رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من طيور الكتاب المقدس الحمامة ودود وحلو العشرة: رغم أن نوح أرسل الغراب أولاً ثم الحمامة، إلا أننا نجد بعض الكلمات التي توحي بما كان للحمامة من معزَّة ومحبة خاصة عنده، ذٌكرت بالارتباط بالحمامة فقط، ولم تُذكر أثناء الحديث عن الغراب: «أرسل الحمامة من عنده .. رجعت إليه .. أدخلها عنده .. أتت إليه». فما من شك أنه من أشهر ما يتصف به الحمام هو أنه طائر المحبة والشركة، ولذلك نقرأ عن الحمام كثيرًا في سفر الأشواق والمحبة؛ ألا وهو سفر نشيد الأنشاد. فما أرق عواطف وأحاسيس الحمامة، تلك التي جعلت نوح يرتبط ويتعلَّق بها. وكذلك ما أجمل أن نجد هذه الصفة النبيلة تظهر في أولاد الله الأعزاء. لقد أشار الرسول بولس عن فليمون والذي كانت عواطفه تُجاه إخوته سامية ورقيقة، حتى قال له الرسول بولس في رسالته إليه: «لأن لنا فرحًا كثيرًا وتعزية بسبب محبتك لأن أحشاء القديسين قد استراحت بك أيها الأخ» (فل 7). فلقد كان قلب فليمون مفتوحًا لراحة إخوته قبل بيته، ولقد كان يُعتبر أمرًا عاديًا أن تجد الإخوة يُجالسون فليمون، ليشاركوه في مشاكلهم واهتماماتهم، فيخرجون من أمامه بقلوب مستريحة مطمئنة، إذ يجدون فيه قلبًا متسعًا محبًا، يستوعب كل متاعبهم ومشاكلهم. معروف أن فليمون كان شخصًا غنيًا، وكان بيته متسعًا؛ الأمر الذي مكَّنه أن يُرحِّب بسرور لاجتماع الكنيسة في بيته (فل 2). كما كان يوسف بالنسبة لساقي الملك وخبَّازه بمثابة حمامة، إذ وجدا فيه راحتهما وسلامهما. فلقد حلم كل واحدٍ منهما حلمًا وانزعجا كثيرًا منه، حتى صارا مغتمين ومكتئبين، إلا أنهما استطاعا أن يجدا في يوسف مَنْ يهتم بهما، مخففًا عنهما اضطرابهما وأحزانهما (تك40). لا شك أن نوح كان يتعامل مع الحمامة بلين ورفق، ولا شك أيضًا أن هذا كان سببًا في تولُّد مشاعر من الألفة بينهما، فأستطيع أن أقول أن الحمامة كانت ودودة مع نوح لأنه كان هو أيضًا ودودًا معها. غير أن الرسول بولس يُعلمنا درسًا آخر ما أروعه وما أعظم أهميته، خاصة في هذه الأيام. في أثناء خدمته التاعبة والمُتفانية بين أهل كورنثوس لم يجد فيهم من الترحاب الكافي أو المشاعر الدافئة التي كان يجب أن يُحيطوه بها، بل على العكس، إذ نسمعه يقول لهم: «وأما أنا فبكل سرور أُنفِق وأُنفَق لأجل أنفسكم، وإن كنت كلما أُحبكم أكثر أُحَبُّ أقل!» (2كو12: 15). لقد كانوا غير ودودين معه، غير أن ذلك لم يؤثر على عطاء الرسول بولس لهم، ولم تتغيّر مشاعره المتدفقة من نحوهم، ولم يُكف عن العطاء والبذل لأجلهم. وما أروع أن تلمع هذه السجايا فينا كمؤمنين، خاصة في تعاملاتنا بعضنا مع بعض. فكم من شقاقات ونزاعات تحدث بيننا لافتقارنا إلى القلب المتسع والأحشاء الفائضة بالمحبة التي تستر كثرة من الخطايا. من أجل ذلك يؤكد الرسول بولس لمؤمني كورنثوس عن هذا الأمر بصفة خاصة قائلاً لهم: «فمنا مفتوح إليكم أيها الكورنثيون. قلبنا متسع. لستم مُتضيِّقين فينا بل مُتَضيِّقين في أحشائكم. فجَزَاءً لذلك أقول كما لأولادي: كونوا أنتم أيضًا متسعين!» (2كو 6 : 11-13). وكأنه يقول لهم على قدر ما تتسع قلوبنا لكم، نجدكم تُضيِّقون قلوبكم من نحونا، ولذلك يطلب إليهم أن يكون لهم القلوب المُتسعة الرحبة، والتي تسعد بقبول الآخرين والترحيب بهم. ولقد علَّق توزر(Tozer) بقوله: كان الرسول بولس رجلاً ضعيف البنية، ولكن حياته الداخلية كانت واسعة جدًا. وكم مرَّة جُرِح قلبه الكبير بتضيُّق إخوته! كم آذاه مشهد أرواحهم المنقبضة المنكمشة! أعود وأقول أن هذه الصفة هي في طبيعة الحمام، إنه لا يجهد نفسه كي ما يكون كذلك. أما نحن فالأمر يختلف تمامًا، إننا بالطبيعة أبناء الغضب، لا نعرف سوى العداوة وهذا صحيح، غير أننا نلنا بالولادة الثانية طبيعة جديدة، والتي من ضمن ما تُظْهِرَه اللطف والمودة والترفق، ولذلك لا غرابة أن يحث الرسول بولس مؤمني كولوسي قائلاً لهم: «فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطول أناة» (كو3: 12). كم من اجتماعات صغيرة، قد تخلو من المواهب الظاهرة، نمت ونجحت وأثمرت، إذ كان بينهم مَنْ يعرف أن يُظْهر روح المحبة واللطف والوداعة، فكان ذلك بمثابة جذب للنفوس، وراحة للقلوب. وأقول بكل أسف كم من اجتماعات كبيرة، رغم كثرة ما فيها من مواهب، تصدَّعت وتآكلت نتيجة روح الخصام والفتور المنتشر بينهم، ولافتقارهم لجو المحبة النقي الصافي. وإن كنا نرى في كنيسة تسالونيكي، حديثة النشأة، إذ لم يَتعدَ تكوينها أسابيع قليلة مثالاً مُشجعِّاً للحالة الأولى (1تس1: 3، 7، 8). فبلا شك تبرز كنيسة كورنثوس، المُقتظَّة بالمواهب مثالاً مُخْزِيًا للحالة الثانية (1كو1: 5، 10، 11،3: 1-4). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
الحمامة وفلك نوح في الكتاب المقدس |
من سلسلة طيور الكتاب المقدس الحمامة |
صمت الحمامة في الكتاب المقدس |
الحمامة في الكتاب المقدس |
اليمامة فى الكتاب المقدس |