رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيف يقبل السيد المسيح عشارًا خاطئًا ليكون تلميذًا له (مر 2: 14)؟.. سمع لاوي العشار تعاليم السيد المسيح فحركت أعماقه، ولا سيما بعض العبارات التي تلمس حياته مثل قول المعلم الصالح: " فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا وَمَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أَجْلِي وَمِنْ أَجْلِ الإِنْجِيلِ فَهُوَ يُخَلِّصُهَا. لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ الْعَالمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ" (مر 8: 35 - 36)، وكاشف الخبايا وفاحص القلوب والكُلى رأى هذا فدعاه، وعندما دعاه بكلمة واحدة ترك كل شيء وتبعه: " اتْبَعْنِي. فَقَامَ وَتَبِعَهُ" (مر 2: 14). ويقول "الأب متى المسكين": " ويُلاحظ أن دعوة لاوي "اتْبَعْنِي" قبلها في الحال فقام وتبعه. وهذه الاستجابة أهَّلته بالفعل أن يكون تلميذًا ورسولًا، وبهذا يُعتبر لاوي - متى - أقوى من كرَّم الدعوة في الحياة المسيحية، خاصة أنه كان يتعامل مع المال بإغراءاته وهمومه ومتعلقاته التي لا تنتهي. كيف قطع كل شيء وقام ولم ينظر وراءه. على هؤلاء قامت المسيحية بل قام ملكوت الله" (257).
كان التعامل مع العشارين خط أحمر لا يجرؤ إنسان أن يتغافله دون أن يقع تحت لوم وتبكيت المجتمع له، فجاء السيد المسيح ولم يلتفت لهذا اللوم وذاك التبكيت من القيادات الدينية وكسر هذا الحاجز وحطم الخط الأحمر، والتقى بهؤلاء الخطاة والعشارين لأنه يعلم ما بداخل كل إنسان، حتى قالوا عنه: " هُوَذَا إِنْسَانٌ أَكُولٌ وَشِرِّيبُ خَمْرٍ مُحِبٌّ لِلْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ" (لو 7: 34). لقد سبق وقال عنه إشعياء النبي: " رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ" (إش 61: 1) (لو 4: 18، 19).. لقد جاء إلى العالم ليُفرِح القلوب التي كسرتها الخطية والنفوس الحزينة، جاء ليدعو الخطاة والعشارين إلى وليمة العُرس السمائي، وصنع أول معجزاته في عُرس قانا الجليل، فكيف يُلام لأنه أختطف نفسًا من أنياب الشيطان. يقول "القديس كيرلس الكبير": " كان لاوي عشارًا يهيم وراء الكسب المرذول لا حد لجشعه الممقوت، يزدري بقانون العدل والإنصاف حبًا في تملك ما ليس له، فهذه الخُلق الذميمة أشتهر بها العشارون إلَّا أن المسيح أختطف أحدهم وهو غارق في بحر الأثم والرذيلة، ودعاه إليه وأنقذه وخلصه إذ قيل: "فَقَالَ لَهُ اتْبَعْنِي. فَتَرَكَ كُلَّ شَيْءٍ وَقَامَ وَتَبِعَهُ" (لو 5: 27، 28). فما أصدق بولس المغبوط وهو يصف المسيح بأنه: "جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ" (1تي 1: 15) أفلا ترون كيف أن كلمة الله الابن الوحيد وقد أخذ لنفسه جسدًا يرد إلى نفسه عبيد أبليس وممتلكاته" (258). رأى الكتبة والفريسيون في هذا الرجل العشار أنه خاطئ مكروه ومنبوذ ومرذول، أما السيد المسيح فاحص القلوب والكُلى فقد عرف أنه سيضحي بكل شيء من أجل تبعيته له، سيترك عمله ووظيفته، فهو ترك أكثر مما ترك بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا، ويقول "وليم باركلي": " لقد كان سهلًا على بطرس ويعقوب ويوحنا أن يرجعوا إلى عملهم، فالسفينة والشبكة والبحيرة موجودة، أما متى فكان كمن أحرق كل سفنه وحطم الكباري من وراءه، لكي لا يرجع إلى الوراء، حدث هذا في لحظة تصميم حاسمة، ترك كل شيء وإلتصق بيسوع.. ولم يكن متى مخطئًا في عمله هذا.. أنه ترك كل شيء ماعدا شيئًا واحدًا: قلمه.. أسلوبه المنظم وعقله الرياضي المرتب ساعداه على جمع تعاليم يسوع في مجموعات جميلة تعتبر أمجد ما كتب إنسان" (259). وصدق اختيار السيد المسيح، فهوذا متى التلميذ المُخلص، والخل الوفي، والرسول الباذل المعطاء الذي ذهب إلى الحبشة والهند ينقل لهم النور الإلهي، الذي كتب بشارته وما زال يكرز بواسطتها يومًا فيومًا، الشهيد العظيم.. فأي مجد هذا. ← انظر باقي سلسلة كتب النقد الكتابي هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت للمؤلف. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|