رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تذكر أعماله الخلاصية حَوَّلَ الْبَحْرَ إِلَى يَبَس،ٍ وَفِي النَّهْرِ عَبَرُوا بِالرِّجْلِ. هُنَاكَ فَرِحْنَا بِهِ [6]. سرّ فرحنا، كما يرى القديس أغسطينوس أن نفوسنا تتحول من بحر إلى يابس، وتَعبُر كما بالأقدام على النهر. بمعنى آخر إذ نؤمن بالسيد المسيح مخلصنا يحول نفوسنا من بحر مملوء مرارة واضطرابات وعواصف، إلى أرض تعطش دومًا إلى مياه الحب الإلهي، بهذا العطش تعبر مع مسيحها فوق نهر العالم، أي فوق كل محبة للزمنيات الفانيات. كان اليهود يتطلعون إلى عبورهم بحر سوف ونهر الأردن كأعظم أعماله الخلاصية. "أنت شققت البحر بقوتك؛ كسرت رؤوس التنانين على المياه" (مز 74: 13). "شق البحر فعبَّرهم، ونصب المياه كندٍّ" (مز 78: 13). الله الذي يبَّس البحر ليَعبُر موسى ومعه بنو إسرائيل بأرجلهم، وخلَّصهم من اضطهاد المصريين، وأجازهم نهر الأردن تحت قيادة يشوع بن نون إنما كان ذلك رمزًا لاجتياز الأمم المعمودية والتمتع بالفرح بالخلاص. يرى أيضًا القديس أغسطينوس أن النهر الذي تعبر عليه النفس بالأقدام هو جسدنا القابل للموت. فقد قبل قائدنا أن يشرب من هذا النهر، فمات وقام. لهذا إذ نتحد به نفرح حيث نعبر على الموت بالأقدام، ونتمتع بالخلود. لم يقل: "هناك فرحوا به"، بل قال "فرحنا به"، حاسبًا فرح الأجيال القديمة عند خلاصهم هو فرح للمرتل كما للجماعة الحاضرة. يحسب المرتل في كل العصور أن عبور الشعب القديم البحر عبوره هو، وفرحهم فرحه هو. وحدة عجيبة، وحب فائق، وشركة تتحدى الزمن! * كان البحر هو العالم، مُر بملوحة، مضطرب بعواصفٍ، تأثر بأمواج الاضطهادات. لقد كان بحرًا. بالحق تحول إلى يابس، الآن يعطش إلى مياه عذبة هذا الذي كان ملآنًا بمياه مالحة. مَنْ فعل هذا؟ ذاك الذي "حوَّل البحر إلى يابسٍ" الآن ماذا تقول نفوس كل الأمم؟ "نفسي نحوك كأرضٍ يابسة" (مز 143: 6). "وفي النهر عبروا بالرجل" [6]. نفس الأشخاص الذين يتحولون إلى يابسٍ، هؤلاء الذين كانوا قبلًا بحرًا يعبرون النهر بالأرجل. ما هو النهر؟ النهر هو كل موت العالم. تطلعوا إلى النهر، أمور تأتي وتعبر، وتحل مكانها أمور أخرى... في هذا النهر لا يلقي أحد بنفسه فيه بطمع، ليت النفس لا تلقي بذاتها بل تقف بثبات. وكيف تعبر فوق ملذات الأمور التي مصيرها الدمار؟ لتؤمن بالمسيح، فتعبر بالأرجل، تعبر معه كقائدٍ، تعبر بالأرجل. القديس أغسطينوس مُتَسَلِّطٌ بِقُوَّتِهِ إِلَى الدَّهْرِ. عَيْنَاهُ تُرَاقِبَانِ الأُمَمَ. الْمُتَمَرِّدُونَ لاَ يَرْفَعُنَّ أَنْفُسَهُمْ. سِلاَهْ [7]. ما فعله في الماضي يشهد لقدرته ولعنايته بمؤمنيه. هذه القدرة وهذا الحب لا يحدهما زمن ولا ومكان. فالله يعمل كل يوم إلى انقضاء الدهر، ويعمل في كل الأمم وفي حياة كل إنسان! يقول المرتل: "مُلكك مُلك كل الدهور وسلطانك في كل دورٍ فدورٍ" (مز 145: 13). هنا نفرح به على رجاء القيامة، أما في الأبدية فنفرح به على مستوى أبدي! لذلك يقول المرتل: "متسلط أو يحكم بقوته إلى الأبد" [7] * لنكون شركاء في قوته، فبقوته نصير أقوياء، أما هو فقوي بذاته. نحن مستنيرون، وهو النور الذي ينير. نحن إذ تركناه صرنا في الظلمة، أما هو فلا يترك ذاته. بحرارته نستدفئ، بانسحابنا منه نصير في بردٍ، وإذ نقترب إليه من جديد نصير في دفءٍ. لهذا ليتنا نتحدث معه لكي يحفظنا في قوته، فإننا فيه نفرح، الذي يملك بقوته إلى الأبد. القديس أغسطينوس *بقوله: "يسود بقوته إِلَى الدهر" يعني أنه سيد على الدهر وكل ما فيه، وبقدرته يستطيع أن يُنَجِّي المؤمنين من شرور الدهر كقول الرسول: لينجينا من الدهر الحاضر الشرير... قوله: "عيناه تراقبان الأمم" معناه أن الله يعتني بكافة الناس ليس بإسرائل فقط. بمعنى من حيث أن الإسرائيليين قد عصوا، رفع الله نظره عنهم وجعله ينظر إلى الأمم. إن الله الذي اهتم باليهود فقدم لهم الناموس والوعود الإلهية بالخلاص، تراقب عيناه بالحب جميع الأمم، ليقدم لكل البشرية من فيض عطاياه الإلهية. قوله "المتمردون" يدل على الإسرائيليين الذين أولًا تمردوا على الله في البرية، وثانيًا لما تجسد ابنه تمردوا بأفعالهم وأقوالهم. وأيضًا حين كان مصلوبًا سقوه خلًا ومرًا. وقد سبق الله وقال عنهم في نبوة دانيال: امضِ يا ابن الإنسان إلى بيت إسرائيل الذي تمرد عليّ. الأب أنثيموس الأورشليمي أما عن رعاية الله للجميع فيقول الحكيم: "في كل مكان عينا الرب مراقبتين الطالحين والصالحين" (أم 15: 3). "المتمردون لا يرفعن أنفسهم" بمعنى أن المتمردين على الله لا يرفعون قرنهم ولا يقدرون على مقاومة مشيئة الله. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|