُني إلى الاسْتَنتَاج، بِأَنْ لَيسَ كُلْ مَنْ قَالَ أَنَّهُ مَسيحي، هوَ فِعلًا مَسيحي! فَهُنَاكَ مَسِيحيّونَ هِيرودسيونَ كاذِبونَ سَيّئوُ النَّوَايَا! وَهَذا مَا يَظهرُ في الفَرقِ الشَّاسِعِ وَالتَّنَاقُضِ الوَاسِع، بَين اِدِّعَائِهم الإيمانيّ وَتَديُّنهم السَّطحيّ، وبينَ نمطِ حَياتِهم. وَهَذا هوَ حَجرُ الرَّحى الَّذي سَيُعلّقُ في أَعناقِ هَؤلاء، وَيَرْمِي بهم في بَحرِ الهَلاكِ الأبديّ! وفي نَفسِ الوَقتِ قَدْ تَجِدُ أُنَاسًا غَيرَ مُتَديِّنين، ولا مُمارِسين وَلا يرتَادونَ الكَنائِس، أَشدَّ صِدْقًا وأمانَةً وَتَقوىً وَمخافَة، بِنَمَطِ حَياتِهم وأُسلوبِ عَيشِهِم! لِذَلِكَ أَقولُ: لِكُلِّ مُتَعَصِّبٍ بلا بَصيرَة، لِكُلِّ مُتَدَيّنٍ بِلا دِين، لِكُلِّ طائفيٍّ وَعُنْصريٍّ وَمُثيرِ نَعرَة، لِكُلِّ إقْصَائيٍّ وَاسْتَحوَاذيٍّ هِيرودسي، مَا قالَهُ الْمَسيحُ للسَّامِريّة: ﴿تَأتي سَاعةٌ فِيهَا تَعبدونَ الآبَ، لا في هذا الجَبَلِ وَلا في أورشليم، فيهَا العِبادُ الصّادِقون يَعبدونَ الآبَ بالرّوحِ والحق. فَمِثلَ أولئِكَ العِبادِ يُريدُ الآب﴾ (يوحنّا 21:4-23). فَتَدَيِّن لِكَي تَخْلُص، وَلا تَتَديّن لِكَي تُهلِكَ وَتَهلُك! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
مار يوحنّا الدّمشقيّ |
يوحنّا المعمدان |
أحد مولد يوحنّا |
يوحنّا المعمدان |
رسائل يوحنّا |