رسالة القيامة رسالة الرجاء والأمل
نحتفل اليوم بعيد القيامة المجيد وسط حالة لم نعتد عليها من قبل, حيث ينتشر فيروس كورونا المستجد في العالم كله, وأصبحنا نتساءل: لماذا يستفحل الموت من حولنا, وبأرقام ضخمة كما في الولايات المتحدة الأمريكية, إيطاليا وإسبانيا والصين؟ لماذا كل هذا المرض وكل هذه الآلام؟ قبل شهر مضي كنا نظن أن الوباء بعيد عنا, ولكن اليوم نري أنه قريب ويكافحه جيش مصر الأبيض, وتواجهه الدولة بكل أجهزتها.
وسط كل هذا أتساءل: كيف يمكن أن نحتفل بعيد القيامة رغم كل هذا الموت المنتشر من حولنا؟
إحدي معجزات السيد المسيح يمكن أن تساعدنا علي إيجاد الإجابة, وهي معجزة إقامة لعازر من الموت كما يذكرها الرسول يوحنا (يو11:1-45). تدور أحداث هذه المعجزة حول شاب كان صديقا مقربا للسيد المسيح, يدعي لعازر, وبعد فترة مرض مات هذا الشاب الذي كان يحبه السيد المسيح للغاية, وعندما زار السيد المسيح قبره, خرجت أخت هذا الشاب وتدعي مرثا لتعاتب السيد المسيح: يا سيد, لو كنت ههنا, لما مات أخي. في الحقيقة, هذا العتاب يدل علي مدي إيمان مرثا العميق بالسيد المسيح, إنها تعرف قدرة السيد المسيح وأنه قادر علي الشفاء من الأمراض. أظن أن أي شخص منا لو كان مكان مرثا لقال نفس الأمر: يا سيد, لو كنت ههنا, لما حدث كل شيء, ولما انتشر الوباء, ولما مات الأحباء!!
عند هذه النقطة يعلن السيد المسيح لمرثا بأن أخاها لعازر سيقوم من الموت بالفعل.. اليوم!
يبدو هذا تصريحا غريبا.. فكيف سيقوم لعازر من الموت؟ هل يقوم أحد من الموت إلا في القيامة العامة في اليوم الأخير؟
إن السبب الذي يعطيه المسيح لقيامة لعازر من الموت يكمن في تصريحه الخالد: أنا هو القيامة والحياة, من آمن بي, ولو مات, فسيحيا, وكل من كان حيا وآمن بي, فلن يموت إلي الأبد (11:25-26).
المفتاح لفهم هذا التصريح, ولكل ما قاله السيد المسيح قبل ذلك, هو المعاني المختلفة التي يتضمنها للموت. فالموت الأول مقصود به الموت الجسدي, فحتي لو مات الإنسان جسديا, ولكنه مؤمن بالسيد المسيح, فسيقوم من هذا الموت, أما الموت الثاني, فهو الموت الأبدي, فكل من كان مؤمنا بالسيد المسيح لا يمكن أن يموت في الدهر الآتي, الأبد أو الأبدية, وبالتالي يمكننا إعادة ترجمة هذا التصريح كالتالي: كل من يؤمن بي, رغم أنه سيموت جسديا بالفعل, ولكنه سيحيا مرة أخري. وكل من يحيا ويؤمن بي, لن يموت أبديا.
إن ما يقوله السيد المسيح هنا هو رسالة رجاء وأمل يقدمها للبشرية بالقيامة من الأموات, هي رسالة لا تتجاهل آلام اللحظة الراهنة, بل هي رسالة واعية. إنه الرجاء حتي في أحلك الظروف, فبعد أن شعر الجميع بالهزيمة, كان لقيامة المسيح أن تعيد لهم الثقة والقوة.
الرجاء الذي تعطيه لنا القيامة هو رجاء واع,مبني علي احترام العقل وقدراته وقراءة الموقف الراهن وأساليب التعامل معه, أي أنه ربما يكون فوق قدرتنا علي التفكير لكنه ليس مبنيا علي الغيبيات.
الرجاء الذي تعطيه لنا القيامة هو فعل مجتمعي يمكن ترجمته في الخروج من الذات نحو الآخر وفعل الخير, ففي الحقيقة, لم تتوقف العبادة الدينية بتوقف الشعائر, لأن خدمة المجتمع والمحتاجين هي أيضا عبادة, فإن كانت كنائسنا قد أغلقت, وخدمات العبادة توقفت, إلا أننا رأينا عبادة وسجودا من نوع مختلف تماما تمثل خروج الكنيسة للشارع, من أجل خدمة الجميع بلا تمييز ومعاونة المتضررين جراء الأزمة.
يعبر النبي حبقوق عن معني الرجاء الكتابي بقوله: فمع أنه لا يزهر التين, ولا يكون حمل في الكروم. يكذب عمل الزيتونة, والحقول لا تصنع طعاما. ينقطع الغنم من الحظيرة, ولا بقر في المذاود, فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي (حب3:17-18). لم ينكر النبي الواقع, بل أقره ووصفه كما هو, ولكن وسط الواقع المؤلم, وسط ظلام السبت, فإنه ابتهج بالرجاء في إله الخلاص. لقد توقع النبي قدوم الخلاص لأنه يعرف من هو إلهه الأمين, فالرجاء متأصل في عظمة الإله الذي نعبده, الذي انتصر حتي علي أقوي أعداء الوجود, الموت, بالقيامة.
إننا نحتاج هذا الرجاء اليوم أكثر من أي وقت مضي, خصوصا في ظل العزل الاجتماعي الذي نعيشه اليوم بطريقة لم نختبرها من قبل.
العزل الاجتماعي الذي نعيشه اليوم يشابه العزلة التي كان يعيشها التلاميذ بين الصليب والقيامة, كانوا خائفين, يعيشون معا في بيت واحد لا يستطيعون الخروج منه, وفي حالة ترقب لما ستحمله لهم الأيام, ولكن المسيح القائم من الموت اخترق عزلتهم وظهر لهم وأكل وشرب معهم, كانت هذه العزلة فرصة لهم ليتأملوا ما حدث ويتوقعوا ما سيحدث, فهل يمكن أن نستثمر وقت انعزالنا الاجتماعي اليوم ليكون لقاء روحيا مع المسيح القائم من الموت؟ هل يمكن أن يتحول العزل الاجتماعي الذي نعيشه اليوم إلي وقت خلوة وجودية مع الله؟
إن هذا العزل الاجتماعي ووقت تباعدنا عن بعضنا البعض يمكن أن يكون فرصة مناسبة أن نسكن قلوبنا, ونخفض كل أصوات عالية حولنا, لنعيد ضبط بوصلة قلوبنا نحو الله.
أدعوكم أن يكون وقت انعزالنا عن بعضنا البعض هو وقت تأمل في نوعية الوجود الذي نعيشه, ولتكن خبرة انعزالنا هي خبرة توبة عن الخطية, وهي خبرة تجديد روحي أيضا.
|