رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل حفظ الخمر (مرقس 2: 22) حوّل السيد المسيح أنظار الفريسيين والكتبة من ممارسة الصوم إلى التغير الكامل الذي يليق بتلاميذه أن ينعموا به، إذ قال " ما مِن أَحَدٍ يَجعَلُ الخَمرَةَ الجَديدَةَ في زِقاقٍ عَتيقة، لِئَلاَّ تَشُقَّ الخَمرُ الزِّقاقَ، فَتتلَفَ الخَمرُ والزِّقاقُ معاً. ولكِن لِلخَمرَةِ الجَديدة زِقاقٌ جَديدة" (مرقس 21-22). يقصد يسوع انه لا يتقبل تلاميذه الصوم في مفهومه الجديد -كخمر جديدة-في زقاق قديم، إنما ليتجدد زقاق حياتهم الداخلية فيتقبلوا الخمر الجديد. ويُعلق القدّيس بطرس خريزولوغُس " هذه الزقاق تُمثّل المسيحيّين. وحده صوم المسيح سوف يطهّر هذه الزقاق من كلّ قذارة بحيث تحفظ طعم الخمرة الجديدة سليمًا. وهكذا يُصبح المسيحي زقاقًا جديدةً جاهزةً لاحتواءِ الخمرة الجديدة، خمرة عرس الابن التي عُصِرت في معصرة الصليب (عظة عن القدّيس مرقس). ولا يمكن لمن عاش ومارس أصوامه بمظهرية طوال حياته، أن يحتمل أو يفهم متطلبات الصوم الروحي. ويُعلق القديس كيرلس الكبير "كانت قلوب اليهود زقاقًا قديمة لا تسع خمرًا جديدة، أمَّا القلب المسيحي فقد وهبه المسيح بركات روحية فائقة، فتح الباب على مصراعيه للتحلي بمختلف الفضائل السلمية والسجايا العالية". فالعمل لأجل ملكوت يسوع والدخول فيه يتطلّب منطقًا جديدًا. ولا يمكن العمل لأجل الملكوت مع صور قديمة لله البعيد عن الناس، فتلميذ المسيح لا يصوم كفرض عليه، وإنما حبًا في عريسها، وسموًا بالنفس إلى مجال الروح حتى تنتعش وتتخلص من رباط المادة. لقد صار الصوم في المسيحية تحريرًا للنفس من الأرضيات لتلتقي بعريسها في علاقة سرية سواء في الصوم والتقشف والنوح أو في الفرح والتعزية. بعد مغادرة المسيح بالجسد للأرض سيبدأ تلاميذه في الصوم ولكن بالمفاهيم المسيحية الجديدة. ولكنهم في حبهِّم للمسيح الذي أحبَّهم سيقبلون ليس فقط الصوم بل الموت. هذا هو الخمر الجديد. الحب الجديد الذي يجعلهم يصومون في فرح، ويتألمون من أجل المسيح في فرح، ويحسبون هذا الألم هبة من المسيح أن يشتركوا معه في آلامه " لأَنَّه أُنعِمَ علَيكُم، بِالنَّظَرِ إِلى المسيح، أَن تَتأَلَّموا مِن أَجلِه، لا أَن تُؤمِنوا بِه فحَسبُ"(فيلبي 1: 29). ونستنتج مما سبق إن كان قد أعلن يسوع أن تلاميذه يصومون حين يرتفع العريس عنهم، لكنهم أيضًا يصومون بفهمٍ جديدٍ يليق بالعهد الجديد. فبعد صعوده حلّ الروح القدس عليهم، فصاروا أشبه بثوبٍ جديدٍ أو زقاقٍ جديدٍ، يحملون الطبيعة الجديدة التي على صورة خالقهم، يمارسون العبادة بفكر جديد. بعد أن كان الصوم في العهد القديم حرمانًا للجسد، صار في العهد الجديد تحريرًا للنفس وإنعاشًا للقلب في الداخل. وخلاصة القول يمكن أن تشير الأمثال الثلاثة السابقة ومن الناحية الرمزية، إلى تأثير العهد الجديد على العهد القديم بالحياة المتجددة بالإيمان المسيحي. ولا يمكن ان تنحصر رسالة الانجيل الجديدة في طقوس الشريعة اليهودية القديمة كما يمارسها الفريسيون لان الديانة الجديدة هي ديانة روحية عامة، وهي ديانة النمو والحرية والحياة، فلا يمكنها ان تكون في عبودية نظام طقسي ضيق. فالصوم في جوهره تدريب للنفس، واخضاع الجسدي للروحي طواعية وباختيار "وكُلُّ مُبارٍ يَحرِمُ نَفْسَه كُلَّ شَيء، أمَّا هؤُلاءِ فلِكَي يَنالوا إِكْليلاً يَزول، وأمَّا نَحنُ فلِكَي نَنالَ إِكْليلاً لا يَزول. 26 وهكذا فإِنِّي لا أَعْدو على غَيرِ هُدً ى ولا أُلاكِمُ كَمَن يَلطِمُ الرِّيح، بل أقَمَعُ جَسَدي وأُعامِلُه بِشِدَّة، مَخافةَ أَن أَكونَ مَرفوضًا بَعدَ ما بَشَّرتُ الآخَرين" (1 قورنتس 9: 24-27). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|