07 - 03 - 2022, 02:36 PM
|
|
|
† Admin Woman †
|
|
|
|
|
|
الحية المجربة
تنسب بعض الديانات القديمة كالمانوية وجود الشر في العالم إلى مبدأين يقوم عليهما الكون:
المبدأ الصالح, وهو إله الخير. والمبدأ االشرير, وهو إله الشر.
هذان المبدأن هما في حالة صراع مستمرة ويتخذان من الكون ساحة للصراع بينهما. ففي المخلوقات يختلط الشر بالخير, والخلاص يكون بالخروج من العالم الروحي اللامادي للتحرر من الشر والدخول في العالم الروحي اللامادي.
لكن الكتاب المقدس لا يعترف إلا بوجود إله واحد كلي المحبة والخير, ويفسر وجود الحرية والإختيار عنده. أن الحرية تفترض إمكانيه الإنزلاق نحو الشر, وإلا لساد القهر والجبر أفعال الإنسان وتصرفاته, وما دام الشر مرتبطاً بالحرية والإختيار, فمعنى ذلك أنه دخيل على العالم وليس اساساً فيه. فالحرية, كقوة اختيار وتغيير, تنفي عن الإنسان مبدأ الضرورة في المجال الأخلاقي, ومثلما يقع الإنسان في الشر بسبب خيار خاطئ, فهو يستطيع الخروج منه بتصحيح الإختيار.
لذلك لا يتمتع الشر بصفة الوجود بحد ذاته, ولا ينتمي إلى بنية الخلق الأساسية. إنه متطفل عليها, ولكن كما رأينا أن الإنسان إنزلق إلى الخطية بفعل الغواية, لذلك ليس مسئولاً مئة بالمئة عن خطيئته, فهناك التاثيرات الخارجية, والحية تلعب دور هذا المؤثر الخارجي, وهي تمارس تأثيرها بالحيلة والغواية: ” الحية غرتني فأكلت ” (تكوين 13:3). الحية كما رأينا تشوه الحقائق وتزيفها. إنها الحيلة والخداع, إنها بناء وهمي يقوضه النور, فلذلك تحب الظلمة.
لكنها تمارس عملها بالغواية المرتبطة بضعف الإنسان وسعيه الدائم لملء نقصه الأساسي ككائن مخلوق بالأشياء والممتلكات والملذات, في حين أن الذى يملأ هذا النقص هو الله. فالغواية هي إقناع الإنسان عن طريق الحيلة بأن هناك أشياء يمكنها ملء هذا النقص الأساسي فيه عوضاً عن الله.
والتجربة تستند إلى نفاذ صبر الإنسان ومحاولته سد هذا النقص باللحظة الآنية. التجربة هى إلغاء للزمن وبالتالي إلغاء للوعد الذي تحمله كلمة الله, وهو الوعد الذي يفتح أفق المستقبل, في حين أن وعد المجرب آني يجعل من العلاقة بالآخ علاقة استهلاكية. أما العلاقة الحقيقية فتتطلب احترام الآخر لذاته لا السعي لإستملاكه وإستهلاكه. فالخطية هي ثمرة إنزلاق الإنسان نحو علاقة استملاكية بالله والمخلوقات تحت تأثير غواية الحية.
إن الحية تبقى نزعة شر خارجة عن الإنسان, لكنها لا تبلغ الوجود إلا من خلاله, إذ يعطيها إمكانية تجسد فى العالم, ولكن عندما يغلق الإنسان أذنيه وقلبه عنها فهي تفقد صفة الوجود. لذا فإن طبيعة الشر طفيلية لا تعيش إلا بالإستيلاء على إرادة الإنسان وحريته عن طريق الحيلة والخداع. إنها تحول قلب الإنسان إلى ساحة صراع فتخلق فيه الإضطراب والقلق وتفقده السلام الداخلي.
لكن الله لا يترك الإنسان وحيداً في هذا الصراع, والمخلص جاء لينقذ الإنسان من هذه القوى, فينتصر عليها في نهاية المطاف. ويصور الرسول يوحنا في رؤياه هذا الانتصار بقوله ” ورأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفاتيح الهاوية, وسلسلة عظيمه على يده. فقبض على التنين, الحية القديمة, الذي هو إبليس والشيطان, وقيده ألف سنة وطرحه في الهاوية وأغلق عليه ” (رؤيا 12:2). وهذا الإنتصار نرى جذوره في الوعد الذي أعطاه الله منذ لحظة السقوط, إذ تحل لعنة الرب على الحية وحدها: ” فقال الرب الإله للحية: لأنك فعلت هذا, ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جميع وحوش البرية ” (تكوين 14:3). كما أن الصراع الذي يخوضه الإنسان مع الحية المجربة يحمل في طياته رجاء الإنتصار, وتحمله البشرية من جيل إلى جيل: ” وأضع عداوة بينك وبين المرأة وبين نسلك ونسلها, هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه ” (تكوين 15:3). فالجرح الذي يصيب الإنسان في عقبه له دواء, في حين أن رأس الحية المسحوق لا شفاء له. هذا الرجاء سيحققه آدم الجديد للإنسانية التي تنتظر تحررها من عبودية الخطية, كإنتظار الولادة الجديدة التي تحمل في آلام مخاضها ساعة خلاصها:
” فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معاً إلى الآن وليس هكذا فقط, بل نحن الذين لنا باكورة الروح, نحن أنفسنا أيضاً نئن في أنفسنا, متوقعين التبني فداء أجسادنا ” (رومية 8: 22-24).
فإذا كان آدم القديم قد جمع البشرية فى الخطية, فإن آدم الجديد يجمعها في الخلاص. لذلك فقصة السقوط الأول ودخول الخطية إلى العالم لا ندرك حقيقتها إلا في ضوء الخلاص الحقيقي الذي حققه يسوع المسيح.
والولادة الجديدة هي الإنتقال من حالة آدم القديم إلى حالة آدم الجديد, والله لا يخلص البشرية بمحو البشرية القديمة, بل بإخراجها من البشرية القديمة.
فبين البشريتين يقف المسيح كجسر يدعو كل إنسان إلى العبور به.
|