رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
حقيقة الخطيئة، من وجهة النظر الأرثوذكسيّة، لا يحيا الإنسان إلاَّ على المنّ السماويّ، أي على النعمة الإلهيّة. لا يحيا الإنسان بالخبز، بل بالنعمة والكلمة الإلهيّة الخارجة من فم الله. على هذا الأساس، نُعرِّف الخطيئة أنّها “خسارة”، إذ نرفض النعمة المعطاة لنا ونحيا بمحدوديات العقل المنعزل عن الله ونعمته. خطيئة هي أن نقول “لا” للحبّ الإلهيّ المتدفق إلينا وفينا. أَتؤمن؟ هذه هي مغامرة الإيمان، لا بل هذا هو يقينه بالذات، أنّنا نُقلع ونُبحر معتمدين على ريح النعمة لا على تجذيف أيادينا الخاصّة. لكلّ إيمانٍ أبعاده، للعقلانيّة حدودها التي لا تتجاوز الأطر الجسدانية والبشريّة والدهريّة. أمَّا أبعاد الإيمان فهي أمرٌ آخر، لأنها تنفتح على النعمة الإلهيّة والمؤلِّهة، وتسير بنا بالروح إلى فردوس القدّيسين. لكلّ إيمانٍ مسيرةٌ وغاية، والإساءة إلى ذلك هو الخطيئة. يحدِّد القدّيس سيرافيم ساروف غايةَ الإنسان المسيحيّ بـ “اقتناء الروح القدس”، لذلك كلُّ ما يعيق هذه المسيرة هو خطيئة. على كفّة هذا الميزان يجب أن نزِين الرشوة، والمصلحة، وسائر الرغبات… وليس على موازينَ عقلانيّةِ أبناءِ هذا الدهر. هذه هي خطيئتنا الكبيرة، كما تقول الرسالة اليوم، أنّه إن كان الذين قد أهملوا بشارةً جاءت على لسان ملائكة قد أُدينوا، “فكم هي خطيئتنا نحن إن أهملنا خلاصاً كهذا” رافضين أن نسعى في طلب النعمة؟ انطلاقاً من هذه النظرة إلى الخطيئة ندرك لماذا أراد المسيح أن يغفر لذلك المخلّع خطيئته قبل شفاء أعضائه. بنظرةٍ عقلانيّةٍ فقط نستطيع أن نتساءل بحقٍّ ما هي دواعي الصوم، فهو تعذيب للجسد، أو لماذا الصلاة التي قد تبدو بلاهة! ولكن إن كنَّا نطلب النعمة الإلهيّة فالسؤال يُعكَسُ ويصير لماذا لا نصوم، ولا نصلّي، ولا نسهر…؟ هذه هي صرخة القدّيس بالاماس اليوم، أن نتحدّى العقلانيّة ساعين وراء النعمة، وذلك بالأصوام والأسهار والصلوات، متعالين فوق عالم المنطق الدنيوي. “فالبارّ بالإيمان يحيا”، حتّى إذا ما تقبَّلنا بالطهارة النعمةَ الإلهيّةَ، ندرك ونستحقّ كلمة المسيح: “يا بنيَّ مغفورةٌ لك خطاياك، وها قد عوفيت فلا تعد تخطئ”. آميــن من كتاب سفر الكلمة- الجزء الأول للمتروبوليت بولس يازجي |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|