رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مَن هو الآخر؟ في حياتك، وفي علاقاتك بقلم قداسة البابا شنوده الثالث جريدة الأهرام هل كل شخص آخر، هو غريب عنك؟ أم أنك تنظر إليه، وكأنك تظر فى مرآة وترى فيه بحق أنه ذاتك الأخرى ... هكذا كان الإنسان الأول: خلق اللَّه أبانا آدم، ثم خلق له إنساناً آخر هو أمنا حواء، بمعنى عميق عن الآخر. فهى لم تكن غريبة عنه إطلاقاً، بل هى لحم من لحمه، وعظم من عظامه. أو هى جزء من كيانه. ولم يذكر التاريخ أنهما إختلفا معاً في يوم من الأيام. وصارا آدم وحواء مثلاً لحياة كل إنسان مع الآخر: يعيشان دوماً معاً في حب: يقطعان غربة العمر معاً، متلازمين ومتزاملين. يقطفان الورد معاً، ويجرحان من الشوك معاً. وتطور معنى كلمة الآخر. من علاقة بين فرد وفرد، إلى علاقة بين أفراد أسرة واحدة، إلى علاقة بين أفراد القبيلة، إلى علاقة بين أفراد الوطن الواحد، إلى علاقة بين البشرية جمعاء. ?? ووُضِعَت علاقات عامة للتعامل مع الآخر. فهو قريب لك. أنتما الاثنان من أسرة واحدة هى أسرة أبوينا آدم وحواء. ويقتضي ذلك الحب والتعاون، وبذل الذات من أجل الآخر. وما أجمل عبارة ذلك الحكيم الذي قال: " ما عاش لنفسه فقط " أي أنه لا تعتبر حياته حياة حقيقية، مَن يتمركز حول نفسه، ولا يخرج منها ليندمج بالحب مع الآخر. وهذا الإندماج هو البذرة التي يتكون بها المجتمع. بل الأكثر من هذا مَن يرون أنهم لا يستطيعون أن يعيشوا بدون الآخر. فكل نشاطهم هو من أجل الآخر. وكل مواهبهم هى من أجل الآخر. وفي هذا المعنى يقول الشاعر إيليا أبو ماضي: يا صديقي أنا لولا أنت ما غنيت لحن كنت في قلبي لمَّا كنت وحدي أتغنَّى والمعنى الذى يقصده هذا الشاعر، هو أيضاً علاقة كل كاتب بمن يكتب له. هو من أجلهم يكتب. فهم الهدف، وهو مجرد وسيلة. وفي كتابته إنما يختلط فكره بفكرهم، ويصير للاثنين فكر واحد وليس آخر. وكأنه يقول للقارئ: أنت أُذُني وأنا فمك، وكلانا واحد. فحقاً ماذا تكون جدوى كلماتي من غيرك، إن لم تجد أذناً لتسمعها؟! نفس المعنى مع كل مَن يعمل عملاً. فالعمل لغيره ونتيجته لغيره. البائع لا شيء إن لم يوجد المُشتري، والراعي لا صفة له إن لم تكن هناك رعية. والمُعلِّم ليس له هدف، إن لم يكن هناك مَن يتلقى العلم على يديه ... وهكذا في كل الأمثلة المشابهة تظهر أهمية الآخر. ?? نقطة أخرى في علاقة الإنسان بالآخر: وهى أن الإنسان الواسع القلب لا يزاحم الآخر في طريق الحياة. بل هو يفسح طريقاً لغيره لكي يعمل، أو لكي يسير معه في نفس الطريق. إنه لا يتعالى على الآخر ولا يتفاخر وهدفه أن يتلاقيا معاً لا أن يتباعدا. وأتذكر أنني كتبت في هذا المعنى في إحدى القصائد: قل مَن يجري ويعلو شامخاً نحن صنوان يسيران معاً قل لمَن يعتز بالألقاب إن أنت في الأصل تراب تافه يا صديقي قِف قليلاً وانتظرني أنا في حضنك مِل أيضاً لحضني صاح في فخره مَن أعظم مني؟! هلى سينسى أصله مَن قال إني ?? بصراحة كاملة: كُلَّما كبرت عندك " الأنا "، حينئذ يختفي الآخر في مقايسك. حيث تقول: مَن الذي يعيش ويظهر، وينمو وينتشر: أنا أَمْ الآخر. أو كما قال البعض: إذا مُت عطشاناً فلا نزل المطر! أو تقول: الدنيا هى دُنياي أنا. خلقها اللَّه لي لكي أعيش!! وتنسى أن اللَّه تبارك اسمه قد خلق الدنيا للكل، والكل رعاياه وموضع اهتمامه. لماذا تطلب أن يختفي الآخر لكي تظهر أنت؟ ألا يمكن لكما أن تعيشا معاً. حقاً إن عمق الاهتمام بالآخر يكمن في إنكار الذات، وإيثار الغيرة على النفس. بينما إهمالك للآخر هو لون من الأنانية. ?? يا أخي، لماذا يكون قلبك ضيقاً فلا يتسع للآخر؟! ولماذا إذا ما اتسع قلبك، فإنما ينفتح لنوعية خاصة من الناس؟! بينما ينغلق أمام الآخرين! ولماذا تخسر هؤلاء الآخرين؟ استمع إلى سليمان الحكيم حينما قال: " رابح النفوس حكيم ". على أني أسمعك وأنت تهمس قائلاً: " ولكن فلاناً لا أتفق معه: طبعه لا يتفق مع طبعي وفكره لا ينسجم مع فكري ". وهنا أردد عبارة قالها القديس يوحنا ذهبي الفم وهى: " مَن لا توافقك صداقته، لا تتخذه لك عدواً ". نصيحتي لك: لا توسع دائرة أعدائك. فليس هذا من الصالح لك ولا لغيرك. وأحب أن أسألك هل إذا اختلف معك الآخر في الرأي، هل تحول ذلك إلى خلاف في القلب أيضاً؟! وتهاجم ذلك الآخر وتعاديه، وتحقره وتشهر به؟! أمْ تحاول أن تلتقي به وتتفاهم وذلك في حوار هادئ يسوده الاحترام والمودة. وهل حوارك مع الآخر هدفه أن تنتصر عليه وترغمه على قبول رأيك؟! وهل يؤول حواركما إلى مزيد من التباعد في الرأي والقلب؟! وهل أنت تؤمن بحرية الرأي وبالتنوع وبالتعدد في الأفكار؟ وهل يظهر ذلك في تعاملاتك؟ أم أنك تعمل على إلغاء شخصية الآخر؟! فإمَّا أن يوافقك، أو تطرحه بعيداً عنك، ويتحول التنوع إلى خلاف، ويتحول الخلاف إلى قتال، ويتطوَّر القتال إلى عداوة تحتد وتشتد!! ?? في الزواج مثلاً، لماذا يحدث الطلاق أحياناً؟ أليس السبب هو نفس الأشكال: أنا أم الآخر. بينما الحكمة في الزواج أن يصير الزوجان واحداً، لا أن يكون واحداً وآخر ... وهكذا عن باقي أفراد الأسرة والأقارب. حيث يقول الواحد منهم عن قريبه: إنه لحم من لحمي وعظم من عظامي. وبالحب يتسع نطاق أسرتك حتى يشمل المجتمع كله، ولا تقول عن فرد منه أنه آخر. هذا المجتمع إذن هو ذاتك الكبرى وليس آخر ... وبالتالي يتحول العالم كله إلى أسرة كبيرة متحابة. ?? لهذا كله، ينبغي أن نتدرب على محبة الآخر. فالعلاقة مع الآخر كُلَّما ازدادت قُرباً، تتحوَّل إلى وحده. وأتذكر أنني سؤلت مرة عن الوحدة الوطنية فقلت: " يا أخي المواطن: حينما أنظر إلى نفسي فأراك، وأنظر إليك فأراني، وكأنني أنظر في مرآة، وكأننا روح واحد في جسدين، حينئذ تكون هذه هى الوحدة الوطنية ". ?? لقد تعود البعض بأسلوب خاطئ أن يعتبر كلمة الآخر مجرد تعبير عن الغير المخالف!! بينما الآخر هو الأخ والصديق والحبيب، والمشارك لك في طريق الحياة، بكل تعاون وكل حُب. وهو الذي تتطور العلاقة معه إلى أُخوة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|