رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
يسوع هو المسيح (لوقا 3: 15) يبين لنا نص إنجيل لوقا أنَّ يسوع ليس فقط نبي بل هو المسيح المنتظر. "كانَ الشُّعبُ يَنتَظِر، وكُلٌّ يَسأَلُ نَفسَه عن يوحَنَّا هل هو الـمَسيح" (لوقا 3: 15). لفظة "المسيح" مشتقة من اللغة العبرية والآرامية، (המָשִׁיחַ (معناها المسيا)، وأمَّا اللفظة اليونانية فهي Χριστός أي المسيح وتعني الممسوح. ويُعلق القديس ايرينيوس " أنَّ في اسم المسيح يُضمَر من مَسَح، ومن مُسِح، والدهن الذي به مُسح: الماسح هو الآب، والمسموح هو الابن، وقد مُسح بالروح الذي هو الدُّهن" (الرد على الهرطقات 3:18،3). يشير الاسم إلى ربط شخص المسيح برجاء أبناء الشعب العبري في العهد القديم والعهد الجديد. في العهد القديم كانت لفظة المسيح (الذي مسح) تنسب إلى الملك والنبي والكاهن. وكانت المسحة الإلهية تُكرّس الملوك من أجل رسالة مرتبطة بقصد الله نحو شعبه. وبفضل المسح بالزيت الذي يرمز إلى تقليد السلطة من قبل روح الله (1 صموئيل 9: 16، 13)، كان الملك يُكرس لوظيفة تجعل منه نائب الله في إسرائيل كما هو الحال في شان شاول الملك (1 صموئيل 9، 10) وداود الملك (2 صموئيل 2: 4، 5: 3) وسليمان الملك (1 ملوك 1: 39) ومن ارتقوا من ذريته إلى السلطة الملكية (2 ملوك 11: 12، 23). بهذه المسحة يصبح الملك "مسيح الله" (2 صموئيل 19: 22)، وبالتحديد شخصاً مُكرساً يجب على كلّ مؤمن أن يُقدِّم له إكراماً دينياً (1 صموئيل 24: 7). لم يكن المسح عادة للأنبياء المكرّسين لوظيفتهم بمسح الزيت، إلا بطريقة عارضة. مثلا أن الله أمر إيليا بأن "يمسح أليشاع نبياً بدلاً منه" (1 ملوك 19: 16). وفي الواقع، فإن مسح الروح هذا الذي يحصل عليه النبي هو ما يتحدث عنه أشعيا (61: 1)، عندما كرّسه هذا المسح ليُعلن البشرى السارة للفقراء " رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء" (لوقا 4: 18). وقد أطلق مرة لفظ "مسحاء" على أعضاء شعب الله بصفتهم "أنبياء الرب " (مزمور 105: 15). أمَّا مسح الكهنة فيعود إلى ما بعد السبي فكان يُمنح المسح عظيم الأحبار (خروج 29: 7). ومنذ ذلك العصر يصبح عظيم الأحبار الممسوح "المسيا" في زمانه (الأحبار 4: 3). ويشمل المسح أيضا جميع الكهنة (خروج 28: 41). يعطي إذن الفكر اليهودي عن الأزمنة الأخيرة مكاناً هاماً لانتظار المسيح: مسيح ملك ينتظره الجميع، ومسيح كاهن في رأي بعض الأوساط اليهودية. ولكن مواعيد الكتب المقدّسة لا تنحصر في هذه المسيحانية بأحلام نهضة سياسية، بل تعلن أيضاً تأسيس ملكوت الله على يد يسوع المسيح. في العهد الجديد بشَّر الملاك الرعاة بميلاد يسوع على انه المسيح الذي وعد به إسرائيل: "وُلِدَ لَكُمُ اليَومَ مُخَلِّصٌ في مَدينَةِ داود، وهو الـمَسيحُ الرَّبّ" (لوقا 2: 11). وقد وظهر تكريسه المسيحاني الأزلي في حياته الأرضية في أثناء اعتماده على يد يوحنا المعمدان "اللهَ مَسَحَه بِالرُّوحِ القُدُسِ والقُدرَة" (أعمال الرسل 10: 38) "لِكَي يَظهَرَ أَمْرُه لإِسْرائيل "(يوحنا 1: 31) على انه مسيحه. أدهش الناس بقداسته وسلطته وقدرته موقف معاصري الذين أخذوا يتساءلون قائلين: "أَتُراهُ المَسيح؟" (يوحنا 4: 29، 7)) وألحُّوا عليه في أن يُعلن هو بصراحة عن نفسه "إِن كُنتَ المَسيح، فقُلْه لَنا صَراحَةً" (يوحنا 10: 24). وانقسم الناس إلى قسمين تجاه يسوع بكونه المسيح كما ورد في إنجيل يوحنا "فوقَعَ بَينَ الجمَعِ خِلافٌ في شأنِه" (يوحنا 7: 43). فمن جهة، اتفقت السلطات اليهودية على أن تطرد من المجمع كل من يعترف بأن يسوع هو المسيح (يوحنا 9: 22). ومن جهة أخرى، اعترف الكثيرون صراحة بأنه هو المسيح، أوّلهم تلاميذه، (يوحنا 1: 41)، ثم مرثا في الوقت الذي أعلن أنه القيامة والحياة (يوحنا 11: 27). وأخيرا يضفي جواب بطرس "أنت المسيح" طابعاً رسمياً خاصاً (مرقس 8: 29). لكن هذا الجواب، ما يزالُ ناقصاً، لأن لقب "المسيح" معرّض أن يُفهم في إطار تطلع إلى مَلكٍ زمنيٍ سياسيٍ (يوحنا 6: 15). لم يطلق يسوع على نفسه لقب "المسيح" سوى مرة واحدة، وذلك في حواره مع المرأة السامرية: "إِنِّي أَعلَمُ أَنَّ المَشيحَ آتٍ، وهو الَّذي يُقالُ لَه المسيح، وإِذا أَتى، أَخبَرَنا بِكُلِّ شَيء". قالَ لَها يسوع: "أَنا هو، أَنا الَّذي يُكَلِّمُكِ" (يوحنا 4: 25-26). وفي الواقع، كان يسوع يحظر الشياطين أن يعلنوا أنه هو المسيح (لوقا 41:4). ولكنه، بعد اعتراف بطرس، أوصى الاثني عشر، ألا يُخبروا أحداً بأنه المسيح (متى 16: 20). قَبِلَ يسوع لقب "المسيح" الذي كان من حقه (يوحنا 4: 25-26)، ولكن لا على سبيل الإطلاق، لان فئة من معاصريه كانوا ينظرون إلى هذا اللقب نظرة بشرية سياسية في جوهرها (متى 22: 41-46). لذا شرع يسوع في تنقية مفهوم فكرة "المسيح". فعندما كان الناس يقولون ليسوع "أنت المسيح"، يجُيبهم: على ابن الإنسان أن يتألم، وهكذا يربط بين فكرة المسيح وإعلان الآلام والقيامة (متى 16: 16). ولم ينكر يسوع هذا اللقب في محاكمته الدينية واستحلاف عظيم الأحبار له بل أعطاه معناً متسامياً، أنه هو ابن الإنسان المزمع أن يجلس عن يمين الله (متى 26: 63-64). وبدأ هذا الاعتراف مع بدء آلامه. وكان هذا الاعتراف سبب الحكم عليه كما أكده عَظيمُ الكَهَنَة: "أَستَحلِفُكَ بِاللهِ الحَيّ لَتَقولَنَّ لَنا هل أَنتَ المسيحُ ابنُ الله"، فقالَ له يسوع: "هو ما تقول" (متى 26: 65-66). فلم يعد لقب المسيح مجال لمجد زمني، إنما في المجال الروحي. لم تتردد الكنيسة من إعلان لقب "المسيح"؛ فإنها على ضوء قيامة يسوع قامت بإعلان أنَّ يسوع هو المسيح Χριστός (خرستوس). ويظهر يسوع هكذا باعتباره ابن داود الحقيقي كما ورد في نسبه كما ورد في إنجيل متى "نَسَبُ يَسوعَ المسيح اِبنِ داودَ ابنِ إِبْراهيم (متى 1: 1)، حُبل به بقوة الروح القدس كما بشّر الملاك مريم العذراء" (لوقا 1: 35) ليرث عرش داود أبيه (لوقا 1: 32) ويقود إلى غايته هذا الملك، بتأسيسه ملكوت "الله على الأرض" وذلك عن طريق قيامته من بين الأموات لذلك لم يتردد بطرس الرسول بعد قيامة يسوع أن يُعلن أمره أمَّام شعب الله " فَلْيَعْلَمْ يَقينًا بَيتُ إِسرائيلَ أَجمَع أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا " (أعمال الرسل 2: 36). ونستنتج مما سبق أنه بعد قيامة يسوع فقط، استطاع التلاميذ أن يفهموا ماذا ينطوي عليه هذا اللقب: "أمَّا كان يجب على المسيح أن يعاني هذه الآلام فيدخل في مجده؟" (لوقا 24: 26)؛ لأنه كما ورد في الكتب المقدّسة، "كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث، وتُعلَنُ بِاسمِه التَّوبَةُ وغُفرانُ الخَطايا لِجَميعِ الأُمَم" (لوقا 24: 46 -47). لقد أصبحت تسمية " المسيح" في زمن الرسل اسم علم ليسوع. ولم تتردّد الكنيسة الأولى في الاعتراف ليسوع بأرفع الألقاب، ألا وهو لقب الرب كما جاء في عظة بطرس السول الأولى "أَنَّ يَسوعَ هذا الَّذي صَلَبتُموه أَنتُم قد جَعَلَه اللهُ رَبًّا ومَسيحًا (أعمال الرسل 2: 36)، و"المسيح الرب" (لوقا 2: 11)، و"ربنا يسوع المسيح"(أعمال 15: 26)، وهو ابن الله بالمعنى الحصري (رومة 1: 4)، وهو الإله الحق (رومة 9: 5). ولم يعد أيضا لقب المسيح بالنسبة إلى بولس الرسول لقباً من الألقاب، بل أصبح اسم علمٍ خاصٍ دون أل التعريف "فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب" (1 قورنتس 1: 23) ولذا تقوم بشارة بولس بمثابة إعلان أيضاً عن المسيح المصلوب الذي مات من أجل قوم كافرين " لَمَّا كُنَّا لاَ نَزالُ ضُعَفاء، ماتَ المسيحُ في الوَقْتِ المُحدَّدِ مِن أَجْلِ قَوْمٍ كافِرين "(رومة 5: 6-8). وأخيرا يجمع لقب المسيح في ذاته كلّ الألقاب الأخرى، ويحمل كلّ الذين خلّصهم المسيح، بحق، اسم "المسيحيين" (أعمال 11: 26). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|