رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
من هى القديسة مريم العذراء؟
تــقــديــــم تسر كنيستنا ان تقدم هذا الكتيب الجديد عن "من هى القديسة مريم العذراء؟" للشماس نبيل حليم يعقوب، والذى يحوى تعريف بسر مريم العذراء فى الكنيسة وفى حياة المؤمنين. نطلب من الرب أن يكون هذا الكتيب سبب بركة روحيـة للجميع وأن تساعد أبناء الكنيسة الكاثوليكيـة لينموا فى الإيـمان ببركة الرب وشفاعة أمنا مريم العذراء. القمص فرنسيس مراد فهيم تقديــم من هى مريم العذراء ؟ سؤال قد يبدو للوهلة الأولى بسيط فإجابته قد تعنى انها أم يسوع. ولكن بالتعمق فى الكثير من المؤلفات والمراجع الكنسية نجد اننا أمام رصيد ضخم لا يمكن حصره، فبإستخدام محرك البحث الإلكتروني نجد اننا أمام أكثر من مليون رابط لمواقع تتحدث عن مريم العذراء. إنها أمنا كلنا وسيدتنا كلنا وفخر جنسنا، الملكة القائمة عن يمين الملك، العذراء الدائمة البتولية، الطاهرة، المملوءة نعمة، الأم القادرة المعينة الرحيمة أم النور، أم الرحمة والخلاص،الكرمة الحقانية. هذه التي ترفعها الكنيسة فوق مرتبة رؤساء الملائكة فنقول عنها في تسابيحها و ألحانها: علوت يا مريم فوق الشاروبيم وسموت يا مريم فوق السارافيم . مريم التي تربت في الهيكل وعاشت حياة الصلاة والتأمل منذ طفولتها وكانت الإناء المقدس الذي إختاره الرب للحلول فيه. أجيال طويلة إنتظرت ميلاد هذه العذراء لكي يتم بها ملء الزمان ( غلاطية 4:4). هذه التي أزالت عار حواء وأنقذت سمعة المرأة بعد الخطية الأولى. إنها والدة الإله ، دائمة البتولية. إنها العذراء التي أتت إلي بلادنا المصرية اثناء طفولة المسيح وأقامت في أرضنا سنوات قدستها خلالها وباركتها. وهي العذراء التي ظهرت في العديد من الأماكن وجذبت إليها مشاعر الجماهير بنورها وظهورها وإفتقادها لنا. وهي العذراء التي تجري معجزات في أماكن عديدة ، وقصص معجزاتها هذه لا تدخل تحت حصر. لا يوجد إنسانة أحبّها الناس في المسيحية مثل السيدة العذراء مريم، فهناك العديد من الكنائس شُيدت على إسمها، ويُحتفل بأعيادها، وفي الطقوس ما أكثر المدائح والتراتيل والتماجيد والابصاليات والذكصولوجيات الخاصة بها وبخاصة في شهر كيهك و الشهر المريمي. إذن مـن هـى مـريـم العذراء؟ من يجهل مريـم العذراء والأم،يجهل أيضاً من هو يسوع الكلمة الأزليـة والطريق والحق والحياة. ومن يجهل من هو يسوع،فهو لا يمكن أن يكون غصنـا فى كرم الرب. قد يقول المعترضون "لماذا يجب أن أعرف من هى ألا يكفيني الرب يسوع فانا لست فى احتياج لها"، ولكن فى الحقيقة ان يسوع الكلمة المتجسدة كان فى احتياج لها سواء شئنا أو أبينا. لقد خلق الله الشمس وأيضا القمر ولكن لم يأخذ القمر اللمعان والبريق بعيدا عن الشمس فكل نوره هو إنعكاس من الشمس، فالعذراء مريم تعكس نور إبنها الإلهي وبدونه فهى لا شيئ ولكن معه فهى أم الإله الإنسان. إذن من هـى مريـم العذراء؟ أنقول انهـا إمرأة إبنهـا إلـه؟ أنقول أنهـا عذراء وُلد منها وحيد الآب ومشتهى كل الأمم؟ أنقول انهـا الـمرأة التى إختارهـا الله ليسحق نسلها الحيّة الخبيثة؟ أنقول انهـا الـمختارة كالشمس والـمشرقة كالصبح والجميلة كالقـمر؟ مـن هـى مريـم العذراء؟ هـى عروس الروح القدس التى حلّ عليها، وهـى إبنـة الآب الـمختارة من بنات حواء، وهـى أم يسوع الإبن الأزلي. للإجابة على السؤال "من هى مريم العذراء" علينا ان نبحث فى الكتاب المقدس وفى تعاليم الكنيسة الكاثوليكية والتقليد الكنسي عن لماذا تطوبها جميع الأجيال. لقد سبق ان نشرت أكثر من 23 كتابا عن القديسة مريم العذراء ولكننى مازلت أقف عاجزاً عن التحدث عن عظمتها ومكانتها وسرها العجيب. وهذا الكتيب هو محاولة بسيطة لإلقاء الضوء على من هى الـمرأة التى حيّاها الملاك قائلاً:"مباركة أنتِ فى النساء"(لوقا28:1). الشماس نبيل حليم يعقوب لوس انجلوس فى مايو 2010الفهرس الفصل الأول مريم العذراء التى جاءت فى الكتاب الـمقدس 1. مريم العذراء هى المختارة من الله منذ الأزل 2. مريم العذراء التى جاءت تتميما لنبؤات الكتاب المقدس 3. مريم العذراء التى جاء ذكرها فى العهد الجديد 4. مريم العذراء هى عذراء من الناصرة 5. مريم العذراء من كانت خطيبة ليوسف البار 5. مريم العذراء هى من حُيياها الـملاك جبرائيل 5. مريم العذراء هى الممتلئة نعـمة 6. مريم العذراء هى أم يسوع 7. مريم العذراء هى أم إبن العليّ 8. مريم العذراء هى أم إبن داود 9. مريم العذراء هى أم ملك إسرائيل 10. مريم العذراء هى أم بفعل الروح القدس 11. مريم العذراء هى آمـة الرب 12. مريم العذراء هى أم عمانوئيل 13. مريم العذراء هى من منها أصبح الكلـمة جسداً 14. مريم العذراء هى من منهاِ ظهر الكلـمة بيننـا 15. مريم العذراء هى المباركة بين النساء 16. مريم العذراء هى أم الرب 17. مريم العذراء هى التى فرحت لأنها آمنتِ بـما قيللها من قِبل الرب 18. مريم العذراء هى آمـة متواضعـة أمام الرب 19. مريم العذراء هى من منها صنع الرب العجائب 21. مريم العذراء هى من تحقق فيها وعد الله لإبراهيم 22. مريم العذراء هى من ولدت إبنها البِكر فـى بيت لحم 24. مريم العذراء هى من قمّطت إبنها ولفّته ووضعته فى المزود 25. مريم العذراء هى إمرأة وُلد منها المسيح فى ملء الزمن 26. مريم العذراء هى أم الـمخلّص 27. مريم العذراء هى أم الـمسيّا 28. مريم العذراء هى من وُجدتِ من الرعاة مع يوسف وإبنها المولود 29. مريم العذراء هى من إحتفظت بكل شيئ فى قلبها 30. مريم العذراء هى من قدمتِ يسوع فـى الهيكل 31. مريم العذراء هى من فـى نفسها سيجوز سيف 32. مريم العذراء هى من وُجدتِ من المجوس مع الطفل يسوع 33. مريم العذراء هى من أخذها يوسف كمغتربة لأرض مصر 34. مريم العذراء هى من أخذت الطفل يسوع الى أورشليم 35. مريم العذراء هى من بحثتِ عن يسوع لمدة ثلاثة أيام 36. مريم العذراء هى من وجدت الطفل يسوع ثانية فـى بيت أبيه 37. مريم العذراء هى أم أطاعها يسوع فى الناصرة 38. مريم العذراء هى من صَحبت يسوع لعرس قانا الجليل 39. مريم العذراء هى من قالت للخدام: "افعلوا كل ما يأمركم به" 40. مريم العذراء هى من على يديها صنع يسوع أولى عجائبه الزمنية 41. مريم العذراء هى من أتـممتِ إرادة الآب السماوي 42. مريم العذراء هى من إختارت النصيب الصالح كمريم أخت لعازر 43. مريم العذراء هى من طُوبّت لأنهـا سمعت كلام الله 44. مريم العذراء هى أم وقفت تحت أقدام الصليب 45. مريم العذراء هى من كانت تصلّي مع الرسل فى العلّيـة 47. مريم العذراء هى إمرأة إلتحفت بالشمس وتُوجت 48. مريم العذراء هى أمـاً للكنيسة المتألـمة 49. مريم العذراء أم المسيّا الممجد 49. مريم العذراء هى رمزاً لأورشليم السماويـة 50. مريم العذراء هى حواء الجديدة الفصل الثاني مريم العذراء فى تعاليم الكنيسة 1. مريم العذراء فى قوانين الإيمان 2. مريم العذراء هى والدة الله 3. مريم العذراء هى دائمة البتولية 4. مريم العذراء هى التى حُبل بها بلا دنس 5. مريم العذراء هى المنتقلة الى السماء 6. مريم العذراء فى المجامع المسكونية 7. مريم العذراء فى الرسائل الباباويـة 8. مريم العذراء فى كتابات آباء الكنيسة 9. مريم العذراء فى سنكسار الكنيسة القبطية الفصل الثالث مريم العذراء هى التى تطوبها جميع الأجيال 1. مريم العذراء هى من تطوبها الأجيال 2. مريم العذراء هى أمنـا 3. مريم العذراء هى الممتلئة بالفضائل 4. مريم العذراء هى أعظم القديسين 5. مريم العذراء هى الشفيعة الـمؤتمنة 6. مريم العذراء هى من تحمي الأبناء الفصل الأول مريم العذراء التى جاءت فى الكتاب الـمقدس إذا أردنا التكلم عن مريم،فالكتاب المقدس هو المرجع الأول الذي نعود إليه، ومنه ننطلق لنفهم سر مريم، الذي هوسر أمومتها ومرافقتها لإبنها يسوع كلمة الله "في البدء كان الكلمة… والكلمة صاربشراً" (يوحنا 1:1-14)، وهو مضمون البشارة الجديدة وهو منتظرالشعوب. 1. مريم العذراء هى الـمـختـارةمن الله منذ الأزل جاء فى انجيل متى عن الإختيار ما يلي: "هكذا يكون الآخرون أولين و الأولون آخرين لأن المدعوين كثيرون والمختارين قليلون"(متى 16:20)، وكذلك نجد فى إنجيل يوحنا هذه الآيـة:"لا يقدر أحد أن يقبل إلـّي إن لـم يجتذبـه الأب الذى أرسلني وأنا أقيمه فى اليوم الأخير" (يوحنا44:9). إن هذا الإختيار هو شخصي من الله، وبحسب قصد الله:"كـما إختارنا فيه قبل تأسيس العالـم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه فى المحبة"(أفسس 4:1)، "ولكي يبين غِنى مجده على آنية رحمة قد سبق فأعدّها للمجد" (رومية 23:9). ابراهيم واسحق وموسى كان إختيارهم من الله والكثيرين غيرهم. ويذكر الكتاب بعض النسوة اللواتي نلن حظوة فى عيني الله والناس مثل سارة التى ولدت إبنها اسحق بطريقة عجيبة، ورفقة زوجة اسحق التى تم إختيارها من الله وراحيل التى أحبها يعقوب والتى أعطاها الله إبن الـموعد يوسف بعد أن ظلّت عاقراً، ويهوديت مخلّصة شعب الله، واستير الـملكة ولكن أين هؤلاء من مريم العذراء ، إنـما هن إلا رموزاً عن عظمة مريم التى فاقت جميع الناس والـملائكة مجداً وعظمة. ان تجسد كلمة الله كان يمكن أن يحدث فى أي زمان عبر القرون منذ زمن حواء وحتى يومنا هذا، وأيضاً كان يُـمكن أن يحدث فى أي مكان من العالـم ،وكان يُـمكن أيضاً أن يكون من نسل أي إمرأة بخلاف مريم العذراء سواء قبل الوقت أو بعد الوقت الذى كانت فيـه عذراء الناصرة (لوقا26:1-27). فلـماذا ظهر الله فقط فى هذا الوقت أو كما ورد"فلما بلغ الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من إمرأة مولوداً تحت الناموس"(غلاطية4:4)؟، ولـماذا أختيرت مريـم لتكون هذه الـمرأة التى يولد منها ابن الله؟، وما الذى تتصف بـه عذراء الناصرة من الصفات أو الفضائل التى تجعلهـا أن تُصبح"ام الله"( لوقا43:1)؟ إن اختيار الله لإنسان ليقوم بدور ما يعتمد على ما يراه الله من صلاحية هذا الإنسان للقيام بدوره وهكذا قال السيد الـمسيح عن شاول الطرسوسي:"إن هذا لى إناءُ مختار ليحمل إسمي أمام الأمم والملوك وبني إسرائيل" (أع 15:9). وأيضاً عندما إختار الله أول ملك على شعبه وكان شاول بن قيس فيذكر عنه الكتاب الـمقدس انـه "مُنـتقى حسنُ لم يكن فى بني اسرائيل رجل أحسن منه"(1ملوك 2:9). والقديس توما الأكويني يقول:" عندما الله يختار بنفسه خليقة من خلائقه لـمهمّة خاصة، إنـه يهيئها مُسبقاً للقيام على أكـمل وجـه بالخدمة التى يقّدرها له"،وعلى هذا النحو كانت العذراء مريم قد مُنحت ما تقتضيه رسالة التجسد السري من نِعم ملائمة ليسند الله اليها دوراً كبيراً ومهما فى التجسد والفداء والخلاص. فى سفر التكوين سنجد انـه بعد اليأس والعُري واللعنـة، جاء الأمل والوعد بالخلاص:"سأجعل عداوة بينكِ (الحيّة) وبين الـمرأة وبين نسلِك ونسلهـا،هو يسحق رأسِك وأنتِ ترصدين عقِبـه"(تكوين15:3). انـهـا نبؤة قد خرجت من فم الرب تضم الأم والإبن فـى عـمل الفداء. نسل الـمرأة يسحق رأس الحيـّة أي رأس الحيّة القديـمة وهى ابليس والشيطان (رؤيا2:20). هذه النبؤة قيلت بفم الله،وإختار الله من كل البشريـة عائلة سام،ومن كل عائلة سام إختار الله ليكون من بذرة إبراهيم (تكوين1:12-3)، ومن كل عائلة ابراهيم اختار يعقوب اسرائيل (تكوين 3:26و4)، ومن كل عائلة اسرائيل اختار سبط يهوذا (تكوين9:49و10 و عبرانيين 14:7)،ومن كل عائلة يهوذا يختار داود(1أخبار الأيام 12:17-14)،ومن جميع عائلة داود تتركز نبوات الـمسيا على اثنين هما سليمان الحكيم ومنه جاء يوسف خطيب مريم العذراء وهو الأب الإسمي ليسوع الـمسيح(متى6:1و16) وناثان ومنه جاءت العذراء مريم الأم الحقيقية ليسوع (لوقا31:3). عندما وقف الـملاك ليحي القديسة مريم قائلا لها:"السلام عليك يا ممتلئة نعمة"(لوقا 28:1)،والـملاك يحييها هذه التحية قبل قبل أن يتجسد الكلمة فى أحشائها الطاهرة، فمتى بدأت تحظى بهذا الإمتلاء؟ أن مريم مختارة منذ الأزل لتكون أماً لإبن العلي ولذا منذ أول لحظة من وجودها ملأها الثالوث الأقدس بالنعمة الـمقدسة وكما قال لها الـملاك إنكِ قد نلتِ نِعـمة عند الله"(لوقا30:1). لهذا اعلن المجمع الفاتيكاني الثاني فى دستوره العقائدي[1]:" إنَّ العذراء الطوباوية التي أُعِدَّتْ منذُ الأزل، في تصميم تجسُّد الكلمة كي تكون أمَّ الله، غَدَتْ على الأرض، بتدبيرِ العناية الإلهية، أُمّاً حبيبةً للمخلِّص الإلهي". ——————- 2. مريم العذراء هى التى جاءت تتميمـاً لرموز ونبؤات العهد القديـم[2] لـقد كـلـّم الرب الأباء فـى القديم وكـلّم الأنبياء عن الـمسيح الـمخلّص،ويـمـتلئ العهد القديم بالرموز والنبؤات والشخصيات التى تشير للمسيّا المنتظر وأيضاً عن العذراء الـمختارة لتكون أماً للـمسيّا الـفادي. إلـى العذراء مريم تومئ فى الكتاب الـمقدس أشياء عديدة. وكما يقول القديس بولس ان كل شيئ فى العهد القديم كان رمزيـاً فى أشخاصه ومحرقاتـه وطقوسه الـمختلفة،فهى كانت كلها ظلالاً للـمستقبل وترسم مسبقا وفق الـمخطط الإلهـي بعض ملامح السيد الـمسيح وأمـه مريم. فهابيل مثلاً قد مثّل برارة الـمخلّص،وملكيصادق كهنوتـه،وأيوب صبره،واسحق موتـه،ويونان قيامتـه،وداود ملكيتـه، وسليمان حكمته،وموسى خدمتـه وتشريعه. ومن جانب آخـر نجد ان العذراء قد فاقت هابيل الصدّيق الذى قدّم أبكار غنمه ذبيحة للـه فمريم قدّمت ابنها ذبيحةلخلاص العالم،وفاقت نوح لأن بفلكه خلّص 8 أنفس،امـا مريم فبالـمسيح خلّص العالـم كلـه. وفاقت على موسى بالوداعـة، وعلى داود بالـمحبـة، وعلى أخنوخ وإيليـا بالقداسـة، وعلى ابراهيم واسحق ويعقوب بالإيمان،و فاقت راعوث بإخلاصهـا وعلى استير بجمالهـا ووفائهـا. وهناك العديد من الرموز والأشياء والتسابيح التى جاءت فى العهد القديـم تعكس صورة عن العذراء مريم أم يسوع، ويـمكن القول عامـة أن كل تسبيح عن مـملكة اسرائيل أو الكنيسة كما جاء، هو تسبيح لـمريم كما يرّنم صاحب الـمزامير عن أورشليم قائلاً:"يُحدِث عنكِ بالـمفاخـر يا مدينـة الله"(مزمور3:86). ويلّخص لنـا القديس يوحنا الدمشقي هذه الرموز فى عظة ألقاها:"لقد أصبحتِ يـا مـريـم جنة عدن الروحية أقدس وأرفع من القديـمة، ففى الأولـى كان يسكن آدم الأرضي أمـا فيكِ فيحلّ الرب الأتـي من السمـاء. لقد مـثـلتكِ سفينة نوح التى أنقذت الخليقة الثانية لأنكِ ولدتِ الـمسيح خلاص العالـم الذى غّرق الخطيئة وسكن أمواجها. أنتِ التى رمزت اليكِ وثصورتكِ العليقة ورسمتكِ الألواح التى خطتها يد الله وأخبر عنكِ تابوت العهد ومـثلتكِ مـجمـرة الذهب والـمنارة ولوحا العهد وعصا هارون التى افرخت (عبرانيين 4:9 وعدد 7و23)، وُلد منكِ من هو شعلة الألوهية الـمن السمـاوي العذب، الإسم الذى يسمو على كل اسم، النور الأزلي الذى لا يداني، خبز الحياة النازل من السماء. ألستِ أنتِ التى سبق ودل عليكِ الأتون الذى إمتزجت ناره بالندى (دانيال 49:3-50) "ها أنا أنظر أربعة رجال يتمشون وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بإبن الألهة"،رمز النار الإلهية التى جاءت فحلّت فيكِ. أكاد أغفل عن سلم يعقوب، ماذا؟ ألا يتضح لكل أحد انه كان صورة عنكِ؟، فكما ان يعقوب رأى السماء متصلة بالأرض بطرفي السلم وعليه ينزل الـملائكة ويصعدون (تكوين12:28-15)، وقد اشتبك معه فى صراع رمزي القوي الذى لايغلب هكذا أصبحتِ أنتِ الوسيطة والسلم الذى نزل عليها الله نحونا وحمل ضعف طبيعتنا وإمتزج بها وجعل من الإنسان روحا يرى الله. ومـا قولي فى أيات الأنبياء ألا يجب أن تعود اليكِ إذا شئنا أن نثبت صحتها؟. من هى العذراء التى قال عنها أشعيا انها تحبل وتلد إبناً يدعى الله معنا، أي انه يظل إلها ولو صار إنساناً.؟.من هو جبل دانيال الذى قطع منه بغير يد بشرية حجر الزاوية التى هى الـمسيح؟ أليس أنتِ التى حبلت بلا زواج ومازلت دائما عذراء؟.من هى تلك التى تكلّم عنها داود والتى جُعلت عن يمين الملك بذهب أوفير؟". قال القديس غريوريوس العجائبي:" ان الله قد جعل فيها كل كنوز النعمة فهي السفينة التى حملت جميع كنوز القداسة". والكنيسة ترتـل "الغير الزمني أيتها العذراء إختارك من قبل الزمان لتكون له كرسيا" والله لا يجلس إلا على كرسي الـملوكية الذى كله قداسة ونعمة. "قولوا لإبنة صهيون هوذا مـخلّصك آت ها أجرته معه وجزاؤه أمامه ويسمونهم شعباً مقدسا مفديي الرب وأنتِ تُسّمين الـمطّوبة غير الـمهجورة" (أشعيا 11:62-12). ويقول القديس افرام السريانـي: "راحيل صرخت برجلها قائلة أعطني بني ، هنيئا لـمريم وقد حللت فى حشاها بقداسة على غير مطلبة منها، يا للموهبة التى ألقت بنفسها على آخذيها. حنة طلبت ولداً بدموع حارة، وسارة ورفقة بنذور ووعود وأليصابات بالصلاة وبعد أن طال عذابهن تعزين ". رمـوز وشخصيات ونبؤات العهد القديـم العهد القديـم بكامله من ناموس وتاريخ وطقوس ونبوات ومزامير وشخصيات ورموز جاء برسم كامل للـمسيّا، فتحدث عن وظيفـة الـمخلّص ورسالتـه وظروف دعوتـه والعائلة التى سيجئ منها والمكان الذى سيولد فيه والزمن التى سيولد فيه،ومعجزاته والوهيته وإتضاعه وصلبه وموته وقيامته فى اليوم الثالث وصعوده الى السماء ومجيئه فى المجد وملكوته الابدي. ولقد تطابق الناموس والنبوات والمزامير فى المسيح يسوع ابن مريم العذراء، وهذا ما قام بشرحـه يسوع مع تلميذي عمواس ليفهموا الـمكتوب عنه:"ثم إبتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الامور الـمختصة بـه فى جميع الكتب"(لوقا25:24-27). وكما تكامل رسم يسوع فى العهد القديم حتى أتت الساعة وجاء فى ملء الزمان:"ولـما جاء ملء (كمل) الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة" (غلاطية4:4)، كذلك تكاملت النبؤات وأشارت إلـى تلك الأم العجيبة. ————— 3. مريم العذراء التى جاء ذكرها فى العهد الجديد الأناجيل الأربعـة الإنجليين الأربعة ينقلون جميعا البشرى الخلاصيـة ولكن كل واحد منهم ينظر إليها من زاويـة خاصة وحسب الغايـة التى يتوخاهـا وظروف القراء الـمؤمنين ودرجـة ثقافتـه. القديس مرقس: يبدأ حياة يسوع بعماده ويهمل سني طفولته وحداثتـه ولا يذكر مريم إلاّ عرضـا(مرقس31:3-35). القديس متى: وضع كتابـه لليهود وأراد أن يثبت لهم ان يسوع هو الـمسيح الـمنتظر، وقد أورد أكثـر من 100 نبؤة من العهد القديم. ولـم يسرد من حياة مريم إلاّ ما يعتبـره متمما للنبؤات القديمة عن يسوع وأمـه. القديس لوقـا: انـه يؤكد لنـا انـه مؤرخ وبّحـاثـة وقد قدم عن مريم تفاصيل عديدة لـم تذكر فى الأناجيل الثلاث الأخرى، فهو يصف لنا البشارة وزيارة أليصابات والسفر الى بيت لحم وتقدمة يسوع فى الهيكل وإفتقاده ثلاثة أيام. ولكن كانت الغايـة التى يكتب عنها لوقا إنجيله هو الخلاص الذى استحقـه العالـم بـموت الـمسيح. وقد أجمع علماء الكتاب أن الـمصدر الذى إستقى منه لوقـا الـمعلومات عن البشارة والزيارة والتقدمـة هـى مريـم العذراء نفسهـا. أمـا القديس يوحنـا: فإنـه يكتب إنجيلـه ليقدم الـمسيح بألوهيتـه ومن أجل هذا ركز كتاباتـه من أجل هذه الغايـة. ولكنه ذكر كلمات السيد الـمسيح لـمريم فـى عرس قانا الجليل وعند الصليب. 4.مريم العذراء هى عذراء من الناصرة "وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم"(لوقا26:1-27) ذُكر فى الكتاب الـمقدس عن القديسة مريم إنها "عذراء" فى خمس مواضع: (اشعيا14:7) و(متى23:1) ومرتان فى (لوقا27:1) وفى (لوقا34:1)، فإذا كان الإنجيل يدعوهـا "العذراء" وهى لـم تكن فيكون الكتاب الـمقدس ليس هو كلمة الله. لو لـم تكن مريم عذراء،ناصعة،طاهرة لـما أتى منها مخلص العالم، فالنبؤات تعلن عن مجيئ المخلّص الـموعود من إمرأة،عذراء،قديسة،طاهرة وبلا عيب. ان الرموز والشخصيات فى العهد القديم تعكس كلها صورة الـمـسيّا الآتي وترتبط معظم تلك الرموز بأم الـمسيّا، فزكريا وحزقيال وداود واشعيا وميخا النبي فى كتاباتهم ذِكرُ للعديد من تلك النبؤات عن بتولية أم الـمخلص وطهارتها وبرارتها. لو لم تكن مريم عذراء لـمـا ذكر الوحي على لسان متى ولوقـا عن هذه الصفة أي شيئ. لو لم تكن مريم عذراء لـما وصفها الملاك جبرائيل "ياممـتلئة نعمة". لو لـم تكن مـريم عذراء لـمـا قال لها ملاك الرب "انك قد وجدت نعمة عند الله" (لوقا30:1) والتى لم تقال لبشر من قبل. ——————— 5. مريم العذراء هى من كانت مخطوبة ليوسف البار "إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف. واسم العذراء مريم"(لوقا26:1-27) كما يذكر لنا التقليد الكنسي أن العذراء مريم لـما أكملت من العمر ثلاث سنوات قدّمها أبواها يواقيم وحنة الى الهيكل إتماماً لنذرهما وفى السنة السادسةمن عمرها توفى أبوها وبعد ذلك بسنتين توفيت أمها أيضا. ولهذا فقد قضت طفولتها فى الهيكل حتى بلغت الرابعة عشرة من عمرها. وهنا كان يلزم طبقاً للتقاليد ان تترك الهيكل، وهنا ظهر دور القديس يوسف بن يعقوب الذى من الناصرة فى حياة مريم. ولـمّا كانت العذراء يتيمة الأبوين لذا كان من الضرورة ان يتولى رئيس الكهنة أمر خطبة مريم. ويخبـرنـا التقليد أيضاً من خلال بعض الكتب الغير قانونية أن رئيس الكهنة لما رأى بأن الزمان قد حان لتخطب مريم أعلن ذلك فجاء طالبوها عديدين من نفس السِبط الذى تنتمى له العذراء مريم وهو سِبط يهوذا،وعندئذ أخذت عصيّهم وكتب أسماءهم عليها ليختار الرب من بينهم من يصلح لآمته مريم. وقد لجأوا لهذه الطريقة والتى لجأ اليها موسى حينما أرشده الرب الى إختيار هارون رئيس الكهنة وتم هذا بالفعل كما جاء فى سفر العدد"فإذا عصا هارون التى هى لبيت لاوي قد أفرخت فأخرجت براعيم أزهرت وأنضجت لوزاً" (العدد 8:17). فبعد ان وضعوا العصي فى الهيكل استقرت حمامة على عصا يوسف بن يعقوب النجار وقيل انها افرخت. الـمهم انه كانت هناك علامة إلهية لهذا الإختيار وبالفعل تم عقد الخطوبة ما بين مريم ويوسف،ومنذ ذاك الوقت أخذها يوسف الى بيته فى الناصرة بعد أن طلب منـه الـملاك ذلك فى حلم (متى24:1). وتلك الخطوبـة قد اشارت اليها آيات الكتاب الـمقدس:"أرسل الـملاك جبرائيل من قبل الله الى مدينة فى الجليل تسمى ناصرة الى عذراء مخطوبة لرجل اسمه يوسف من بيت داود واسم العذراء مريم"(لوقا26:1-27)،"وصعد يوسف من الجليل من مدينة الناصرة الى اليهودية الى مدينة داود التى تدعى بيت لحم لأنه كان من بيت داود وعشيرته ليكتتب مع مريم امرأته المخطوبة وهى حبلى"(لوقا4:2-5).وما كان ليوسف أن يأخذ مريم الى بيته ما لم يعقد الكهنة عليهما عقداً رسمياً وفقاً للشريعة. ——————— 6.مريم العذراء هى من حُييت من الـملاك جبرائيل "فدخل إليها الملاك وقال:السلام عليكِ ..الرب معك" (لوقا28:1) لم تكن هذه بالتحية العادية كقول "يوم سعيد" ولا حملت معنى "سلام" او "شالوم"بالعبريـة، لكن الكلمة اليونانية للسلام هنا "شيريـه" تعنى كمال معنى الفرح. لقد إستخدم بعض أنبياء العهد القديم ذات التحية موجهة الى "إبنـة صهيون" يسألونهـا أن تفرح جداً بل تصرخ علانية: "ترنمي يا إبنـة صهيون،اهتفي…افرحي (شيري) وابتهجي من كل قلبك يا إبنة اورشليم" (صفنيا14:3و17)، "إبتهجي (شيريـه) جدا من كل القلب والنفس يا إبنة صهيون هوذا ملكك يأتيك…ويسكن فى وسطكِ" (زكريا9:9). فى القديم جاءت التحية "إفرحي يا إبنة صهيون" وعبريـا تعنى "راني نيوخانـاه"، وفى البشارة جاءت التحية للعذراء "إفرحي يا ممتلئة نعـمة" وعبريـا تعنى "راني شانيناه"،انـه تشابه عجيب. انهـا دعوة للفرح بالـمسيّا الآتـى،مريم صارت تجسداً لإبنـة صهيون التى تنتظر الـمخلص فلتفرح وتبتهج. مريـم هى إبنة صهيون فتمثل شعب الله الـمختار كلـه،فهى إذن مختارة بحسب تدبيـر اللـه السري العجيب لتكون أم الـمسيح كقول الـمرّنم"لإنك أنت نسجتني فى بطن أمي ولم تختف عنك عظامي حينما صنعت فى الخفاء"(مزمور13:139-14). 7. مريم العذراء هى الممتلئة نعمة فدخل إليها الملاك وقال:"..السلام عليك يا ممتلئة نعمة" (لوقا28:1) عندما اُرسل الـملاك جبرائيل الى مريم حياها تحية عجيبة "السلام عليك يا ممتلئة نعمة"(لوقا28:1)."الـممتلئـة نعـمة"، وباليونانيـة (خاريتون) وهى تعنى الإمتلاء من النعمة حتى الفيض وهذا الإمتلاء من النعمة هو عمل الرب فهو يملأ بنعمته كل محبيـه،وهذا الإمتلاء هو بدء التلامس بشخص الـمسيح. وهي كانت المرة الوحيدة التي جاء ذكر هذا التعبير فى الكتاب المقدس –الـمِلء حتى الفيض-،وترجمات الكتاب التى جاءت فيها هذه العبارة " أيتها المنعم عليها" ليست تحمل المعنى الحقيقي للكلمة اليونانية الاصلية (خاريتوميني) = الملء حتى الفيض. فتعبير "الممتلئة نعمة" يدل على شيء قد حدث فعلا . ممتلئة الآن قبل حلول الروح القدس وتجسد الإبن فى أحشائها. وكان سلام الملاك وهو يلقبها بأنها "ممتلئة نعمة" كان قبل أن يحل عليها الروح القدس وقبل أن تظللها قوة العلي، أي انها كانت ممتلئة نعمة قبل بشارة الملاك وليس بعد أن قبلت أن تكون "آمة للرب". وكلمة "ممتلئة نعمة" كما جاءت فى اللغة اليونانيـة، قد استخدمت مرتان فقط فى العهد الجديد فى انجيل لوقا28:1 فلقد قيلت لمريم قبل الفداء،وفى رسالة القديس بولس لأهل افسس عن نعمة المسيح بعد الخلاص"الذى لنا فيه الفداء بدمـه مغفرة الزلاّت على حسب غِنى نعـمته"(افسس6:1). ان حلول اللـه فى هيكل بشري يسبقه تقديس لهذا الهيكل كي يؤهـله لهذا الحلول،وهنا كان الإمتلاء والتقديس لـمريم منذ البدء. "ممتلئة نعمة" تعنى ان مريم مثال لعلاقة جديدة بين اللـه والإنسان،فلقد حاول الإنسان منذ القديم أن يتقرب الى اللـه،فقّم لـه ذبائح وتقدمات إسترضاء وإستعطاف وإتقاء،غير ان اللـه لم يرتض بهذه الذبائح لأنهـا بقيت حاجزا بين اللـه والإنسان،وأعطى اللـه للإنسان عن طريق الوحي الطريق الوحيد لإرضاء اللـه وهو قلب الإنسان فيقدمـه ذبيحة للرب. فى القديم بعض الوسطاء قد جسدوا حضور اللـه للشعب بتابوت فيه عصا ولوحا العهد والذى كان رمزاً للعهد مع الله وكلامه،وبعد بناء الهيكل وهو الـمثال الحي لوجود اللـه بين شعبه،وها الآن إختار اللـه من بين الذين أخلوا قلوبهم لإستقبالـه فحلّ فى أحشاء مريم الطاهرة ليدخل العالـم ويعيش بين الناس. هذه العلاقة الجديدة بين الله والإنسان وهذا الـمثال وضح تماما فى مريم بنوع فريد وقد أرادهـا الله فى قلب كل إنسان وهو الإمتلاء من النعـمة والـمتاحـة لكل فرد منـا. إفرحي يا مريم وإبتهجي يا إبنة صهيون..يا ممتلئة نعـمة. ان الرب معكِ، انهـا نفس ما جاء على لسان اشعيا النبي "صوتـي وإهتفي يا ساكنة صهيون لأن قدوس اسرائيل عظيم فى وسطِك"(اشعيا16:12) ،إذا فيهـا سيكون قدوس اسرائيل. لهذا قال الـملاك لـمريم :"فالقدوس المولود منك يُدعى ابن الله"(لوقا35:1)، فها هي البشرى من انهـا ستكون مسكناً لـمصدر النعم، انهـا تابوت للعهد الجديد،وانهـا ستكون أم لـمن دعاه الآب "ملئ محبتـه". —————— 8. مريم العذراء هى أم يسوع "وها أنت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع"(لوقا31:1) مريم أم يسوع هذا هو اللقب الأكثر إنتشاراً عن العذراء مريم فيعلاقتها بالسيد المسيح في تجسده، حين تمت ولادة الصبي يسوع أصبحت العذراء مريم تُدعى "أم يسوع وهو اللقب الذي يذكره عنها كُتَّاب العهد الجديد(يوحنا 2: 3، 19: 25-26،لوقا 2:48، مرقس 3: 31-33، مرقس 6: 3، أعمال 1: 14(. حوى العهد الجديد العديد من الآيات التى تشير بأن مريم هـى أم يسوع: – جاء فى بشارة الـملاك لـمريم:"ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسـمينه يسوع" (لوقا31:1-33). – "يايوسف يا ابن داود لا تخف ان تأخذ مريم امرأتك لأن الذى حبل بـه فيها هو من الروح القدس فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع لأنـه يخلص شعبه من خطاياهم"(متى20:1-21). – "ولـما تمت ثمانيـة ايام ليختتنوا الصبي سمى يسوع كما تسمى به من الـملاك قبل أن حبل به فى البطن"(لوقا21:2). – "كان عُرس فى قانا الجليل وكانت أم يسوع هناك"(يوحنا1:2). – وكانت واقفات عند صليب يسوع امـه واخت امه مريم زوجة كلوبا ومريم الـمجدلية، فلما رأى يسوع امـه والتلميذ الذى كان يحبه واقفا قال لأمـه يا امرأة هوذا ابنك"(يوحنا25:19-26). فمريم إذن هى أم يسوع. ——————— 9. مريم العذراء هى أم إبن العليّ "هذا يكون عظيما، وابن العلي يدعى"(لوقا32:1) هنـا يؤكد ملاك اللـه ان الأمر هو من الله، ويؤكد لهـا بسبب انهـا قد وجدت نعمة عند الله فلا يوجد اي مكان للخوف أو الإستغراب،ومن ان ما كُتب عنه فى التوراة والأنبياء وما جاء من رموز وشخصيات وأحداث من قبل عن الـمخلّص الآتي "ابن العلي" و "العظيم" و"إبن داود" و "الـملك" و "الملك الذى لا إنقضاء لـملكه"، ها هو سيأتـى الآن عن طريق مريـم. ———————— 10. مريم العذراء هى أم إبن داود "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه" (لوقا32:1) لقد جاء فى نبؤات العهد القديم:َأُقِيمُ لِدَاوُدَ غُصْنَ بِرٍّ، فَيَمْلِكُ مَلِكٌ وَيَنْجَحُ، وَيُجْرِي حَقّاً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ" إرميا 23: 5 – أنظر 2 صموئيل 7: 12 – 16 ، مزمور 132: 11 " . ولقد تحقق هذا فى يسوع: – إبن داود " لوقا 3: 23 و31 – أنظر متى 1: 1 ، 9: 27 ، 15: 22 ، 20: 30 و31 ، 21: 9 ، 15 ، 22: 41 – 46 ، مرقس 9: 10 ، 10: 47 و48 ، لوقا 18: 38 و39 ، أعمال 13: 22 و23 رؤيا 22: 1 " . في 2 صموئيل 7: 11 يوضح ناثان النبي أن الوعد ليس لداود نفسه بل لنسله، وأن داود لن يبني بيت الرب، لكن الرب هو الذي سيبني بيت " عائلة "داود" ولقد كان ليسى ثمانية أبناء على الأقل " (1 صموئيل 16: 10 و 11)،" وقد استبعد اللّه سبعة منهم، واختار داود. ومريم العذراء هى ام يسوع وهذا يعنى انها ام "إبن داود". —————– 11. مريم العذراء هى أم ملك إسرائيل "ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لوقا33:1) جاء فى سفر ميخا النبي نبؤة عن الـمسيّا الآتي:" أما أنت يا بيت لحم أفراتة، وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل"(ميخا2:5). ومريم العذراء هى ام يسوع التى ولدته فى بيت لحم ويسوع هو المسيح "ملك اسرائيل" كما أجاب نثنائيل و قال له "يا معلم انت ابن الله انت ملك اسرائيل"(يوحنا49:1). ———————- 12. مريم العذراء هى أم بفعل الروح القدس "الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله"(لوقا35:1) "لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس"( متى20:1) جاء فى نص انجيل متى:"أما مولد الـمسيح فكان هكذا لـما خطبت مريم أمه ليوسف وُجدت من قبل أن يجتمعا حُبلى من الروح القدس" (متى18:1). وعندما ظهر الـملاك ليوسف فى حلم قال:"لا تخف أن تأخذ امرأتك مريم فإن الـمولود منهـا هو من الروح القدس ..وكان هذا ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل ها إن العذراء تحبل وتلد إبناً ويُدعى عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا"(متى19:1-24). وفى نص القديس لوقا:" وها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع. وهذا سيكون عظيماً وابن العليّ يُدعى. وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيـه ويملك على آل يعقوب الى الأبد". وعندما تسآلت مريم"كيف يكون هذا"، "فأجاب الـملاك وقال لهـا إن الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العليّ تُظلّلكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعى إبن الله"(لوقا31:1-32و35). من هذه الآيات يتضح الآتـى: – ان المولود هو "إبن العليّ"،"المالك إلى الأبد"،الذى ليس لملكه نهاية". – انـه "القدوس" ، "إبن الله". – ان الحـمل و الـميلاد تـما بقوة الروح القدس وبدون زرع بشر. – ان قوة الله العليّ ظللّت العذراء والروح القدس نفسه حلّ عليهـا. – ان الـمولود هو من العذراء نفسها "الـمولود منكِ"، بمعنى إنـه نـما كأي جنين فى بطن امـه وتغذى على طعامها وأخذ ناسوتـه بالكامل منهـا. معنى هذا ان الجنين أو الـمولود الذى كان فى بطن مريم العذراء هو القدوس ابن الله العليّ الـملك "الإلـه الحقيقي"(1يوحنا20:5)، وهو "صورة الله الغير الـمنظور وبِكر كل خلق"(كولوسي15:1). —————— 12. مريم العذراء هى آمـة الرب فقالت مريم: هوذا أنا أمة الرب(لوقا 38:1) الإتضاع فى الـمسيحية سر من أسرار الـمسيح نفسه الذى مارسه فى ذاتـه وأعطاه لنـا نحن الـمؤمنين كقوة بها نتنازل راضيـن طائعيـن عن كل حق بشري مادي أو كرامـة أو مكافأة أو إمتياز تشبهـا بالـمسيح وتـمسكاً بحق الله وكرامتـه ونعـمته. فالسيد الـمسيح هو أعظم مثال لفضيلـة التواضع"تعلّموا منـي لأنـي وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحـة لنفوسكم"(متى29:11). ومريم العذراء وسط النعم هتفت بالشكر"تعظم نفسي الرب" معلنة ان كل النعم هى من الرب "لأنه صنع بى عظائم"وتعلن "هوذا أنا آمة للرب"، ورغم سماعها مديح اليصابات "كيف تأتي أم ربي الي" لكنها صرخت "لأنه نظر الى تواضع آمته" (لوقا 48:1). إن الكبرياء والغنى البشري هى أمور تحجب عظمة الله وتتعارض مع حبه. إن الله إختار أماً لإبنه من بين تلك الفئة التى يدعوها الكتاب فقراء يهوة أي اولئك الذين ترقبوا الخلاص. وكلنا يعلم أن سقطة الإنسان الأولى كان سببها الكبرياء (سقطة الشيطان -أشعيا:14-14، سقطة آدم -تكوين5:3). ان مريم العذراء "قالت ها أنذا آمة الرب" ..فلم تفكر كيف ستنفذ أمر الرب..أو كيف سيستخدمها الرب..فقدمت ذاتها بكليتها طائعة. بعد أن أخبر الملاك مريم بالسر الإلهي والحبل بمخلّص العالم..يقول لنا الكتاب انها أسرعت الى بيت أليصابات وهناك سمعت مديحاً وتطويباً على لسان أليصابات بعد ان إمتلأت من الروح القدس (لو 42:1-45). كان يمكنها أن تصيح (تعالوا وانظروا..هاتو تقدماتكم وبخوركم فأنا أم الـمسيا…!!). ولكنها أعلنت إتضاعها العجيب " تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر الى تواضع آمته" (لو 48:1). وعند زيارة الـمجوس باحثين عن الـمـولود ملك اليهود..لم تقل مريم أنا أم الـملك وقدموا لي الهدايا والإكرام والسجود.. لقد كانت السقطة الأولى للإنسان هى خطيئة الكبرياء .. "تصيران آلهة عارفي الخير والشر" (تكوين 5:3) وسقطة الشيطان كانت أيضا بسبب الكبرياء كما جاء فى سفر اشعياء (أشعيا 13:14-14). "فمن رفع نفسه اتضع ومن وضع نفسه ارتفع"(متى12:23)، وكما يوصينا معلّمنا بولس الرسول قائلاً:"فالبسوا كمختاري الله القديسين الـمحبوبيـن أحشاء الرحـمة واللطف والتواضع والوداعـة والآنـاة"(كولوسي12:3). ——————– 13. مريم العذراء هى أم عمانوئيل "هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا، ويدعون اسمه عمانوئيل الذي تفسيره: الله معنا" (متى 23:1) جاء فى سفر اشعيا نبؤة ميلاد عمانوئيل من عذراء"ولكن يعطيكم السيد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمانوئيل (اشعيا14:7) وإن "إيل" الموجودة في آخر الاسم عمانوئيل هو اسم اللّه، كما يورده إشعياء في نبواته. وعندما أقام السيد المسيح إبنة أرملة نايين من الموت جاء "فأخذ الجميع خوف،ومجدوا الله قائلين:قد قام فينا نبي عظيم، وافتقد الله شعبه"(لوقا16:7). ——————– 14. مريم العذراء هى من منها أصبح الكلـمة جسداً "والكلمة صار جسدا"(يوحنا14:1) سرّ الدهور كلها أن الكلمة الإلهي الأزلي صار جسدًا، إذ اتحد اللاهوت بالناسوت، وصار واحدًا منا. من رآه وتلامس معه رأى مجد الابن الوحيد لأبيه كما شهد القديس يوحنا المعمدان بذلك “يوحنا شهد له ونادى قائلا: هذا هو الذي قلت عنه: إن الذي يأتي بعدي صار قدامي، لأنه كان قبلي”(يوحنا15:1) وتمتع بالنعمة والحق"ومن ملئه نحن جميعا أخذنا، ونعمة فوق نعمة لأن الناموس بموسى أعطي، أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا. الله لم يره أحد قط . الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يوحنا16:1-18). ———————- 15. مريم العذراء هى من منهاِ ظهر الكلـمة بيننـا "والكلمة صار جسدا وحل بيننا، ورأينا مجده، مجدا كما لوحيد من الآب، مملوءا نعمة وحقا"(يوحنا14:1) من أجلنا أخلى نفسه عن مجده الإلهي المنظور، وكما يقول الرسول بولس: "الذي كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه، أخذًا صورة عبد، صائرًا في شبه الناس" (في 2: 6-7).. هذا الإخلاء لم يسبب تغييرًا في خصائص لاهوته، لأن لاهوته المتحد بناسوته لم يمتزج معه، إنما بتأنسه صار الكلمة إنسانًا كاملاً حقيقيًا وهو العلي الإله السماوي. بهذا فتح لنا بابًا إلى الأقداس السماوية. "فإذ لنا أيها الاخوة ثقة بالدخول إلى الأقداس بدم يسوع، طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا بالحجاب، أي جسده" (عبرانيين 10: 19-20). ——————– 16. مريم العذراء هى المباركة بين النساء " وامتلأت أليصابات من الروح القدس وصرخت بصوت عظيم وقالت: مباركة أنت في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك"(لوقا41:1، يهوديت18:13) هنا كانت القديسة اليصابات تحت تأثير الروح القدس الذى كان يتكلم بفمها. يوحنا ابتهج بقدوم مريم الحاملة للرب يسوع فإرتكض فى بطن امـه،تماما مثلما رقص داود بكل قوة امام تابوت الله حين دخوله اورشليم. مريم تنشر البشرى،تنشر السلام والفرح وتحمل المسيح للآخريـن. عندما تلاقت اليصابات ويوحنا بالمسيح فرحا وتهللا ونطقت اليصابات بالتسابيح "مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ" هذه التحية مشابهة لتلك التحية التى استقبل بها المسيح فى اورشليم "مبارك الآتى بإسم الرب"(متى29:21) و"مبارك الآتي بإسم الرب ملك اسرائيل"(يوحنا13:12) وهنا تحية لأم الـملك. "الـمبارك" كان يستعمل عند اليهود للتعبير عن الله الذى لا يجرؤ احد ان يلفظ اسمه،فزكريا يبدأ تسبحته "مبارك هو الرب إلـه اسرائيل"(لوقا18:1)،وفى محاكمة يسوع سنجد رئيس الكهنة يسأل "هل أنت الـمسيح إبن الـمبارك"(مرقس7:14)،ونحجها ايضاً فى تحية ملكيصادق لإبراهيم "مبارك ابرام…ومبارك الله العلي"(تكوين19:14). وفى سفر يهوديت سنجد نفس الـمباركـة "مباركة أنتِ فى النساء"(يهوديت18:13)، وها هى بركة العذراء "مباركة أنتِ فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنكِ". —————- 17. مريم العذراء هى أم الرب "فمن أين لي هذا أن تأتي أم ربي إلي"(لوقـا 43:1) شهدت اليصابات بالروح القدس عندما سمعت سلام مريم كما جاء "وامتلآت أليصابات من الروح القدس"،فصاحت بصوت عظيم وقالت:"فـمن أين لـي هذا أن تأتـي أم ربـّي إليّ"(لوقا41:1-45). ان الروح القدس شهد ان مريم هى "أم الرب"، فكلمة "رب" والتى جاءت فى النص اليوناني الـمكتوب بـه انجيل لوقـا "كيريوس" هى التى استعملتهـا أليصابات بعد ذلك عندما قالت:"طوبـى للتي آمنت لأنـه سيتم ما قيل لهـا من قِبل الرب"(لوقا43:1و45)، لهو شهادة صريحة من الروح القدس من أن مريم تحمل الرب. وفـى نص بشارة الـملاك جبرائيل للعذراء أن إبنهـا "سيعطيه الرب الإلـه عرش داود أبيه ويملك على آل يعقوب إلى الأبد" (لوقا32:1)،وفـى كلمات أليصابات عندما صاحت بصوت عظيم "من أين لـي هذا أن تأتـى أم ربـي إلـيّ" (لوقا43:1) نجد إنـه بسبب مُلك إبنهـا حصلت مريـم على هذا الشرف أن تكون "أم الرب". ——————- 18. مريم العذراء هى التى فرحت لأنها آمنتِ بـما قيل لها من قِبل الرب فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب(لوقا45:1) مريـم العذراء عبّرت عن فرحهـا بالتسبيح والترانيـم كقول يعقوب الرسول:"هل فيكم مسرور فليُرّتل"(يع13:5)، وأنشدت تسبحتهـا العجيبة:"فقالت مريم تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي باللـه مخلّصي.."(لوقا46:1). لقد أتـى الفرح فى حياة مريم العذراء بتجسد الـمسيح فى أحشائهـا فها هو يوحنا الـمعمدان "يرتكض بفرح"(لوقا44:1) فى أحشاء اليصابات ورنّـمت مريـم. وبعدهـا هتفت الـملائكة بـميلاد يسوع إبن مريـم "ها آنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب"(لوقا10:2-11). بـمريم العذراء تحققت نبؤات الفرح التى وعد بهـا اللـه فى القديم إبنـة صهيون: "ترّنـمي يا ابنة صهيون. افرحي وتهللّي بكل قلبك يا ابنة اورشليم" (صفنيـا14:3)،"ابتهجي جداً يا بنت صهيون واهتفي يابنت اورشليم"(زكريا9:9)،و"إستيقظي استيقظي البسي عزّك يا صهيون البسي فخرك يا أورشليم"(اشعيا1:54). فرح البشارة وفرح الزيارة وفرح الـميلاد وفرح القيامـة مع التلاميذ(لوقا41:24و52). —————- 19. مريم العذراء هى آمـة متواضعـة أمام الرب "لأنه نظر إلى اتضاع أمته"(لوقا48:1) نقرأ قول يسوع"تعلمو مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (متى 29:11). ومريم وسط النعم هتفت بالشكر "تعظم نفسي الرب" معلنة ان كل النعم هى من الرب "لأنه صنع بى عظائم" وتعلن "هوذا أنا آمة للرب"، ورغم سماعها مديح اليصابات"كيف تأتي أم ربي الي" لكنها صرخت "لأنه نظر الى تواضع آمته" (لوقا 48:1) "قد أُخبرك أيها الإنسان ما هو صالح وماذا يطلبه منك الرب إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة وتسلك متواضعاً مع إلـهك" (ميخا 8:6). إن الكبرياء والغنى البشري هى أمور تحجب عظمة الله وتتعارض مع حبه. إن الله إختار أماً لإبنه من بين تلك الفئة التى يدعوها الكتاب فقراء يهوة أي اولئك الذين ترقبوا الخلاص. وكلنا يعلم أن سقطة الإنسان الأولى كان سببها الكبرياء (سقطة الشيطان -اشعيا 13:14-14، سقطة آدم -تكوين5:3). ————— 20. مريم العذراء هى من منها صنع الرب العجائب "لأن القدير صنع بي عظائم"(لوقا49:1) أنشدت مريم العذراء نشيدها هذا كنبيّة فتعتبر أخر نبيـة فى العهد القديم وأول أنبياء العهد الجديد. انها تسبحة تبين ان مريم كان ذهنها مملوء من الأسفار المقدسة فهى تشابه تسبحة حنة ام صموئيل النبي (1ملوك11:1) ولكن تسبحة حنة انتظار للمسيا واما تسبحة العذراء مريم فهى للفرح بتحقيق هذا الأمل. تسبحة تشبه ترنيمة التعظيم لاشعيا النبي "فرحا افرح بالرب تبتهج نفسي بالرب.."(اشعيا10:16-11). لا تنسب مريم لنفسها شيئا بل ان كل شيئ هو من نعمة الله. ها هى ابنة الناصرة القرية الفقيرة والحقيرة يحبها الله "نظر الى تواضع أمتـِه". لقد ترك الله كل الخراف وبحث عن خروف واحد وعن درهم واحد وعن مريض واحد فى بركة. لم تتكلم مريم عن الله باسمه ولكن بصفاته فها هى تدعوه القدير و القدوس و اله الرحمة. قيل ان هذه التسبحة هى تمهيد للموعظة على الجبل التى سيعلن المسيح فيها طوبى للمساكين والودعاءوالحزانى والجياع(متى5). هذه التسبحة تعلن عن ما فى نفس مريم من عمق الشركة مع الله"هل فيكم مسرور فليسبح بحمد الله"(يعقوب13:5). —————– 21. مريم العذراء هى من تحقق فيها وعد الله لإبراهيم "كما كلم آباءنا لإبراهيم ونسله إلى الأبد"(لوقا55:1) كان الله قد وعد إبراهيم قائلاً:" وانا اجعلك أمّةً كبيرة، وأباركك، وأعظّم اسمك، وتكون بركة..ويتبارك فى نسلك جميع أمم الأرض" (تك18:22،2:12).هذا النسل كما يؤكد القديس بولس هو الـمسيح:"لقد قيلت الـمواعيد لإبراهيم ولنسله. ولا يقول وللأنسال يعنى كثيرين بل ولنسلك يعنى واحداً وهو الـمسيح"(غلاطية16:3). إذاً لقد اختير ابراهيم لكي يولد من نسله يسوع المسيح مخلص جميع الأرض. هذا الوعد كان الله قد جدّده لداود :"واذا تـمت أيامك وإضطجعت مع آبائك وأقمت من يليك من نسلك الذى يخرج من صلبك واقررت ملكه فإني اقر عرش ملكه الى الأبد. انا اكون له اباً وهو يكون لي ابناً..وأقيمه فى بـيتي وفى ملكي الى الدهر ويكون عرشه ثابتاً الى الأبد"(الـملوك الثانى 12:7). وهذا ما سوف يذّكر بـه الـملاك جبرائيل مريم العذراء:"ها انت تلدين إبنا وتسمينه يسوع. انه يكون عظيما وابن العلي يدعى وسيعطيه الرب الإله عرش داود ابيه ويـملك على بيت يعقوب الى الدهر ولن يكون لـملكه إنقضاء"(لوقـا31:1-33). والقديس يوسف خطيب مريم العذراء كما جاء فى سلسلة النَسَب حسب القديس متى نجده قد أتى بعد 39 مرة من عبارة "فلان وَلَدَ فلان" فنقرأ:"يعقوب وَلَدَ يوسف رجل مريم التى منها وُلد يسوع الذى يُدعى الـمسيح"،فيكون يوسف هو من الناحية الطبيعية آخر حلقة فى السلسلة الداودية الـمباشرة وهو الذى يوم أبرم زواجه بـمريم أدخل يسوع الى ذريّة داود،فالإنتماء النسلي يـمر عادة بالرجل وبهذا تكون النبوءات قد تـمّت ويوسف قد ساهم فى ذلك التدبير الفدائي الذى أعده الله من أجل تـميم فداء البشر. ———————— 22. مريم العذراء هى من ولدت إبنها البِكر فـى بيت لحم "فصعد يوسف أيضا من الجليل من مدينة الناصرة إلى اليهودية، إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم، لكونه من بيت داود وعشيرته…..مع مريم امرأته المخطوبة وهي حبلى وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد فولدت ابنها البكر"(لوقا7:2) بيت لحـم، الـمكان الذى وُلد فيـه داود من قبل (1ملوك15:17)، وهو الـمكان الذى مُسح فيـه ملكـاً (1ملوك13:16). مدينة داود، بيت لحم، بيت الخبـز، فليس غريبـاً ان بيت لحم هذه تعطى للعالم كله خبز الحيـاة، الـمن الحقيقـي "يوحنا48:6)، ألـم يقل العهد القديـم انـه من نسل داود ومن بيت لحم القريـة التى كان داود فيهـا سيأتـى الـمسيح(يوحنا42:7). في بيتَ لحم في فِلَسطين. كما أنبأ بذلك ميخا النبيّ: "وأنتِ يا بيتَ لحمُ، أرضَ يَهُوذا، لستِ أصغرَ ولايات يَهُوذا، فمنكِ يخرج الوالي الذي يرعى شعبي.." (ميخا 5/1 ومتّى 2/6). "ولد لكم اليوم فـى مدينـة داود مخلّص هو الـمسيح الرب وهذه لكم العلامـة تجدون طفلاً مقمطا مضجعـا فـى مزود"(لوقا12:2). أما عن "إبنها البِكر" وهنا لقب "البِكر" الذى يطلق على يسوع "فولدت ابنها البكر"(لوقا7:2) لا يعنى مطلقاً أن العذراء قد ولدت أبناء بعد يسوع فالقديس متى إنـما دعا الـمسيح البِكر Prototokosلأن العذراء لم تلد مولوداً قبله لا لأنها ولدت بعده فهذه هى شريعة الرب القائلة:"قدّس لي كل بِكر فاتح رحم من بنى اسرائيل (خروج2:13)،(لوقا22:2-23). ويقول القديس ايرونيموس فإذا كان اللقب البِكر يتعلق فقط بمن لهم أخوة أصغر منهم فان الكهنة ما كانوا يستطيعون ان يطالبوا بالأبكار الى ان يولد ما بعدهم حتى يتم التأكد من أنهـم الأبكار. ويسوع هو بِكر الآب و"بِكر كل خليقة"(كولوسي15:1) وهو "البِكر من بين الأموات لكى يكون هو الأول فى كل شيئ"(كولوسي18:1)، "انت ابنى وانا اليوم ولدتك وأيضا أكون له أبا وهو يكون لي ابناً"(عبرانيين5:1-6). ————— 23. مريم العذراء هى من قمّطت إبنها ولفّته ووضعته فى المزود "فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل"(لوقا7:2) يقول التقليد الكنسي على لسان القديس الشهيد يوستين(150م)،إن القديس يوسف ومعه العذراء مريم عندما بلغا بيت لحم لم يكن لهما فيها أحد،إذ كانا قد استوطنا الناصرة منذ زمن بعيد. فإتجها الى الخان (الـمنزل أو النزُل) وهو مكان يشبه اللوكاندة تستقبل الـمسافرين،فلما لم يجدا فى الـمنزل مكاناً إلتجأ الى المغارة الـملحقة والتى كانت مخصصة للدواب وباتا فيهـا وهناك ولدت إبنها البِكر وقـمّطته وأضجعته فى الـمزود. ولقد شيّدت الملكة هيلانـة كنيسة فوق هذا الـمكان الـمقدس سنة 330م، وبعدها قام الإمبراطور جوستينان الأول(483-563م) وبنى كاتدرائية كبرى على هذا الـمكان،ويقال ان الكنيسة الحاليـة فى بيت لحم هى بقاياها أعيد ترميمها. ————– 24. مريم العذراء هى إمرأة وُلد منها المسيح "ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودا من امرأة، مولودا تحت الناموس"(غلاطية4:4) "ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح "(متى16:1) كل ما جاء فى الكتب والنبؤات عن المخلّص المنتظر قد تحقق بتجسّد كلمة الله فلو قرأنا العهد الجديد ومطابقتها بما جاء فى العهد القديم سنتحقق من مجيئ المخلّص المنتظر منذ بدء الخليقة: – قول الملاك للرعاة: "أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب"(لوقا11:2) – شهادة يسوع:" روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية وأكرز بسنة الرب المقبولة. ثم طوى السفر وسلمه إلى الخادم، وجلس . وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه فابتدأ يقول لهم: إنه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم"(لوقا18:4-21). وايضاً"قالت له المرأة: أنا أعلم أن مسيا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء.قال لها يسوع: أنا الذي أكلمك هو"(يوحنا25:4-26). —————— 25. مريم العذراء هى أم الـمخلّص "أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا11:2) "فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم"(متى21:1) يسوع المخلص: وقد تسمى يسوع حسب قول الملاك ليوسف (متى 1 : 21), ومريم (لوقا 1 : 31). ويسوع هو اسمه الشخصي. أما المسيح فهو لقبه. وقد وردت عبارة "الرب يسوع المسيح" نحو 50 مرة في العهد الجديد. ويسوع المسيح أو المسيح يسوع, نحو مئة مرة. بينما وردت كلمة المسيح أيضاً بالمخلص (لوقا 2 : 11). ووردت لفظة يسوع وحدها على الأكثر في الأناجيل, ويسوع المسيح, والرب يسوع المسيح في سفر الأعمال والرسائل. من الوجهة اللاهوتية فلا يوجد بين الله والبشر سوى واسطة واحدة ألا وهو سيدنا يسوع الـمسيح الذى تجسد وخلصنـا، ومريم العذراء لـم تخلّصنـا ولكنها كانت السبب فى خلاصنـا بولادتهـا يسوع مخلصنـا، ولـما كانت هـى أم يسوع- عندما جاء الـملاك جبرائيل للقديسة مريم ليبشرها بالـميلاد العجيب قال لها "ها أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسمينه يسوع هذا يكون عظيما وإبن العلي يدعى" (لو 32:1)، فالذى ولدته العذراء هو يسوع (يهوة يخلص) وهو ابن العلي،الله الكلمة الـمتجسد، وعند ظهور الـملائكة للرعاة فى بيت لحم قالوا: "أنـه قد وُلد لكم اليوم مُخلص وهو الـمسيح الرب فـى مدينة داود"(لوقا11:2)، وكما جاء فى رسالة القديس بولس الرسول:"فلّما بلغ ملء الزمان ارسل الله إبنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس"(غلاطية4:4). انّ تدخّل الله ليكوّن بقدرته الإلهيّة طبيعة يسوعالإنسانيّة في أحشاء مريم العذراء التي لم تعرف رجلاً هو علامة لتدخّله الخلاصي فيشعبه وفي العالم أجمع. فالمولود اسمه يسوع الذي يعني بالعبريّة "الله يخلّص". وستقوم رسالته على أنّه "هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى 21:1). فخلاص البشرلا يمكن أن يأتي من إنسان، فالإنسان محدود في الزمان والمكان، ولا يمكنه أن يحقّقبنفسه المصالحة مع الله القدير الذي يفوق كل زمان ومكان. خلاص البشر ومغفرة خطاياهملا يمكن أن يحقّقهما إلاّ الله وحده: "من يقدر أن يغفر الخطايا إلاّ الله وحده؟" (مرقس 2: 7). "والله هو الذي صالح في المسيح العالم مع نفسه ولم يحسب عليهم زلاّتهم"(2كورنثوس 5: 17). وبما أنّ الخلاص لا يمكن أن يأتي إلاّ من الله، فالقول إنّ يسوع هومخلّص إشارة واضحة إلى ارتباط خاصّ بين يسوع والله. رسالة يسوع هي إذًا فريدة بينالبشر: إنّه هو المخلّص، وتكوين طبيعته الإنسانية أيضاً فريد بين البشر. إذ لميُسمعَ قطّ أنّ امرأة تلد ابنًا من غير رجل. فمن فرادة الرسالة نخلص إلى فرادةالرسول. إنّه ليس مجرّد رسول كسائر الرسل البشر، وليس مجرّد نبيّ كسائر الأنبياءالبشر. إنّه إنسان، ولكنّه أيضاً أكثر من إنسان. وهذا ما يعبّر عنه يوحنّا بقوله: "والكلمة صار جسدًا وسكن في ما بيننا. وقد شاهدنا مجده، مجدًا من الآب لابنهالوحيد" (يو 1: 14). إنّه "ابن الله" الكائن منذ الأزل مع الله. إنّه ابن اللهالمخلّص. ومريم هي أمّ ابن الله المخلّص. ولقد اطلقت الكنيسة هذا اللقب "ام المخلص" على القديسة مريم أم يسوع عندما اعلنه البابا يوحنا بولس الثاني فى رسالته فى 25 مارس 1987. ————- 26. مريم العذراء هى أم الـمسيّا "أنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لوقا11:2) "التي ولد منها يسوع الذي يدعى المسيح"(متى 16:1) عندما سقط آدم وحواء فى القديم..حُرمـا من الفردوس، ولكن أُعلنت لهمـا نبؤة عجيبة، أعلنها الرب الإله مـخاطباً الحية " وأضع عداوة بينكِ وبين الـمرأة و بين نسلك ونسلها هو يسحق رأسكِ وأنتِ ترصدين عَقبه" (تكوين 15:3). إنها نبؤة عن مخلص "هو" يسحق رأس الحية.."هو" الـمخلص الـمنتظر..من نسل حواء. وكما أعلن الرسول بولس " وأما الـمواعيد فقيلت فى إبراهيم وفى نسله لا يقول وفى الأنسال كأنه عن كثيرين بل كأنه عن واحد وفى نسلك الذى هو الـمسيح"(غلاطية 16:3). هذه النبؤة عن الـملك الـمنتظر قد إمتلأ الكتاب الـمقدس بالرموز والشخصيات التى تـتكلم عن الـمسّيا …ملك الـملوك. " لــه يـشهد جـميع الأنبياء" (أعمال 43:10) – " وأما أنا فمسحت مـلكي على صهيون جبل قدسي"(مزمور 6:2) . ومزمور 45 يتكلم كله عن الـمسيّا "كرسيك يا الله الى دهر الدهور قضيب إستقامة قضيب ملكك". -" لأنه يولد لنا ولد ونُعطى إبناً وتكون الرياسة على كتفه ويُدعى إسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً أبـا أبدياً رئيس السلام لينمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبـر من الآن والى الأبد" (اشعيا 6:9-7). – " هـا أيام يقول الرب وأقيم لداود غُصن برِ فيملك ملك وينجح ويجري حقاً وعدلاً فى الأرض….وهذا هو اسمه الذى يدعونه به الرب برُنــا" (أرميا5:23). – " وداود عبدي يكون ملكاً عليهم ويكون لجميع راع واحد فيسلكون فى أحكامي ويحفظون فرائضي ويعملون بها…وعبدي داود رئيس عليهم الى الأبد" (حزقيال 24:37-25). -" ابتهجي يا إبنة صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم هوذا ملكك يأتي اليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش إبن آتان" (زكريا9:9). – " يقيم اله السموات مملكة لن تنقرض أبداً وملكها لا يُترك لشعب أخر" (دانيال44:2). رُمــز اليه بالشخصيات الـملكية فى الكتاب الـمقدس أمثال داود وسليمان وملكيصادق. وفـى العهد الجديد..يذخر بالعديد من الأيات التى تدل على أن الـمسيح الذى وُلد من العذراء هـو الـملك الـمنتظر كـما أشارت اليه النبؤات. بشارة الـملاك لـمريم: "هـا أنتِ تحبلين وتلدين إبناً وتسـمينه يسوع هذا يكون عظيـماً وإبن العلي يدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب الـى الأبد ولا يكون لـملكه نهاية"(لوقا 31:1-33). مـجوس الـمشرق: "قائلين أين هو الـمولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه فى الـمشرق وأتينا لنسجد له" (متى 2:2)و إهتزت اليهودية كلها لهذا الخبر. نـثـنائيل وهو كان أحد الفريسين:" أجاب نثنائيل وقال له يـا معلم أنت ابن الله أنت ملك إسرائيل" (يوحنا49:1). الشعب اليهودي يوم أحد الشعانين: " أوصنا مبارك الأتي بإسم الرب مبارك ملك اسرائيل" (يو12:12). إقرار الـمسيح نفسه بأنه ملك: " فقال له بيلاطس أفأنت إذا ملك فأجاب يسوع أنت تقول أني ملك لهذا قد وُلدت أنا ولهذا قد أتيت الى العالـم لأشهد للحق" (يو 37:18). الكتابة فوق صليبه: " وكتب بيلاطس عنوانا ووضعه على الصليب وكان مكتوبا يسوع الناصري ملك اليهود" (يو19:19) وتذمر رؤساء الكهنة على ذلك كما يذكر الكتاب. ——————- 27. مريم العذراء هى من وُجدتِ من الرعـاة مع يوسف وإبنها الـمولود "قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض: لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب فجاءوا مسرعين، ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود"(لوقا16:2) الرعـــــاة هـم جماعة من اليهود كانوا على مقربة من بيت لحم،ظهر لهم ملاك،فخافوا خوفاً شديداً , وأعلن لهم البشرى وأعطاهم العلامـة. علامة للإيمان كما هى عادة الله مع بني إسرائيل لأنه يعرف قساوة قلوبهم, فتشاوروا وذهبوا مسرعين ووجدوا العلامة فآمنوا،وأخبروا بما سمعوا.وعادوا يـمّجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوا ورأوا. —————– 28. مريم العذراء هى من إحتفظت بكل شيئ فى قلبها "وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها "(لوقا19:2) لقد أعطتنـا القديسة مريم العذراء مثالاً صالحاً فى حياة الصمت:"أما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الأمور متفكرة بـه فى قلبهـا"(لوقا19:2)، فهى لـم تكن تحفظ الكلام فقط بل كانت تتفكر به فى قلبها. لقد رأت مريم العذراء أموراً عجيبـة فى حياتهـا كبشارة الـملاك جبرائيل وتسبحة اليصابات لها وإرتكاض الجنين فى أحشائهـا، ورأت زكريا الكاهن الذى صار صامتـاً، وتحيـة الرعاة وزيارة الـمجوس ونبؤة سمعان الشيخ فى الهيكل وجلوس الطفل يسوع بين الـمعلـمين، وغيرها من الأحداث ولكنهـا كانت صامتـة "متأملـة فى قلبهـا". صمتت أمام يوسف النجار وقت أن ساوره الشك ولم تدافع عن نفسها،وصمتت أمام أحداث الهروب وشكوك اهل الناصرة، وتحت الصليب، ولكنهـا تكلـمت واخبرت الرسل وفأخبرتهـم بـما لـم يُخبروا عنـه فكتبوا الأناجيل فى ضوء ما تكلـمت به إليهـم. ——————– 29. مريم العذراء هى من قدمتِ يسوع فـى الهيكل "صعدوا به إلى أورشليم ليقدموه للرب"(لوقا22:2) الصعود الى الهيكل كان عملاً تقويـاً مستمراً عبر الأجيال، انه تقديم الإبن البِكر الى الله وتقديم ذبيحة عوضاً عنه حيث قال الناموس:"كل بِكر إنسان من أولادك تفديه ويكون متى سألك إبنك غداً قائلاً ما هذا؟، تقول له بيد قويتة أخرجنا الرب من مصر من بيت العبوديّة وكان لـمّا تقسّى فرعون عن إخراجنا ان الرب قتل كل بِكر فى أرض مصر"(خروج13:13-16). وكان البِكر بنوع خاص يعتبر مخصصاً للـه منذ ليلة نجاة أبكتر إسرائيل ليلة خروجهم من أرض مصر، وإستمرت ذكرى هذه الليلة ماثلة فى أذهان كل يهودي بواسطة ثلاث فرائض يقوم بها سنويـا (خروج9:13و14:12و16:13). ان الاحتفال بتقديم الطفل يسوع الى الهيكل كان عمل له شقين: – ليقدموه للرب (لوقا22:2) – يقدموا ذبيحة (لوقا24:2) "ليقدموه للرب" – وكلمة "يقدموه" هى نفس الكلمة الـمستعملة فى رسائل بولس الرسول"قدّموا أجسادكم ذبيحة حيّة مقدسة مرضيـة عند الله"(رومية1:12) و"قدموا أعضاءكم عبيداً للبِر للقداسة"(رومية19:6)، انهـا تعنى تقديم ذبيحة أو قربان او تقديم كائن معين ليتقدس للـه. "ليقدموا ذبيحة" – تقدمة فرخى يمام او زوجي حمام للذبيحة وكان أحد الطائرين يُذبح ويُحرق بكامله للرب، أما الآخر فيُذبح وينضح الكاهن من دمه على الأم فتتطهر (لاويين8:12). فالطائر الأول يُقدم كمحرقـة رمز العطاء الكليّ والتقديس الكامل للرب، والدم رمز للتطهيـر. 30. مريم العذراء هى من فـى نفسها سيجوز سيف "وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف، لتعلن أفكار من قلوب كثيرة"(لوقـا 35:2) قد تنبأ سمعان الشيخ عن سيف الأوجاع والألم الذى سيجوز فى نفس مريم فقال لها:"وأنت أيضا سيجوز فى نفسكِ سيف لتُعلن أفكار من قلوب كثيـرة"(لوقا35:1). وأحزان القديسة مريم كما جاءت فى الكتاب الـمقدس تشمل: نبؤة سمعان الشيخ (لوقا33:2-35)، ولادتهـا ليسوع فى مغارة (لوقا7:2)،الهروب لأرض مصر (متى13:2-21)،قتل أطفال بيت لحم (متى16:2-18)،فقد يسوع لـمدة ثلاثة ايام فـى الهيكل (لوقا41:2-50)،الطريق الى جبل الجلجثـة (يوحنا17:19)،الصلب وموت يسوع (يوحنا18:19-30)،إنزال يسوع من على الصليب (يوحنا39:19-40)،ثـم وضع يسوع فى القبـر (يوحنا40:19-42) فصدقت فيهـا نبؤة ارميا النبي القائلة: " ماذا أُشبّـه بكِ يا بنت أورشليم ماذا أساوي بك فأُعزّيكِ أيتهـا العذراء بنت صهيون"(مراثـى ارميا 13:2).. وتأملنـا فـى كل تلك الآحزان يجعلنـا نفهـم أن العذراء مريـم قد إجتازت كل تلك الأحزان الأرضيـة بثقـة وإيـمان ورجـاء صادق فـى وعد الله بالحيـاة الأبـديـة، وهذا بالتالـى يدفع فينـا الثقـة فـى التشبـه بهـا فـى كل ما قد نتعرض لـه على الأرض من آلام وأحزان فلا يهتـز إيـماننـا، وأيضاً يبث فينـا الرجـاء والثقـة انـه مهـما طلبنـا منهـا فهـى تعرف من هـم الأبنـاء بكل مـا يتعرضون لـه من أحزان وضيق على الأرض فتصلّي وتتشفع من أجلنـا. ———————– 31. مريم العذراء هى من وُجدتِ من المجوس مع الطفل يسوع وأتوا إلى البيت، ورأوا الصبي مع مريم أمه. فخروا وسجدوا له"(متى11:2) جـاء فى إنجيل متى (7:2-13) ذكراً لحادثة زيارة مـجوس من المشرق الى أرض اليهودية باحثين عن" المولود ملك اليهود" لأنهم رأوا علامة .."نجمـه فى المشرق" ، فجاءوا "للسجود له" وإضطربت أورشليم وملكها هيرودس من تلك الزيارة ..وإستمع المجوس لتلك النبؤة عن مكان ميلاد المدبر الذي يرعى شعب إسرائيل وعن مكانة بيت لحم و أيضا أصغوا الى رغبة هيرودس الخبيثة من ان يذهب هو ايضا للسجود..وغـادروا أورشليم وأرشدهم النجم الذى ظهر لهم فى الشرق الى مكان الصبي .."ورأوا الصبي مع مريم امه فخـروا وسجدوا لـه ثم فتحوا كنوزهم وقدموا له هدايا ذهباً ولبانا ومراً" ….وإنصرفوا فى طريق اخرى الى كورتهم بعد ان أُوحي اليهم فى حلم ان لا يرجعوا الى هيرودس. المجــوس….من هم؟ ولأي غرض جاءوا؟ وما هى حقيقة النجم الذى ظهر؟ ولماذا ظهر لهم دون غيرهم؟ وما هذا النجم الذى يظهر ويتحرك ويختفى ثم يعاود الظهور؟.. المجوس..تضاربت الأقوال عنهم فمن قائل إنهم حكماء من أهل العلم المشتغلين بأمور الفلك وكانوا فيما يقال ملوكــاً وأسماؤهم غضبار وبلطاشصر وملكيور والبعض يقول انهم من بلاد العرب والبعض يقول انهم كانوا من دولة الفرس وكانوا ينتظرون مخلصا فى معتقداتهم مولود من بتول وكانوا ينتظرونه كل الف سنة، وهؤلاء كانوا من رتبة الكهنة وهم ليسوا ملوكا بل هم طبقة ما بين الملوك والشعب، برعوا فى علم الفلك والنجوم وكان كل همهم رصد النجوم وظهر لهم نجم غريب لم يشاهدوه من قبل فرجعوا لكتبهم وعرفوا بالنبؤة فتبعوا هذا النجم بكل شغف ليعرفوا هذا المولود المخلص. ففوجئوا بانه يتحرك ويسير بخلاف عادة النجوم فى حركتها العادية وسار هذا النجم حتى بلاد فلسطين ثم اختفى. ظهر النجم للمجوس بعد مقابلتهم لهيرودس وارشدهم لبيت الطفل "ووقف حيث كان الصبي"..نجم غريب حقا. ان ظهور النجم للمجوس كان تأثيره عجيب عليهم فهم كانوا لن يصدقوا اى شيئ لكن نجم مثل هذا دفعهم للسفر والترحال الى اليهودية وإجتياز أخطار الطريق ثم اخطار مقابلة ملك اليهودية .."اين هو ملك اليهود لقد رأينا نجمه فى المشرق وأتينا لنسجد له"..جاء المجوس ليسجدوا بعدما رأوا العلامة..جاء المجوس لتعليم اليهود، فها هم اهل نينوى والمرأة السامرية والنعانية وملكة التيمن صدقوا مارأوه وآمنوا ، ولكن اليهود أهل النبؤات قست قلوبهم. نجم واحد ساروا ورائه..آمنوا وتجرأوا وتحدوا الملك..إنها شجاعة الإيمان. توقعوا ان يلقوا ملكاً من اجل هذا سألوا عليه فى بيت الملك، ولكنهم وجدوا طفلاً فى أقماط بدون حرس ولا جيوش..اي خير كانوا يترجونه وقد أبصروا أمامهم كوخا وأماً مسكينة..! ولكن الكتاب يقول عنهم "فخروا وسجدوا وقدموا له عطاياهم".. "خروا" معناه إنسكاب القلب.."سجدوا" معناه إنسكاب الجسد.."قدموا" معناه إنسكاب النفس. لم يخافوا كما قلنا غضب او إضطهاد او تعذيب او هزء ، ولم يكن عندهم وعد إلهي بالخلاص بل أقوال حكيمهم زرادشت ولكنهم بحثوا عنه وفتشوا. أن المجوس هم اول من آمن من الأمميين بالمسيح. إن هذا لا يعني مطلقا ان علم الفلك والسحر ورصد النجوم قد دفع هؤلاء المجوس لأن تؤمن، انهم كاموا حكماء وعرفوا بحكمتهم من هو المسيا الآتي لخلاص العالم أجمع. وعندما تقابلوا مع هيرودس، إضطرب هو وجميع من فى أورشليم..أهذه الدرجة ينزعج العالم من خبر ظهور المخلص؟؟. وأراد هيرودس ان يختبر صحة أقوال المجوس فطلب منهم الذهاب والتحقق وفى نفس الوقت أرسل جواسيسه وراءهم..فإن كان حقا هناك مولود سيصبح ملكا لليهودية بدلا منه ومن أولاده فليقتل. وبالفعل أصدر أوامره بقتل أطفال بيت لحم وكان هؤلاء الأطفال يتراوح أعمارهم ما دون العامين وبلغ عددهم بالألاف حسب أقوال بعض المفسرين هم أول شهداء المسيحية. ويقول هيرودس للمجوس "افحصوا بالتدقيق عن الصبي ومتى وجدتموه أخبروني لكي آتي انا أيضا وأسجد له".ألم يقدر هذا الملك ان يذهب وحده لهذه البقعة ويسجد؟. يذكر الكتاب المقدس ان المجوس "قدموا عطاياهم"..ذهباً ولباناً ومـراً.. إنها رموز للملك والكهنوت والألم..فكأنهم يعلنوا ان هذا المولود هو ملك الملوك والكاهن الأعظم وعن طريق الألم سيملك ويخدم. ويذكر لنا الكتاب المقدس ايضا انهم بعد اللقاء بيسوع "إنصرفوا فى طريق أخرى الى كورتهم" ، انه ليس هربا او تخوفا ولكنهم تغيـروا،جاءوا عن طريق وعادوا من طريق آخر ، تغيرت حياتهم. "إذ أوحي اليهم فى حلم"..حلم ورؤيا يعني انهم امتلئوا نعمة وتغيروا فمن قبل اللقاء كان نجم يتحرك فى السماء وبعد لقاء يسوع كلمتهم السماء فى حلم كما كلمت يعقوب ويوسف ودانيال. 32. مريم العذراء هى من أخذها يوسف كمغتربة لأرض مصر فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر(متى14:2) تكلّم الـملاك مع يوسف فى حلم ليوجه له أمراً غريبـا أنـه الرحيـل والهروب إلى مصر قائلاً له:"قم وخذ الصبي وأمه وإهرب إلى أرض مصر وكن هناك حتى أقول لك فإن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكـه فقام وأخذ الصبيوأمه ليلاً وإنصرف إلى مصر"(متى13:2). وكان الرحيـل حسب أمـر الرب. لقد أمر الرب ابرام فى القديم أن يترك أهله وعشيرتـه، وها هو يطلب الآن من مريم ويوسف أن يتركا الأهل والعشيرة الى أرض غريبـة ووثنيـة. انـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيـه ابراهيم وسارة أيام الجوع، وانـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيه يوسف إبن يعقوب وهو مُباع وهارب من إخوتـه، وانـه نفس الطريق القديـم الذى سار فيه إخوة يوسف ثلاث مرّات ومعهم بنيامين ويعقوب، وأيضاً انـه نفس الطريق الذى سار فيـه موسى كليـم اللـه. بعد ذلك وجه الملاك أمراً ليوسف بالعودة قال له:"قم وخذ الصبي وأمـه وإذهب إلى أرض إسرائيل لأنـه مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي فقام وأخذ الصبي وأمـه وجاء الى أرض إسرائيل"(متى20:2-21). ————– 33. مريم العذراء هى من أخذت الطفل يسوع الى أورشليم فى عيد الفصح "ولما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا إلى أورشليم كعادة العيد"(لوقا42:2) "وكان أبواه يذهبان فى كل سنة الى أورشليم فى عيد الفصح"(لوقا41:2). فأعطت مريم بذلك نمـوذجا للإعتراف بسلطة الكنيسة وتعاليمها ووصاياها وتقديم أبنائنا لله. السير مسافات لتنفيذ الواجبات الدينية. تقديم كل مـا نمـلك للرب حتى أعز ما نمـلك وهم أولادنا. ————– 34. مريم العذراء هى من بحثتِ عن يسوع لمدة ثلاثة أيام "وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل"(لوقا46:2) بعد عودة العائلة الـمقدسة من مصر عاشت فى مدينة الناصرة حياة منطويـة كلها عمل ولـم يُذكر فى الأناجيل شيئاً عن هذه الفترة سوى ما ذكره لوقا الإنحيلي من حادثـة إختفاء يسوع فى الهيكل وعمره 12 عاما. في الثانية عشر من عمره بقيَ في أورشليم ولم يعلم أبواه إذ ظنَّاه بين الرفقة، وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف ولكنهما لم يجداه. بحث عنه أبواه، يوسف الذي نزل معه إلى مصر، لم يجده.فإنَّنا لا نجد يسوع ونحن بين الأهل والمعارف حسب الجسد، لا نجده في العائلة الجسديّة.فيسوع لن أجده بين الجموع. أنظر أين وُجد يسوع حتى تأخذ مريم ويوسف معك في البحث عنه فتجده. يقول لنا الإنجيل: وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل، لم يجداه إلا في الهيكل، كان جالسًا في وسط المعلِّمين يسمعهم ويسألهم. وأنت أيضًا اِبحث عن يسوع في هيكل الله. اِبحث عنه في الكنيسة. اِبحث عنه عند المعلِّمين الذين لا يبرحون الهيكل. اِبحث عنه هناك فستجده. لكن إن اِدَّعى أحد موهبة التعليم وليس له يسوع فهو معلِّم بالاسم فقط، لا تجد عنده يسوع… إننا نجد يسوع عند المعلِّمين الحقيقيِّين كقول البشير. 35. مريم العذراء هى من وجدت الطفل يسوع ثانية فـى بيت أبيـه "وجداه في الهيكل، جالسا في وسط المعلمين، يسمعهم ويسألهم وكل الذين سمعوه بهتوا من فهمه وأجوبته فلما أبصراه اندهشا . وقالت له أمه: يا بني، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين، فقال لهما: لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي"(لوقا46:2-49) يعلّق العلامة أوريجينوس على بحث القدِّيسة مريم والقدِّيس يوسف عن الصبي يسوع، قائلاً: "وجدوا يسوع فى الهيكل وكان يسأل أحيانًا ويجيب أحيانًا، فكان عظيمًا في أسئلته. ونحن نتضرَّع إليه حتى نسمعه يسألنا ويجيبنا. لنبحث عنه بجهد عظيم مقترنًا بالعذاب، عندئذ نجده، إذ يقول الكتاب: "هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين". لا تبحث عن يسوع في تراخِ وفتور وتردّد كما يفعل البعض، فإنَّ هؤلاء لا يجدوه. لا اِعتقد أنهما كانا معذَّبين لاِعتقادهم أن الصبي قد فُقد أو مات، فلم يكن ممكنًا لمريم أن تشك هكذا، وهو الذي حُبل به من الروح القدس، وبشَّر به الملاك، وسجد له الرعاة، وحمله سمعان، ولا يمكن أن تنتاب نفس يوسف هذا الفكر، وهو الذي أمره الملاك أن يأخذ الطفل ويهرب به إلى مصر وسمع هذه الكلمات: "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حُبل به فيها من الروح القدس" (مت 1: 20). لا يمكن أن يخَف يوسف على الطفل وهو متيقِّن أنه الله (الكلمة). إذن فعذاب الأبوين وسؤالهما له مغزى آخر قد لا يستشفُّه القارئ العادي. لقد بحثا عن يسوع وذُهلا لمجرَّد التفكير أنه ابتعد عنهما، أو تركهما وذهب إلى موضع آخر، أو ربَّما صعد إلى السماء لينزل في الوقت المناسب.أنت أيضًا إن فقدت ابن الله يومًا ما اِبحث عنه أولاً في الهيكل… اِسرع واِسرع إلى الهيكل هناك تجد يسوع الكلمة والحكمة، أي ابن الله". ويعلّق القدِّيس أغسطينوس على كلمات القدِّيسة مريم: "هوذا أبوك وأنا"، معلنًا أنها مع ما نالته من كرامة بتجسُّد كلمة الله في أحشائها سلكت بروح التواضع أمام يوسف فقدَّمته عنها قائلة: "أبوك وأنا". وهي تعلم أنه ليس من زرعه، لكنها خلال الحب الروحي الذي ملاْ العائلة المقدَّسة حسبته أباه وقدَّمته عن نفسها. ان أول كلمات نطق بها السيِّد كما جاء في الأناجيل المقدَّسة هي: "لماذا كنتما تطلباني، ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟!". هذه الكلمات تكشف عن طبيعة السيِّد المسيح وعن رسالته كما تحدَّد لنا ملامح السلوك اللائق: أ. فمن جهة طبيعة السيِّد المسيح، فهو وإن كان لا يتعرَّض على نسبِهِ لمريم ويوسف، إذ قالت له أُمّه: "هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين"، إذ كان يوسف أبًا له حسب الشريعة من أجل التبنِّي وان كان ليس من زرعه، وكانت مريم أُمَّه حسب الجسد، لكنه هو الذي العلي… يؤكِّد علاقته بالآب "ينبغي أن أكون فيما لأبي" معلمنا أنه ابن الله الآب! من جهة ناسوته ينسب للقدِّيسة مريم لأنها حملته، أخذ منها جسدًا، لكنه لا ينسب جسديًا ليوسف إنما من أجل خدمته له وارتباطه المملوء محبَّة. 36.مريم العذراء هى أم أطاعها يسوع فى الناصرة "ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة وكان خاضعا لهما"(لوقا51:2) كما يقول القدِّيس أمبروسيوس: "هل كان يمكن لمعلِّم الفضيلة أن لا يقوم بوجباته لهما؟! فإنَّه لم يخضع عن ضعف وإنما عن حب". هكذا قدَّم هذا الصبي الفريد مثلاً حيًا لطاعة الأولاد لوالديهم.وكما كتب القدِّيس جيروم للراهبة أوستخيوم: "أطيعي والديك ممتثلة بعريس". ويقول العلامة أوريجينوس: "لنتعلَّم يا أبنائي الخضوع لوالدينا…. خضع يسوع وصار قدوة لكل الأبناء في الخضوع لوالديهم أو لأولياء أمورهم إن كانوا أيتام… إن كان يسوع ابن الله قد خضع لمريم ويوسف أفلا أخضع أنا للأسقف الذي عيَّنه لي الله أبًا؟!. ألا أخضع للكاهن المختار بإرادة الله؟. إن كان السيِّد المسيح قد قدَّم درسًا علميًا ومثلاً حيًا للخضوع والطاعة للوالدين، فقد أعلن بكلماته "لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟ أنه من حق الطفل أو الصبي أن يسلك في رسالته حسب مواهبه وإمكانيَّاته ولا يكون آلة بلا تفكير في يديّ الوالدين. بمعنى آخر يليق بالوالدين أن يتعاملا مع ابنهما لا كامتداد لحياتهما يشكِّلانه حسب هواهما وأمنيَّاتهما، وإنما يوجِّهانه لتنمية مواهبه وقدراته. يعاملانه كشخص له مقوِّمات الشخصيّة المستقلَّة وليس تابعًا لهما. ——————– 37.مريم العذراء هى من صَحبت يسوع لعرس قانا الجليل "وفي اليوم الثالث كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك ودعي أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس"(يوحنا1:2-2) ذُكر "قانا الجليل" لتمييزها عن قانا الأخرى التابعة لافرايم في منطقة السامرة (يش ١٦: ٨؛ ١٧: ٩). "كانت أم يسوع هناك" غالبًا ليس كأحد المدعوين وإنما كأحد أفراد الأسرة، لهذا أدركت أن الخمر قد فرغت الأمر الذي لا يدركه المدعوون بل أصحاب العرس. هذا لم يكن بلا معنى، فإن كان هذا العرس هو أول آية صنعها يسوع ليربط بين العهد القديم والعهد الجديد، فإن أم يسوع وهي من سبط يهوذا أحد أفراد عائلة العهد القديم تتوسط لدى ابنها ليعلن بهجة الخلاص المفقودة، فقد فرغ خمر الفرح، وانقطع الأنبياء إلي فترة طويلة، وساد الحزن والمرارة علي الشعب. ———————- 38. مريم العذراء هى من قالت للخدام: "افعلوا كل ما يأمركم بـه"(يوحنا5:2) كلمات مريم العذراء فى عرس قانا الجليل للخدام "مهما يأمركم به فإفعلوه"(يوحنا 5:2) ما زال قائماً، ففى كل الـممارسات التقوية نجد ان هدفها هو تمجيد السيد المسيح. ومريم العذراء فى جميع ظهوراتها تكرر هذا الرجاء "مهما قال لكم إفعلوه" فهى تحرص على أن تقود ابناءها نحو الـمسيح. ان كل تمجيد او إكرام مقدم ما هو إلاّ أصداء لما كان يردده شعب اسرائيل فى القديم عند قبولهم لعهد الله على جبل سيناء:"جميع ما تكلّم به الرب نعمل به..ونأتمر به"(خروج3:24و7)، وجددوه ايام يشوع (يشوع24:24)، وعزرا (عزرا12:10) ونحميا (12:5)،وهى أيضاً تلبيـة لأمر الله القائل:"هذا هو إبني الحبيب فله إسمعوا"(متى5:17). فإذا كانت مريم تطلب منا سماع كلمة يسوع وإن كان الرب يسوع يأمرنا أن نكرّم قديسيه ألا نسمع النداء؟. آية قانا الجليل حيث لم يرفض لها يسوع طلباً بل قدم ساعة مـجده لما عرضت عليه مريم حاجة الناس وحيرتهم (يوحنا4:2). قصة عرس قانا الجليل تُلقي ضوءاً على علاقة العذراء مريم بالـمسيح الرب من جهة إمكا نية تشفعها عن الأخرين ومدى استجابة الرب لشفاعتها. والكنيسة تؤمن ان عرس قانا لايزال قائما والضيف الإلهي كما كان بلأمس هو هو قائم اليوم وإلى الأبد، والبشرية هى بعينها عاجزة وقد افرغت خمرها وفى أشد الحاجة الى العون الروحي والحكمة التى تسلك بها فى ظلمة هذا العالم، وأجران التطهير فارغة ومنسية لفشل الإنسان فى السلوك حسب الناموس والوصايا، والقلوب جافة ومتلهفة وهنا كل العيون تنظر الى الأم فى توسل لكي تنقل كلمة البشرية الى آذان الضيف الإلهي لكى يرحم ضعف البشرية، لا كأنه غافل عن الـمحبة ولا كأنه لا يسمع ولا يرى ولا كأنه كان يريد ان يسمع السؤال واضحاً. ان الرب مشتاق ان تصل الى اذنه كلمة واثقة تعبر عن حاجة الناس، ولكن من شفاه مؤمنة بقدرته السرمدية ، وهو يريد قلباً يطلب منه بدالة، دالة البنوة الكاملة أو دالة الأمومة الواثقة. حينما تقدمت العذراء اليه بالسؤال"ليس لهم خمر" (يوحنا 3:2) كانت شفيعة العرس كله وكل الـمتكئين والعالـم، ولا تزال هى الشفيع لـمن ليس لهم عون. إنها لا تلح بالسؤال كمن يتضرع الى إلـه قاس ولكنها بدالة شديدة تضم توسلها الى رحمته وترفع سؤالها بالثقة حتى يـبلغ إلى إستجابة الرب الوديعة. كـما نرنّم فـى القداس الباسيلي: "ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك يا سيدتنا كلنا والدة الإله". ———————– 39. مريم العذراء هى من على يديهـا صنع يسوع أولى عجائبه الزمنية هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه (يوحنا11:2) يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "هنا بدء الكشف عن مفهوم "المجد" في هذا السفر، وهو: "الحضرة الإلهية". اللَّه يمجدنا حينما يعلن حضوره فينا، ونحن نمجده حينما نعلن حضوره في العالم. ففي هذه الآية أُعلن حضور الآب في ابنه وحيد الجنس، الذي يخبر عنه. "عندما حول الماء خمرًا ماذا يضيف الإنجيلي؟ "وآمن تلاميذه به" (يوحنا٢: ١١). فهل كان للشيطان أن يؤمن به؟ ويقول القديس أغسطينوس:"إن قال قائل: لا يوجد في هذا القول دلالة كافية على أن هذه الآية هي بداءة آيات المسيح لأجل إبداعها في قانا الجليل، لأنه من الممكن أن يكون فعل في غير ذلك المكان آيات أخرى غيرها. نقول له: إن يوحنا المعمدان قد قال من قبل عن المسيح: "وأنا لم أكن أعرفه، لكن ليظهر لإسرائيل، لذلك جئت أعمد بالماء" (يوحنا 1: 31)، فلو كان المسيح فعل في عمره المبكر عجائب لما كان الإسرائيليون قد احتاجوا إلى آخر يعلن عنه. لأن ذاك (يسوع) الذي جاء بين الناس وبمعجزاته صار معروفًا، ليس فقط للذين في اليهودية وإنما أيضا للذين في سورية وما وراءها، وفعل هذا في ثلاث سنوات فقط، فإنه ما كان محتاجًا إلي هذه السنوات الثلاث لإظهار نفسه (مت 4: 24)، لأنه كان من شهرته السابقة قد عُرف في كل موضع. أقول أن ذاك الذي في وقت قصير أشرق عليكم بالعجائب فصار اسمه معروفًا للكل، لم يكن بأقل من ذلك لو أنه في عمره المبكر صنع عجائب وما كان يبقى غير معروف كل هذا الزمن (حتى بلغ الثلاثين من عمره). فإنه ما كان قد فعله لبدا غريبًا أن يفعله صبي. في الحقيقة لم يفعل شيئا وهو طفل سوى أمرًا واحدًا شهد له لوقا (لو 2: 36) وهو في الثانية عشر من عمره حيث جلس يسمع للمعلمين وقد دهشوا من أسئلته. بجانب هذا فإنه من الأرجح والمعقول انه لم يبدأ آياته في عمره المبكر، لأنه بهذا لبدت أمرًا مخادعًا. إن كان وهو في سن النضوج تشكك كثيرون فيها، كم بالأكثر لو أنه صنع العجائب وهو صغير. فإن ذلك كان قد أسرع به إلي الصليب قبل الوقت المحدد، خلال سم الحقد، ولما قُبلت حقائق التدبير. ————————– 40. مريم العذراء هى من أتـممتِ إرادة الآب السماوي "لأن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي" (متى50:12) لم ينكر السيّد المسيح علاقة القدّيسة مريم به، أي أمومتها له حسب الجسد، لكنّه يؤكّدها ويثبِّتها خلال حياتها الإيمانيّة العاملة مشيئة الأب. لقد فتحت القدّيسة مريم العذراء الطريق لا للنساء فقط، وإنما لكل إنسان أن يحملوا (يحمل؟؟) السيّد المسيح روحيًا في قلوبهم وتصير النفس كأنها أم له. أنه لم يقل "أنتِِ لستِ أمي"، بل قال: "من هي أمي؟" وكأنه يقدّم مفهومًا جديدًا للارتباط به، ليس خلال علاقة جسديّة خلال الدم واللحم والنسب، وإنما خلال الطاعة لإرادة أبيه، ألا ترى أنه في كل مناسبة لم ينكر القرابة حسب الطبيعة، لكنّه أضاف إليها ما هو بواسطة الفضيلة؟. ويقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم:"هذا يعني أنه حتى بالنسبة لأمي التي تدعونها مطوّبة، إنّما هي مطوّبة لحفظها كلمة الله، ليس فقط لأن كلمة الله صار فيها جسدًا وحلّ بيننا، وإنما لأنها تحفظ ذات كلمة الله الذي خلقها، وقد صار جسدًا فيها. ليته لا يفرح أحد بالنسب الجسدي، إنّما يفتخر إن كان بالروح مرتبطًا بالله". ——————- 41. مريم العذراء هى من إختارت النصيب الصالح كمريم أخت لعازر "ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن ينزع منها"(لوقا42:10) لنتمثَِّل بمريم التي تاقت إلى الامتلاء بالحكمة، وهذا هو عمل أعظم وأكمل يليق بنا ألا تعوقنا الاهتمامات اليوميَّة عن معرفة الكلمة السماويَّة. ان أحداث البشارة والـميلاد والرعاة والـمجوس وفى الهيكل والهروب الى مصر ثم الحياة فى الناصرة ثم على الصليب لم تنكره بل وقفت بجانبه بشجاعة وثبات ثم اخيرا نجدها مع التلاميذ فى العُليـّة بعد الصعود مباشرة مواظبة على الصلاة والطلبة بنفس واحدة مع التلاميذ.كل تلك الأحداث التى تعكس إيـمان مريم العذراء برسالة إبنها وأثبتت أنها حفظت الكلمة وأطاعت الوصية وأكـمـلت مشيئة الله بدقة ومواظبة حتى النهاية . إيـمان مريم كان بلا فلسفة ولا طلب علامات أو آيات.لـم تفكر فى العار الذى يلحقها بهذا الحبل.فاقت بإيـمانها قائد الـمئة واللص اليمين والمرأة النازفـة،لهذا قالت "قالت أمه للخدام مهما قال لكم فإفعلوه" (يوحنا5:2). آمنت مريم برسالة السماء ولـم تقل انها مازالت صغيرة حتى تتبع الله كـما فعل أرميا فى القديم ذات يوم " فقلت آه أيها السيد الرب هـآنذا لا أعرف أن أتكلـم لأنـي صبي" (أرميا 6:1). وعن إيمان مريم يقول القديس أُغسطينوس (مريم صارت مطّوبة بسبب تقبلها الإيـمـان بالمسيح أكثر من تقبلها الحمـل به وتقربها للمسيح بالجسد كأم كان بلا ربح لو لم تحمل المسيح فى قلبها). "من يصنع مشيئة أبي الذى فى السموات هو ..أخي وأختي وأمي" (متى 50:12). "فقالت للـمـلاك ها أنذا آمة للرب" (لوقا 38:1)، ولهذا استحقت أول تطويبات العهد الجديد على لسان القديسة اليصابات:"طوبـى للتى أمنت"(لوقا45:1). فى الحقيقة انه منذ أن سلّمت مريم نفسها لتكون آمة للرب حتى موتها وبعد موتها وإنتقال جسدها ونفسها للسماء مازالت تشهد بإيـمـانها..موجهة قلب أبنائها الـى يسوع مخلّص العالـم ومازالت تردد وصيتـهـا الوحيـدة لـنـا "مهما قال لكم فافعلوه"(يوحنا 5:2)، وبهذا أعطتنـا مثالاً حيـّا للكنيسة فى العالـم كما علّم القديس أمبروز (340-397م): "ان أم الله هى مثال للكنيسة فى إيمانهـا ومحبتها واتحادها الكامل مع المسيح". —————– 42. مريم العذراء هى من طُوبّت لأنهـا سمعت كلام الله وحفظته فى قلبها (لوقا28:11) إذ سمعت المرأة حديث السيِّد المسيح طوّبت من حملته وأرضعته. وبلا شك فإن القدِّيسة مريم تستحق الطوبى، غير إن السيِّد لم ينزع عنها التطويب، إنما حثنا لننال نحن أيضًا الطوبى بقوله: "طوبى للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه". وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن القدِّيسة مريم قد تزكَّت بالأكثر بهذه الكلمات إذ حملته في نفسها كما حملته في جسدها. ويقول القدِّيس أغسطينوس:"إقترابها كأُم لا يفيد مريم لو لم تكن قد حملته في قلبها بطريقة طوباويَّة، أكثر من حملها إيّاه في جسدها". قد فتح لنا الرب باب اللقاء معه والتمتُع بصداقته، فإن كان قد طالبنا في بداية الأصحاح بالصلاة بلجاجة ثم حثَّنا على وحدانيَّة الروح بلا انشقاق والتمتُع بعمل الروح القدس فينا، فإنه الآن يحثُنا على الالتصاق بكلمة الله وحفظها قلبيًا وسلوكيًا. إن كنَّا لم ننعم بحمل السيِّد المسيح جسديًا أو اللقاء معه كمن كانوا معه في أيامه، لكن إنجيله بين أيدينا، إن سمعناه وحفظناه رأيناه متجلِّيًا في الداخل. ————————– 43. مريم العذراء هى أم وقفت تحت أقدام الصليب (يوحنا25:19) بعد ان تـم القبض على يسوع فى بستان الزيتون ليلة الخميس وحوكم وأديـن ووقف شهود زور ضده وفى فجر الجمعة يأخذونـه الى بيلاطس ثم هيرودس ثم بيلاطس مرة أخرى ويُسلّم يسوع للـموت ويُطلق باراباس. وأقتيد يسوع الى الصلب وسار فى أروقة أورشليم، هذه الأروقـة التى شهدت تعاليمه وعجائبه وشهدت أيضاً هتاف الشعب "أنت ملك اسرائيل". ومريـم الأم ترى كل هذا، ترى وليدهـا "رجل أوجاع متمرساً بالعاهات محتقر ومرذول…"(اشعيا53)، وتراه يسقط تحت الصليب، وترى نسوة أورشليم يبكين،وترى سمعان القيراونـي، وترى الـمسامير تُدق ويُعلّق حبيبهـا على الصليب،وتسمع كلماتـه السبع الأخيرة،وما يطلبـه منهـا أن تكون أمـاً للحبيب وللجنس البشري كلـه "هوذا إبنكِ"(يوحنا26:19) وبقيت معـه حتى "نكّس رأسـه وأسلم الروح"(يوحنا30:19)،مريم العذراء هى من أصبحت أما للتلميذ الذى أحبه سوع (يوحنا26:19-27) ——————- 45. مريم العذراء هى من كانت تصلّي مع الرسل فى العلّيـة (اعمال14:1) الصلاة هى لقاء شركة وإتحاد بين الله والإنسان، ومخاطبة النفس للرب، وحديث القلب معـه، وسكب الروح أمـامـه، وتقديم ذبيحة التسبيح الشفهيـة لجلالـه وعظـمته اللانهائيـة. والصلاة هـى طلب لـمواهب او نِعم خاصـة من الله من أجل تـمجيد إسم الرب، وبواسطتهـا ننال منـه النعـم الضروريـة لحياتنـا الروحيـة والزمنيـة. تتطلب الصلاة أن يتطابق فكر وإرادة الإنسان الـمصلّي مع الله والإتحـاد بـه،ويجب أن تكون حارة وصادقـة ونابعة من قلب مؤمن وواثق وخاشع ومتواضع، كما يجب أن تصاحبهـا الأعمال الصالحـة وبأفعال للشكر والتسبيح ومساعدة الآخريـن. إن الصلاة هـى صـِلـة.. صلة الإنسان باللـه قلبا وفِكراً .. هـى الإحساس بالوجود فـى الحضرة الإلهية كـما كان إيليا النبـي:"حي هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامـه" (1ملوك15:18). هـى عاطفـة حب نعبّـر عنهـا سواء بالصلاة الصوتية التى تستعمل فيها الألفاظ والجـمل سواء أكانت محفوظـة أو مرتجلـة، أو بالصلاة العقلية التى تكون من عـمق القلب كـما كان يرنم داود"توهج قلبى فـى داخلي فـى هذيذي أتقدت فـّي نار" (مزمور1:42). هــى تواضع من اللـه أن يسمح لـنا بأن نتحدث إليـه وأن نكلـمه. لذلك عار وخطيّة أن نقول ليس لدينا وقت للصلاة. هل يجرؤ العبد أن يقول انه ليس لديه وقت للكلام مع سيّده؟!. واللـه غيـر محتاج إلـى صلاتنـا بل نحن الذين نحتاج للصلاة التى نأخذ منها قوة ومعونـة وبـركـة. ومثل أى فعل من أجل الخلاص، فالنعـمة مطلوبـة ليس فقط من أجل أن تقودنـا للصلاة، بل ايضاً من أجل أن نعرف ما الذى نصلّي من أجلـه كما يعلن لنـا القديس بولس الرسول: "الروح أيضاً يُعضد ضعفنـا فإنـّا لا نعلـم ماذا نصلّي كـما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع لنـا بأنـّات لا تُوصف"(رومية26:8). أمـا عن حياة الصلاة مع مريم العذراء فنقرأ: " هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع" (أعمال 12:1-14). إن مـريم كانت ثمرة من ثـمار الصلاة فلقد كانا أبواها حنة ويواقيم عاقران ودخولها الهيكل منذ طفولتها ، وخطبتها ليوسف بعد صلاة الكهنة كما يخبـرنـا التقليد الكنسي. ونجد أن القديسة مريم العذراء كانت واثقة ومواظبة ومتواضعة. وأيضا عندما هتفت مريم بأنشودة التعظيم فهذا دليل على أن نفسها كانت متشبعة بترانيم وتسابيح وكلمات الله. والسيد الـمسيح لم يترك فرصة إلا وانفرد وصلى لأبيه السماوي"وفـى أيام بشريته قرّب تضرعات وتوسلات بصراخ شديد ودموع" (عبرانيين7:5) ____________________ 46. مريم العذراء هى إمرأة إلتحفت بالشمس، وتُوجت بإثنى عشر كوكباً "وظهرت آية عظيمة في السماء: امرأة متسربلة بالشمس، والقمر تحت رجليها، وعلى رأسها إكليل من اثني عشر كوكبا"(رؤيا1:12) هذه الصورة تذكرنا بسفر نشيد الأناشيد، الذى هو حوار بين العريس (المسيح) والعروس (الكنيسة) وفيه يصف العريس عروسه بأنها "جميلة كالقمر طاهرة كالشمس" وهى جميلة لأنها كالقمر، والقمر يعكس نور الشمس، والشمس إشارة للمسيح شمس البر. فكما هو نور للعالم (يو12:8) فهى نور للعالم (متى14:5) هى تستمد جمالها منه، بل هى تعكس جماله. هو سر جمالها. وهى طاهرة كالشمس لأنها متسربلة بالشمس. لا يظهر عريها ولا خطاياها، فهى طالما فى عريسها المسيح لا يظهر منها سواه "قد صالحكم الآن فى جسم بشريته بالموت ليحضركم قديسيين وبلا لوم ولا شكوى أمامه" (كو22،21:1) لقد لبست المسيح (رو14:13). آية عظيمة فى السماء = فهذه العروس سماوية والإمرأة هى الكنيسة. وهناك من قال أنها العذراء ولا خلاف بين الرأيين، فالعذراء هى أم المسيح، وجسد المسيح هو كنيسته. والكنيسة ليست هى كنيسة العهد الجديد فقط، بل هى كنيسة العهد القديم والعهد الجديد. والمسيح أتى ليجعل الإثنين واحدا (أف14:2). المسيح هو شمس البر (ملا2:4). وبولس الرسول يقول إلبسوا المسيح (رو14:13). إذا الكنيسة لها صورة عريسها أى صورة المسيح. والقمر تحت رجليها = القمر إشارة للقديسيين، فالقمر يعكس نور الشمس، ويستمد ضياؤه من الشمس، وهكذا القديسين هم نور للعالم إذ يعكسون نور المسيح الذى فيهم. وكونهم تحت قدميها فهذا يشير لموت القديسين سواء بإستشهاد أو موت طبيعى فالموت موضوع لكل إنسان (عب27:9). على رأسها إكليل من إثنى عشر كوكبا = هم المؤمنين بالله فى كل الأزمنة، وهم تاج جهاد الكنيسة دائما، هم يضيئون جبين الكنيسة وينشروا نورها فى كل العالم بإيمانهم وقداستهم. وقد يكونوا هم الأسباط أو تلاميذ السيد المسيح (12) ويمكننا فهم الصورة السابقة تاريخيا. فكون المرأة تلد إبنا ذكرا كما سيأتى فى آية 5. فالإبن الذكر هو المسيح، وتكون المرأة هنا هى كنيسة العهد القديم (الشعب اليهودى). وبعد أن تلد الإبن الذكر لا يعود هناك يهودى وأممى، بل الكل كنيسة واحدة هى القمر. وكون القمر تحت رجلى المرأة فهذا يعنى أنه بعد أن أدت كنيسة العهد القديم دورها وولد منها المسيح جاءت الكنيسة، بمعنى أن الكنيسة تاريخيا تأتى بعد الشعب اليهودى، وهذا تم التعبير عنه بأنها تحت رجلى المرأة. 47. مريم العذراء هى أمـاً للكنيسة المتألـمة (رؤيا2:12) يعلن الوحي على لسان الرسول بولس " فإن الذين سبق فعَرفَهم سبق فحدّد أن يكونوا مشابهين لصورة إبنه حتى يكون بِكراً مـا بين أخوة كثيـرين" (رومية29:8)،فيسوع هو الإبن البكر لأخوةكثيرين. مريم هى أم الـمسيح يسوع بكل أعضاء جسده السري. الـمسيح هو الرأس ونحن الأعضاء "كذلك نحن الكثيرون جسد واحد فـى الـمسيح يسوع وكل واحد منا عضو للآخرين " (رو5:12) ولا يـمكن للأعضاء ان تحيا بدون الرأس "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو5:15)،فنحن أعضاء فى كرمة الرب " فأنتم جسد الـمسيح وأعضاء من عضو" (1كو 27:12). ومريم قد ولدت الجسد كله، فنحن أبناء لـمريم وإخوة ليسوع وأعضاء فى كرمتـه،وبعد أن كانت مريم أمـاً للـمسيح فقط صارت أمـا لكل من يؤمن بـه ويتبعه،وبإتحادنا فى جسد الـمـسيح أصبحنـا أبناء لـمـريم وإخوة ليسوع. إذن أمومة مريم لنا أصلها ناشئ من إيـماننا بالـمسيح وأخوتنـا لـه ومن أننا أصبحنا أعضاء فـى جسده..أي كنيسته. إن يسوع بوعده لنا " لن أترككم يتامى" (يو28:18 ) فأرسل لنا روحه الـمعزي بعد قيامته وصعوده للسماوات. وأعطى الـمجد أن يحل الروح القدس على الكنيسة بوجود العذراء(اعمال14:1), فولدت الكنيسة فى ذلك اليوم وصارت العذراء أمــاً للكنيسـة(أعمال4:2). فالعذراء مريم كانت موجودة فى البشارة وقبلت أن يتجسد إبن الله فى أحشائها البتول وسلّمت ذاتهـا بكليتهـا فى تواضع عجيب. وكانت موجودة عند الصليب عند أقدام إبنهـا الوحيد الذى بذل ذاتـه من أجل خلاص العالـم (يوحنا19:26-27). وها هى تتواجد عند حلول الروح القدس على الرسل والتلاميذ يوم الخمسين. وعن دور العذراء فى الكنيسة نجده مبينا اولا فى سفر الرؤيـا:"وظهرت آيـة عظيمة فى السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى رأسها اكليل من اثنى عشر كوكبا وهى حبلى تصرخ متمخضة ومتوجعة لتلد، فولدت ابنا ذكراً عتيداً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد"(رؤيا1:12-5) ان هذه الصورة ترينا العذراء على رأس الكنيسة –القمر- ومزانـة بشمس البر (يسوع) ومتوجة بالإثنى عشر تلميذا، وهى بهذا تربط ما بين الشمس والقمر او بين المسيح والكنيسة. لهذا دعاها البابا ليون الثالث عشر (مات 1903) فى رسالتـه البابويـة (سبتمبر 1895):" ان مريم هى أم الكنيسة ومعلّمة وسلطانة للرسل". والبابا يوحنا الثالث والعشرين (مات1963) يدعو مريم قائلاً:"أم الكنيسة وأمنـا الأكثـر حباً". ان لقب "ام الكنيسة" أستخدم اول مرة بمعرفة اسقف ترافس فالأم التى أرادت مـجداً للكنيسة لا تزال تعود الى أبناء الكنيسة لتحقيق ومواصلة هذا الـمجد. إن يسوع لم يتركنا يتامى بل أرسل روحه القدوس وأرسل ايضا مريم أمــنـا.. إن عمل العذراء فى السماء هو إمتداداً لعملها على الأرض ،فلقد لعبت دوراً كبيراً فى سر الفداء وفى ذبيحة الـمسيح الخلاصية وهذا الدور الفريد جعل وساطتها تختلف عن وساطة القديسين وشفاعتهم لتشمل الكنيسة بكاملها. "ليس لنا دالة عند ربنا يسوع المسيح سوى طلباتك وشفاعتكِ يا سيدتنا كلنا العذراء والدة الإلـه"(من صلاة الليتورجيا). ——————— 48. مريم العذراء هى أم الـمسيـّا الـممجد "فولدت ولداً ذكراً هو مُزمع ان يرعى جميع الأمم بعصا من حديد"(رؤيا5:12) فولدت إبنا ذكرا = هو المسيح وهو ذكر لأنه عريس الكنيسة. عتيدا = مزمعا أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد = رمز العدل والقوة والإقتدار، وهذا ما قيل فى (مزمور 9،8:2) عن المسيح الذى أراد إبليس إفتراسه، والمسيح هو الراعى الذى يضم إلى حظيرته جميع الأمم، ويسحق قوى الشر بعصا من حديد. وإختطف ولدها إلى الله = هذا إشارة لصعود المسيح بالجسد للسماء ليرفع البشرية الساقطة للأعالى. وقوله إختطف إشارة لأن لاهوته المتحد بناسوته هو الذى رفع الناسوت للسماء. ——————- 49. مريم العذراء هى رمزاً لأورشليم السماويـة "رأيت المدينة المقدسة أورشليم الجديدة نازلة من السماء من عند الله مهيأة كعروس مزينة لرجلها"(رؤيا2:21) لقد تحقق فيها النبوءة التي في المزمور "أعمال مجيدة قيلت عنك يا مدينة الله" (مز86) أو يقال عنها "مدينة الملك العظيم" و ايضاً قد تحقق فيها نبوءات معينة قد قيلت عن أورشليم، أو صهيون كما قيل أيضا في المزمور "صهيون الأم تقول إن إنسانا وإنسانا صار فيها وهو العلي الذي أسسها .."( مز 87). فهى مدينة لأن الله يسكن فيها مع البشر، ولأن الله يسكن فيها أسماها المدينة المقدسة وهى أورشليم الجديدة = هى الكنيسة وهى جديدة فى مقابل أورشليم القديمة التى سكن الله فيها مع شعبه فى القديم وهى جديدة فكل علاقة لنا مع الله فى السماء ستكون جديدة، على مستوى جديد لم نختبره من قبل على الأرض وهى جديدة لأن كل ما فى السماء سيظل جديدا بصفة دائمة لا يصيبه القدم، والإحساس بالقدم يسبب زهد وملل الإنسان فى الشىء، أما لو ظل جديدا فى نظر الإنسان فهذا يشير للتعلق بالشىء والإعجاب به، وهذا سيكون شعورنا تجاه السماويات، لن نمل أو نزهد فيها أبدا. نازلة من السماء = أى لها مجد الله وهى نازلة أى لتستقبل الغالبين ولترفعهم إليها كما نزل المسيح من السماء ليرفعنا إليه فى السماء، فهنا نسمع أن أورشليم ستنزل من السماء لترفعنا للسماويات. من عند الله = فهو الذى أعدها لنا. هو أصل وجودها ومنبعها السماوى. ولنلاحظ أن الكنيسة رأسها فى السماء وهو المسيح، وجسد المسيح يمتد عبر الزمان والمكان ليجمع الكل فيه ويصعدهم للسماء. الله فى محبته هيأ لعروسه هذه المدينة السماوية فهى عروس المسيح والمسيح أعطاها حياته، وهى لبست المسيح فزينها كعروس له = مهيأة كعروس. ————— 50. مريم العذراء هى حواء الجديدة لقد شُبهت مريـم العذراء من العديد من أبـاء الكنيسة وعلماؤهـا بأنهـا "حواء الجديدة"، أو "حواء الثانيـة"، كما أن الـمسيح هو آدم الثاني:"فكما فى آدم يموت الجميع كذلك فى المسيح سيحيا الجميع"(1كورنثوس22:15). وحواء العهد القديم هى أم كل حي كما دعاها آدم (تكوين20:3)، والعذراء هى أم كل مؤمن بإبنهـا يسوع فلقد ولدت المسيح الإله الـمتجسد فصارت به أمـاً لكل الأعضاء المتحدة بجسده:"نحن الكثيرين جسد واحد فى المسيح"5:12). وايضاً حواء العهد القديم أغلقت باب الفردوس بسقوطها، ومريم أعادت فتح الباب الـمغلق فى شخص إبنهـا يسوع. ولقد قال القدّيس إيريناوس: "كماأنّ يد الله خلقت آدم من أرض عذراء، كذلك لمّا جمع كلمة الله الإنسان فيشخصه، ولد من مريم العذراء. وهكذا إلى جانب حوّاء، ولكن على خلافها، قامتمريم بدور في عمل الجمع هذا الذي هو عمل خلاص الإنسان، لمّا حبلت بالمسيح. حوّاء أغواها الشرّ وعصت الله. أمّا مريم فاستسلمت لطاعة الله وصارتالمحامية عن حوّاء العذراء. إنّ حوّاء، وهي بعد عذراء، كانت سبب الموت لهاوللجنس البشري بأسره. أمّا مريم العذراء فبطاعتها صارت لها وللجنس البشريبأسره سبب خلاص. من مريم إلى حوّاء هناك إعادة للمسيرة عينها، إذ ما منسبيل لحلّ ما تمّ عقده إلاّ بالرجوع باتّجاه معاكس لفكّ الحبال التي تمّحبكها. لذلك يبدأ لوقا نسب المسيح ابتداء من الربّ ويعود إلى آدم (لو 3: 22- 38)، مظهرًا أنّ الحركة الحقيقية للولادة الجديدة تسير من الأجدادإليه بل منه إلى الأجداد، وفق الولادة الجديدة في إنجيل الحياة. هكذاأبطلت طاعة مريم معصية حوّاء. ما عقدته حوّاء بعدم إيمانها حلّته مريمبإيمانها. لمحو الضلال الذي لحق بالتي كانت مخطوبة -العذراء مريم حوّاء– حمل الملاك البشارة الجديدة الحقّة إلى التي كانت مخطوبة. العذراء مريمحوّاء ضلّت بكلام الملاك واختبأت من وجه الله بعد أن عصت كلمته، أمّا مريمفبعد أن سمعت من الملاك البشري الجديدة، حملت الله في أحشائها لأنّهاأطاعت كلمته. إذا كانت الأولى عصت الله، فالثانية رضيت بأن تطيعه. وهكذاصارت العذراء مريم المحامية عن العذراء حوّاء. وكما ربط الموت الجنسالبشري بسبب امرأة، كذلك خُلِّص الجنس البشري بواسطة امرأة". هكذا رأى آباء الكنيسة في القرنين الأوّل والثاني أنّ لمريم دورًاأساسيًّا في تاريخ الخلاص. وهذا الدور هو دور مزدوج: فقد حبلت بيسوعالمسيح بشكل بتولي. إنها امّ المسيح ابن الله. ثمّ إنّها بإيمانهاوطاعتها لكلام الله قد أبطلت معصية حوّاء الأمّ الأولى، وهكذا شاركت بملءحرّيتها في الخلاص الذي جاءنا به ربّنا ومخلّصنا يسوع المسيح. —————– الفصل الثاني مريم العذراء كما جاءت فى تعاليم الكنيسة الكاثوليكية 1. فى قانون الإيمان أبرزت الكنيسة أهمية شخصية العذراء مريم كوالدة الله، بعد انعقاد مجمع أفسس مباشرة سنة 431م، وذلك لضبط مفهوم التجسد الإلهى ومقاومة بدعة نسطور. وهكذا أضافت مضمون العقيدة التى أقرها هذا المجمع فى مقدمة قانون الإيمان والتى مطلعها: "نعظمك يا أم النور الحقيقى ونمجدك ايتها العذراء القديسة والدة الإله لأنك ولدت لنا مخلص العالم أتى وخلص نفوسنا….". قانون الايمان الرسولي أؤمن باله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض. وبيسوع المسيح ابنه الوحيد، ربنا الذي حُبل به من الروح القدس وولد من مريم العذراء. تألم في عهد بيلاطس البطي، صُلب، ومات وقُبر؛ نزل الى الجحيم؛ وقام من الموت في اليوم الثالث. صعد الى السماء، وهو جالس عن يمين الآب القادر على كل شيء. سيأتي لكي يحكم الأحياء والأموات. أؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة الكاثوليكية، وبركة القديسين، وبغفران الخطايا، وقيامة الجسد، وبالحياة الأبدية. آمين قانون إيمان نيقيا والقسطنطينية أؤمن باله واحد آب ضابط الكل، خالق السماء والأرض، كلّ ما يُرى وكلّ ما لا يرى. أؤمن بربّ واحد، يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، ولد من الآب قبل كل الدهور؛ إله من إله، نور من نور، أله حق من اله حق، مولود غير مخلوق، مساوٍٍ للآب في الجوهر؛ وبه خلق كل شيء. من أجلنا نحن البشر ومن أجل خلاصنا، نزل من السماء وتجسد من الروح القدس وولد من مريم العذراء، وصار انساناً. صلب من أجلنا في عهد بيلاطي البنطي، ومات وقبر. وقام في اليوم الثالث، كما جاء في الكتب، وصعد الى السماء، وجلس عن يمين الآب. وسياتي بالمجد لكي يحكم الأحياء والأموات، وليس لملكه انقضاء. أؤمن بالروح القدس، الرب المحي، المنبثق من الآب والابن، مع الآب والابن يسجد له ويمجّد، وقد تكلّم بالأنبياء. نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، أعترف بمعمودية واحدة لمغفرة الخطايا. انتظر قيامة الموتى والحياة في الدهر الآتي آمين. 2. مريم العذراء هى والدة اللـه "والدة الإله" ليس مجرد إسم ولا هو لقب تكريمي للعذراء، إنـما هو تعريف لاهوتـي يحمل حقيقة حيّة إيـمانية، وتحمل لنا أيضا فعل محبة الله فى أعلى صورها. الحقيقة ان العذراء مريم ولدت الإله الـمتأنس، أي الـمسيح بلاهوتـه وناسوتـه،وعندما نقول عن أم انها ولدت إنسانا لا نقول انها أم الجسد فقط بل أم الإنسان كله مع انها لـم تلد روح الإنسان الذى خلقه الله، هكذا تدعى القديسة مريم والدة الإله ولو انها لم تلد اللاهوت لكن ولدت الإله الـمتأنس. إذا كان السيد الـمسيح هو الله الذى ظهر فى الجسد كقول الرسول بولس"عظيم سر التقوى الذى تجّلى فى الجسد"(1تيمو16:3) فوجب أن تدعى العذراء بأم الله فهى أم يسوع، ويسوع هو الله وعلى هذا تكون القديسة مريم هى أم الله، وبالعكس إذا لـم تكن القديسة مريم أم الله لا يكون الإبن الـمولود منها إلها. إن حبل مريم بيسوع الـمسيح لـم ينتج عنه تكوين شخص جديد لـم يكن له وجود سابق كـما هى الحال فى سائر البشر بل تكوين طبيعة بشرية اتخذها الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس الـموجود منذ الأزل فى جوهر واحد مع الآب والروح القدس. فيسوع الـمسيح ليس إلا شخص واحد، شخص الإله الـمتجسد الذى اتخذ طبيعتنا البشرية من جسد مريم وصار بذلك إبن مريم. ——————— 3. مريم العذراء هى الدائمة البتولية[3] بتوليـة مريم العذراء حقيقة مؤكدة، فها هى شهادة الـملاك جبرائيل للقديس يوسف تعلن: "فإن المولود فيهـا إنـما هو من الروح القدس"(متى20:1)، وفـى بشارة الـملاك جبرائيل للعذراء يُعلن أن "الروح القدس يحلّ عليكِ وقوة العلي تظللكِ ولذلك فالقدوس الـمولود منكِ يُدعـى إبن الله"(لوقا35:1)، وهذا تـتميمـاً لنبؤة اشعيا القائل"هـا أن العذراء تحبل وتلِد إبنـاً ويدعى اسـمه عـمانوئيل"(اش14:7).و هـذه الكلمة "عذراء"،أو كلمةALMA ألـما باللغة العبرية والتى استخدمها الوحي الإلهي على لسان إشعيا تعني فتاة صغيرة "بنت" عذراء وهي لم تستخدم من قبل لوصف امرأة متزوجة وهذه أول مرة تستخدم لوصف فتاة صغيرة. فسفر التكوين يصف رفقة قبل أن تتزوج بإسحق "بكراً لم يعرفها رجل" (تك16:24)،وكان على اشعيا أن يختار ما بين الكلمتين فقط الـمـتوافرتين فى ذلك الوقت، واحدة تصف امرأة صغيرة قبل زواجها ، والأخرى التى ترتبط بالزواج والتى تحمل معنى العذريـة. والجدير بالذكر أن كلمة ألـما جاءت لغويـا بـما يفيد استمرار البتوليـة لهذا لـم تترجـم "عذراء" بل "العذراء" لتصف والدة عمانوئيل كعذراء دائـمة حتى بعد إنجابهـا الطفل. وعند ترجمة النص العبري الى اليونانية استخدمت الكلمة اليونانية "بارثينون" والتى تعني دائما عذراء كما جاء فى انجيل متى. وبحسب إيماننـا الـمسيحي فإن مريم هـى "الدائـمة البتوليـة" أي ان مريم بتول قبل الولادة وفى الولادة وبعد الولادة. بتول قبل الولادة إذ حبلت بيسوع المسيح دون معرفة رجل،وبتول فـى الولادة إذ انهـا ولدت يسوع وبقيت بتولا، وبعد أن ولدتـه لـم يكن لها علاقة مع أي رجل فليس من أمر يستحيل على الله،فالذى فى البدء وضع نواميس الحبل والولادة لدى البشر يغيـرها الآن فـى الحبل بـه وولادتـه، جامعـا فـى أمـه العذراء مريم مفخرتيـن تعتـز بهما كل الفتيات والنساء ألا وهـما البتولية والأمومـة. —————— 4. مريم العذراء هى التى حُبـل بهـا بلا دنس الخطيئة الأصلية[4] تحدد عقيدة الحبل بلا دنس ان مريم العذراء وحدها وُجدت منزهـة عن الخطيئة الأولـى فمريم دخلت العالم وهى ممتلئة نعمة وذلك منذ لحظة الحبل بها من أبويها. وهذه النعمة الخاصة قد أُعطيت لها بصفة فريدة وإستثنائية نظرا لاستحقاقات ابنها المسيح الفادي فلكي يتجسد ويصير إنسانا كاملا كان لا بد له من طبيعة إنسانية كاملة غير ملوثة بالخطيئة ، لذلك وجب أن تكون تلك الأم التى سيأخذ منها طبيعته البشرية طاهرة بريئة من كل دنس الخطيئة ومن هنا نتج ضرورة منح العذراء بالرغم من كونها حُبل بها طبيعيا كأي إنسان بشري ، إمتيازا خاصا يحررها من الخطيئة الأصلية التى يتوارثها الجنس البشري وهكذا تكون العذراء قد تمتعت بالنعمة المبررة وهى بعد فى أحشاء أمها وهىحالة النعمة التى تمتع بها الإنسان الأول فى لحظة خروجه من يد اللـه. ————– 5. مــريــم العـــذراء هى التى انتقلت الى السمـاء بالنـفـس والجــسد أعلـن البابا بيوس الثانــى عـشـر فى 1/11/1950فى رسالته البابوية “إن والـدة الإلـه المنـًزهـة عـن كـل عيـب,مـريـم الدائـمـة البـتـوليـة, بعـد أن أنهـت مـجـرى حـيـاتـهـا الأرضــيـة, رٌفـعـت بجسـدهـا ونفـسـها إلـى المجـد السمـاوي” وهـكـذا تحتـفـل الكنيـسة الكاثوليكيــة فى أنحـاء العـالـم فى الخامـس عشر من أغسطس من كل عـام بهـذا العيـــد. إن إعـلان هـذه العقيدة يعبـر بشكل واضح عن إيمان الكنيسة منذ القرون الأولـى للمسـيحـية . إن إنتقال مريم العذراء بجسدها ونفسها الى السماء هو نتيجة لعمل الروح القدس فيها. فالروح الذى حـل عليها وأحيا جسدها لتصير أمـاً لابن الله, هو نفسه يكمـل عمله فيها ويحيي جسدها المائت وينقله الى المجد السماوي لآن مريم العذراء كانت فى جسدها ونفسها مستسلمة إستسلامـا تــامـا لعمل الروح القدس . فإنـتـقـال مريم حدث سـبـاق لتحرير البشر أجمعين من سلطان الموت وعودتهم الى وضعهـم الفردوسي الآول و هـذا الإنتقال كما يقول المجمع الفاتيكانى الثانى هو “علامة رجاء وطيد”, رجاء فى أن قيامة الأموات بفضل يسوع المسيح ستتم وتحدث, وإنتقال مريم الى السماء بجسدها وروحها علامة لقيامة البشر. أنـه يبدو من المحال إن مريم العذراء التى حبلت بالسيد المسيح وولدتـه وغـذتـه بلبنها وحملته على ذراعيها وضمتـه إلى صدرهـا قد إنفصلت عنه بعد حياتها على هذه الآرض, إن لم نقل بنفسها, فبجسدها. فبما أن فادينا هو إبن مريم, لم يكن بإستطاعته , هو الخاضع خضوعا تاما للشريعة الإلهية, ألاُ يؤدى الإكرام ليس فقط الى الآب الآزلي بل أيضا الى أمـه المحبوبة فحفظها من فساد القبر فرفعت بالجسد والنفس الى المجـد فى أعلى السماوات, لتــتألـق فيهـا كملكـة على يمين ابنها ملك الدهور الآزلي. 6. مريم العذراء والمجامع المسكونية: "من هو الـمسيح؟"، على إجابة هذا السؤال الهام قامت الكنيسة منذ نشأتها بالرد على كل الهرطقات والبِدع التى تمس سر الـمسيح وسر التجسد ومن أجل هذا إنعقدت الـمجامع الـمسكونية فى نيقية و القسطنطينية وأفسس وخلقيدونية وأعلنت الكنيسة مبدأ إيمانها والـموجود فى قانون الإيمان والذى تؤمن بـه جميع الطوائف الـمسيحية فى هذه الأيـام والذى جاء فيـه أن السيد الـمسيح "تجسّد من الروح القدّس ومن مريم العذراء وصار إنسانا". ففى مجمع نيقية (325م) تم تحديد عقيدة بتولية مريم الدائـمة،وفى مجمع افسس (451م) تم إعلان حقيقة ان مريـم هـى أم الله "ثيئوتوكوس". ——————- 7. مريم العذراء فى الرسائل البابويـة والنشرات لقد صدرت مئات الرسائل البابويـة لحث الـمؤمنين على الصلاة وحوت العديد من التعاليـم العقائديـة. ومن أمثال تلك الرسائل ما نشره كلا من: البابا بيوس الخامس (1854)،و البابا لاون الثالث عشر Pope Leo XIII (1878-1903)،والبابا بيوس الحادى عشرPope Pius XI (1922-1939) والبابا بيوس الثانى عشرPope Pius XII (1939-1958)،والبابا يوحنا الثالث والعشرونPope John XXIII (1958-1963)،والبابا بولس السادس Pope Paul VI(1963-1978) وحتى البابا الحالي يوحنا بولس الثانـي Pope John Paul II (1978-2007 ). وفى تلك النشرات بعض من جوانب عن حياة مريم العذراء ودورهـا فى الكنيسة. —————– 8. مريم العذراء فى كتابات آباء الكنيسة ركزّت تلك الـمؤلفات للدفاع عن مكانـة مريـم العذراء وأمومتهـا وشفاعتهـا وبتوليتهـا الدائـمة وغيرهـا من العقائد. ولقد صدرت مؤلفات من آباء الكنيسة أمثال هيبوليتس الرومانى(130-235)، والقديس ايريناوس(130-202)،والقديس غريغوريوس صانع العجائب (+270) والقديس امبروسيوس اسقف ميلان(339-397)، والقديس يوستين الشهيد (100-163)،وترتليان(160-235)،والقديس افرام السرياني(303-373) والقديس كيرلس الأسكندري(+444)،والقديس أوغستينوس(+480)، والقديس البابا جريجورى الكبير(540-604)،والقديس جرمانوس بطريرك القسطنطينية(+733)، والقديس يوحنا الدمشقي(675-746)،والقديس غريغوريوس النارغي(+950)، والقديس بطرس دميانوس(1007-1072). وأيضا لقد صدر الكثير من الـمؤلفات للإجابـة على العديد من التساؤلات اللاهوتيـة عن مريم العذراء،ومنهـا مؤلفات القديس برنردوس(+1153) والقديس فرنسوا دى سال(1563-1622)، والقديس لويس دى منفورا St. Louis de Monfort (1673-1716) والقديس انسلموس(+1787)والقديس الفونس دى ليجوري (+1787)، ولويس دى بلوا (1846-1917). ______________________ 10. مريم العذراء كما جاءت فى كتاب سنكسار الكنيسة القبطية وُلدت هذه العذراء بمدينة الناصرة حيث كان والداها يقيمان، وكان والدها متوجع القلب لأنه عاقر. وكانت القديسة حنة أمها حزينة جدًا فنذرت لله نذرًا وصلَّت إليه بحرارة وانسحاق قلب قائلة: "إذا أعطيتني ثمرة فإني أقدمها نذرًا لهيكلك المقدس". فلما جاء ملء الزمان المعين حسب التدبير الإلهي أٌرسِل ملاك الرب وبشر الشيخ يواقيم والدها الذي أعلم زوجته حنة بما رأى وسمع، ففرحت وشكرت الله، وبعد ذلك حبلت وولدت هذه القديسة وأسمتها مريم. لما بلغت مريم من العمر ثلاث سنوات مضت بها أمها إلى الهيكل حيث أقامت إثنتي عشرة سنة، كانت تقتات خلالها من يد الملائكة. وإذ كان والداها قد تنيحا تشاور الكهنة لكي يودعوها عند من يحفظها، لأنه لا يجوز لهم أن يبقوها في الهيكل بعد هذه السن. فقرروا أن تخطب رسميًالشخصٍ يحل له أن يرعاها ويهتم بشئونها، فجمعوا من سبط يهوذا اثني عشر رجلاً أتقياء ليودعوها عند أحدهم وأخذوا عصيهم وأدخلوها إلى الهيكل، فأتت حمامة ووقفت على عصا يوسف النجار، فعلموا أن هذا الأمر من الرب لأن يوسف كان صِديقًا بارًا، فتسلمها وظلت عنده إلى أن أتى إليها الملاك جبرائيل وبشرها بتجسد الابن منها. بعد صعود السيد المسيح إلى السماء، إذ كانت العذراء مريم ملازمة الصلاة في القبر المقدس ومنتظرة ذلك الوقت السعيد الذي فيه تُحَل من رباطات الجسد، أعلمها الروح القدس بانتقالها سريعًا من هذا العالم الزائل. ولما دنا الوقت حضر التلاميذ وعذارى جبل الزيتون، وكانت السيدة العذراء مضطجعة على سريرها وإذا بالسيد المسيح قد حضر إليها وحوله ألوف من الملائكة، فعزاها وأعلمها بسعادتها الدائمة الذاهبة إليها، فسُرَّت بذلك ومدت يدها وباركت التلاميذ والعذارى، ثم أسلمت روحها الطاهرة بيد ابنها وإلهها فأصعدها إلى المساكن العلوية. أما الجسد الطاهر فكفنوه وحملوه إلى الجسمانية، وفيما هم ذاهبون به اعترضهم بعض اليهود ليمنعوا دفنه، وأمسك أحدهم بالتابوت فانفصلت يداه من جسمه وبقيتا معلقتين حتى آمن وندم على سوء فعله، وبتوسلات التلاميذ القديسين عادت يداه إلى جسمه كما كانت. لم يكن توما الرسول حاضرًا وقت نياحتها واتفق حضوره عند دفنها فرأى جسدها الطاهر مع الملائكة صاعدين به، فقال له أحدهم: "أسرع وقبِّل جسد الطاهرة مريم"، فأسرع وقبَّله. وعند حضوره إلى التلاميذ أعلموه بنياحتها فقال لهم: "أنا لا أصدق حتى أعاين جسدها، فأنتم تعرفون كيف شككت في قيامة السيد المسيح". فمضوا معه إلى القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدهش الكل وتعجبوا، فعرَّفهم توما الرسول كيف أنه شاهد الجسد الطاهر مع الملائكة صاعدين به، وقال لهم الروح القدس: "إن الرب لم يشأ أن يبقى جسدها في الأرض". وكان الرب قد وعد رسله الأطهار أن يريها لهم في الجسد مرة أخرى، فكانوا منتظرين إتمام ذلك الوعد الصادق حتى اليوم السادس عشر من شهر مسرى حيث تم الوعد لهم برؤيتها. وكانت سنو حياتها على الأرض ستين سنة جازت منها اثنتي عشرة سنة في الهيكل وثلاثين سنة في بيت القديس يوسف البار وأربعة عشرة سنة عند القديس يوحنا الإنجيلي كوصية الرب القائل لها: "هذا ابنك" وليوحنا: "هذه أمك". قد بنيت أول كنيسة على اسمها بمدينة فيلبي، وذلك أنه لما بشر الرسولان بولس وبرنابا بين الأمم آمن كثيرون منهم بمدينة فيلبي وبنوا فيها كنيسة على اسم البتول والدة الإله. ———————— الفصل الثالث 1. مـريـم العذراء هى من تطوبها جميع الأجيال "فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوبني"(لوقا48:1) إن الإلتجاء الى مريم وطلب شفاعتها إيـمان راسخ منذ الأجيال الأولى فى الكنيسة ولهـذا تـمتلئ الطقوس الكنسية بالـمدائح والطلبات والصلوات والتسابيح لـمريم العذراء والتى بهـا يلجأ الـمؤمنون الى العذراء الطوباويـّة مبتهلين إليهـا فـى كل مخاطرهـم وحاجاتهـم لأنهـا والدة الإلـه الفائقـة القداسـة، ولأنهـا أمنـا جميعاً. وبنوع خاص تكرّم الكنيسة مريم العذراء بالإحتفال بأعيادهـا،ومـا تلك الأعياد إلاّ مناسبات تتخذهـا الكنيسةللتعبيـر عن فرحهـا بالخلاص الذى حصلت عليـه بتجسد إبن الله فـى أحشاء مريم العذراء. وفـى تلك الأعياد والتذكارات الـمريـمية تتسم معظم صلواتهـا بأنهـا لا تتوجـه مباشرة الى العذراء بقدر ما تدعو الى الفرح والى تسبيح الله للعمل الذى حققه الله فيها والذى يقودنا دوماً الى إبنها الـمسيح مخلّص العالـم ولهذا يُقترن دائـما الإحتفال بتقديم الذبيحة الإلهيـة. وفـى أعياد القديسة مريم العذراء تختار الكنيسة أيضاً نصوصاُ من الكتاب الـمقدس تتحدث عن علاقـة الله الخلاصيـة بالإنسان والتى ظهرت فـى العهد القديم فى روايـة الفردوس وفى كل ما يرتبط بهيكل أورشليم والـمائدة والحكمة وغيرهـا من النبؤات والرموز التى وصلت إلـى كـمالهـا فى تجسد ابن الله فى أحشاء مريم العذراء. فـمريم العذراء هـى مسكن الله الذى حلّ فيـه ابن الله ليتحد من خلالـه بالبشر ويـمنحهم الخلاص والحيـاة الأبديـة. أمـا نصوص العهد الجديـد فتروي نصوص الحدث إذا كان العيد جاء ذكره فى الإنجيل الـمقدس. فالكنيسة الـمقدسة إذ تحتفل بأسرار السيد الـمسيح فـى دورتهـا السنويـة، تكرّم بمحبة خاصة مريم والدة الله الـمتحدة مع إبنهـا فـى العـمل الخلاصي، ففى العذراء تتأمل الكنيسة بإعجاب ثمرة العذراء الـمباركـة وتمجدهـا، كما تتأمل فيهـا بإبتهاج ما تشتهى وترجو أن تكون عليه هـى ذاتهـا وبأكملهـا. وعامـة تتنوع الأعياد الـمريـمية: فمنهـا تذكارات لأحداث تاريخية ورد ذكرهـا فـى الإنجيل الـمقدس (كعيد البشارة)، أو أعياد لذكرى إعلان الكنيسة لحقيقة إيـمانيـة عن مريم العذراء (كعيد الحبل بلا دنس من الخطيئة الأصليـة)، أو أعياد لذكرى أحداث مستقاة من التقليد الشفوي أو من الأناجيل الـمنحولـة (كعيد دخول مريم العذراء للهيكل)، أو أعياد لذكرى ظهور العذراء فـى بلدة مـا(لورد أو فاطيمـا). وتضيف الكنيسة إلـى هذه الأعياد أعياداً أخرى أُدخلت بـمناسبة تدشين كنيسة أو تكريس إيقونة للعذراء. ومعظم هذه الأعياد يرافق مراحل حياة العذراء منذ البشارة بميلادهـا ثم الحبل بهـا ومولدهـا ودخولهـا الى الهيكل، ثم بشارة الملاك جبرائيل لها، وزيارتهـا للقديسة أليصابات، ثم ميلادهـا الـمسيح وتهنئتهـا بهذا الـميلاد والإحتفال بأمومتها الإلهية، ثم تقدمة إبنهـا إلـى الهيكل ثم رقادهـا. وعامة، ففى كل يوم من أيام السنة الـ365 يومـاً هناك فى مكان ما من العالـم أعيـاد وتذكارات للقديسة الطاهـرة مريـم العذراء يحتفل بهـا مكرّميهـا أينـما كانوا منذ بدء الـمسيحيـة وحتى أيامنـا وبهذا تحققت نبؤة العذراء التى نطقت بهـا فـى بيت زكريـا الكاهـن"فها منذ الآن تطوبنـي جميع الأجيال"(لوقـا 48:1). ——————- 2. مريم العذراء هى أمنا يعلن الوحي على لسان الرسول بولس " فإن الذين سبق فعَرفَهم سبق فحدّد أن يكونوا مشابهين لصورة إبنه حتى يكون بِكراً مـا بين أخوة كثيـرين"(رومية29:8)،فيسوع هو الإبن البكر لأخوةكثيرين. مريم هى أم الـمسيح يسوع بكل أعضاء جسده السري. الـمسيح هو الرأس ونحن الأعضاء" كذلك نحن الكثيرون جسد واحد فـى الـمسيح يسوع وكل واحد منا عضو للآخرين " (رومية5:12) ولا يـمكن للأعضاء ان تحيا بدون الرأس "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يوحنا5:15)،فنحن أعضاء فى كرمة الرب" فأنتم جسد المسيح وأعضاء من عضو"(1كورنثوس 27:12). ومريم قد ولدت الجسد كله، فنحن أبناء لـمريم وإخوة ليسوع وأعضاء فى كرمتـه،وبعد أن كانت مريم أمـاً للـمسيح فقط صارت أمـا لكل من يؤمن بـه ويتبعه،وبإتحادنا فى جسد الـمـسيح أصبحنـا أبناء لـمـريم وإخوة ليسوع. إذن أمومة مريم لنا أصلها ناشئ من إيـماننا بالـمسيح وأخوتنـا لـه ومن أننا أصبحنا أعضاء فـى جسده..أي كنيسته. ——————— 3. مريم العذراء هى الممتلئة بالفضائل ان التأمل فى فضائل مريم وحياتها سوف يعكس لنا مثالاً حياً يشجع كل مؤمن على التقدم فى الفضائل الإنجيلية بفعل نعمة الروح القدس والذى حلّ على البتول وحصلنا نحن عليه فى المعمودية. سوف نتعلم من مريم إيـمانهـا وقبولها لكلمة الله (لوقا26:1-28)، وطاعتها (لوقا38:1)، وتواضعها (لوقا48:1)، ومحبتها (لوقا39:1-56)، وحكمتها (لوقا29:1ولوقا19:2)، وخدمتها للآخرين (لوقا56:1)، وممارستها للشرائع الإلهية(لوقا21:2-41)، فى شكرها لعطايا الله(لوقا46:1-49)، فى تقدمتها فى الهيكل(لوقا22:1-24)، وفى صلاتها مع المؤمنين(اعمال12:1-14)،وغربتها (متى13:2-23)،وآلامها (لوقا34:2-35و 49ويوحنا25:19)، وفقرها وثقتها فى الله (لوقا48:1و24:2)،وفى خدمتها لإبنها من الميلاد وحتى الموت على الصليب (لوقا1:2-7ويوحنا25:19-27)،فى رقة مشاعرها نحو إحتياج الآخرين(يوحنا1:2-11)، فى طهارة بتوليتها(متى18:1-25ولوقا26:1-38). هذه الفضائل والتى للأم سوف تنقلها لأبنائها والذى يتأملون فيها ويتمثلون بها فى حياتهم للنمو فى النعمة و التقوى ومحاولـة التشبه بأم يسوع وأم الكنيسة جمعاء "لكي نجعل كل إنسان كاملاً فى المسيح"(كولوسي28:1). ———————- 4. مريم العذراء هى أعظم القديسـين فـى رؤيـا القديس يوحنـا نجد "جمع كثيـر لايستطيع أحد أن يُحصيـه من كل أمـة وقبيلة وشعب ولِسان واقفين أمام العرش وأمام الحَمل لابسين حللا بيضا وبأيديهم سعف نخل..هؤلاء هم الذين أتوا من الضيق الشديد وقد غسلوا حُللهم وبيضوهـا بدم الحَمل لذلك هم أمام عرش الله"(رؤ9:7) وهؤلاء هـم القديسون. الكنيسة تضع السيدة العذراء مريم فى مقدمة هؤلاء القديسين لأن السمائيين ما هم إلا أرواح خادمة مرسلة لخدمة العتيدين ان يرثوا الخلاص (عبرانيين14:1)،أما العذراء مريم فهى أم الله، والفرق طبعا شاسع بين الأم والخادم. وفى رسالة القديس يعقوب جاء ان " طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها " (يعقوب16:5) ومن يكون اكثر برارة من مريم المرأة التى اختارها الله ليأتى منها الإبن الوحيد؟ ——————— 5. مريم العذراء هى الشفيعة الـمؤتمنة عند إبنها يسوع فى اللاهوت الكنسي ترتفع العذراء مريم فى درجة قربها من الله وبالتالي قداستها وشفاعتها أكثر من جميع الأنبياء لأن سر العذراء أعلى من موهبة النبوة، فالأنبياء قبلوا الروح القدس فى الذهن والفم لينطقوا بكلام الله الى فترة زمنية محددة، أما العذراء مريم فقد قبلت الروح القدس ليتحد بكل كيانها حتى يستطيع كلمة الله أن يأخذ من لحمها ودمها جسداً له. إن وساطة المسيح لا تحول دون إقامة وسطاء آخرين بين الله والناس يتعاونون معاونة خدمية فى إتحاد البشر بالله. انهم يهيئون لقبول الخلاص كما هيأ المعمدان الشعب لإقتبال المخلص ولنا أمثلة عديدة من الكتاب المقدس فقد اختار الله ابراهيم واسطة تتبارك به جميع الشعوب، واختار موسى ليؤسس عهداً بين الله وشعبه، واختار الملوك والكهنة والأنبياء مسؤولين عن الشعب وحاملي مشعل العهد، اختارهم لا ليكونوا حاجزاً وفاصلاً بين الله والبشر بل ليكونوا امتداداًمنظوراً لعمل الله فى العالم. والـمسيح يسوع هو الوسيط الـمخلّص (1تيموثاوس 5:2) ، (أع12:4)، (عبرانيين 25:7) وبعد قيامته وصعوده جعل الكنيسة امتداداً لوساطته مع البشر فأعطى الرسل وخلفاؤهم مسؤولية نشر الكلمة والسلطان على العماد والإفخارستيا وغفران الخطايا، ولا شك انهم لا يزيدون شيئاً على وساطة المسيح ولكن المسيح يصل بواسطتهم الى جميع البشر. و أما القديسون الذين هم أعضاء جسد الـمسيح السري الـمـمجدون والذى يتمتعون بالمجد معه "وبعد ذلك رأيت فاذا بجمع كثير لا يستطيع أحد أن يُحصيه من كل أمّة وقبيلة وشعب ولسان واقفون أمام العرش وأمام الحَمل لابسين حُللاً بيضاً وبأيديهم سعف نخل وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللحَمل وكان جميع الملائكة وقوفاً حول العرش وحول الشيوخ والحيوانات الأربعة" (رؤيا 9:7-11). فهم أحياء وليسوا أمواتـاً " أنا إله ابراهيم وإله اسحق وإله يعقوب والله ليس إله أموات وإنما هو إله أحياء"(متى32:22). فهم يحملون صلواتنا ويطلبون من الله من أجلنا ولهذا فنحن نصلي معهم ونطلب شفاعتهم. هـم وسطاء لا يستطيعون استمداد شيئ لنا إلا إستناداً على إستحقاقات المسيح، ولذا فوساطتهم انما هى وساطة توسل والتماس ولا حظوة لها فى عين الله إلا إذا تمت بإسم المسيح. فقول الرسول بولس الى تلميذه تيموثاوس ان " الوسيط بين الله والناس واحد الإنسان يسوع المسيح" (1تيمو5:2) لا ينفى شفاعة القديسين، لأن الرسول يقصد فى كلامه ان المسيح وحده هو الشفيع والوسيط فى الخطيئة الأصلية وهو وحده الذى خلّص الجنس البشري "الذى بذل نفسه فداءاً عن الجميع". وعندما تصرّح الكنيسة وتؤمن بشفاعة القديسين وعلى رأسهـم الدائمة البتولية سيدتنا مريم العذراء فهذا لايعني اننا نؤمن بوسيط أو شفيع آخر فـى الخطيئة الأولى التى سقط فيها الإنسان سوى يسوع المسيح، وإنمـا نجعل سيدتنا مريم العذراء والملائكة وسائر القديسين وسطاء وشفعاء بأمورنا الجسدية وبالخطيئة التى نرتكبها نحن وليس باخطيئة التى سرت إلينا من الإنسان الأول. فوساطة مريم العذراء ليست وساطة خلاصية بل هى وساطة تمثلية كما أعلن الوحي على لسان بولس الرسول:"إقتدوا بـي كما أقتدي أنا بالمسيح" (1كورنثوس 1:11)، فنحن عندما نصلي لها أو الى أي من القديسين فإنـما نصلى معها الى الله وحده. فعندما نقول فى السلام الملائكي “صلي من أجلنا نحن الخطأة” فإنما نصلي من أجل أنفسنا مع صلواتها من أجلنا كما طلب بولس الرسول الصلاة من أجله (1تسالونيكى 20:5)،(أفسس19:6)،وكما فعل أبفراس:"مجاهد كل حين لأجلكم فى الصلوات لكي تثبتوا كاملين، نامين فى مشيئة الله كلها”(كولوسى12:4)،"وصلّوا بكل صلاة ودعاء كل حين فى الروح..من أجل جميع القديسين ومن أجلي" (أفسس 16:3)،"مصلين لأجلكم كل حين" (كولوسي3:1) . فمريم تشترك معنا فى شركة الصلاة"إذا اجتمع اثنين معاً للصلاة"(متى 19:18) فهى لا تحجب صلاتنا الى الله او تقف حائلاً بيننا وبينه بل هى تشترك معنا فى الصلاة الى الله. فشفاعـة العذراء هى مدخل للمقابلة مع المسيح. فحينما تشفع فينا العذراء من أجل معونة أو شفاء أو توبة، انـما تدخلنا فى مـجال علاقتها بالمسيح فالعذراء تهبنا كل إمـكانيانتها الموهوبة لها لنتقدم بها الى المسيح. فنأخذ من العذراء جرأة طهارتها ودالة امومتها وحبها الفريد للمسيح فهى كمن يمنح العضو الأقوى فى الجسد قوته للعضو الأضعف وهى بعظمة مكانتها ودالتها تستطيع ان تتنازل عن تلك المواهب لنا فترفع الحواجز التى بيننا وبين المسيح فنـتقدم اليه بلا عائق ولا حاجز من ضعفنا لنأخذ من المسيح معونة او طلب او شفاء عز علينا او توبة تأخرت. إن تمسك الكنيسة الشديد بالتقليد وهى تلك النصوص التى حفظتها الكنيسة كميراث روحي عن آباء العصور الأولى بإكرام القديسين الذين انتقلوا سواء بالتسبيح أو تذكار أعيادهم هو فى الحقيقة توطيد لعلاقات حية عميقة كائنة بالفعل بين الأعضاء للجسد الواحد لحساب الرأس الواحد الذى هو المسيح الرب. فهذه العلاقات مع أرواح القديسين لا تكون على حساب إيمـاننا وعلاقتنا وإرتباطنا بالرب كأنها تضعف خلاصنا فهذا إفتراض خاطئ لأن أي عمل يشد أعضاء الجسد الواحد معاً انما يزيد من كفاءة خلاص الأعضاء وخدمتهم جميعا لحساب رأس الجسد. لذلك فكل حب وكل كرامة وكل تقديس نقدمه لأشخاص القديسين الذين سبقونا إنمـا يبهج قلب المسيح ويمنحنا ثقة ورجاء حينما نشخص دائما الى نفس النصيب الذى صاروا اليه لأننا نحن ايضا صرنا أعضاء فى جسده . فبقوة إيماننا بسر الكنيسة كجسد واحد وبقوة إيمـاننا بإن إهـتمام الأعضاء فى هذا الجسد السري هو إهـتمام واحد حسب قول الوحي الإلهي على فم بولس الرسول "لئلا يكون فى الجسد شِقاق بل يكون للأعضاء إهتمام واحد بعضُها ببعض"(1كورنثوس25:12). إذاً فنحن لنا ثقــة ان العذراء مريم والقديسين من بعدها إنمـا يتشفعون عن ضعفنا وهذه الشفاعة أي هذه الصلة السرية القائمة بيننا وبينهم بحكم الجسد الواحد. فشفاعة مريم ترتكز أيضا على كونها اشتركت مع ابنها فى المجد السماوي بإنتقالها بالجسد والنفس الى السماء، فإذا كان القديسون الذى يملكون ويحيون مع المسيح كما جاء فى سفر الرؤيا (رؤيا4:20-6)،وتتفاوت درجات مجدهم حسب ما جاء فى رسالة بولس:"ومن الأجساد اجساد سماوية وأجساد أرضية ولكن مجد السماويات نوع ومجد الأرضيات نوع آخر، ومجد الشمس نوع ومـجد القمر نوع آخر ومـجد النجوم نوع آخر لأن نجماً يمتاز عن نجم فى المجد، هكذا قيامة الأموات"(1كورنثوس 40:15-42)،فكم بالحري مجد مريم تلك التى وصفها سفر الرؤيا:"وظهرت آية عظيمة فى السماء إمراءة ملتحفة بالشمس وعلى رأسها إثني عشر كوكباً"(رؤيا12:1).وهؤلاء القديسين يتشفعون لأجل الأحياء (2مكابين 12:15-14) فكم بالحري مريم العذراء إذ انها حية فى المجد السماوي ولأنها انتقلت للحياة حيث تقف كملكة الى يمين ابنها حسب ما جاء فى مزمور 44 الذى ترى فيه الكنيسة وصفاً لمريم العذراء “ قامت الملكة عن يمينك” فشفاعتها تستمدها من وجودها الى جانب ابنها الإلهي. إن الله قريب منا وقد صار جسداً فحل فينا وسكن بيننا ولكنه أراد بغنى رحمته ومراحمه أن يجعل البشر شركاءه فى عمل الخلاص وامتداداً لوساطته فى العالم فإن نحن أنكرنا هذه الحقيقة جعلنا من ملكوت الله ومن شركة القديسين أي المؤمنين مجموعة من الأفراد المنعزلين الذين لا رابط بينهم ولاعلاقة. وإن نحن تساءلنا عن مدى وساطة الإنسان فى خلاص الإنسان نجيب ان الله وحده يعرف هذا المقدار. أنه بصلاة مريم مع الكنيسة فى العلية، أعطى لمريم وهى عضو فى الكنيسة دوراً بارزاً نحو المؤمنين فهى أم الكنيسة. لقد قدس المسيح سابقه يوحنا المعمدان وهو فى بطن أمه اليصابات بواسطة مريم. تقدمة المسيح لله الأب فى الهيكل ولكن اليدين اللتين قدمتاه للكاهن هما يدا مريم. إن عمل العذراء فى السماء هو إمتداداً لعملها على الأرض ،فلقد لعبت دوراً كبيراً فى سر الفداء وفى ذبيحة المسيح الخلاصية وهذا الدور الفريد جعل وساطتها تختلف عن وساطة القديسين وشفاعتهم لتشمل الكنيسة بكاملها. ان الله يفرح لأنه يتمجد فى قديسيه (غلاطية24:1). ——————- 7. مريم العذراء هى من تحمي الأبنـاء مــريم الأم لا تـتحمل أن ترى أبناؤها فى خطر دون أن تسرع لحمايتهم وأنقاذهم .لم تترك مريم ابناءها لحظة واحدة،فبصلواتها وشفاعتها الدائمة أمام عرش إبنها الإلهي تحمي الأبناء وترعاهم.ولكن فى بعض الحالات تجد مريم نفسها مـجبـرة ومضطرة كأم الى التدخل الـمباشر فى عالـمنا وحياتنا، فتظهر لنا نفسها لتحمل رسالة تحذير لخطر لا نراه بعد. مئات الظهورات تعددت تحمل كلها معنى واحد.. "أنـــا مـريـم أمـكـم.. إبني غاضب.. تـوبـوا …صـلّـوا دائمـا." لـم تشفق على نفسها لأجل ضيقة وشدة بنى جنسها، بل أرادت أن ترد الهلاك كما فعلت يهوديت ذات يوم فإستحقت تطويب عُـزيّا رئيس شعب اسرائيل ويوياقيم الكاهن (يهوديت 10:15-12). مـريم تواصل الليل مع النهار متشفعة ومـحذرة للناس.ظهورها مستمر حتى اليوم بصورة تدفع للعجب.ولـِم العجب،ألا تهتم أم بأبنائها ؟. قصة فقد الطفل يسوع فـى الهيكل وصرخة الأم "لـِم صنعت بنا هكذا هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك متوجعين" (لوقا 48:2) فـها هي مازالت تبحث عن الأبناء الضائعين البعيدين عن حضن الكنيسة صارخة هوذا أبوك السماوي وأنا أمك نبحث عنك متوجعين. ظهرت عام 1531 فى المكسيك Guadaluupe لتحذر من قيام دولة أمريكا وفناء الهنود سكان القارة الأصليين. ظهرت عام 1830 فى فرنسا وكانت فرنسا فى حرب أهلية ضد الكنيسة فظهرت للقديسة كاترين لابوريه (الأيقونة العجائبية). وفى عام 1846 تظهر فى قرية لاساليت بفرنسا وكانت بلاد أوربا مهددة بمجاعة عظيمة استمرت عشرة سنوات. وظهرت عام 1858 فى لورد بفرنسا وحذرت العالم من تيارات الحروب وعبادة الشيطان والثورات الدموية فى المانيا والنمسا وفرنسا. وفى عام 1879 ببلدة Knock بتشيكوسلوفاكيا. وعام 1917 فى قرية فاطيما بالبرتغال والحرب العالمية الأولى (1914-1919) وحذرت من مخاطر الحرب العالمية الثانية وخطر الزحف الشيوعي ( اسرار فاطيما الثلاثة ). وفى عامي 1932 و 1933 فى فرنسا . وفى الستينات بمصر وبدء إضطهادات المسيحيين وهجرتهم من مصر. وعام 1981 فى قرية ميدجوري بيوغسلافيا , وعام 1982 بقرية برواندا فى وسط أفريقيا , وعام 1983 فى قرية الصوفانية بسوريا وفى اليابان وروسيا وقيل أنها ظهرت هنا فى امريكا فى التسعينيات. مع كل هذه الظهورات كان التحذير بالخطر الذى يهدد العالم والتأكيد انها لن تترك ابناؤها يتألـمون. ——————– |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|