قال مار اسحق :
+ من اقتني الفضائل العظيمة ، مثل الصوم والسهر ، ولكنه لم يقتن حراسة القلب واللسان ، فانه في الباطل يتعب ويعمل .واذا وضعت كل اعمال التوبة في ناحية ،والحفظ في ناحية أخري ، فان الحفظ يرجح ، فان المسيح وضع قياس الوصايا علي أصل الأفكار القلبية ، وموسي علي الأعمال المحسوسة .
+ حفظ الحواسس يقلع الخطايا . وحفظ القلب يقطع الآلآم التي تلد الخطايا .
+ انسان مماحك لا يظفر بسلامة الفكر ، والعادم من السلامة هو العادم من الفرح ، الانسان الذي يطلق لسانه علي الناس بكل جيد ورديء ، لن يؤهل للنعمة من الله
+ احفظ لسانك كيما تسكن فيك مخافة الله .
ابغض كلام العالم لكي يعاين قلبك الله .
وردع صادر عن جسد كسهم مسموم .
+ قال القديس أنطونيوس :
لا تسكن في القرية التي أخطأت فيها .
+ قال احد الشيوخ :
اني لا اتذكر ان الشياطين أطغوني مرتين فقط في أمر واحد .
شيخ حدثته أفكاره قائلة له " " استرح اليوم وتب غدا " فقال : " لن يكون ذلك أبدا ، بل علي أن أتوب اليوم ، ولتكن مشيئة الرب غدا " .
+ قال القديس باسيليوس :
علامة الخوف الهرب من العيوب الصغار ، حذرا من الوقوع في الذنوب الكبار .
فسر أحد الشيوخ قول الله :
" علي خطيتين وثلاث خطايا انا صبور . وأما الرابعة و فلا أحتمل " .
فقال :
الأولي هي التفكير في الشر ، والثانية هي الخضوع للفكر ، والثالثة هي التحدث ،والرابعة هي اتمام الفعل ، وعن هذه ينتقم .
+ قال انبا اسحق :
" رأيت مرة أخوة يحصدون في حقل ما ، فأراد أحدهم أن يفرك سنبلة فأستأذن صاحب الحقل في لك ، فأجابه متعجبا : أن الحقل كله بين يديك أيها الأب ، وتستأذن في هذا "
الي هذا الحد من التحفظ كان ذلك الأخ يحتاط لنفسه .
+ قال شيخ :
أنا قلت لنفسي " يوم خروجي من العالم ، هو اليوم الذي فيه أكون قد ولدت ، وبدأت بعبودية الرب . كمذلك كن كل يوم بمنزلة الغريب الذي يترجي الرجوع بالغداة " .
+ وقال آخر :
حيثما تجلس قل : " غريب أنا ، غريب انا " .
+ قال القديس برصوفينوس :
" ان غلب الانسان بالله التجرية الأولي ، فلن يقوي عليه العدو فيما بعد ، أماأ، أنغلب في التجرية الاولي ، فان العدو متي أراد أتي بع الي عبادة الاصنام .
+ قيل عن انبا أور أنه لم يكذب قط ، ولم يحلف ،ولم يلعت ، ولا كان يتكلم الا للضرورة ، وكأن يوصي تلميذه قائلا : " انظر يا أبني ألا تدخل هذه القلاية كلمة غريبة " .
+ حدث مرة أن مضي تلميذ أنبا أور ليبتاع خوصا ، فقال البستاني :
" ان انسانا أعطانا عربونا من ثمن الخوص ، ولم يرجع الي الآن فادفع الثمن وخذه " فأخذه وجاء وأخبر الشيخ بما قالهله البستاني ، فلما سمع الشيخ بذلك ، وضع يديه علي الأرض وقال : " أن أور لن يعمل في هذا العام عملا " ، وفعلا لم يدع الخوص يدخل قلايته ، فأخذه التلميذ ورده الي صاحبه .
( ب ) امتزاج الفضائل بروح التوبة
+ كان انسان جندي من بلاد الأكراد ،
قد عمل خطايا كثيرة ودنس جسده بكل أصناف النجاسات ، وبرحمة الله ، تخشع قلبه ، فزهد في العالم ومضي الي موضع فقر ، وبني له قلاية في أسفل الوادي ،وأقام فيها مهتما بخلاص نفسيه . فلما عرف مكانه بعض معارفه صاروا يخضرون له خبزا وشرابا وكل حاجاته ، فلما رأي ذاته في راحة ، وأصبح لا يعوزه شيء ، حزن وقال في نفسه : " أننا ما عملنا شيئا يستوجب الراحة ،وهذا النياح الأن يفقدني النياح الأبدي ، لأني لست مستوجبا لنياح البتة " . وهكذا ترك قلايته وانصرف قائلا : " لنسر الي الضيعة ، لأنه ينبغي لي أن آكل الحشيش طعام البهائم ، اذ كنت قد فعلت أفعال البعائم " وهكذا أصبح راهباً مجاهجا .
+ وكان هناك أمرأة بأورشليم اسمها سستروتين،
هذه كانت خاطئة ، وتأبت بحرقة قلب ، ورجعت الي الله ، وتنسكت ، وعملت فضائل كثيرة ، حتي أنها من كثرة الفضائل التي عملتها ، ونعمة الرب يسوع التي معها ، صارت مديرة لدير عذاري .
ولما صارت مدبرة للدير ، زادت علي نسكها وصبرها ، حتي أنها من كثرة نسكها وصبرها ، ضعفت قوتها ، فسألتها العذاري قائلات : " يا أمنا ، كلي قليلا من الطعام ، كي يكون في جسدك غذاء قليلا ، وتستطعين أن تمشي الي داخل الموضع المقدس "
فقالت لهن :
" يا بناتي ، لا تتعبنني لأجل طعام قليل بأكله أرجع الي عادتي القديمة ، فلأجل هذا أنا أخاف من الأكل " .
( ج ) الانسحاق والدموع
قال القديس أنبا أنطونيوس :
+ لا تجعل نفسك معدودا بالجملة وأنت تتفرغ لتبكي علي خطيئتك .
+ الزم الحزن علي خطاياك كمثل من عنده ميت .
+ اوقد سراجك بدموع عينيك .
+ الزم البكاء فيترحم الله عليك لكن احذر من أن تكون صغير القلب لأن صغر القلب يجلب الأحزان .
وقال أيضا :
+ ينبغي لمن يشتم أن يعتقد في نفسه أنه هو السبب في شتمه لسوء فعله . فيصبح الشاتم مذللا له من الخارج في الوقت الذي يصبح هو مذللا لنفسه من الداخل مثله في ذلك مثل داود النبي الذي منع صاحبه من قتل شاتميه اذ قال لهم : دعوه فان الرب جعله يشتمني . دعوه ( أتركوه ) حتي ينظر الرب ذلي ويرحمني . وأن يشتبه ( المشتوم ) بالسيد المسيح . لأنه لما شتم لم يشتم . وأن اتفتكر في شاتمك انه قد عتقك من السبح الباطل ان احتملته بمعرفة . وانه قد أرسل لك علي لسانه الدواء النافع . اقتسر ذاتك وتعود قطع مشيئتك وبنعمة المسيح تبلغ الي ممارسة كل أمرك بدون اقتسر ذاتك وتعود قطع مشيئتك وبنعمة المسيح تبلغ الي ممارسة كل أمرك بدون اقتسار ولا حزن . أحسن الي كل أحد وأن لم تقدر فأحب كل أحد . وان لم تستطيع فلا أقل من ان لا تبغض احدا . ولن يسير لك شيء من ذلك ما دمت تحب العالميات .
+ لا تحزن ولا تتألم ولو قليلا علي شيء لهذه الدنيا ، ولا تقلق اذا شتمك جميع الناس ، فهم يشبهون الغبار الذي تحمله الريح ، بل أحزان بالحري اذا ماعملت ما يستوجب الشتيمة .
+ ما منفعة كلام الكرامة ، فأنه انما يطير في الهواء ، وماذا يحدث من الخسارة العارضة من الشتيمة الصائرة مجانا ، فهوذا الناس يموتون ، وتموت كرامتهم وشتيمتهم أيضاً تذهب معهم .
+ اخوان كانا يجتمعان في بعض الديرة ، كل واحد منهما منفرد في قلايته فقال احدهما لرفيقه : أنا أقصد المضي لأنبا زينون فأعرفه فكري . فقال الآخر أيضاً : وأنا أريد ان اقول له فكرا . وانطلقا سويا . وأخذ كل منهما الشيخ علي انفراد . وأقفر له بأفكاره . فأحدهما سجد بدموع علي قدمي الشيخ ، يسأله ان يصلي عليه . فقال له الشيخ : اذهب ولا تدفع ذاتك الي شر ، ولا تقع في خطية ، ولا تضطجعن في صلاتك . وبعد مضيه خارجا اعترف الآخر للشيخ بفكره وقال له صل علي ، ولم تكن طلبته بوجع واجتهاد .
وبعد مدة من الزمان اتفق انهما اجتمعا فقال الواحد لصاحبه لما زرنا الشيخ هل اخبرته بفكرك الذي ذكرت أنك تريد أن تقوله له فقال : نعم فقال : هل انتفعت بعد اقرارك له ؟ فأجابه : نعم بصلوات الشيخ شفاني الله . فقال له ذلك الآخر : أما أنا وان كنت قد اعترفت له ، الا انني ما احسست بالشفاء . فقال له ذلك الذي انتفع .وكيف سألت الشيخ فقال : قلت له الأن صل علي يا أبي فان الفكر الفلاني يؤذيني.
فقال له الآخر :
أما انا فعندما أعترفت له : بللت رجليه بدموعي طالبا اليه أن يبتهل في أمري . وبصلواته شفاني الرب .
هذا الخبر الذي حدثنا به الشيخ يعلمنا انه يجب علي من يسأل أحد الأباء في أمر أفكاره ، أن يطلب الي الله بكل قلبه وببكاء شدسد فينال مراده . ومن يعترف بتوان وفتور فليس من شانه ان يعدم المتعة فقط بل ويدان ويعاقب .
قال مار اسحق
+ أعمال التوبة والصلوات والدموع باتضاع وكير القلب ، لا تغلب الآلام من النفس فقط بل ومن الموت تقيمها .
+ الويل لمن له وقت واستطاعه ، ويساعده جسده ، ويتهاون بأعمال التوبة لأنه يبكي وينتخب عندما ينتبه ، ويطلب زمان الراحة فلا يجد . سماء وماء التوبة هما الضوائق والمحقرات والتجاري . وموتها حب الأرباح والكرامة والراحة ، لأنه من الضوائق تتولد الراحة الداخلية ، ومن الحزن والكآبة الذين من اجل الله ، يتولد الفرح وعزاء النفس ، وبايجاز فان السلامة التي لم تتولد من هذه الأعمال هي ضلالة .
+ الذي يعمل التوبة ويفلح في النسك بل وفي ممارسة الأعمال والفضائل ولكنه يتكل علي بره ، لا علي النعمة ، لا فرق بينه وبين من يجمع حجارة ويوجد بصومه أبعد من الحق ، وأخر بنسكه ، وآخر بحرده ، وآخر بسهره ن واخر بعمله ، وآخر بصدقته وآخر باحتماله وآخر بكمال اعمال تدعي الهية . لأن ربنا حزم الأمر بقوله : بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا ، أي بالهدوء وتواضع القلب اللذان بهما انا غلبت العالم " .
+ كان شاب :
في المدينة قد صنع شرورا كثيرة ، وكان منغمسا في الخطايا وبرحمة الله – أحسن بعد ذلك بكثرة خطاياه فحبس نفسه في قبر لكيما يتوب عما صدر منه ، وطرح وجهه علي الأرض وهو يقول : " لا ينبغي لي أن أرفع نظري الي السماء لكثرة خطاياي ولا أن أذكر اسم الله بفمي النجس ولا أن أصلي " ، وكان يقول في نفسه : " اني لا أستأهل السكني مع الناس والأحياء ، ولكن مع الموتي " ، فحبس نفسه في القبر وهو يائس من الحياة ، وكان يتنهد من وجع قلبه ، فلما انقضي اسبوع وهو علي هذه الحال ، أتاه بالليل أجناد الشياطين وهم يصيحون قائلين : " أين ذلك الحبس الذي لم يشبع من الدنس ، هل الأن ان يصير نصرانيا ؟ ألا تنطلق بعجلة من هنا ، لأن الزواني والخمارين أصحابك يتوقعون حضورك اليهم ، فاطرح عنك هذا الأمر البطال ، فما الذي يحملك علي أن تقتل نفسك أيها الأرعن . انما انت بجملتك لنا وقد وهبت لنا حياتكم بعهود ، فأنت غريم لنا . لماذا تهرب منا ؟ ألا ترد علينا جوابا ؟ ألآ تقوم وتذهب معنا . " أما هو ، فمن وجع قلبه لزم السكوت ، فلما كثر عليه الكلام ولم يجبهم ، حينئذ بدأوا يضربونه ، واستمروا يضربونه حتي مزقوا جسده ، فلم يستطيع أن يتحرم كما لم يقدروا ان يزويغوه علي فكره الصالح ، فتركوه قبل ميت وانصرفوا وهو في تنهد شديد مسلما نفسه لله ، ثم أن أهل بيته خرجوا يطلبونه ، فلما وجدوه سألوه عن أمره ، فأخبرهم بما حل به ، فأرادوا أن يأخذوه معهم ، فامتنع ، وفي الليلة التالية ، عاد اليه الشياطين ، وضربوه ، ولما كانت الليلة الثالثة ، أتوه أيضاً وضربوه حتي بقي فيه قليل نفس ، فلما رأي الله انكسار قلبه ، منعهم عنه ، فهربوا وهم يقولون : " قد غلبتنا " ولم يعودوا اليه بعد ذلك ، فسكن في ذلك القبر بقية حياته ، وأقتني رهبنة فاضلة ، وصار سببا لرجوع خطاة كثيرين الي التوبة : .
+ اقتل أنبا سيصوي
وكان الآباء جلوسا حوله ، فسمعوه يخاطب قوما ، فقالوا له : " ماذا تعاين أيها الأب ؟ " فقال : " ها أنذا اعاين قوما له أحد الشيوخ : " وان هم أمهلوك ، هل تقدر الآن أن تنجح في التوبة وأنت في هذا السن ؟ "
فقال :
" وان كنت لا أقدر أت اعمل عملا فاني أتنهد وابكي : ، فقال له الشيوخ : " ان توبتك قد كملت أيها الآب "
فقال لهمن :
" صدقوني ، اني لست اعرف من ذاتي اذا كنت قد بدأت الي الآن ؟ " ولما قال هذا ، أشرق وجهه كالشمس ، ففزع الذين كانوا حوله .
فقال :
" أنظروا : أن الرب قال : ائتوني بتائب البرية " ، ولوقته أسلم الروح وامتلأ المنزل من رائحة زكية " .
-خوف الله –
قال أنبا موسي الأسود
+ أن أثرت ان تتوب الي الله فاحترز من التنعم فانه يثير سائر الأوجاع ويطرد خوف الله من القلب .
+ أطلب خوف الله بكل قوتك فانه يزيل كل الخطايا .
+ سأل أخ الأب أورانيوس قائلا :
" كيف يأتي خوف الله الي النفس ؟ " قال له الشيخ : " اذا وجد في الانسان الاتضاع والكفر بكل الأشياء وبنفسه أيضا ، وكان لا يدين أحداً ، فخوف الله يأتيه"
+ قال شيخ :
" الضجر انما يعرض لنا من أن خوف الله لم يغرس بعد في فكرنا . ولم ننسي الي الآن أكل خبزنا من صوت تنهدنا . فحب الجسد ،لا يدع عقولنا تسير الـي فوق " .
- خطيتي أمامي –
قال أخ لأنبا بيمن :
" أني خاطيء فماذا أعمل ؟"فقال له : مكتوب :" خطيئتي أمامي في كل حين فأنا أهتم بآثامي وأعترف بذنبي ، فقلت أكشف خطيتي أمام الرب وهو يغفر لي نفاق قلبي " .
وقال الشيخ :
" اذا تقدمت لأخذ القربان لا تفكر أنك أهل لذلك ولكت اعتبر انك خاطيء ، وأجعل في نفسك أن الخاطيء اذا تقدم الي المخلص بايمان ، وتحفظ حسب قوته ، استحق أن ينال مغفرة خطاياه . فتقدم بتوبة ، واعتقد في نفسك أنك مريض وغير مستحق ، بل مثل مجروح ومحتاج الي الشفاء ، وآمن انك تتقدس بأخذ القربان ، اذا كنت علي توبة ، لأن كل الذين تقدموا اليه بايمان شفوا " .
-النوح –
قال شيخ :
النوح يغسل الخطايا ، ويتعب كثير يصل الانسان اليه . اذ لا يأتي البكاء ألا بكثرة الهذيذ ، وبذكر الموت ، والدينونة المرهوبة ، والعذاب الدهري ، وأن تفكر في نفسك وتقطع هواك وتحمل الصليب .
وقال آخر :
ان كان انسان يجربه ابليس بأوجاع الخطية ، ويبكي وينوح لذلك بين يدي الله ، ، فان الله يشتاق اليه ، لأن لأن التنهد قادر أن يحل الخطية ، والبكاء يغسل الذنوب .
وقال مار اسحق :
أحذر من حياة الخلطة لنها تعوق سائر أنواع التوبة ، التخاطب مع كثيرين يعوق الحزن الذي من أجل الله .
لقي أنبا جراسيموس
امرأة في البرية عريانة ، فلما أبيصرته توارت عنه لكنه أراد أن يكلمها فتوارت خلف صخرة وكلمته ، فقال لها : " كم لك في هذه البرية " من الزمان " ؟ " قالت : " خمسون سنة " قال لها : " ماذا كان غذاؤك ؟ " قالت : " أن الخالق لا يضيع ما خلق "
قال لها :
" فماذا أبصرت في البرية ؟ " قالت : " ما ابصرت غير المسيح وأعماله وصنائعه " قال لها : " ففيم الخلاص ؟ قالت : " في ترك ما أنت فيه " قال لها : " وما هو ؟ " قالت : شغلك بالبكاء علي خطاياك اولي من سؤالك امرأة عما لا ينفعك قال لها " صدقت " وعمل مطانية ، مضي أنبا بيمن في بعض الأوقات قاصدا مصر ، فنظر أمرأة جالسة علي قبر تبكي بكاء مرا ، فقال لمن كان معه : " لوجيء لهذه المرأة بكل مرطبات العالم وكل الملاهي ، لما انتقلت عما هي عليه من الحزن ، وهكذا يجب علي الراهب أن يكون حزنه دائما أبداً .
سأل أخ الأب ماطوس قائلا :
" قل لي كلمة " فقال له : " أقطع عنك مما حكة الأمور كلها ، وابك ونح فقد قرب الوقت " . أطلب الي الله أن يعطيك نوحا في قلبك وتواضعا في نفسك وتأملا دائما في خطاياك ، ولا تدن آخرين ، ولا تجعل لك صداقة مع صبي ، ولا معرفة بامرأة ولا صديقا مخالفا ،ولا صلة بانسان ما ، واضبط بطنك ولسانك ، وان تكلم أحد بحضرتك فلا تحاججه ، وأن قال لك جيدا قل نعم ، وان تكلم رديئا فقل : أنت أخبر بما تتكلم به ، ولا ثمار ، فهذا هو حد الخلاص " .
+ حدث أن مضي ثلاثةاخوة الي الأب بفنوتيوس :
وسألوه كلمة ، فقال لهم الشيخ : " أمضوا ، وليكن عندكم الحزن أفضل من الفرح ، والتعب أفضل من النياح ، والاهانة أفضل من الكرامة ، وليكن عطاؤكم أكثر من أخذكم " .
+ سأل أخ الأنبا مادانا :
" قل لي كلمة " فقال له الشيخ : " امضي وأسال الله ان يهب لك في قلبك نوحا واتضاعا ، واجعل بالك من خطاياك كل حين ولا تدن أحدا . بل اجعل نفسك تحت كل الناس ، ولا تجعل لك مرافقة مع صبي ، ولا معرفة بامرأة ، ولا صداقة مع هيراطيقي ، واقطع عنك الدالة ، واحفظ لسانك ، وامسك بطنك من الخمر قليلا ولا تكن محبا للقنية ولا تلاجج احدا ولا تحارنه ،وهذا هو الاتضاع .
+ جاء عن أنبا يوحنا صاحب القلالي :
كانت زانية بمصر ، وكانت جملية جدا وموسرة ، وكان الرؤساء يأتون اليها، وفي بعض الأيام جاءت الي الكنيسة وأرادت الدخول فلم يدعها الايبودياكون ماسك الأبواب قائلا : " لست أنت مستحقة أن تدخلي بيت الله لأنك نجسة " واذا كان معها في الكلام سمع الأسقف الخصومة فخرج فقالت له الزانية " من الآن ما أوني " فقال لها الأسقف : " ان جئتي بغناك كله الي هنا علمت أنك ما تزنين " فمضت وأتت بمالها جميعه ، فأخذه وأحرقه بالنار . ولما دخلت الكنيسة كانت باكية قائلة : " أن كان ههنا حل حل بي هذا ، فهناك ماذا يحل بي " وعملت توبة حسنة وصارت اناء مختارا .
( د ) اذكرت محبتك الأولي
قال مار اسحق :
في الوقت الذي تكون مغلوبا مقهورا وفي كلل وكسل وقد قيدك عدوك بسماجة فعل الخطية أذكر الوقات القديمة التي فيها تنشطت ، وكيف كنت مهتما حتي بصغائر الأمور ، وكيف كنت تتحرك بالغيرة علي الذين يعوقون مصيرك . وتنهد علي أقل شيء فاتك في عمل الفضيلة – وكذلك اذكر كيف كنت تحظي باكليل الغلبة علي الأعداء .
بمثل هذه التذكارات تتيقظ نفسك كمثل من هو في نوم عميق وتلبس حرارة الغيرة – وكمثل من في الموت تقوم النفس من مسقطها وتصلب ذاتها حتي تعود الي طقسها الأول بالجهاد الحار قبالة الشيطان والخطية .
( هـ ) ذكر ساعة الموت والدينونة
قال القديس موسي الأسود :
+ أعد نفسك للقاء الرب فتعمل حسب مشيئته ، افحص نفسك هاهنا واعرف ماذا يعوزك فتنجو من الشدة في ساعة الموت ويبصر اخوتك اعمالك فتأخذهم الغيرة الصالحة .
+ اذا قمت كل يوم بالغداة ، تذكر انك سوف تعطي الله جوابا عن سائر اعمالم فلن تخطيء البتة ، بل يسكن خوف الله فيك .
+ فكر في نار جهنم لكيما تمقت أعمالها .
+ ذكر الدينونة يولد في الفكر تقوي الله . وقلة خوف الله تظلل العقل .
قال شيخ :
كل من يجعل الموت مقابله كل حين ، يغلب الضجر وصغر النفس .
وقال آخر :
" أن ابراهيم أول دخوله أرض الميعاد اشتري قبرا فورث هو وزرعه الأرض بكمالها ، هكذا الذي يتخذ له بيتا لموته من هذا العالم ، ويحزن فيه علي نفسه ، فانه يرث أرض الحياة " .
قال القديس اكليمكوس :
" لا يستطيع انسان أن يختار يوما كما ينبغي ، أن لم يحسبه آخر يوم من حياته في الدنيا " .
قالت الأم سارة :
" أنني أضع رجلي علي السلم لأصعد فأتصور الموت قدامي قبل أن أنقل الرجل الثانية" .
قيل لشيخ :
" لماذا تضجر يا أبتاه ؟ " فقال : " لأني في كل يوم أتوقع الموت "
قال انبا ابرام :
" ساعة الموت مرهوبة ، وهي تأتي علي الانسان مثل الفخ ، حينئذ يلحق النفس ندم عظيم وتقول : " كيف جازت أيامي وأنا مشغولة بالأعمال الفارغة التي .
وقال أيضا :
يا أخي في كافة أعمالك تذكر اواخرك فلا تخطيء أبدا .
يا أخي احضر الي ذهنك النار التي لا تطفأ ، والدود الذي لا يموت ، ففي الحال يخمد التهاب الأعضاء ، لئلا تسترخي ويغلب ، وتستدركك نار حزن الندامة ، وتعتاد أن تخطيء فتندم ، اقتن صرامة منذ الابتداء مقابل كل هشوة لئلا تغلب لها ، ولا تتعود الهزيمة في الحزن ، لأن العادة طبيعة ثانية ، لأن اعتياد الهزيمة لا يبين أن هناك صرامة وشهامة ، بل كل حين يبني هذا الانسان وينقض ، وفي كل وقت يخطيء ويندم .
أيها الحبيب ان اعتدت ان تتراخي أن توتلت ، فسوف يكون تسطير كتابة ندامتك لا يمحي الي الأبد . من اعتاد ان يغلب لبعض الشهوات ، فذاك يصير موبخا كل وقت من ضميره ، فتحرز بكل نفسك من الخطر ، حاويا في ذاتك المسيح في كل وقت لأن المسيح هو للنفس حلاوة لا تموت ، فله المجد الي الأبدج آمين .
ومن أقوال القديس اوغريس :
+ أن من كان همه في تذكار الموت ، فذلك يهديه بخوف الله .
+ " أخبروا عن أخ حريص علي خلاصه . جاء من غربة فأقام في قلاية لطيفة بطور سيناء . فلما جلس في اليوم الأول ، وجد علي خشبة صغيرة كتابة قد كتبها الأخ الذي كان فيما مضي ساكنا فيها وهو يقول فيها : " أنا موسي ابن تادرس قد حضرت وأقمت " وكان الأخ يضع تلك الخشبة قدامه طول النهار يوميا . ويسأل .
" من كتب هذه الكتابة ؟ " ثم يردف قائلا : " أيها الانسان . ليت شعري ابن أنت الآن . لأنك قلت " قد حضرت وأقمت " فالي من كتبت هذا يا تري ؟ تري في أي عالم أنت في هذه الساعة ؟ " فكان يداوم هكذا علي هذا العمل طول النهار متذكرا الموت . ثابتا في النحيب والبكاء وكانت صناعته الخط الحسن ، فتناول من الاخوة ورقا ليكتب لهم شيئا كتذكار منه لهم . لكنه لم يكتب لأحد شيئا سوي صيغة واحدة . كتبها في ورق كل واحد منهم وذكر فيها : " أغفروا لي ايها الاخوة قساوتي ، فأنه كأن لي عمل مع ذاك القادر علي خلاصي ، لذلك لم أفرغ منه حتي أكتب لكم"
+ قال شيخ :
" اني مرتعب فزع من تلك الشدة التي سوف تعانيها النفس عن خروجها من الجسد ، اذ تأتيها اجناد الشر ،وما سكو ظلمة هذا العالم الخبيث ، فيأخذونها ويظهرون لها كل ما عملته من الخطايا ، بمعرفة وبغير معرفة ، ويحاجونها علي كل ما عملت ، فأي شدة ورعب تلحق بالنفس في تلك الساعة حتي يصدر الحكم بمصيرها ، وتصبح في عتق . هذه هي ساعة الشدة ، التي تقاسيها حتي تبصر حاتمة أمرها فان كانت مستحقة النعيم ، يأخذها الملائكة بكرامة ويحفظونها من الشياطين الأشرار ،وحينئذ تصبح من ذلك اليوم معتوقة منهم ، كما هو مكتوب : " أن مسكن جميع الفرحين فيك يا مدينة الله " ، وحينئذ يتم المكتوب ان الوجع والتنهد والتعب يهرب ، وحينئذ تفلت من اجناد الظلمة ، لتمضي الي لك المجد الأسني الذي لا ينطق به . أما أن وجدت النفس وقد مانت عائشة بالتواني ، فأنها تسمع ذلك الصوت المحزن : " ليبعد المنافق كيلا يعاين مجد الرب " . وحينئذ يدركها يوم السخط ، يوم الحزن والشدة نيوم الظلمة وظلال الموت ، فتلقي في الظلمة الخارجية ، ويحكم عليها بالعذاب المؤبد في نار غير منطفئة ، حيث يهرب كل نعيم والتذاذ وحيث لا يوجد فرح ولا نياح ، ولا غني ، ولا جاه ، ولا من يخلص من ذلك اللهيب المعد للنفوس الخاطئة ، فاذا كانت هذه الأمور هكذا ، فأي تدبير ذي امانة وقداسة ، ينبغي لنا أن نتدبر به في هذا العمر ، وأي تسبيح وأية صلوات واي تحفظ يجب ان نقتني بغير دنس وبغير عيب ، بطهارة وسلام ، لتؤهلوا لسماع ذلك الصوت المملوء فرحا القائل : " هلموا يا مباركي أبي ، رثوا الملك المعد لكم من قبل انشاء العالم " ، الدائم الي دهر الداهرين آمين .
+ أحاط أخوة بشيخ
عند وفاته ، ففتح عينيه وضحك ثلاث مرات ، المرة بعد الأخري . فقالوا له : " لماذا تضحك با أبتاه ونحن نبكي ؟ " فقال لهم : " أما ضحكي الأول فهو لأني رأيتكم تخافون الموت ، والثاني فهو لانكم رغم خوفكم منه فانكم لا تستعدون له ، أما ضحكي الثالث فهو لأني ماض من التعب الي الراحة " . وهكذا تنبح فانتفع الأخوة منه .
+ كان انسان اسمه اسطفان :
ساكنا طريق النساك ساكني البرية ، وقد أقام في مصارعة التقشف سنين عديدة ، وكانت قلايته في منحدر الجبل الذي سكنه ايليا ، وفي أواخر أيامه صعد الي ذروة الجبل في مواضع حرجة مغشوشة ليس فيها عزاء . فأقام هناك مصليا نادبا متجملا بجميع الفضائل ، فمرض مرضا قضي فيه نحبه ، وقبل موته بيوم واحد ، شخص بعقله وعيناه مفتوحتان والتفت يمنة ويسرة ، وكأن محاسبا يحاسبه والجماعة تسمع ، فكان مرة يقول " نعم هذا صحيح : ، ومرة يقول " لا ، هذا كذب " ، ومرة اخري " نعم ، الا أني صمت عوض هذا كذا وكذا وبكيت وتعبت " ، وفي أشياء أخري كان يقول : " لا هذا كذب ، لم أفعله " ، وكان المنظر مبهرا مفزعا ، وعلي هذه الصفة فارق الدنيا محاسبا ، وأما ما انتهي اليه امره ، ومصير القضية بالنسبة اليه فما أبانها .
+ سأل أخوة اثناسيوس الرسولي :
" لماذا نري قوما من الصديقين ينازعون ( عند الموت ) اياما ويحاسبون .؟ وقوما خطاة نراهم يقضون اجلهم بسكون وهدوء ؟ " .
الجواب :
" ان عرفنا جميع احكام الله فنحن اذن آلهة ، فيحسن بنا ألا نفتش تفتيشا زائدا عن مثل هذه الأحكام لأنه يتفق ان رجالا أبرارا يعاقبون في وقت نزعهم الأخير ، لنري نحن ذلك ونفزع ونخف ، كما أنه ربما كان لأولئك القديسين – بما أنهم بشر – زلة صغيرة ، فينظفون بذلك العقاب في وقت نزعهم تنظيفا تاما بليغا ، ويمضون بلا عيب أنقياء " .
+ قال القديس اغريغوريوس :
" أن هذا النزع ينظف النفوس الخارجة من العالم من الخطايا الدنية الخفيفة ، وذلك بحسب ما سمعته من رجل قديس ، حكي لي عن قديس آخر فقال : " انه لما حضرته الوفاة فزع فزعا عظيما ، وبعد موته ظهر لتلاميذه بحلة بيضاء ، دالا بذلك علي البهاء الذي حصل عليه " .
+ تحدث الآباء عن شيخ أخذت روحه ، وبعد ساعة رجعت اليه فسألوه : " ماذا أبصرت يا أبانا ؟ " فقال وهو يبكي " سمعت هناك قوما يقولون وهم باكين : الويل لي ، الويل لي " .
+ سأل بعض الأخوة شيخا قائلين :
" هل الاسم يخلص أم العمل ؟ " فقال لهمالشيخ : " أعرف أخا من الأخوة ، خطر بفكره في وقت من الأوقات أن يبصر نفسي بار ، ونفس خاطيء وقت خروجهما . فابتهل مصليا الي الله زمانا ، واذ لم يشأ الرب الصالح أن يحزنه لأجل تعبه ، حدث أن ذئبا دخل اليه في يوم من الأيام وهوجالس في قلايته . فتناول ثيابه بفمه وجذبه الي خارج القلاية ، فنهض تابعا له ، جتي أوصله الي مدينة كبيرة وتركه قريبا منها ، وانصرف . وكانت هناك قلاية لرجل راهب متوحد كبير له اسم عظيم ، فجلس عنده لينظر حال موته ، لانه كان عليلا ، فأبصر الأخ كميات كبيرة من الشمع والبخور والأطياب والأكفان الفاخرة ، وقد جيئت لدفنه ،وكان اهل المدينة يبكون عليع قائلين : " ان الله بصلاة هذا القديس يثبت مدينتنا ويرزقنا الخير ، ويصنع الرحمة للعالم أسره " ، فلما جاءت الساعة التي لا مناص منها ، كان الأخ يتأمله ، فأبصر حارس جهنم ومعه كلابه حديد ذات ثلاثة شعب متوهجة بالنار ، فوقف علي رأسه ، وسمع صوت الرب يقول : لا ترحم هذه النفس ، لانها لم تنيحني ولا يوما واحدا ، فلا ترث لها في اجتذابها ، فأنها لن تتنيح مدة الدهر " . فحط الكلابة في قلبه . وبعد اسلامه روحه ، تركه ودخل المدينة ، فأبصر اخا غريبا مطروحا في الشارع ، عليلا وليس له من يهتم به ، فجلس عنده باكيا يوما واحدا ، وفي ساعة رقاده نظر واذا بملاكين جليلين قد انحج\را لأخذ نفسه ، فنظر الملاكان الي السماء وقالا : " يارب ، ماذا تأمر عبيدك مناجل هذه النفس ، لأنها لا تشاء مفارقة جسدها ؟" ، فأرسل اليها الرب داود وكل منشدي السماء ، فلما قالوا " أرجعي يا نفسي الي موضع راحتك فان الرب قد احسن اليك " وايضا " كريم أمام الرب موت قديسيه " فمن الفرح خرجت نفس ذلك الأخ متهللة "
+ كان لأحد المتوحدين في البرية صديق علماني يبيعه عمل يديه ، ويحضر له ما يحتاجه . وكان في المدينة بالقرب منه رجل غني جدا ، ولكنه كان مذموم الطريق ، قليل الرحمة . في أحد الأيام سار العلماني الي المدينة كعادته البيع شغل المتوحد ، فوجد جنازة عظيمة ، والأسقف يتقدمها ،، وجماعة الكهنة وكل أهل المدينة . فاستخبر عن ميت تلك الجنازة ، فقيل له انه فلان الغني كبير المدينة ، فمشي مع الجنازة الي القبر ، وكان معهم شموع وبخور بكميات كبيرة ، فتعجب لذلك ، وبعد أن رجع أخذ حاجة المتوحد ومضي اليه ن فوجده ملقي علي وجهه ميتا ، والضبعة تجره من رجليه ، فبكي بكاء مرا ، والقي بنفسه الي الأرض وقال : " اني لن اقوم حتي تعرفني هذا الحكم ، فذلك الغني القليل الرحمة كان له كل ذلك المجد والكرامة في موته ، وهذا المتوحد الذي لم يزل متعبدا لك ليلا ونهارا تخرجه هذه الضبعة هكذا وتجره من رجليه ؟ " وفيما هو يقول ذلك ، ظهر له ملاكا قائلا : " ومن أنت حتي تعارض الرب وتعيب حكمه ، ولكن لأجل تعبك مع هذا المتوحد القديس ، وخدمتك له ، ها انا اعرفك السبب : أن ذلك الغني مع قلة خيره ، وقلة رحمته ، قد عمل في عمره كله حسنة واحدة مع اليقف ، والرب ليس بظالم ، فأراد ان يعوضه عنها في هذه الدنيا ، حتي لا يكون له عنده شيء ، أما هذا المتوحد القديس ، فقد كانت له زلة صغيرة ، صنعها في كل عمره ، فجوزي عنها ههنا بهذه الميتة ، حتي يكون قدام الله نقيا " ، فنهض الرجل شاكرا الله قائلا : " عادلة هي أحكامك " .