رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
البابا شنودة الثالث تواضع الابن | و تواضع الروح القدس تواضع الابن 1- أول شيء يقول القديس بولس الرسول عن السيد المسيح إنه "لم يحسب خلسة أن يكون معادلًا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه.." (في2: 6-8).. أي أنه أخلى نفسه من كل مظاهر العظمة والكرامة اللائقة بلاهوته، متخذًا صورة العبد. أي تواضع يمكن أن يُوجد أكثر من هذا؟! وفي هذا التواضع حكمة التدبير الإلهي: فمادامت الخطية الأولى التي دخلت إلى العالم كانت هي الكبرياء سواء بالنسبة إلى الشيطان أو الإنسان، لذلك كان يليق بالمخلص أن يقهرها بالاتضاع.. وهكذا كان تجسده هو أعظم عمل في الاتضاع. وبه أخزى الرب تلك الكبرياء التي أغوى بها الشيطان أبوينا الأولين، بأن يصير مثل الله (تك3: 5). وردًا على أن يصير الإنسان مثل الله، صار الله في الهيئة كإنسان بتواضعه. 2- ومن اتضاع الرب أيضًا أنه وُلد في مزود بقر. في مكان حقير، ومن أم فقيرة، خُطبت إلى نجار فقير. ومن قرية كانت "الصغرى في يهوذا هي بيت لحم" (مت2: 5، 6). ولم يخجل من أن يدعى ناصريًا، بينما يُقال في استعجاب "أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟!" (يو1: 36). رضي أن يهرب من سيف هيرودس إلى مصر، بينما كان يمكنه أن يبيد هيرودس. وعاش ثلاثين سنة بعيدًا عن الأضواء. ومع أنه أقنوم الحكمة والمعرفة، "المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم" (كو2: 3)، رضى أن يُقال عنه "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لو2: 52). وطوال فترة كرازته عاش "وليس له أين يسند رأسه" (لو9: 58). بلا أية وظيفة رسمية في المجتمع، يتبعه تلاميذ بسطاء، غالبيتهم من الصيادين والجهلة. ولما ذهب إلى أورشليم، ذهب إليها راكبًا على أتان" (مت21: 5). أليس هو القائل "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس والأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم إلى أن تزول السماء والأرض، لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (مت5: 17، 18). وفي خضوعه للناموس اختتن في اليوم الثامن (لو2: 21). وفي يوم الأربعين لولادته "صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب، كما هو مكتوب في ناموس الرب" "ولكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب، زوج يمام أو فرخي حمام" (لو2: 22، 23). وحسب الناموس لم يبدأ خدمته الرعوية إلا في الثلاثين من عمره. وحسب السن الناضجة المفروضة في أي إنسان. مع أنه قيل عنه وهو في الثانية عشرة من عمره، وجدوه في الهيكل "جالسًا في وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم. وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه ومن أجوبته" (لو2: 46، 47). كانت تلك معمودية التوبة. وما كان هو محتاجًا إليها وهو القدوس (لو1: 35) الذي في تجسده شابهنا في كل شيء ما عدا الخطية. وقد قبل المعمودية من أحد خدامه، أعني يوحنا الذي حاول أن يعتذر عن ذلك قائلًا له "أنا المحتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليّ! فأجابه في اتضاع "اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر" (مت3: 14، 15). يقصد بر الناموس، وقد خضع له تواضعًا.. وليست تجربة واحدة بل ثلاث مرات على الجبل. وبلغ من عمق اتضاعه وإخلائه لذاته، أن الشيطان "أخذه إلى جبل عالٍ جدًا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها. وقال له "أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي" (مت4: 8، 9). يا لجرأة الشرير ووقاحته في استغلاله لتواضع الرب. لذلك بعد أن ردّ الرب عليه بما هو مكتوب، أنتهره قائلًا "اذهب يا شيطان". فذهب. ولكن القديس لوقا يقول في ذلك "ولما أكمل إبليس كل تجربة، فارقه إلى حين" (لو4: 13). أي رجع بعدها! قال عنه القديس بولس الرسول إنه "وضع نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب" (في2: 8)، وهو قال عن نفسه لتلاميذه "لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم.. طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني، وأتمم عمله" (يو4: 22، 24). وقال لليهود "الحق الحق أقول لكم: لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا، إلا ما ينظر الآب يعمله.." (يو5: 19). وقال للآب "لتكن لا مشيئتي بل مشيئتك". وقال "ليس كما تريد أنت" (مت26: 39). قيل في طفولته، بالنسبة إلى علاقته بمريم العذراء ويوسف النجار: "وكان خاضعًا لهما" (لو2: 54). أنه درس لنا، هذا الذي كانت الملائكة خاضعة له" (مر1: 13) (1بط3: 22). هؤلاء الذين كان الكتبة والفريسيون يحتقرونهم ويترفعون عن مخالطتهم. ولكن الرب اختار واحدًا من هؤلاء (متى) ليكون له تلميذًا. وبهذه المناسبة اتكأ في وليمة أعدها أولئك العشارون، حتى أنتقده الفريسيون (مت9: 9- 11). فأجاب الرب في اتضاعه "أني أريد رحمة لا ذبيحة. لأني لم آتِ لأدعو أبرارًا إلى التوبة" (مت9: 13). وهكذا أيضًا دعا زكا العشار ودخل إلى بيته. ومن تواضعه أنه اتكأ في بيوت أعدائه من الفريسيين، كزيارته لبيت سمعان الفريسي وسماحه للمرأة الخاطئة أن تلمسه وتمسح قدميه بشعرها، مما أثار شك ذلك الفريسي (لو7). وكان يدعو نفسه ابن الإنسان، أو ابن البشر، في كثير من المناسبات. وقد قيل عنه في وداعته إنه كان "لا يخاصم ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت12: 19، 20). مثل رفضه تحويل الحجارة إلى خبز، ورفضه أن يلقي نفسه من جناح الهيكل، فتحمله الملائكة على أجنحتها (مت4). ولما طلب منه اليهود أن يروا آية منه كموضوع للفرجة Showy، قال لهم "جيل شرير وفاسق، يطلب آية ولا تُعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض.." (مت12: 39). موجهًا أنظارهم إلى موته، لا إلى معجزاته. عملهم هم هو الذي يظهر. أما نعمة الرب العاملة فيهم، فلا يراها أحد. وقد كشف لنا هذا الأمر القديس بولس الرسول حينما قال: "ولكن بنعمة الله أنا من أنا. ونعمته المعطاة لي لم تكن باطلة، بل أنا تعبت أكثر من جميعهم. ولكن لا أنا، بل نعمة الله التي معي"(1كو15: 10). شُتم ولطم، وأهين، وجلد، واُتهم ظلمًا. وقبل كل ذلك دون أن يدافع عن نفسه.. ودون أن يرد عليهم شرهم. وقد قيل عنه "ظُلم. أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاه تساق إلى الذبح"(أش53: 7). وصُلب بين لصين "وأحصي مع آثمة" (أش 53: 12). "هذا الذي لم يعرف خطية، جُعل خطية لأجلنا" (2كو5: 21). حَمل خطايا العالم كله."كلنا كغنم ضللنا. ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وَضع عليه إثم جميعنا. ونحن حسبناه مصابًا ومضروبًا من الله (أش 53: 4، 6). وهكذا صُلب كفاعل إثم وهو البار. ورضي أن يكون أمام الآب ذبيحة خطية. 15- ومن تواضعه أنه جعل صلبه واضحًا أمام الناس كلهم. بينما قيامته الممجدة لم يظهرها إلا لأفراد قلائل! وكان يمكن أن تكون تلك القيامة واضحة للكل، بطريقة مبهرة ترد إليه اعتباره أمام اليهود. ولكنه في اتضاعه لم يفعل ذلك. وترك لتلاميذه أن يبشروا بقيامته وسط شكوك أثارها اليهود.. وقال "تعلموا مني، فإني وديع ومتواضع القلب" (مت11: 29). فجعل أهم ما نتعلمه منه هو الاتضاع. وفي عظته على الجبل، أعطى الطوبى الأولى للمسكنة بالروح. ثم أعطى الطوبى للودعاء (مت5). تواضع الروح القدس 17- من تواضع الروح القدس أنه يعمل كل شيء في بناء الكنيسة في سرية واختفاء. فتسمى أعماله هذه بالأسرار الكنسية. يلد الإنسان الجديد في المعمودية، ويمنحه المغفرة والبنوة دون أن يظهر. وكذلك في سر الميرون يسكن في المؤمن دون أن يظهر. وبالمثل يغفر الخطايا من فم الكاهن دون أن يظهر. وهكذا في باقي أسرار الكنيسة. 18- ومن تواضع الروح القدس إنه يتكلم من أفواه الرسل، وينطق في الأنبياء دون أن يظهر أيضًا. كما قال السيد المسيح لتلاميذه".. لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم هو الذي يتكلم فيكم" (مت10: 20). ولكن الظاهر طبعًا أمام الناس أن الرسل يتكلمون. أما عمل الروح فهو في الخفاء. كذلك قيل عن النبوءات "لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (2بط1: 21). ولكن عمل الروح القدس لا يراه أحد. بل يسمعون النبوة من إنسان. كما قال السيد المسيح لتلاميذه القديسين "لكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم. وحينئذ تكونون لي شهودًا.." (أع1: 8). والناس كانوا يرون قوة شهادة الرسل ويمدحونهم ويتأثرون بهم. أما عمل الروح القدس فيهم، فكان اختفاء، لا يرونه. والناس يرون أصحاب المواهب، ويعجبون بهم ويمتدحونهم. بينما من جهة هذه المواهب كلها يقول الكتاب "لكن هذه كلها يعملها الروح الواحد بعينه، قاسمًا لكل واحد بمفرده كما يشاء" (1كو12: 11). ولكن الظاهر هو أصحاب المواهب. أما الروح فعمله في اختفاء.. اقرأ التاريخ كله، وما يحمله من تمجيد لأبطال الإيمان وللكارزين، وآباء الرهبنة، ومعلمي البيعة، بل لقديسي التوبة أيضًا، نرى أن التاريخ يمجدهم ويرفع شأنهم. بينما يرجع الفضل كله إلى عمل الروح فيهم - ذلك الذي عمله الروح تواضعًا في اختفاء.. كما يقول الرسول "أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل الروح القدس الذي فيكم.." (1كو6: 19) وأيضًا "أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم" (1كو3: 16). من نحن التراب والرماد؟ وما هي أجسادنا؟ حتى يسكن فيها روح الله؟! أليس هذا تواضعًا منه؟! يحتملنا ونحن نحزن الروح (أف4: 30)، ونطفئ الروح (1تس5: 19)، ونقاوم الروح (أع7: 51) بل نرفض الشركة مع الروح بخطايانا! فليرحمنا الله، وليجدد روحه فينا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|