رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث - الروح.. وليس الحرف يركز القديس بولس الرسول على عبارتين: السلوك حسب الروح، والاهتمام بالروح (رو1:8،6). ولا شك أن المتهمين بالروح، يهتمون بالروح في سلوكهم بروح الوصية، وليس بحرفيتها. وذلك لآن "الحرف يقتل، ولكن الروح يحيى" (2كو6:3). وهكذا يقول الرسول في نفس الآية: "جعلنا خدام عهد جديد: لا الحرف، بل الروح". الذي يسلك بالحرف، هو إنسان فريسي أو ناموسي.. مثل اليهود في موقفهم في وصية حفظ السبت! الفريسيون كانوا يتمسكون بالحرف، كما فعلوا مع الرب في وصية السبت مثلًا. حتى أنه حينما منح البصر للمولود أعمى، وكان ذلك في يوم سبت، قالوا "هذا الإنسان ليس من الله، لأنه يحفظ السبت" (يو16:9)،وقالوا للمولود أعمى "أعط مجدًا لله. نحن نعلم أن هذا الإنسان خاطئ" (يو24:9). ولما شفى السيد مريض بيت حسدا، بعد مرضه 38 عامًا، يقول الكتاب إن اليهود "كانوا يطلبون أن يقتلوه، لأنه فعل ذلك في يوم السبت" (يو16:5). إنه الحرف الذي يقتل، لأنه يدل على عدم فهم لروحانية الوصية. كيف يسلك بالروح إذن؟ هنا ونود أن نتأمل السلوك في بعض الفضائل: 1- الصوم مثلًا، وكيف يكون بالروح؟ - الصوم كثيرون يصومون، ويظنون أن الصوم هو فقط الطعام النباتي. ويحاولون أن يجهزوا لأنفسهم أطعمة نباتية شهية جدًا في أكلها، ومغذية جدًا فيما يضيفونه عليها من ألوان الطعام النادرة والغالية الثمن، والشكيولاتة النباتي. وينسون قول دانيال النبي عن صومه: "كنت نائحًا ثلاثة أسابيع أيام. لم آكل طعامًا شهيًا، ولم يدخل فمي لحم ولا خمر. ولم أدهن" (دا2:10،3)... وأحب أن أركز هنا على عبارة "لم آكل طعامًا شهيًا".. لأنه حيث يأكل الإنسان أطعمة شهية أثناء صومه، كيف يمكنه أن يسيطر على رغبات الجسد، وهو يعطيه ما يشتهيه من الطعام؟! كيف تشترك الروح إذن مع الجسد في الصوم؟ حتى لا يكون صومنا مجرد صوم جسداني، بطريقة حرفية بعيدة عن الروح! أما الصوم الروحي ففيه تكون الروح زاهدة، ومرتفعة عن مستوى المادة، وعن مستوى طعام الجسد. كذلك أثناء الصوم نعطى الروح طعامها الروحي. ونعطيها الفرصة أن تسيطر على الجسد ننتقل إلى نقطة أخرى وهى المطانيات metanoia. المطانيات المطانيات هى السجود metanoia. فما المقصود بهذا السجود. ليس السجود هو مجرد انحناء الجسد. إنما أيضًا: انحناء الروح مع الجسد. لذلك يقول المرتل في المزمور "أنا فبكثرة رحمتك ادخل بيتك، وأسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك".. وعبارة (مخافتك) تدل على خشوع الروح أثناء السجود. وعبارة "بكثرة رحمتك أدخل إلى بيتك" تعنى الشعور بعدم الاستحقاق. وهكذا يصيح الشماس أثناء القداس: "أسجدوا لله بخوف ورعدة..". هنا المشاعر الروحية تصحب حركة الجسد. أحيانًا تعتذر لإنسان وتضرب له مطانية metanoia، فلا يقبلها منك. إذ يشعر أنها عمل جسداني لا روح فيه. وقد تقول بعد ذلك: ماذا أفعل له أكثر من هذا؟ لقد ضربت له مطانية، وانحنيت برأسي إلى الأرض!! يا أخي، المهم أن تنحني روحك،لا تتمسك بحرفية المطانية دون روحها. ولذلك نسمع داود النبي يقول: "لصقت بالتراب نفسي" (مز25:119). ولم يقل "لصقت بالتراب رأسي"... - الصلاة الصلاة حرفيًا هي الحديث مع الله. وهى روحيًا: اتصال روح الإنسان بروح الله. وقد يصلى إنسان، أو يظن أنه يصلى، بينما لا توجد هذه الصلة بينه وبين الله!! لذلك وبخ الله اليهود بقوله"هذا الشعب يكرمني بشفتيه. أما قلبه فمبتعد عني بعيدًا" (أش13:39) (مت8:15). إنها صلاة غير مقبولة، لأن الله يريد القلب... أتظن أنك تصلى، لأنك تحرك شفتيك أمام الله؟! وقد يكون ذلك بلا فهم، وبلا روح، وبلا مشاعر: بلا حب، بلا خشوع، بلا اتضاع..!! أتريد أن ترضى ضميرك من جهة الصلاة؟! حتى لو كانت هكذا!! أم تصلى بروحك، وتصلى بذهنك، تقصد كل كلمة تقولها في صلاتك... صدق مار أسحق عندما قال عن مثل هذه الصلاة: قل لنفسك: أنا ما وقفت أمام الله لكي أعد ألفاظًا. ذلك لأن كثيرين يهمهم أن يطيلوا الصلاة بغير فهم، أو أنهم يتلون عددًا كبيرًا من المزامير، بسرعة لا تأمل فيها، ولا يتابعون معنى الألفاظ أثناء صلاتهم!! والمزامير كلها روحانية، لكنهم يقتصرون على الحرف. وبالمثل من يرددون كلمات التسبحة في الأبصلمودية بسرعة عجيبة، لا يتابعون فيها المعنى.. وكذلك بالنسبة إلى كثير من الألحان.. المهم أمامهم هو الحرف وليس الروح،والشعور بأن إنسان أدى (قانونه) في الصلاة، واستراح ضميره بذلك، بينما لم تصعد هذه الصلاة إلى الله، لأنه لم تكن هناك صلة، ولم تشترك الروح فيها ولا القلب.. ما أجمل قول القديس بولس الرسول: "أصلي بالروح، وأصلي بالذهن أيضًا" (1كو15:4). "أرتل بالروح، وأرتل بالذهن أيضًا". - القبلة نسمع في القداس عبارة "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة". والقبلة هي تعبير عميق عن الحب. وعبارة "مقدسة" تعنى أنها تكون طاهرة وبغير رياء... ويسلم كل منا على من يجاوره، رمزًا إلى سلامه مع الناس جميعًا.. فهل نقتصر على هذا الشكل أو هذا الشكل أو هذا الحرف؟! بينما لا يكون سلام في قلوبنا مع الناس!! يهوذا الإسخريوطي قبل السيد المسيح. بالحرف لا بالروح، والحرف يقتل.. مظهر خارجي يدل على المحبة، تختفي وراءه خيانة.. لذلك تحرم الكنيسة التقبيل من أربعاء البصخة، احتجاجًا على قبلة يهوذا الخائنة. وأنت كلما تقابل أناسًا تبدأ بالسلام. أهي حرفية كلمة سلام؟ أم هو سلام حقيقي بالمعنى الروحي؟.. ما أكثر ما نقول من كلام، ومن تحيات، ومن مجاملات، بمجرد الحرف، وبلا روح. أنمتنع عن المجاملات إذن؟ كلا... بل ندخل إليها الروح والحق، فتدل على الحب وعلى التعاطف على حسن التعامل، وتقدير الناس. نفعل هذا من كل قلوبنا. ويظهر هذا في ملامح وجوهنا، وفى نظرات عيوننا. ليس بالحرف بل بالروح. - العطاء بالروح هو تعبير عن الحب، وعن المشاركة القلبية في احتياجات الناس واحتياجات الكنيسة. ولكن البعض يأخذونه بالحرف: مجرد العطاء!! فيقدمونه ولو اضطرارا، بلا حب! وينسون قول الكتاب "المعطي المسرور يحبه الرب" (2كو7:9).. العطاء يبدأ من القلب، وليس بمجرد اليد. والمعطي روحيًا هو الذي يفرح حينما يعطى، لأنه يشعر أنه اشترك في إسعاد إنسان، أو أخذ بركة المساهمة في احتياجات الكنيسة. غير أن البعض يحاسبون الله حسابًا عسيرًا!! يقتصرون على العشور، إن دفعوها!! ويدققون في حساباتهم جدًا، حتى لا يزيد العطاء عن العشور.. وقد يدخلون فيها بعض واجباتهم الاجتماعية اللازمة نحو الأقرباء والمعارف، وما اضطروا لدفعه في مناسبات معينة لبعض المشروعات ولشئون الخدمة. ويظهر أن القلب غير مشترك في العطاء.. الروح لم تشترك! بالروح،لا نتعالى على الفقراء الذين نعطيهم. بل نرى أنهم يأخذون من الله وليس منا، هو الذي أعطانا ما نعطيه لهم. إن العطاء الذي يتم بالاضطرار، أو بغير حب، هو عطاء لم تشترك فيه الروح. - الخدمة أحيانًا نأخذ من الخدمة حرفيتها أو شكلها. ونظن أننا نساهم في عمل الكنيسة. دون أن ندخل إلى روح الخدمة. بل حتى من جهة الحرف ننسى المعنى الحرفي لكلمة خادم. وننسى الاتضاع اللازم للخدمة. العقل يعمل في الخدمة بما فيه من معرفة، وكذلك الجسد بنشاطه، بينما الروح لم تشترك في الخدمة! وتصبح الخدمة مجالًا لإظهار الذات، ويختلط بها حب السيطرة والنفوذ والتنافس بين الخدام، الأمر الذي لا يتفق مطلقًا مع كلمة (خادم). وكأننا في الخدمة نركز حول ذواتنا، وليس حول ملكوت المسيح الذي قال عنه يوحنا: "ينبغي أن هذا يزيد وأنى أنا أنقص" (يو30:3). وتصبح الخدمة مجرد معلومات يلقيها خادم مدارس الأحد، أو مجرد أعمال إدارية ومالية يقوم بها مجلس الكنيسة ولجانه. أو مجرد أنشطة تقوم بها الهيئات العاملة في الكنيسة.. وفى كل هذا ننسى روح الخدمة. ولا تشترك أرواحنا في الخدمة!! - السبت إنه يوم الرب (حاليًا الأحد). حفظة حسب الحرف هو أنك"لا تعمل فيه عملًا" (خر10:20). أما بالروح فهو أنه سبت للرب، أي راحة للرب. يستريح فيها الرب معك. ويستريح أولاده أيضًا. إنه يوم للرب. فإن قمت فيه بعمل الخير، تكون قد عملت ما يريح الرب، وما يريح الناس... ويصبح هذا اليوم (سبتًا) أي راحة.. وهكذا علم السيد المسيح أنه يحل فعل الخير في السبوت. لأن فعل الخير فيه راحة للناس. وهذه هي روح الوصية. أما عدم العمل على الإطلاق، ففيه راحة الجسد، ولكن ليست فيه راحة لروحك، ولا راحة للناس الذين لم تخدمهم بامتناعك الكامل عن العمل! - الطقوس هل أنت تدرى روحانية كل طقس في الكنيسة؟ هل تشترك فيه بروحك؟ الكاهن مثلًا يحمل الإنجيل فوق رأسه ويدور به حول المذبح. فهل تدرى أن هذه الدورة إشارة إلى انتشار الإنجيل في المسكونة كلها؟ وهل تصلى من أجل هذا؟ والشماس يمسك الشمعة أثناء قراءة الإنجيل، إشارة إلى قول المرتل "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" (مز119). فهل تقبل كلمات الإنجيل لتستنير بها في ذهنك وقلبك وضميرك؟ ورئيس الكهنة يرفع تاجه من فوق رأسه خشوعًا واحتراما لكلمة الإنجيل. فهل تكون أنت في نفس الخشوع. هل روحك تشترك في نفس الطقس؟ وهل روحك تشترك مع الطقوس الخاصة بكل تحركات الأب الكاهن في الكنيسة وكل عمله؟ إن فعلت هذا، تشترك روحك في صلوات القداس الإلهي، وفى كل صلوات الليتورجيات ولا تقتصر فقط على شركة الحواس.. لأن الروح هو الذي يحيى (2كو6:3). ونفس الوضع بالنسبة إلى الأعياد. هل أنت تفرح فيها، لأن مجرد الصوم قد انتهى؟! أم تدخل إلى روحانية العيد؟ فتفرح مثلًا بميلاد المسيح، لأنه بدء قصة الخلاص، بما فيه من اتضاع وحب، وتفرح بقيامته، بما في ذلك الانتصار على الموت، وباكورة القيامة، وفتح أبواب الفردوس.. ويدخل كل هذا إلى قلبك ومشاعرك... - العقيدة هل تأخذها -حسب الحرف- كمجرد لاهوتيات، وأمور عقلية تكون موضع جدل مع الطوائف الأخرى؟! في المعمودية مثلًا، هل تدخل روحك في عبارة "مدفونين معه في المعمودية" (كو12:2) وأيضًا في مفهومها أنها موت مع المسيح وقيامة معه (رو4:6، 8). وتدرك أنه في هذا الفن قد صلب الإنسان العتيق، وقام إنسان جديد في حياة جديدة (رو6:6، 4). ثم تسأل نفسك: هل لا يزال "الإنسان العتيق" موجودًا في حياتك؟ وأيضًا ما هي الحياة الجديدة التي نلتها في المعمودية؟ وهل أنت في المعمودية قد "لبست المسيح" حسب قول الرسول (غل27:3). أي لبست ما فيه من بر، ولبست الصورة الإلهية التي جاء بها... وهنا تدخل إلى روح المعمودية. وهكذا مع باقي العقائد. الولادة من الله: هل هي حسب الحرف مجرد عقيدة تجادل فيها متى ينالها المسيحي؟ أم تدخل إلى روحها، وتتذكر قول الرسول "كل من هو مولود من الله لا يفعل خطية.. ولا يستطيع أن يخطئ، لأنه مولود من الله" (1يو9:3)."وأيضًا المولود من الله يحفظ نفسه، والشرير لا يلمسه" (1يو18:5)،وهكذا كلما تقول "أبانا الذي في السموات"، تشعر بوخز في ضميرك، وتقول للرب "لست مستحقًا أن أدعى لك أبنا" (لو19:15) ذلك لأنني أخطئ، ولم أحفظ نفسي... وهل في كل أسرار الكنيسة، تدرك بروحك النعمة المخفاة في كل سر، وتعيش روحك في هذه النعمة؟ - الرموز هناك عبارات معينة في الكتاب المقدس: إن أخذتها حسب الحرف، تنطق عبارة "الحرف يقتل" (2كو6:3). ولكنك بالروح تفهم معناها، وتدرك ما فيها من رموز. سفر نشيد الأناشيد مثلًا، أتستطيع أن تدرك ما فيه بحرفية الألفاظ، أم بالمعنى الروحي الرمزي؟! كذلك كثير من الألفاظ التي وردت في الكتاب مثل كلمات سيف، ونار وخمير.. وغير ذلك مما ذكرناه في مقالاتنا عن "مصطلحات الكتاب المقدس" الموجودة هنا في موقع الأنبا تكلاهيمانوت... إن كلام الله هو روح وحياة (يو63:6). تفهمه بروحك، وتحوله إلى حياة... |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|