مقاييس اختيار شريك/شريكة الحياة
كثيرًا ما يتساءل المقبلون على الزواج "كم يكون الفارق المثالي في العمر بين الخطيبين؟" أو "هناك فارق تعليمي كبير بيننا فهل أوافق؟" أو "هي من عائلة أرستقراطية وأنا نشأت في بيئة شعبية فهل يتناسب زواجنا".
ليس لمثل هذه الأسئلة ردود محددة، فلا يمكن -مثلًا- أن نقرر مدى عمريًا معينًا بين الخطيبين يصلح أن يطبق في كل حالات الارتباط إنما هناك مقاييس عامة في الاختيار من بينها فارق السن.
مقاييس الاختيار الزيجي:
أ- مقاييس داخلية:
1- حد أدنى من التعاطف والتجاذب النفسي المتبادل.
2- حد أدنى من التناسب في الطباع.
3- حد أدنى من الاتفاق على قيم أخلاقية أساسية.
4- حد أدنى من الاتفاق على أهداف مشتركة في الحياة.
5- حد أدنى من التناسب الروحي.
ب- مقاييس خارجية:
1- الخصائص الجسمانية.
2- التناسب في العمر.
3- التناسب في المستوى الثقافي والتعليمي.
4- التناسب في المستوى الاجتماعي.
5- الإمكانات الاقتصادية اللازمة لإتمام الزواج.
ويأتي القرار المناسب نتيجة للمحصلة النهائية لهذه المقاييس مجتمعة، ولكي يتمكن كل من الخطيبين من التأكد من صلاحية كل منهما للآخر ينبغي أن يأخذ في الاعتبار الاحتياطات التالية:
1- الوضوح مع النفس: وبالتالي الصراحة التامة مع الآخر والمكاشفة المتبادلة بلا تمثيل، ولا تزييف للحقائق ولا إخفاء لأمور لها علاقة بحياتهما المشتركة المقبلة.
2- إتاحة فرصة كافية للتعرف: كل واحد على طباع الآخر عن قرب من خلال الأحاديث، والمواقف والمفاجآت المختلفة، وهذا يتطلب أن تكون فترة الخطبة كافية، بلا تسرع ولا تعجل.
3- الاستعداد المتبادل لقبول الآخر المختلف: "عنى" والتكيف على طباعه حتى لو استلزم ذلك "منى" التنازل عن أمور أفضلها ولا تروق له، أو تعديل سلوكيات واتجاهات تعوقني عن التفاهم معه والتلاقي به.. هذا هو أهم احتياط يؤخذ في الاعتبار من أجل زواج ناجح.
4- تحكيم العقل وعدم الانجراف مع تيار العاطفة: حيث العاطفة الرومانسية خيالية، وتلتمس العذر لكل العيوب حتى الجوهرية منها، وتؤجل تصحيح الاتجاهات الخاطئة، وتضعف الاستعداد للتغير إلى الأفضل، فالعاطفة غير المتعقلة توهم الخطيبين بعدم وجود أية اختلافات، وتصور لهما استحالة حدوث أية مشكلات مستقبلية.
لو وضع كل خطيبين في اعتبارهما هذه الاحتياطات الأربعة أو دربا نفسيهما على العمل بها، ثم أعادا النظر إلى المقاييس السابقة لصارت الرؤية أكثر وضوحًا، ولاختفى التردد في صنع قرار الارتباط . فمن كان لديهما استعداد قبول الاختلافات والتكيف عليها أمكنهما تحقيق التناسب الكافي الذي يؤدى غيابه إلى أغلب الخلافات الزوجية.
أما بقية المقاييس الداخلية الأخرى فيمكن اكتشافها بغير صعوبة مادام هناك الوضوح، والفرصة الكافية، والعقل الواعي، حيث يمكن بلا عناء التعرف على وجود قيم وأهداف مشتركة، أما التناسب الروحي فهذا أمر يمكن اكتشافه أيضًا من خلال المواقف المختلفة، ويمكن أيضًا أن يجتذب أحدهما الآخر للمسيح فيكون الزواج سبب خلاص مشترك.
المقاييس الداخلية للاختيار -إذن- تشكل الأساس الراسخ للزواج، ولكن لا ينبغي أن نتجاهل المقاييس الخارجية: فكلما كان السن متقاربًا كلما كان ذلك أفضل ولكن ليست هذه هي القاعدة الثابتة، إذ تلعب ديناميكية الشخصية دورها المهم، فتوجد شخصيات قادرة على تجاوز فارق السن، وشخصيات أخرى قد أصابتها شيخوخة نفسية مبكرة برغم صغر السن.. فالعبرة -إذن- بفاعلية الشخصية.
كذلك كلما كان هناك تقارب في المستوى التعليمي كلما كان ذلك مفضلًا، ولكن هناك شخصيات ذات مستوى تعليمي أقل، ولكنها قادرة على تعويض نقص التعليم بمضاعفة التثقيف الذاتي، بينما هناك شخصيات أخرى متعلمة ولكنها غير قادرة على التفكير السليم والحوار الفعال، والنظرة الموضوعية للأمور، فالعبرة -إذن- بفاعلية الشخصية.
كذلك يفضل أن يكون المستوى الاجتماعي والاقتصادي بين الشريكين متقاربًا حيث يمكن للعائلتين التعامل بحرية مادام المستوى متناسبًا، ولكن العبرة بمدى الحب الحقيقي بين الزوجين حيث يتجاوز الحب كل الفوارق الاجتماعية، ولكن زيجات من هذا النوع قد تتحداها صعوبات في التعامل بين العائلتين كلما كانت الفجوة كبيرة بين الطرفي
والخلاصة أنه يجب على المقبلين على الزواج التأكد من توافر المقاييس الداخلية، مع أغلب المقاييس الخارجية من أجل زواج ناجح.. وبرغم أن المحبة واستعداد قبول الآخر كما هو، ومن حيث هو، تتجاوز الفجوات، وتصالح المتناقضات، إلا أنه لا يفضل ضياع التناسب في أكثر من مقياس خارجي واحد.. فقد نتجاوز عن فارق عمر كبير بعض الشيء، ولكن لا تتجاوز عن فارق تعليمي واجتماعي بأن واحد.
أخيرًا ينبغي أن نلتفت إلى ملاحظة مهمة.. إن اختيار شريك الحياة ليس إلا بداية لمرحلة طويلة من الاكتشاف المستمر لشخصية الآخر، والتكيف الدائم مع طباعه من خلال التفاهم والتنازل عن "تحيزاتي" حبًا بالآخر الحب الذي يحتمل كل شيء، ويصبر على كل شيء (رسالة كورنثوس الأولى 13).. فإذا اعتبرنا أن الاختيار نقطة على خط الحياة الزوجية، فإن عملية الاكتشاف المستمر لشريك الحياة هي خط الحياة الزوجية كلها، وبدونها لا يتحقق نجاح الحياة العائلية.