شجرة جيّدة، ثمرة جيّدة
آ33. إمّا صيِّروا الشجرةَ جيِّدةً وثمرتَها جيِّدة، وإمّا صيِّروا الشجرةَ رديئةً وثمرتَها رديئة. كأنَّه يقول: إنَّكم تمدحون أعمالي وتذمُّوني. فلكي تتكلَّموا كلامًا لا تناقُض فيه، من الضرورة أن تُقرُّوا، إمّا بأنَّ المبدي مصدر عجائبيّ وهو الروح القدس هو جيّد، هذا إذا بانت عجائبي لكم جيِّدة وممدوحة، وإمّا بأنّ المبدأ المصدرها هو الشيطان وهي رديئة، لأنَّ الشجرةَ تُعرفُ من الثمرة. لكنَّكم تقبلون كلَّ نظام فتمدحون العجائب وترذلون مبدأها بنسبتكم إيّاها إلى بعلزبوب. كذا فسَّر إيلاريوس* وفم الذهب* وغيرهما، وعلى هذا التفسير، الشجرة كناية عن المسيح. ارتأى أغوسطينوس* وملدوناتوس* أنَّ الشجرة كناية عن الفرّيسيّين، فيكون المعنى: إذا شئتم أن تكونوا وتُعتَبروا جيِّدين فاصنعوا أعمالاً جيِّدة وامدحوا الأعمال الحسنة كعجائبي. وإن صنعتم أعمالاً رديئة كما تصنعون بذمِّكم أعمالي الإلهيَّة، فيلزم أن تُقرُّوا أنَّكم تهامون وأردياء، والتفسيران محتمَلان. وفهم مار إيرونيموس* بالشجرة الشيطان الذي كان الكتبة والفرّيسيّون ينسبون إليه أعمال المسيح وعجائبه. فكأنَّه يقول: إن كنتم تمدحون أعمالي وتنسبونها إلى الشيطان فتمدحون الشيطان أيضًا.
آ24. يا أولادَ الأفاعي. مرَّ تفسيره في 3: 4. كيف تقدرون أن تتكلَّموا بالصلاح عنّي وعن أعمالي، وأنتم أشرار. وليس المعنى أنَّهم لا يستطيعون على الألطاف أن يتكلَّموا بالصلاح، فالأشرار ينطقون أحيانًا بشيء من الصلاح، لكنَّه يتكلَّم على ما يحدث غالبًا. فدأب الأشرار أن يتكلَّموا بالشرِّ، ودأب الأخيار أن يتكلَّموا بالخير، لأنَّ الفم يتكلَّم من فضل ما في القلب، أي بحسب الأفكار والانعطافات المفعم بها القلب.
آ35. الرجلُ الصالحُ يُخرِجُ الصلاحَ من كنزِه الصالح، والرجلُ الشرّيرُ يُخرِجُ الشرَّ من كنزِه الشرّير. يفسِّر المخلِّص فضل القلب بالكنز فيقول: إنَّ الإنسان الصالح يُخرج الكلام والأفعال الصالحة من كنز الأفكار والأميال الصالحة المكنون بنفسه، والرجل الشرّير يُبرز الكلام والأفعال الشرّيرة من كنز الانعطافات الشرّيرة الذي يكنُّه ضميره.
آ36. فأقولُ لكم: إنَّ كلَّ كلمةٍ بطّالةٍ يتكلَّمُ بها الناس يُعطون عنها الجوابَ يومَ الدين. الكلمة البطّالة هي التي لا إفادة منها للمتكلِّم أو السامع، كما قال باسيليوس* وغريغوريوس* وبرنردس*. فإن كانت الكلمة البطّالة لا بدَّ من إعطاء الجواب عنها يوم الدين، فكم من الصرامة بأداء الحساب عن التجاديف ضدَّ الروح القدس بالبرهان ممّا سفل إلى ما علا. والوجه في لزوم إعطاء الجواب عن كلِّ كلمة بطّالة، هو أنَّ الله خلق الإنسان لأجل ذاته، فيجب أن تتَّجه أعماله كلُّها لخدمته تعالى، وما خالف ذلك يلتزم بأداء الجواب عنه. ثمَّ إنَّ الإنسان حيوان ناطق، فيلزم أن تكون أقواله وأعماله كلُّها بحسب إرشاد العقل المنطقيّ، والكلمة البطّالة التي لا تفيد القائل ولا السامع، تضادُّ إرشاد العقل.
آ37. فمِن كلامِك تَتبرَّر، أي تصير بارًّا، ويظهر أنَّك بارّ. ومِن كلامِك تُدان، وتُشجب. كأنَّه يقول: يلزم الاهتمام لا بالأفعال فقط بل بالأقوال أيضًا، لأنَّ الأفعال والأقوال ثمار شجرة واحدة أي الإرادة الصالحة أو الشرّيرة.