لماذا صام ؟
من المعلوم طبعاً أن السيد المسيح لم يكن محتاجاً إلى الصوم لتدريب جسده أو تقويمه لأنه هو الوحيد الذى بلا خطية بين البشر جميعاً. ومن المعلوم أن الصوم بالنسبة لنا يساعدنا على التحرر من رغبات الجسد وتغليب رغبات الروح، وعلى تدريب الإرادة على ضبط النفس أى قمع الجسد، كما أنه يساعد فى تذللنا أمام الله مثلما صام أهل نينوى من الكبير إلى الصغير ولبسوا مسوحاً وتضرعوا إلى الله بالتوبة فرحمهم الله ورفع غضبه عنهم. ولم يكن السيد المسيح شخصياً محتاجاً إلى أى شئ من هذه الأمور جميعاً.
نقول فى ألحان التوزيع فى الكنيسة فى الصوم الكبير {يسوع المسيح صام عنا أربعين يوماً وأربعين ليلة}، إذن فإن السيد المسيح قد صام نيابة عنّا وليس عن نفسه.
لم يكن السيد المسيح طبعاً محتاجاً للصوم ولا للتجربة على الجبل لأنه “قدوس القدوسين” (دا9: 24).. لكنه صام وسمح للشيطان أن يجرّبه لكى يعلّمنا.. أراد أن يرسم لنا طريق الجهاد والنصرة على الشيطان. وقال لتلاميذه إن “هذا الجنس (أى جنس الشيطان) لا يمكن أن يخرج بشئ إلا بالصلاة والصوم” (مر9: 29، انظر مت17: 21).
كما أنه أراد أن يعلّمنا أهمية الصلاة قبل البدء فى الخدمة، لذلك أراد أن يختلى وقتاً طويلاً فى مناجاة عميقة يعبّر فيها عن محبته للآب، ويطلب فيها من أجل نجاح مناداته بالتوبة والإيمان بالإنجيل فى قلوب سامعيه، حينما تبدأ خدمته بعد عودته من البرية.
صام ليسجل انتصارًا على الشيطان لحسابنا عندما سمح للشيطان أن يجربه. أى ليلقن الشيطان درساً من خلال طبيعتنا التى تباركت فيه أى باتخاذه إياها ليعبر بنا فيها من الهزيمة إلى النصرة، ومن الموت إلى الحياة. فكما أنه مات عنا ولم يكن مستوجباً الموت؛ ولهذا داس الموت بالموت؛ وقام منتصراً من الأموات. وكما كانت القيامة من الأموات أمراً حتمياً بانتصاره على الموت “إذ لم يكن ممكناً أن يمسك منه” (أع2: 24) هكذا كان انتصار السيد المسيح على الشيطان فى التجربة أمراً حتمياً، إذ لم يكن ممكناً أن ينهزم منه لأنه هو نفسه “قدوس القدوسين” (دا 9: 24).
وبذلك علّمنا أن الصوم والصلاة هما اللذان يخرجان الشياطين ويقهران سلطانهم اللعين.
وصام ليبارك الصوم وليبارك طبيعتنا بالصوم {باركت طبيعتى فيك، أكملت ناموسك عنى} (القداس الغريغورى).