رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
+ يوئيل +الخراب المدمر لم يستفد الشعب من غارات الجراد، إذ قيل بعاموس النبي: "ضربتكم باللفح واليرقان، كثيرًا ما أكل القمص جناتكم وكرومكم وتينكم فلم ترجعوا إليّ يقول الرب" (عا 4: 9)، لذا بدأ يحدثهم عن تأديب آخر هو غارات الأعداء المدمرة، إذ يقول: اضربوا بالبوق في صهيون، صوّتوا في جبل قدسي، ليرتعد جميع سكان الأرض، لأن يوم الرب قادم لأنه قريب. [1]. أولاً: ضرب البوق في صهيون: كان الضرب بالأبواق من صميم عمل الكهنة، تُضرب عندما يتحرك الموكب "في البرية"، وعند الإعلان عن حرب، وفي مسح الملك، وعند الاحتفال بالأعياد الخ... وكان البوق فضيًا (لا 10) يُشير إلى الوصية الإلهية أو الكلمة الإلهية، التي تعمل في النفس أثناء جهادها وحربها ضد الخطية وتملأها فرحًا وبهجة مع كل عمل إلهي داخلي. يأمر الله بضرب البوق في صهيون ليس لأن أمة معينة تهاجم صهيون، وإنما لأن يوم الرب قادم فترتعد جميع سكان الأرض... إنه يوم قريب!! لعله أراد بضرب الأبواق في صهيون في الجبل المقدس أن يعلن أن الله هو الذي يسمح بهياج الأعداء على شعبه لتأديبهم. فإذا لم يسمعوا لصوته خلال الوصية يقدم إليهم بالرعب خلال أعدائهم، مستخدمًا إياهم لتحقيق خلاصهم من الشر؛ لم يسمعوا بوداعته فلينتظروا حزمه! لنسمع صوت البوق، إنذارات الله، من فم الكهنة، ولنقبل الوصية الإلهية وإن كانت مرة بالنسبة للأشرار لأنها تحطم الشر الذي يحبونه، إذ "يرتعد جميع سكان الأرض" كل ما هو أرضي يهتز في قلب الشرير أمام الوصية الإلهية، وتتزلزل كل معصية وتعدي في داخله أمامها. وكما قيل: "هل يضرب بالبوق في مدينة والشعب لا يرتعد؟!" (عا 3: 6). إن كان ضرب البوق يُشير إلى قدوم الكلمة الإلهي إلى النفس، فإن هذا يتبعه حتمًا تحطيم كل وثن داخلي احتل القلب زمانًا وكما يقول إشعياء النبي: "هوذا الرب راكب على سحابة خفيفة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه ويذوب قلب مصر داخلها" (إش 19: 1). ثانيًا: "يوم ظلام وقتام، يوم غيم وضباب، مثل الفجر ممتدًا على الجبال" [2]. إن كان يوم الرب بالنسبة للمؤمنين الحقيقيين هو يوم عرس مبهج ومنير حيث يتقدم العريس - شمس البر - ليلتقي بعروسه التي تضيء كالقمر بنوره، فإنه بالنسبة للأشرار يوم ظلام وقتام، يوم غيم وضباب، إذ لا يقدرون على معاينة الرب في مجده وبهائه ولا التمتع بأسراره. يتطلع يوئيل النبي إلى فترات غزو الجراد ليرى الجو قد تحول إلى ظلامٍ دامسٍ، لا لعدم وجود الشمس، وإنما من أجل الجراد الذي غطي الجو كله، فأفقد الإنسان بصيرته للنور، فيتحول النهار في عينيه إلى ليل. هذا المنظر وصفه سفر الخروج عند حدوث ضربة الجراد على أرض مصر: "فصعد الجراد على كل أرض مصر... وغطى وجه كل الأرض حتى اظلمت الأرض" (خر 10: 14، 15). خلال هذا المنظر رأى يوئيل النبي ما سيحدث في يهوذا بواسطة جيوش الأعداء. فبسبب كثرة الجيش المقاتل والمركبات تتحول أرض يهوذا إلى عاصف تراب يسبب قتامًا وظلامًا. وبنفس الصورة يتحقق الأمر بالنسبة للأشرار في يوم الرب العظيم حيث يأتى ليدين المسكونة، فيكون لهم قتامًا وظلامًا بسبب ما حملوه في داخلهم من قتام الخطية وظلمتها فتحجب عنهم معاينة بهائه. ولعل الظلام والقتام يشيران إلى ما حل بالنفس من مرارة وضيق أثناء التأديب، فتسود عيني الإنسان ونظرته إلى الحياة! أما قوله: "مثل الفجر ممتدًا على الجبال" فيعني تأكيد حدوثه. فهو آتٍ لا محالة بالنسبة لجميع البشر: الجبال المقدسة والجبال النجسة. تفرح به جبال صهيون المقدسة، وترتعب أمامه الجبال الحاملة لمذابح البعل! ثالثًا: يقدم لنا صورة مرة وقاسية للجيش المقاوم من جهة عدد المحاربين وقوتهم وفاعليتهم، إذ يصفه هكذا: 1. "شعب كثير وقوى لم يكن نظيره منذ الأزل ولا يكون أيضًا بعده إلى سنى دور فدور" [2]. 2. الله في طول أناته ينتظر ويتأنى... لكنه يضطر من أجل محبته أن يؤدب. وإذ لا نستجيب يبدو الله قاسيًا في تأديباته حتى إذ نسقط تحت التأديب نشعر أنه فريد في آلامه ومرارته! إنها الأبوة الحانية لأجل خلاص النفس العاصية المستميتة في خطاياها! ب. لا يقف الأمر عند كثرة العدد إنما "كمنظر الخيل منظره ومثل الأفراس يركضون، كصريف المركبات على رؤوس الجبال يثبون" [4-5]. يُرعب عيوننا بمنظره، آذاننا بصوته، العيون التي استطابت الخطية مسترخية في جهادها الروحي يرعبها التأديب الإلهي فتراه كخيل عنيف، ليس من يقدر أن يقاومه وكفرسان يركضون فليس وقت للرخاوة أو التباطؤ. صوته مرهب وعنيف للغاية، كأصوات المركبات التي تبلغ إلى رؤوس الجبال، ليس من يفلت منها! ج. من جهة عمل التأديب فهو يفضح عمل الخطية فينا. إذ تحول جنتنا الداخلية إلى قفر: "قدامه نار تأكل، وخلفه لهيب يحرق، الأرض قدامه كجنة عدن وخلفه قفر خرب ولا تكون منه نجاة" [3]. هذا الغزو الناري وإن كان في أعماقه تأديبًا إلهيًا لكنه هو ثمر طبيعي لعمل الخطية، النار المهلكة، من يمارسها يحتضن نارًا تهلكه. هذه النار لا يمكن أن يقوى عليها إلاَّ نار الروح القدس، الذي يحول القفر الخرب إلى فردوس مبهج. فبنار الروح القدس تُباد نار الخطية، وبثمر الروح يرد للقلب حاله الأول ليصير جنة الله المبهجة، فيناجي المؤمن مخلصه قائلاً: "ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمرة النفيس" (نش 4: 6). إن كان هذا السفر هو سفر يوم الرب الرهيب للخطاة الذين تحوّل فردوسهم إلى قفر، فهو في نفس الوقت سفر انسكاب الروح على بني البشر الذي يرد إلينا طبيعتنا، فيجعلنا فردوسًا لله عوض القفر الذي صرنا إليه. لهذا يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص للموعوظين قبيل عمادهم: [إنكم خارج الفردوس أيها الموعوظين. إنكم تشاركون آدم أباكم الأول في نفيه، والآن يفتح الباب وتعودون من حيث خرجتم[22]]. إن كان النبي يرى في الخطية نارًا تلتهم القش[5]. فالروح الناري يحول هذا الرماد إلى هيكل مقدس للرب. يقول القديس كيرلس الكبير: [ينال المعمد الروح القدس فيه ويحمل فعلاً لقب هيكل الله[23]]. د. من جهة الخطة فهي محكمة للغاية: "يصعدون السور كرجال الحرب، ويمشون كل واحد في طريقه ولا يغيرون سبلهم، ولا يزاحم بعضهم بعضًا، يمشون كل واحدٍ في سبيله وبين الأسلحة يقعون ولا ينكسرون" [7-8]. فقد شاهد النبي غارات الجراد وقد غطت الجو تمامًا. انطلقت إلى الحقول فأكلت كل ما هو أخضر فيها، وتسربت إلى البيوت خلال الكوى. ليس من يقدر أن يقاوم! ومع هذا كله أدرك كأن لكل جرادة عملها الذي أُرسلت من أجله. فلا تزاحم جرادة أختها، ولا تتحرك إلاَّ بالقدر الذي سمح لها به الله للتأديب. ما حدث لم يكن مجرد كارثة طبيعية بلا هدف إنما حملت هدفًا دقيقًا في جملتها كما في تفاصيلها. والأمر بعينه، يتكرر مع غزو الأعداء ضد يهوذا، فما يحدث من تخريب لا يكون بلا هدف إنما كل شيء محدد بدقة فائقة! الله الذي سمح للعدو أن يهاجم شعبه لا يقف أمامه السور حائلاً، فإن الخطة تتم ويدخل كل إلى موقعه، وإن سقط بين الأسلحة فلا ينكسر حتى يحقق الهدف. ه. لا يفلت أحد من هذا التأديب، ما دام الكل قد أخطأ، فإن كان يهاجم الحقول المكشوفة في القرى ليحولها إلى قفر، فإنه يتسلل كلصوص من الكوى إلى البيوت في المدن. يتخطى السور ولا يقف أمامه حائط... ليس من يقدر أن يهرب، فإن ثمر الخطية يتبعه إينما وُجد ولو كان في داخل مخدعه محاطًا بالأسوار المنيعة! و. يحمل مرارة المرّ، ليس من يقدر أن يطيقه: "قدامه ترتعد الأرض وترتجف السماء، الشمس والقمر يظلمان، والنجوم تحجز لمعانها. والرب يعطى صوته أمام جيشه. إن عسكره كثير جدًا. فإن صانع قوله قوى، لأن يوم الرب عظيم ومخوف جدًا. فمن يطيقه؟! [10-11]. هذه هي ذات العلامات التي قدمها السيد المسيح نفسه عن مجيئه الأخير، هي علامات مرعبة للخطاة الأشرار... يسمح الله للطبيعة أن تهتز أمامهم وترتجف ليدركوا ماذا تفعل الخطية بالطبيعة فيستعد الخطاة بالتوبة لملاقاة الرب. والعجيب أن الله يعتبر الجيش المقاوم لشعبه "جيشه"، لأنه هو الذي سمح له أن يقوم بالتأديب، فصار عصاه للتأديب ولكن إلى حين. وللآباء مفاهيم روحية رمزية لارتعاد الأرض وارتجاف السماء وظلمة الشمس والقمر وتساقط النجوم... الأمر الذي نعود إليه بأكثر توسع في دراستنا لانجيل متى (ص 24) إن شاء الرب وعشنا مكتفيًا هنا ببعض المقتطفات: v الآن نهاية كل الحياة الزائلة. وكما يقول الرسول تزول هيئة هذا العالم الخارجي ليتبعه عالم جديد، وعوض الكواكب المنظورة يضيء المسيح نفسه بكونه شمس الخليقة الجديدة وملكها. عظيمة هي قوة هذه الشمس الجديدة. وعظيم هو بهاؤه وذلك كالشمس التي تضيء الآن حيث يظلم القمر والكواكب الأخرى أمام هذا النور العظيم[24]. يوسابيوس القيصري v كما أن القمر والنجوم تتضاءل بسرعة أمام الشمس المشرقة هكذا أمام ظهور المسيح تظلم الشمس، ولا يعطى القمر ضوءه، وتتساقط النجوم من السماء، فيُنزع عنها بهاؤها السابق لكي تلبس ثوب النور العظيم[25]. القديس يوحنا الذهبي الفم الأرض المرتعدة هي الجسد الذي يضعف ويهزل أمام الرجاسات التي يرتكبها الإنسان لبهجة جسده وراحته، ففيما يظن أنه يقدم الراحة لجسده إذا به يرعده دون أن يدري. أما السماء فتُشير إلى النفس التي كان يجب أن تكون مركزًا لملكوت الله وموضعًا لسكناه... تفقد النفس أمانها وسلامها خلال الخطية فترتجف. وتبطل الأنوار السماوية علامة فقدان البصيرة الروحية والدخول إلى حالة تخبط روحي، هكذا يعلن التأديب الإلهي ثمرة خطايانا؛ يفضحها فينا فلا نطيق يومه الرهيب. لقد سبق فقال أهل بيتشمس الذين سرقوا تابوت العهد: "من يقدر أن يقف أمام الرب الإله القدوس هذا؟! وإلى من يصعد عنا؟!"(1 صم 6: 20). كما يقول المرتل: "أنت مهوب أنت، فمن يقف قدامك حال غضبك؟! من السماء أسمعت حكمًا! الأرض فزعت وسكتت عند قيام الله للقضاء لتخليص كل ودعاء الأرض" (مز 76: 7-9). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|