71. وعندما كان منصرفاً. وكنا نحن نعد له الطريق، ووصلنا [124] إلى البوابة، وصرخت امرأة من الخوف وقالت: “انتظر يا رجل الله، فإن ابنتي معذبة جدا من شيطان، أتوسل إليك أن تنتظر لئلا أؤذى أنا أيضا نفسي من الركض”. ولما سمعها الشيخ. وسمع رجاءنا نحن أيضا. أنتظر بكل ارتياح. وإذ اقتربت المرأة انطرحت الفتاة علي الأرض. ولكن لما صلي أنطونيوس ودعا اسم المسيح، قامت الفتاه صحيحة إذ خرج منها الروح النجس، وباركت الأم الله، وقدم الجميع الشكر. وفرح أيضا أنطونيوس نفسه مرتحلا إلى الجبل، كأنه مرتحلا إلى بيته ووطنه.
72. كذلك كان أنطونيوس حصيفا جداً، وكان وجه العجب أنه ولو لم يتعلم القراءة أو الكتابة كان حاضر البديهة وفي غاية الذكاء. جاءه مرة فليسوفان يونانيان مؤملين أن يقيسا ذكاءهما بذكاء أنطونيوس، وكان وقتئذ في الجبل الخارجي، وإذ علم حقيقة شخصيتهما، وذلك من مجرد مظهرهما، جاء إليهما وقال لهما بواسطة مترجم: “لماذا أجهدتما نفسكما أيها الفيلسوفان لتأتيا إلى رجل جاهل؟” ولما قالا أنه ليس جاهلا بل حصيفا جدا، قال لهما: “إن كنتما قد أتيتما إلى رجل جاهل فقد أسرفتما في تعبكما، أما أن كنتما تعتقدان أنني حكيم فتستطيعان أن تصبرا ، لأننا ينبغى أن نقتدي بما هو صالح. ولو كنت قد ذهبت إليكما لاقتديت بكما. أما وقد أتيتما إلى وجب أن تكونا مثلي، لأنني مسيحي”. فانصرفا منذهلين سيما لما رأيا أنه حتى الشياطين تخشى أنطونيوس.
73. وفي مرة أخرى قابله في الجبل الخارجي آخرون كهذين الفيلسوفان، وظنوا أن يهزءوا به لأنه لم يتعلم الحروف. فقال لهم أنطونيوس “ماذا تقولون، ما الذي وجد أولاً العقل أم الحروف؟ وأيهما علة الآخر، هل العقل علة الحروف، أم الحروف علة العقل؟”. وعندما أجابوا بأن العقل هو الذي وجد أولاً، وأنه هو مخترع الخروف، قال أنطونيوس: “إذاً فمن كان له عقل راجح أصبح في غير حاجة إلى الحروف”.
وأذهلت هذه الإجابة كلا من الواقفين والفلاسفة، فانصرفوا منذهلين إذ رأوا فهما غزيراً كهذا في رجل غير متعلم، لأن طباعه لم تكن خشنة كمن قد عاش في الجبل وشاخ فيه بل كانت رقيقة مهذبة، وكان كلامه مصلحاً بالملح الإلهي، حتى أنه لم يتضايق منه أحد، بل سر منه كل الذين زاروه.