رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الخطية في اختبار الفرد الجرائم الكثيرة الغريبة الشاذة التي نقرأ أنباءها في الصحف كل صباح على أي شيء يدل وقوعها بهذه الكثرة، وهذا الشذوذ، وهذه الوحشية؟ السفاح الذي يقتل ضحاياه من أجل قروش، ويحتفظ بجثثهم في أرض الحديقة التي يعمل بها في الليل وفي النهار، ويبيع جمجمة الواحد منهم بخمسين قرشاً، ويقتطع من ثيابهم أجزاء للذكرى ثم يصنع منها وسائد يريح فوقها رأسه! علام يدل هذا الإجرام وهذه القسوة؟ والعمتان اللتان تفسدان ابنتي أخيهما اليتيمتين وتقودانهما إلى الشر وتتنكران لهما يوم يصيبهما المرض الخبيث، ما علة تصرفهما؟ وطالب كلية الهندسة الذي يطلق نسناساً على المصطافات في شاطىء سبورتنج يثير الرعب فيهن فلما يعترضه عامل قائلاً "حرام عليك" يغضب وينهال عليه ضرباً ولا يتركه إلا جثة هامدة! ما علة تصرفه هذا؟ وهذه الخلاعة التي تفشت في كثير من ا لبيوت! وهذه الحروب! وهذه الدموع! وهذه الدماء! وهذه الأسر المنقسمة على ذاتها التي لا يبطل منها النزاع والخصام! وهذه المطامع الأشعبية التي حطمت قلوب الناس؟ وهذه الخيانات والاعتداءات والسرقات؟ ما علة كل هذا؟ إن العلة الأصيلة الحقيقية هي "الخطية"!! تلك التي قال عنها بولس في اختباره "فإننا نعلم أن الناموس روحي وأما أنا فجسدي مبيع تحت الخطية لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أبغضه فإياه أفعل. فإن كنت أفعل ما لست أريده فإني أصادق الناموس أنه حسن. فالآن لست بعد أفعل ذلك أنا بل الخطية الساكنة فيّ. فإني أعلم أنه ليس ساكن فيّ أي في جسدي شيء صالح لأن الإرادة حاضرة عندي وأما أن أفعل الحسنى فلست أجد. لأني لست أفعل الصالح الذي أريده بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل. فإن كنت ما لست أريده إياه أفعل فلست بعد أفعله أنا بل الخطية الساكنة فيّ. إذاً أجد الناموس لي حينما أريد أن أفعل الحسنى أن الشر حاضر عندي. فإني أسر بناموس الله بحسب الإنسان الباطن. ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت" رو 7: 14 – 24 وكما ذكر بولس هذا الاختبار المرير في صراعه مع الخطية كذلك قرر هذه الحقيقة داود النبي حين قال "هأنذا بالإثم صورة وبالخطية حبلت بي أمي" مزمور 51: 5 فالخطية هي الميراث القديم لجميع البشر، وهي القاسم المشترك الأعظم في حياة كل فرد في هذا الوجود، وهذا هو ما يؤكده صاحب المزمور في قوله "الله من السماء أشرف على بني البشر لينظر هل من فاهم طالب الله. كلهم قد ارتدوا معاً فسدوا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد" مزمور 35: 2 و 3 وبذات الأسلوب يقرر بولس هذه الحقيقة قائلاً "كما هو مكتوب أنه ليس بار ولا واحد. ليس من يفهم. ليس من يطلب الله. الجميع زاغوا معاً فسدوا. ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد ... لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" رو 3: 10 و 11 و 12 و 22 و 23 ... ودعنا الآن نتقدم بإرشاد الله لكي ندرس موضوع الخطية الخطير تعريف الخطية ما هي الخطية؟ وما هو تعريفها في كلمة الله؟ وكيف نميز بين الخير والشر في حياة البشر؟! إن الكتاب المقدس قد وضع تعريفات واضحة للخطية نذكرها فيما يلي: 1- الخطية هي التعدي على قانون الله: وهذا ما يقرره يوحنا "كل من يفعل الخطية يفعل التعدي أيضاً والخطية هي التعدي" 1 يو 3: 4 ومعنى ذلك أن الشخص الذي يخطىء يتعدى الحدود المرسومة في ناموس الله، ويدخل في منطقة محرمة لا يصح له دخولها "لأن من حفظ كل الناموس وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرماً في الكل. لأن الذي قال لا تزن قال أيضاً لا تقتل. فإن لم تزن ولكن قتلت فقد صرت متعدياً الناموس" يع 2: 9 – 11، وهذا ما فعله آدم حين تعدى وصية الله التي وضعها له، وأكل من الشجرة التي حرمها عليه. 2- الخطية هي إهمال ناحية الخير في الحياة: يضع الرسول يعقوب تعريفاً للخطية فيقول "من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" يعقوب 4: 17 وقصة الغني ولعازر هي صورة مجسمة لتوضيح هذا التعريف، فقد كان ذلك الرجل غنياً يلبس الأرجوان والبز، ويتنعم كل يوم مترفهاً، وكان عند بابه لعازر الذي كان مضروباً بالقروح، وكان لعازر في حالته التي تدعو للعطف والرثاء، امتحاناً حياً لمشاعر ذلك الغني، وفرصة لإظهار أرق عواطفه الإنسانية، لكن الغني كان أنانياً، فلم يهتم بلعازر المريض ولم يرسل له طعاماً، والواقع أن الكلاب كانت أفضل منه وأرق في شعورها "فكانت تأتي وتلحس قروح ذلك المسكين" لقد كان في وسع الرجل أن يفعل حسناً ولكنه لم يفعل، وهذه كانت خطيته، وعلى هذا القياس "من يعرف أن يعمل حسناً ولا يعمل فذلك خطية له" 3- الخطية هي كل ما ليس من الإيمان: إصغ إلى كلمات بولس الرسول "كل ما ليس من الإيمان فهو خطية" رو 14: 23 والإيمان هو وسيلة إرضاء الله "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه" عب 11: 26 وهو طريق نوال الخلاص "بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله" أفسس 2: 8 و 9، وهو مفتاح النصرة على العالم "هذه هي الغلبة التي تغلب العالم إيماننا" 1 يو 5: 4 فكل عمل ليس القصد منه إرضاء الله، وكل شيء يدفعنا للإتكال على الذات، وكل هزيمة أمام شهوات العالم وإغراءاته، كل تصرف من هذا القبيل ليس من الإيمان "وكل ما ليس من الإيمان هو خطية" 4- الخطية هي كل إثم نرتكب: ه: في رسالة يوحنا الأولى نجد هذا التعريف للخطية "كل إثم هو خطية" 1 يو 5: 17 فما هو الإثم؟ في سفر اللاويين الإصحاح الخامس من عدد 1 – 19، والإصحاح السادس من عدد 1 – 7 نجد حديثاً مطولاً عن ذبيحة الإثم، وهي تلك التي تتعلق بالأخطاء العلنية المعينة التي يرتكب بعضها بجهل وبعضها عن علم. فإذا أخطأ أحد وسمع صوت حلف وهو شاهد يبصر أو يعرف فإن لم يخبر به حمل ذنبه ووجب عليه أن يقدم ذبيحة إثم، وإذا مس أحد نجاسة إنسان حتى ولو لم يعلم بها ثم علم بها فهو مذنب. وإذا حلف أحد ليفعل حسنة أو إساءة وأخفى عنه ثم علم فهو مذنب في شيء من ذلك. وفي كل ذلك كان الأمر يتطلب ذبيحة إثم، فالإثم إذاً هو الأخطاء العلنية التي يرتكبها المرء عن علم أو جهل "وكل إثم هو خطية". 5- الخطية هي فكر الحماقة: يعرف صاحب الأمثال الخطية في هذه العبارة "فكر الحماقة خطية" أم 24: 9 ونجد في قصة الغني الغبي تفسيراً واضحاً لهذه الآية، فهذا الغني أخصبت كورته وبدلاً من أن يشكر الله على بركاته ويقدم له حقه فيما أعطاه نقرأ عنه هذه الكلمات "ففكر في نفسه قائلاً: ماذا أعمل لأن ليس لي موضع أجمع فيه أثماري. وقال: أعمل هذا، أهدم مخازني وأبني أعظم وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي وأقول لنفسي يا نفس لك خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي" وهكذا دبر الرجل كل برنامج حياته بعيداً عن الله، فلم يعمل لله حساباً في هذا التدبير، وكان غبياً أحمقاً في هذا التفكير "وتدبير الأحمق خطية" بحسب الترجمة الحرفية للآية، ولهذا قال له الله "يا غبي في هذه الليلة تطلب نفسك منك فهذه التي أعددتها لمن تكون" لو 12: 20... وبولس يحذرنا من التدبير الأحمق في قوله "البسوا الرب يسوع المسيح ولا تصنعوا تدبيراً للجسد لأجل الشهوات" رو 13: 14 فكل تدبير للحياة أو للجسد بعيداً عن فكر المسيح هو خطية. الخطية هي نور الأشرار: وهذا تعريف آخر لصاحب الأمثال "طموح العينين وانتفاخ القلب نور الأشرار خطية" أمثال 21: 4 والعينان الطامحتان هما دليل الكبرياء "سراج الجسد هو العين فإن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيراً. وإن كانت عينك شريرة فجسدك كله يكون مظلماً. فإن كان النور الذي فيك ظلاماً فالظلام كم يكون" متى 6: 23 و 23. وانتفاخ القلب يؤكد وجود الشر في الداخل "من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة زنى فسق قتل. سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان" مرقس 7: 21 و 22 ومن الطبيعي أن تكون نتيجة وجود القلب المنتفخ والعين الطموحة، أن النور الذي يأتي من صاحبها يعتبر خطية، فنجاح الشرير، شر في جذوره وأغصانه، وثماره، لأن العامل الأول فيه "الخطية"، وكذلك كل صلاح يحاول الشرير أن يعمله، أو كل بر يحاول أن يستتر فيه هو خطية "قد صرنا كلنا كنجس وكثوب عدة (أي كخرقة بالية) كل أعمال برنا" أش 64: 6 فأعمال البر التي يعملها الأشرار هي في ذاتها خطية لأن دوافعها غير مقدسة وليست لمجد الله. هذا هو التعريف الكتابي للخطية؛ وعندما نطبق هذا التعريف على حياتنا ماذا يمكن أن نرى فيها سوى لطخ الخطية السوداء التي شوهتها وأضاعت جمالها؟! الخطية والغرائز الإنسانية هل توجد علاقة بين الخطية والغرائز الإنسانية؟ وما هي هذه العلاقة؟ وكيف تستخدم الخطية الغرائز البشرية؟ يقول الدكتور ماندر عالم النفس المشهور في تعريف الغريزة: إن الغريزة هي ميل فطري موروث يدفع الإنسان أن يسلك سلوكاً خاصاً في ظروف معينة، ولكي نوضح معنى كلامنا هذا نقول إن الغريزة استعداد فطري في الجهاز العصبي لوضع الجسم في حالة عضوية خاصة وإتيان حركات جسمية معينة هي رد فعل لعملية مناسبة لها. مثال ذلك: أننا إذا فزعنا لسماع قرقعة عالية مفاجئة أو صيحة حادة جاءت على غير انتظار منا، فقد تتصلب أجسامنا وتجمد لساعتها ويأخذنا هول ذلك الحادث فتنعقد ألسنتنا ولا نحير جواباً، نشعر بهذا في أجسامنا فنسمي هذا الشعور خوفاً. ولكن السلوك الجسمي نفسه هو مثل لنوع خاص من الغرائز يسمى غريزة "التماوت" وقد وضع الله في الإنسان كثيراً من الغرائز هي أصل جميع الرغبات الأولية في حياة كل فرد, فغرائز اللمس، والأكل، والحركة الجسمية، وطلب الراحة والنوم من الغرائز البسيطة التي تولد فينا الرغبة للراحة الجسمية، وغريزة التماوت تولد فينا الرغبة للشعور بالطمأنينة، وغريزة الهرب تولد فينا الرغبة للنجاة، وغريزة الخنوع والتذلل تولد فينا الرغبة لاسترضاء شخص قادر، وغريزة حب الظهور تولد فينا رغبة لفت أنظار الناس وإثارة إعجابهم بنا، ومحبتهم لنا، وغريزة المقاتلة والهجوم تجعلنا نرغب في إيقاع الضرر والأذى، وتدفعنا إلى التغلب والسيادة والشعور بالتفوق، والغريزة الجنسية تولد فينا الرغبة لاجتذاب شخص من الجنس الآخر والتزاوج معه وإدخال السرور عليه، وغريزة الرعاية والحماية تدفعنا للعناية بشخص أضعف من الإنسان والمحافظة عليه، والغريزة الاجتماعية تدفعنا للبحث عن الرفاق وصحبة وزمالة غيرنا من نوعنا، وغريزة التقليد تولد فينا الرغبة للتشبه بالقادة والزعماء منا، وغريزة المطاردة والقنص تولد فينا الرغبة في الإمساك والتملك والقبض؛ وغريزة الارتياد والكشف تولد فينا الرغبة للكشف والمعرفة والفهم؛ وغريزة العودة إلى المألوف تجعلنا تحس برغبتنا في العودة إلى المألوف من الناس والأمكنة والظروف، ويجد بنا أن نضع في أذهاننا أن هذه الغرائز والرغبات ليست شراً في ذاتها، ولكن الشر في انحرافها، وفي الطريق الذي يسلكه الفرد لإشباعها. ولقد سقط كثيرون من الأبطال عن طريق الغريزة المنحرفة، والرغبة الجامحة ... فهذا هو داود في خطيته الرهيبة التي حوت جملة خطايا في ثناياها، فقد أخطأ ذلك الملك ضد أوريا، وأخطأ ضد بثشبع، وأخطأ ضد التاج، وأخطأ ضد الدولة؛ وأخطأ ضد الجيش وأخطأ ضد جسده، وأخطأ ضد الإنسانية، عندما ارتكب خطية الزنا مع امرأة أوريا، ولا ريب أن هذه الخطية كانت انحرافاً صريحاً للغريزة الجنسية عن الطريق الشريف الذي وضعه الله لإشباعها، ويظهر هذا بكل وضوح في الحديث الذي دار بين ناثان النبي وداود فقد قال ناثان للملك "كان رجلان في مدينة واحدة واحد منهما غني والآخر فقير، وكان للغني غنم وبقر كثيرة جداً، وأما الفقير فلم يكن له شيء إلا نعجة واحدة صغيرة قد اقتناها ورباها وكبرت معه ومع بنيه جميعاً. تأكل من لقمته وتشرب من كأسه وتنام في حضنه وكانت له كابنة فجاء ضيف إلى الرجل الغني فعفا أن يأخذ من غنمه وبقره ليهيء للضيف الذي جاء إليه فأخذ نعجة الفقير وهيأ للرجل الذي جاء إليه" 2 صم 12: 1 – 6 ولقد حكم داود على الرجل الذي تتحدث عنه القصة بالموت لأنه ترك أغنامه وأبقاره واعتدى على نعجة الرجل المسكين، أي أنه انحرف بغريزته في طريق غير شريف فالخطية ليست في وجود الغريزة نفسها بل في انحرافها إلى طريق مضاد لإرادة الله. ونلاحظ في سقطة داود، أن انحراف غريزة واحدة في المرء، قد يؤدي إلى انحراف غرائز أخرى معها؛ فغريزة التماوت، وهي التي تولد الرغبة في الشعور بالطمأنينة، والانفعال المصاحب لها هو الخوف، دفعت داود إلى قتل أوريا ليستريح من الفضيحة ويطمئن إلى كتمان الأمر، فلنحذر إذاً من انحراف غرائزنا ولنسر بها في الطريق المرتب لها من الله. ومع داود نجد عاخان الذي انحرفت رغبة حب التملك فيه عن الطريق السوي فدفعته إلى السرقة، فلما رأى في الغنيمة رداء شنعارياً نفيساً ومئتي شاقل فضة ولسان ذهب وزنه خمسون شاقلاً اشتهاها، وأخذها، وطمرها في وسط خيمته بعد أن وضع الفضة تحتها يش 7: 21 وبذات الكيفية انحرف جيحزي فسقط في خطية الكذب والاغتصاب، وكذلك باع يهوذا سيده المسيح بثلاثين من الفضة "ومحبة المال أصل لكل الشرور الذي إذ ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" 1 تي 6: 10 وإلى جوار هؤلاء نجد بطرس الذي قال ليسده "يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت" لوقا 22: 33 وهو يلعن ويحلف ويسب أنه لا يعرف المسيح ... ولا ريب أن الذي دفعه إلى ذلك هو انحراف غريزة التماوت فيه، هذا الانحراف الذي جعله يبحث عن الطمأنينة بطريق غير سليم، ودفعه إلى الخوف الجارف الذي جعله ينكر سيده لينجو بحياته من الخطر، بدلاً من أن يثق بالله لنجاته وإنقاذه. وهناك عدة أمثلة أخرى لانحراف الغرائز، يضيق مجال هذا الكتاب عن حصرها، لكننا نحرج منها كلها بنتيجة واحدة هي أن نبحث عن السبيل النظيف الذي وضعه الله لإشباع غرائزنا، ونتسامى بها في طريق الخدمة والمثل العليا حتى لا تنحرف إلى طرق الضلال والنجاسات والأوحال. نتائج الخطية في حياة الفرد عندما تأتي الخطية للإنسان، تأتي مرتدية رداء الخداع والمداهنة والتملق، وهي تعطي لكل غصن من أغصان شجرتها الأثيمة اسماً جميلاً، فهي تسمى الكبرياء كرامة، وتسمي الأغاني المبتذلة فناً رفيعاً، وتسمي شهوة العيون حب الجمال، وتسمي الحروب البشعة دفاعاً عن الحرية، ولكنها بعد أن تخدع المرء تهشمه بين أنيابها القاسية. يحدثنا التاريخ عن مرسل من بلاد الغرب ذهب إلى إحدى غابات الهند، ووجد هناك نمراً صغيراً ما زال وليداً، فأخذه معه ليربيه كما تربى الكلاب، وبدأ المرسل يعتني بالنمر ويطعمه إلى أن كبر، وفي يوم ما بينما كان المرسل جالساً في حديقته يقرأ صحيفته، مد يده وربت على رأس النمر كعادته، وإذ بالنمر يلحس يد المرسل بلطف، وقليلاً قليلاً أحس المرسل بأن قوة تخرج من جسمه دون أن يعرف السبب، وفجأة انتبه فإذا به يجد الدماء تسيل من يده ... وأدرك أن النمر ظل يلحس يده بلسانه إلى أن أسال دماءه وإذ أراد أن يعاقب ذلك الوحش ثارت غريزة الافتراس فيه بعد أن ذاق طعم الدماء وافترس المرسل الذي رباه! وهذه هي قصة الخطية على مدى الأزمان، تخدع ثم تقتل!! وليس شك في أن كثيرين يعتقدون أن خطاياهم لن تكشف ولن ينالوا عنها عقاباً، لكن قانون الله الخالد هو "أن الذي يزرعه الإنسان إياه يحصد أيضاً" غلا 6: 7 ولا بد أن يأتي اليوم الذي فيه يعلن الله ما ارتكبناه من آثام إلا إذا سترت هذه الآثام بالتوبة والإيمان في دم الصليب، وهذه هي الحقيقة التي يقررها موسى في سفر العدد في الكلمات "وتعلمون خطيتكم التي تصيبكم" عد 32: 23 ذلك لأن "الله يطلب ما قد مضى" جا 3: 15 وليس هذا هو كل ما تفعله الخطية في حياة الفرد، فالخطية تفصل الإنسان عن الله "آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع" أش 9: 2، وهذا هو ما حدث في حياة شاول الملك حتى قال وهو في ضيقته الكبرى "الرب قد فارقني ولم يعد يجيبني لا بالأنبياء ولا بالأحلام" 2 صم 28: 15، وعندما يفارقنا الله، يفارقنا النجاح، والسلام، والهدوء النفسي والقلبي، ويأخذ الشيطان مجاله الأكبر في حياتنا، وفوق هذا فإن الخطية تصيب المرء بالعمى الروحي، فتجده يفهم الأدب، والسياسة، والاجتماع، والعلوم الرياضية، ويجهل أبسط مبادئ الحياة الروحية "الإنسان الطبيعي لا يقبل ما لروح الله لأنه عنده جهالة ولا يقدر أن يعرفه لأنه إنما يحكم فيه روحياً" 1 كو 2: 14، والخطية تنيم الضمير الحي، فداود الذي ضربه قلبه عندما قطع طرف جبة شاول الملك 1 صم 24: 5، نام ضميره حتى قتل أوريا الحثي، واعتدى على امرأته. والخطية عاقبتها الموت الروحي والجسدي "لأن أجرة الخطية هي موت" رو 6: 23 "الخطية إذا كملت تنتج موتاً" يع 1: 15 ... وأخيراً تأتي الخطية بالإنسان إلى جهنم "وأما الخائفون وغير المؤمنين والرجسون والقاتلون والزناة والسحرة وعبدة الأوثان وجميع الكذبة فنصيبهم البحيرة المتقدة بنار وكبريت الذي هو الموت الثاني" رؤ 21: 8 لكن هل هذا كل ما في قصة الخطية المؤلمة؟! إصغ إلى أنين أولئك الذين غررت بهم، ولطخت حياتهم ... اسمع صوت قايين القاتل وهو يقول "ذنبي أعظم من أن يحتمل" تك 4: 13، وأنصت إلى تأوهات داود الساقط "ليست في عظامي سلامة من جهة خطيتي لأن آثامي قد طمت فوق رأسي كحمل ثقيل أثقل مما أحتمل" مز 38: 4، وأمل أذنك لتسمع كلمات أيوب "لأنك كتبت على أموراً مرة وورثتني آثام صباي" أي 14: 17 واصغ إلى اعتراف أشعياء "ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين ... لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" أش 6: 5، ثم تعال بعد هذا لتسمع ذلك التعس يهوذا وهو يقول "أخطأت إذ سلت ص43 دماً برئياً" متى 27: 4 هذا هو عذاب الخطية في قلب كل فرد يواجه الله، ويعرف حقيقة خطاياه، ومع هذا العذاب النفسي المرير، نرى الشقاء الذي يحدثه الخطية في جميع مناحي الحياة. فحواء قد ملأت الدموع عينيها، وخرجت السعادة من خيمتها بعد أن قتل قابين هابيل، وعاخان رجمه كل إسرائيل مع جميع بيته لأجل أطماعه وشهوته، وشمشون قلع الفلسطينيون عينيه ونزلوا به إلى غزة وأوثقوه بسلاسل نحاس وكان يطحن في بيت السجن لأجل حبه للمرأة المستهترة دليلة، وجيحزي قد ضرب هو ونسله ببرص نعمان السرياني لأجل محبة المال، وداود كان يعوم في كل ليلة سريره بدموعه، واحتمل أشد الآلام والنكبات في بيته بسبب سقطته، وآخاب لحست الكلاب دمه لأجل طمعه واعتدائه، وبطرس "بكى بكاء مراً" بسبب إنكاره لسيده. وماذا أقول أيضاً عن الملوك، والأبطال، والعظماء، والفتيات، والشبان، الذين شوهت الخطية جمالهم وجلالهم، وسجلت في كتاب حياتهم سطوراً سوداء بيدها القاسية التي لا ترحم. يحدثنا رجل من رجال الله هو الدكتور تشارلس برايس عن مأساة رهيبة من مآسي الخطية في حياة قسيس عظيم، كان اسم ذلك القسيس جوزيف كونلي، كرسه والداه لخدمة الله فالتحق بكلية اللاهوت، وكان بالكلية أستاذ عصري لا يؤمن بالكتاب المقدس، عز عليه أن يرى شاباً ذكياً يكرس حياته لخدمة المسيح، فهمس في أذنه بهذه الكلمات "اسمع يا جوزيف، أنت شاب ألمعي الذكاء، وينبغي أن تعرف أن ديننا قد دخلته الخرافات، وأنا أنصحك أن تدرس كتب الفلاسفة، وأن تزن الأمور بتفكير، اقرأ يا جوزيف داروين ورينان وهكسلي، ولا تسر كالأعمى في طريق الحياة" واهتز الشاب وهو يسمع من أستاذه الأثيم هذه العبارات، ولكنه رغم الصراع الذي قام داخله أتم دراسته وخرج للخدمة المقدسة. تزوج جوزيف كونلي بعد أن نصب راعياً من ابنة أحد القسوس الأتقياء. وكانت فتاة مكرسة تحب الرب، وارتقى القس جوزيف كونلي سلم المجد على درجات، حتى استقر في مدينة "بونوما" في ولاية كاليفورنيا وبنى بها كنيسة ميثودستية من أجمل ما ابتكرت الهندسة الإسبانية، وعلت شهرته حتى منحته إحدى الجامعات الدكتوراة الفخرية تقديراً له. وفي خلال مدة خدمته في هذه المدينة كان الصراع قد بلغ أشده في قلبه وعقله، وكانت كلمات الأستاذ الأثيم قد أثمرت في تفكيره، فوقف في صباح يوم أحد، وأعلن من فوق منبره، أنه لا يؤمن بميلاد المسيح من عذراء، ولا يؤمن بالمعجزات، وأنه سيترك الخدمة إلى عمل آخر في الحياة. كان الدكتور كونلي كاتباً موهوباً، فدخل إلى ميدان الصحافة، وعلا نجمه فعين رئيساً للتحرير في جريدة كبرى؛ ثم أنشأ لنفسه جريدة خاصة وطبق اسمه الآفاق؛ فقد كان قلمه كأنه قد غمس في مداد الإلهام. لكن الخطية غررت بالرجل حتى سادت على حياته، فبدأ يدخن ويشرب الخمر، ثم تملكت منه عادة السكر ففقد عمله في الصحافة وخبا ذلك النجم الذي لمع لمدة سنوات، وكنت ترى الدكتور القس جوزيف كونلي، وهو يسير في الشوارع متسكعاً، بملابسه الممزقة، وقد زال عنه بهاؤه، واحمرت عيناه، وضاعت معالم شخصيته من فرط السكر. ولو رآه ذلك الأستاذ الشرير الذي أبعده عن الإيمان لبكى عليه بالدموع. ورآه أحد الأطباء من أعضاء كنيسته القدامى، فراعه منظره حتى أبكاه، فأشفق عليه وأعطاه حلة جديدة لكن جوزيف كونلي الراعي الذهبي اللسان والقلم، باع الحلة ليشرب بثمنها خمراً. ووضع الله في قلب ذلك الطبيب أن يهتم بذلك الراعي، ففكر في إبعاده عن البيئة التي يعيش فيها عله يبطل عادة السكر ويرجع إلى نفسه، وكانت مناجم الذهب قد اكتشفت في ألاسكا فأوحى إليه أن يذهب إلى هناك .. ووافق كونلي على الذهاب ورتبت له زوجته حقيبة وضعت فيها بعض الدواء، وفي داخل الحقيبة وضعت له ابنته الجميلة الصغيرة فلورنس نسخة من الكتاب المقدس وقد كتبت عليها إهداءها "لبابا العزيز ..." وسافر الرجل تتبعه صلاة الزوجة الحزينة من أجله إلى الله. وما كاد جوزيف كونلي يذهب إلى ألاسكا حتى اشتغل عاملاً في "خمارة" وكنت ترى ذلك الرجل العظيم الذي حطمته الخطية وهو يغسل أرض الخمارة بيديه الرقيقتين في سبيل الحصول على مزيد من الخمر ... وطلبه أحد الأغنياء ليقوم بحراسة منجم جديد، فكان الشرط الأساسي الذي وضعه ذلك المسكين أن يزوده الغني بكميات كافية من الخمر ... ووافق الرجل، وأرسله لحراسة المنجم وأسكنه في غرفة خاصة على بعد أربعين ميلاً من العمران ... وفي تلك الغرفة كان كل عمل جوزيف كونلي أن يجرع كؤوس الخمر وهو يتطلع إلى الخلاء ... وانضم إليه في غرفته شابان، كان أحدهما كاثوليكياً واسمه "جيمي ملر" وكان الثاني يعمل في كاليفورنيا كوسيط روحي في جلسات مناجاة الأرواح واسمه "ولي فلت" .... وكان عمل هؤلاء الثلاثة هو شرب الخمر، والتحدث بأقبح القصص وأقذر النكات. وظل الحال هكذا في الغرفة البعيدة عن العمران، إلى أن أصيب جيمي ملر بالحمى، وكان يصرخ من الألم، وتذكر جوزيف كونلي الدواء الذي وضعته زوجته في الحقيبة، ففتحها ليخرجه منها وإذا بنسخة الكتاب المقدس تسقط على الأرض، وانحنى الرجل وأمسك بها، ثم أراد أن يحرقها ولكن صديقه "ولى فلت" منعه من إحراقها بحجة أنه لا يوجد في الغرفة ما يقرأونه. أثر الدواء في "جيمي ملر" وشفى، وبدأ بعد شفائه يقرأ الكتاب المقدس ... ولقد قاوم جوزيف كونلي فكرة قراءة الكتاب في غرفته، ولكنه استسلم لرأي زميليه لما قالا له أنهما يقرآنه بقصد التسلية لا بقصد الإيمان .... وجاء الشتاء بليله الطويل، وكان ثلاثتهم يجلسون الساعات لقراءة الكتاب، وأحدث الكتاب تغييراً في حياة هؤلاء التعساء ... قل حديثهم الشرير البذيء .... وماتت على شفاههم اللعنات. وحل عيد الميلاد، فجلسوا يقرأون قصة ميلاد المسيح ... وعادت إلى ذاكرة كل منهم مناظر احتفالات العيد ... وتذكر جوزيف ابنته الجميلة فلورنس، وهي تضع الزينات في أغصان شجرة العيد، وذكر الرجل حياته يوم كان راعياً جليلاً تنحني له الهامات. ظل الأصدقاء الثلاثة يقرأون الكتاب حتى شهر يناير، وفي أواخر ذلك الشهر بدأوا قراءتهم لإنجيل يوحنا، ثم جاء اليوم الرابع عشر من شهر فبراير حين جلس "ولي فلت" يقرأ، وأمامه الدكتور كونلي يصغي بانتباه إلى قراءته "لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم. أنا أمضي لأعد لكم مكاناً" وتحت تأثير هذه الكلمات لم يتمالك القسيس القديم نفسه فانحدرت الدموع على خديه. وتوقف "ولي فلت" عن القراءة وسأل: ما الذي حدث يا جوزيف؟ وأجاب كونلي: لا شيء! - هل تبكي! - نعم! استمر! إنني أفكر في ابنتي الصغيرة فلورنس. ووقف ولي فلت وهو يقول "يا لعظم تأثير هذا الكتاب! إنه قد هز كياني، وغير قلبي، وأنا أحس منذ أيام برغبة شديدة في الصلاة ولكنني خشيت أن أصلي لئلا تسخرا مني، أما الآن فقد عزمت أن لا أستمر في خجلي، وسأركع وأصلي إلى الله، وأطلب إليه أن يتكلم إلى قلبين ... وانفجر كونلي في البكاء وهو يسمع كلمات زميله ثم جفف دموعه وهو يقول "آه يا صاحبي، هذا هو ذات الإحساس الذي يملأني، فمنذ أسبوع وقلبي يتحطم داخلي، وصورة أمي التي انتقلت إلى المجد تتمثل أمامي وهي تصلي لأجلي ... " وسكت الدكتور كونلي لحظة ثم قال: وأنت يا جيمي ماذا تحس في قلبك؟ ... وأجاب جيمي ملر: إن المعركة قد بلغت نهايتها وسأركع معكما لأصلي. وركع السكيرون الثلاثة في تلك الغرفة، وارتفعت صلواتهم في طلب خلاص الله، وفجأة وقف ولي فلت على قدميه وهتف "هللويا! هللويا! لقد سمع يسوع طلبتي" وقفز بعده من فرط الفرح جيمي ملر وهو يهتف بكلمات الحمد لله، وأخيراً وقف جوزيف كونلي وقد امتلأت عينيه بالدموع وفمه بهتاف المجد. كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندما زار السيد له المجد ذلك المكان البعيد، وخلص أولئك المساكين. واتجه ثلاثتهم إلى برميل الخمر ودحرجوه إلى خارج الغرفة، وسكبوا السائل القتال على الجليد بين هتافات الشكر والحمد ... وبعد مدة قليلة ترك ثلاثتهم ذلك المكان، أما جيمي ملر فقد أصبح قسيساً ميثودستيا مباركاً، وأما ولي فلت فقد امتلأ بالروح القدس وما زال يعظ ببشارة الخلاص في مدينة تكساس .... وأما الدكتور جوزيف كونلي، فقد رحبوا به كعميد لكلية المثال لدرس الكتاب، وقبل احتضاره بأيام جلس والدموع في عينيه يقص على الدكتور برايس قصة حياته ليذيعها على الناس حتى يتحذروا من الخطيئة وعدم الإيمان والشك في الله. والواقع أن قصة هذا القسيس هي اختبار رهيب لمرارة الخطية، وهي تحذير قوي من الكتب التي تملأ العقل بالشكوك، والفلسفات التي تبعدنا عن الإيمان ... فاحذر يا أخي أن تقيدك الخطية بقيودها الحديدية، واحترس من سماع نصيحة الأشرار واصغ إلى الأوصاف التي سجلها بولس الرسول عنهم "مملوئين من كل إثم وزناً وشر وطمع وخبث مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً نمامين مفترين مبغضين لله ثالبين متعظمين مبتدعين شروراً غير طائعين للوالدين بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضى ولا رحمة حنجرتهم قبر مفتوح. بألسنتهم قد مكروا سم الأصلال تحت شفاههم وفمهم مملوء لعنة ومرارة أرجلهم سريعة إلى سفك الدم ... ليس خوف الله قدام عيونهم" (رومية ص 1 و 3) يقيناً أن "الخطية خاطئة جداً" "لأنها طرحت كثيرين جرحى وكل قتلاها أقوياء" فإذا قامت معارك الشكوك في داخلك، فردد هذه الكلمات "يا إلهي مع أنني لا أفهم كل شيء لكنني سأستمر في ثقتي بك" "وبينما أنا أحيا وسط الغيوم فسأظل مؤمناً بمحبتك" "وفي وسط الظلمات وحيث لا نور سأستند يا ربي على قوتك" "فاحفظني بنعمتك لئلا نحطم الخطية حياتي". التعديل الأخير تم بواسطة Mary Naeem ; 11 - 08 - 2021 الساعة 03:57 PM |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|