رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
هرب القديس بينوفيوس ذات يوم من الدير دون أن يشعر به أحد، متنكرا في زى علماني وسار جنوبًا حتى وصل إلى أحد أديرة القديس باخوميوس الكبير في إسنا وطرق الباب طالبًا أن يقبلوه في الدير فنظروا إليه في احتقار. من هذا الرجل الشيخ الذي أتى ليترهب؟ وقالوا له: "انك أتيت بعد أن تمتعت بملاذ العالم وشبعت من الدنيا، وكذا شبعت الدنيا منك. هل تأتى في آخر الأيام وتترهب وتعمل قديسا؟ انك لا تصلح، فارحل عنا "وألح القديس بينوفيوس عليهم فرفضوا وقالوا له "أنت رجل شيخ، ولا تحتمل الرهبنة وجهاداتها "فظل يلح ووقف على الباب مدة رغم رفضهم دون أكل أو شراب. فعندما رأوا احتماله وصبره، أدخلوه الدير على شرط ألا يرسم راهبا، ويكون في زى العلمانيين، يخدم في الدير وأسندوا إليه مساعدة الراهب الشاب المسئول عن حديقة الدير، ليكون كصبي عنده، فلم يمانع وأخذ الشاب يوجه إليه أوامر يعمل بها فكان مطيعًا خاضعًا. وتحول القديس الذي كان يحترمه الناس ويطيعونه إلى تلميذ.. لكنها كانت أمنيته إذ أراد أن يغير حياته الداخلية ويكون خاضعا لغيره وليس غيره إن يربى الشيخ تربية صحيحة، لان الرهبنة ليست كسلا. وصار القديس يطيعه طاعة كاملة وينفذ أوامره بكل دقة، لا يجادل ولا يناقش. وسار على هذا المبدأ مدة، وسر به الشاب. وأيضًا كان يقوم في ساعة متأخرة من الليل – حيث الرهبان جميعهم نيام – ويعمل الأعمال التي كان يشمئز منها الآخرون لقذارتها. فإذا استيقظوا في الصباح، يجدون كل شيء قد تم دون أن يعرفوا من الفاعل فيبتهجون ويباركوا الرب من أجل ذلك. أما هو فكان مسرورًا بهذا العمل.. وظل على هذا الطقس مدة ثلاث سنوات. يقول:
"أشكرك يا رب من أجل عطاياك ونعمك العظيمة، فلا احترام ولا تقدير ولا توقير، بل طاعة وأوامر". ثم بعد ذلك أتى لزيارة هذا الدير راهب من أديرة البرلس ورأى القديس بينوفيوس يحمل السباخ ويضعه حول الشجر. فشك في نفسه ولم يصدق أنه هو. وأخيرًا سمعه يتلو المزامير بصوته المعهود، فعرفه وسجد له وكشف الموضوع فأخذوه بمجد عظيم وأرجعوه إلى ديره. ثم بعد ذلك هرب أيضًا إلى بيت لحم وعمل خادمًا في قلاية يوحنا كاسيان، وتصادف أن ذهب راهب آخر لزيارة القديس وعندما قابله عرفه فأعادوه مرة ثانية باحترام أيضًا إلى الدير وزاره يوحنا كاسيان عند مجيئه لمصر وكتب عنه في مؤلفاته. إنه مثال حي للهروب من الرئاسات. فالذي يريد أن يخلص من مديح الناس والكرامة يجب أن يهرب من الرئاسات والمناصب لأنها لا تخلص النفس في اليوم الأخير. فلا تبحث عن الرئاسات والمناصب لأنها تشعرك أنك شيء في ذاتك. إذا نجحت فيها دخلك حب المديح والكرامة وإذا فشلت ربما تقع في دينونة كثيرة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|