الهرب إلى مصر
13. فلمّا ذهبت المجوس، غير مبالين بوصيَّة هيرودس أن يرجعوا إليه، فمن بعد أربعين يومًا من ولادة العذراء قُدِّم المسيح إلى الهيكل على ذراعَي سمعان. وبعد الإقامة في الناصرة بعض أشهر، ظهر ملاكُ الربِّ في الحلمِ ليوسفَ قائلاً له: "قُمْ فخذِ الصبيَّ وأمَّه واهرُبْ إلى مصر ، وكنْ هناك حتّى اليومَ الذي أقولُ لكَ، لأنَّ هيرودسَ عتيدٌ أن يطلبَ الصبيَّ ليُهلكَه". إنَّ الله قد أراد أن يهرب ابنه إلى مصر بسبب ظلم هيرودس، ليعطي المصريّين عربون المصالحة العتيدة بعد أن أنزل بهم الضربات في أيّام وجود الإسرائيليّين في مصر، وقد كان هناك ألوف عديدة من اليهود لا سيَّما في إليوبوليّ حيث كان لهم هيكل شبيه بهيكل أورشليم وكان سهلاً على الطفل أن يختبئ بينهم. وكان هربه إلى مصر لا إلى غيرها، لأنَّ مصر أقرب إلى اليهوديَّة من أثور أو مملكة أخرى، ولأنَّ إبراهيم ويعقوب ويوسف وبني إسرائيل سكنوا مصر مدّات طويلة. ودعاهم الله منها بواسطة موسى، وكان ذلك مثالاً لدعوة المسيح إلى مصر. ولأنَّ مصر كانت مشحونة بالأوثان والمنحوتات فدخلها المسيح ليطهِّرها من أدناسها. وكتب إيرونيمُوس* وبلاديوس* وغيرهما أنَّ الأصنام سقطت في مصر عند دخول المسيح إليها.
14. فقام يوسفُ وأخذَ الصبيَّ وأمَّه ليلاً وهربَ إلى مصر. تظهر من ذلك طاعة يوسف حالاً. وارتأى أنسلموس* أنَّ المسيح سكن في مصر في مدينة اسمها إليبوليّ أي مدينة الشمس. وهربُ المسيح هذا لم يكن من قبل الخوف بل من قبل الفطنة والشجاعة.
15. وكان هناك حتّى ماتَ هيرودس. وكان موته في فصح السنة التابعة على رأي بعضهم، وقد اختلفوا على مدَّة إقامة المسيح في مصر. فقال بعضهم: رجع في السنة الثالثة بعد مضيِّه إليها، وغيرهم في السنة الخامسة، وغيرهم في السابعة وغيرهم في الثامنة. ورجوع الطفل من مصر إلى اليهوديَّة بعد أمر الله كان واسطة، ليتمَّ - لكن بالمعنى الرمزيّ- ما قيل من الربِّ بالنبيّ هوشع القائل (11: 2): من مصرَ دعوتُ ابني. وقد تنبَّأ النبيّ بذلك بالمعنى الحرفيّ على نجاة الشعب الإسرائيليّ كلِّه من عبوديَّة مصر.