رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
آدم في الفردوس: إن كان الله قد خلق للإنسان المسكونة كلها من أرض وجلد وفضاء وكواكب... إنما ليلمس فيها أبوة الله ورعايته الفائقة. وقد كشف عن هذه الأبوة بالحديث بعد ذلك في شيء من التفصيل عن خلق الإنسان وإقامة جنة عدن شرقًا لأجله. في القرن الثاني يبدو أن العلامة أوريجانوستطلع إلى قصة آدم وحواء وما حدث معهما كقصة رمزية بحتة قدمها الوحي للكشف عن مفاهيم روحية تمس حياة الإنسان بالله، وأن الجنة لم تكن على الأرض بل في السماء الثالثة حيث كان آدم وحواء روحين بلا جسدين حقيقيين قبل السقوط، وأنهما هبطا من الفردوس أو الجنة إلى الأرض بسبب سقوطهما وأن ما نالاه من جسدين إنما هو من قبيل العقاب. هذه الأفكار هاجمها القديس أبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص في رسالته إلى القديس يوحنا أسقف أورشليم. هذه الأفكار ترفضها الكنيسة تمامًا إذ تشوه من النظرة إلى العالم الذي خلقه الله كعلامة حب لنا، وتفسد نظرتنا لتقديس الجسد... هذا وقد أعلن السيد المسيح ورسله القديسين أحداث الخلق الأولى كأحداث واقعية لا رمزية: أولًا: يقوم الكتاب بعهديه على إعلان ذبيحة الخلاص التي احتاجت إليها البشرية بعد سقوط أبوينا آدم وحواء في جنة عدن... (راجع رو 5)، وأن سقوط آدم استلزم عمل المسيح الخلاصي لإقامة الإنسان ككل بروحه وجسده معًا، وليس لخلاص روحه وحدها فلو أن الجسد الإنساني وليد خطايا ارتكبها الروح قبلًا لما كانت هناك حاجة للتجسد الإلهي وخلاص الجسد مع الروح. ثانيًا: حينما تحدث السيد المسيح نفسه عن الزواج قدم على أساس ما حدث في بدء الخليقة كحقيقة تاريخية، مانعًا الطلاق (مت 19: 3-6؛ مر 10: 2-9). ثالثًا: أشار السيد المسيح إلى قصة سقوط أبوينا في بدء الخليقة، موضحًا دور إبليس وخداعه (يو 8: 44). رابعًا: حينما تحدث الرسول بولس عن الكنيسة كعروس السيد المسيح تحدث عن خداع الحية لحواء كقصة واقعية (1 كو 11: 3). خامسًا: في نسب السيد المسيح ذكر الإنجيلي لوقا آدم كأول إنسان في الخليقة (لو 3) سادسًا: تحدث الرسول بولس عن هابيل (ابن آدم وحواء) كشخصية واقعية وليس رمزًا (عب 11: 4). إن كنا لا ننكر حقيقة هذه الجنة كتاريخ واقعي عاشه آدم، لكننا نرى أيضًا في هذه الجنة رمزًا للسيد المسيح الذي جاءنا من الشرق، فيه يدخل آدم ليجد شبعه وفرح قلبه. فإن كانت كلمة "عدن" تعني (بهجة) أو (نعيم)، فإن السيد المسيح ربنا هو البهجة الحقيقية وسر نعيمنا الأبدي. إن كانت الجنة ترمز للسيد المسيح بكونه سر بهجتنا، فإنها من الجانب الأخر ترمز للكنيسة بكونها جسد المسيح، تحمل في داخلها "شجرة الحياة" في وسطها كرمز للسيد المسيح رأس الكنيسة وسر حياتها. لقد نزل السيد المسيح إلى العالم ليعلن عن ذاته أنه شجرة الحياة المغروسة في كنيسته من ينعم به يتمتع بالحياة والحكمة، وكما يقول القديس جيروم: [يقول سليمان: "هي شجرة حياة لممسكيها" (أم 3: 18)، متحدثًا عن الحكمة. فإن كانت الحكمة هي شجرة الحياة، فالحكمة بالحقيقة هي المسيح... إذ غُرست هذه الشجرة في جنة عدن، نُغرس نحن جميعًا هناك]. بمعنى آخر ما كان يمكن أن يكون لنا نصيب كأشجار حيَّة مغروسة في الفردوس لو لم ينزل شجرة الحياة في وسطه ويعلن ذاته كسر حياة لنا. أما شجرة معرفة الخير والشر فتشير إلى "المعرفة" التي في ذاتها هي نعمة وبركة، ولكنها إن اتجهت إلى خبرة الشر تصير علة للهلاك. يقول القديس ثاوفيلس الأنطاكي: [شجرة المعرفة في ذاتها صالحة، وثمرها صالح. ليست الشجرة هي التي حملت الموت كما يظن البعض، إنما العصيان هو الذي حمله في داخله، ليس شيء آخر في الثمرة سوى المعرفة وحدها، وهي صالحة إن استخدمت بفطنة ]. يروي الجنة نهر قيل عنه: "وكان نهر يخرج من عدن ليسقي الجنة، ومن هناك ينقسم فيصير أربعة رؤوس" [10]. إن كانت شجرة الحياة تشير إلى السيد المسيح واهب الحياة، فإن النهر الذي يسقي الجنة هو الروح القدس الذي يفيض على أرضنا خلال مياه الروح القدس فيحول قفرنا إلى جنة تفرح قلب الله. تحدث السيد المسيح عن هذا النهر، قائلًا: "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ" (يو 7: 38). ويعلق الإنجيلي على هذه الكلمات الإلهية بقوله: "قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطي بعد". أما انقسامه إلى أربعة رؤوس فيشير إلى فيض الروح على الكنيسة في العالم من المشارق إلى المغارب ومن الشمال إلى الجنوب. إن كان النهر يشير إلى الروح القدس الذي يحل على المؤمنين لتقديسهم فإن انقسامه إلى أربعة رؤوس إنما يشير إلى تقديسه للجسد الذي يرمز له برقم 4، بكونه مأخوذًا من الأرض (أربع جهات المسكونة)؛ وكأن الإنسان في علاقته بالله يصير بالروح القدس جنة عدن الجديدة التي يقدسها الروح القدس، عاملًا في النفس البشرية كما في الجسد. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|