شمشون والمسيح
إن كان اليهود قد قبضوا على السيد المسيح، وأوثقوه.. فقد حدث نفس الأمر فى حياة شمشون نذير الرب وقاضى إسرائيل.. وذلك حينما حضر إليه شيوخ إسرائيل وقالوا له إن الوثنيين يهاجمون أرضهم، ويتلفون ممتلكاتهم، ويقتلون بنيهم أو يأخذونهم كأسرى بسبب ما فعله هو بالوثنيين.
وحينما سألهم شمشون عما يقترحونه أو يطلبونه.. أجابوه بأن الحل فى نظرهم هو أن يقبضوا عليه، ويسلموه موثقاً إلى الوثنيين، لأن هذا هو الشرط الذى طلبوه ليمتنعوا عن إيقاع الأذى بهم..
وقد وافق شمشون فى شجاعة نادرة على طلبهم. ليريحهم من جهة، وليظهر لهم قدرة الرب من جهة أخرى.
ومع ذلك أحضر شعبه حبالاً جديدة متينة وأوثقوه بها. وقبل هو أن يتم تسليمه للأعداء فداءً عن شعبه.
وحينما وصل شمشون موثقاً بالحبال إلى محلة الوثنيين، فرحوا جداً وهتفوا وشعروا أن غريمهم القوى قد وقع أسيراً فى أيديهم فى النهاية. ولكن فرحتهم لم تتم، إذ حل روح الرب على شمشون، فانحلّت وثاقاته المتينة، وصارت الحبال القوية كأنها خيط رفيع أمام قوته العجيبة. وإذ كان الجند قد تجمهروا من حوله.. أبصر أمامه على الأرض فك حمار، فالتقطه وضرب به ألف جندى من الوثنيين وانتصر عليهم. وحرر المأسورين من شعبه، وصنع الرب خلاصاً عظيماً على يديه فى ذلك اليوم.
كان شمشون فى كل ذلك رمزاً للسيد المسيح الذى أظهر بالضعف ما هو أقوى من القوة.
فقد سمح لليهود أن يقبضوا عليه ويوثقوه، ويسلّموه إلى قضاء الموت بيد الحاكم الوثنى الرومانى. وتقبل كل ما وجه إليه من إهانات فى اتضاع وتسليم من أجل خلاصنا.
وقد تخيل الشيطان فى حماقته أن السيد المسيح قد وقع أسيراً بين يديه.. ولكن السيد المسيح إذ انتصر على الصليب حطّم مملكة الشيطان وحرر المأسورين.
ففى ضعفه الظاهرى كان قوياً منتصراً على مملكة الظلمة. كما أنه انتصر على الموت، وحطّم شوكته، وقام منتصراً من الأموات. تحرر بسهولة من الموت إذ لم يكن ممكناً أن يُمسك منه.
كان “فك الحمار” الذى انتصر به شمشون على أعدائه رمزاً إلى “الموت” الذى حطّم به السيد المسيح الموت. وقد دخل السيد المسيح إلى أورشليم فى بداية أسبوع الصلب راكباً على أتان. دخل من باب الضأن فى أورشليم ليكون تحت الحفظ مثل خروف الفصح، لأنه هو حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله. وبدخول السيد المسيح إلى أورشليم بهذه الصورة قَبِلَ الموت بإرادته. وقَبِلَ أن يدخل إلى صراع الموت ليحطّمه ويبيد سلطانه “إذ قد تشارك الأولاد فى اللحم والدم، اشترك هو أيضاً كذلك فيهما لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت أى إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفاً من الموت كانوا جميعاً كل حياتهم تحت العبودية” (عب2: 14، 15).