رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إن تتكلَّمْ على “التّحرير” يَظُنَّ مَن يسمعك أنّك تطرح موضوعًا سياسيًّا. ممَّ تتحرّر؟ في عالم السّياسة، من القمع والتّسلّط والاستبداد! كيف؟ عادة، بالثّورة، بالمقاومة، بالقوّة، بالعنف، بالقتل… غاندي، الّذي حرَّر الهند بـ”اللاّعنف” حالة قلّما نألفها في العالم، على سموِّها. القاعدة الشّائعة أن ما أُخِذ بالقوّة لا يُنتزع إلاّ بالقوّة. السّيف بالسّيف! مستحيل أن تجد نظامًا سياسيًّا لا يتعاطى، باسم “المثل العليا”، بعضًا من القهر والقمع! طبعًا، هذا يأتي تحت تسميات مشروعة: الحفاظ على دولة القانون، صون الأمن، سلامة المواطنين، حقوق الشّعب، مجتمع الحرّيّات الخ… على هذا ليس نظامٌ سياسيّ مثاليًّا. “المدينة الفاضلة” تمنّيات لا واقع معيش. هناك دائمًا الرّأي والرّأي الآخر. ثمّ بين الشّعارات والإيديولوجيّات، من ناحية، والممارسة السّياسيّة، من ناحية أخرى، هوّة مستحيلٌ ردمُها. مهما كانت الضّوابط القانونيّة مرهَفة فإنّها أعجزُ من أن تضبط نزعات التّفلّت عند الإنسان. ليس أحد صالحًا بالسّليقة. في سِفر التّكوين “أن تصوّر قلب الإنسان شرّير منذ حداثته” (8: 21). بناء عليه، في السّياسة تتعاطى التّحرير كما في حلقة مفرغة: تسعى لأن تتحرَّر بالقوّة ممّن يتسلّط عليك بالقوّة. تفعل ذلك باسم العدالة والحرّيّة والمساواة. ومتى تسنّى لك أن تطيح المستبِدَّ بك، تهتمّ بقمع مَن يخالفك الرّأي والموقف، صونًا لما تحسبه عدالة وحرّيّة ومساواة. فيأتي مَن لا يطيق الانضواء تحت لوائك ويتّهمك بالاستبداد ويسعى إلى التّخلّص منك باسم العدالة والحرّيّة والمساواة، كما يراها هو. وهكذا تجدك، من حيث لا تدري، في موقع مَن حسبْتَه قهّارًا، فأطحته؛ كما تجد سواك ينادي بما سبق أن ناديت أنت به لما كنتَ مقهورًا، ويعمل على إطاحتك كمستبدّ. ثمّ يأتي مَن يطيح مَن أطاح بك تحت جنح الشّعارات عينها، أو تكاد، وهكذا دواليك. الوجوه، فقط، تتغيَّر، والحلقة، بعامّة، تبقى إيّاها! الأرشمندريت توما (بيطار)، رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي، دوما – لبنان |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|