رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
موت المسيح بين لاهوته وناسوته ـ القديس غريغوريوس النيسي من الطبيعي أن يبحث محبو المعرفة عن كيفية تسليم الرب ذاته لثلاثة في الوقت نفسه, أي لقلب الأرض, وللفردوس مع اللص, وليدي الآب. لأنه قال للفريسيين“لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَالٍ هَكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ” (مت 12: 40), وقال للص “الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ” (لو 23: 43), وقال للآب “فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي” (لو 23: 46). وبالتأكيد لا يستطيع أحد أن يضع الفردوس كمكان في بطن الأرض, ولا أن يضع قلب الأرض في الفردوس, حتي يُقصد بالاثنين نفس الشئ, أو أن يقال عن هذين الاثنين (قلب الأرض والفردوس) أنهما هما يدي الآب. بل أن هذا الأمر ربما لا يستحق ولا حتي أن يُناقش لمن يفكر تفكيرا منطقيا. لأن من هو حاضر في كل مكان بقوته الالهية يكون موجودا في كل موضع ولا يغيب عن أي مكان. عندما حل الروح القدس علي العذراء وظللتها “قُوَّةُ الْعَلِيِّ”(لو1: 35) , لكي يحل فيها أقنوم الانسان الجديد, وقد دُعي جديدا لأنه تكون كما أراد الله, وليس بالطريقة المعتادة لدي البشر, حتي أن العذراء أصبحت مسكنا لله غير مصنوع بالأيدي لأن القدير “لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي”(أع 17: 24) , وأقصد التي تصنع بالأيدي الانسانية, وعندما بنت الحكمة لنفسها بيتا (أم 9: 1), وبقوتها الفائقة قبلت داخلها شكل المخلوق كنموذج متكامل وموثوق في صحته, عندئذ اتحدت الطبيعة الالهية بالعنصرين المؤلفين للطبيعة الانسانية, أي النفس والجسد, متحدة بشكل مناسب بكل عنصر, أي أنه كان ينبغي لهذين العنصرين اللذين ماتا بالعصيان (لأن موت النفس هو فقدانها للحياة الحقيقية, وموت الجسد هو سبب الفساد والتحلل), كان ينبغي أن يُطرد الموت من خلال الاتحاد بالحياة. اذا عندما اتحدت الألوهية بشكل مناسب بكل واحدة من عنصري الانسان فان ملامح الطبيعة السامية قد اتضحت تماما في هذين العنصرين. فبالنسبة للجسد تتضح الألوهية العاملة بالشفاء باللمس, بينما بالنسبة للنفس قد عبٌرت عن القوة الالهية (الحالة فيها) من خلال ارادته القوية, أي أنه كما أن هناك احساس خاص باللمس بالنسبة للجسد, هكذا تكون هناك ارادة للنفس أيضا. لقد اقترب من المسيح مريض بالبرص وهو يحمل جسدا مشوها علي وشك الانهيار, فكيف شفاه الرب؟ النفس تريد والجسد يلمس, فيذهب المرض من الاثنين. لأنه يقول وللوقت ذهب عنه المرض (لو 5: 13) (مت 8: 3) أيضا آلاف الناس الذين أحاطوا بالرب في الجبل, لم يُرد أن يتركهم صائمين, بل قسم لهم الخبز بيديه (مت 15: 32). أرأيت كيف أنه من خلال الاثنين (النفس والجسد) تُستعلن الألوهية والتي تُرافق كل منهما, تعمل مع الجسد, ومع الارادة القوية التي تُخلق في النفس. ربما يجب أن أروي المعجزات التي تحققت بنفس الطريقة, وأن أنشغل في حديثي بأشياء واضحة.ولكني سأنتقل الي ذلك الأمر الذي لأجله أشرت الي كل هذا. كيف وُجد الرب في الجحيم وفي الفردوس في آن واحد؟ التفسير الأول لهذا الموضوع, أنه لا يوجد شيئا غير ممكن لدي الله, الذي “فِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ”(كو 1: 17), والتفسير الثاني الذي يتجه اليه الحديث الآن هو: بعدما أعاد الله بقوته صياغة الانسان كله في شخصه, وجعله شريكا للطبيعة الالهية, لم ينفصل في وقت الآلام بحسب التدبير عن هذا العنصر الآخر (أي الجسد) الذي اتحد به مرة واحدة, “لأَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ” (رو11: 29). فان كانت الألوهية بارادتها فصلت النفس عن الجسد, الا أنها أوضحت أنها هي ذاتها بقيت في النفس والجسد الذي يعتريه الفساد بالموت كما جاء بالمزمور ” لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ. لَنْ تَدَعَ تَقِيَّكَ يَرَى فَسَاداً”(مز 16: 10), وهكذا أبطل ذاك الذي له سلطان الموت , بينما بالنفس فتح الطريق للص للدخول الي الفردوس. وهذان الأمران تحققا في آن واحد. أي أن الألوهية تُحقق الصلاح للاثنين, فقد تحقق بطلان الموت بعدم فساد الجسد, وبعودة النفس الي موضعها يُفتح الطريق لعودة البشر مرة أخري الي الفردوس. اذا فلأن التركيبة الانسانية لها عنصران, بينما الطبيعة الألوهية بسيطة, ففي وقت انفصال النفس عن الجسد, لم ينفصل الغير منقسم (أي الألوهية), والمُركب (أي الانسان), بل صارا أيضا واحدا. لأنه من خلال الطبيعة الالهية الواحدة الموجودة بالتساوي في الاثنين (في الجسد والنفس) توحدت من جديد الطبيعة التي انفصلت. وهكذا فقد حدث الموت بانفصال العنصرين المتحدين, بينما القيامة قد صارت باتحاد الطبيعة التي انفصلت. واذا سألت: “كيف ان ذاك الذي في الفردوس يُسلم نفسه في يدي أبيه ؟”, فسيبدد لك اشعيا النبي والرائي حيرتك هذه, لأنه قال علي فم الله عن أورشليم السمائية التي نؤمن بها أنها ليست سوي الفردوس, “هُوَذَا عَلَى كَفَّيَّ نَقَشْتُكِ. أَسْوَارُكِ أَمَامِي دَائِماً”(اش 49: 16) . اذا ان كانت أسوار أورشليم في يدي الآب, والتي هي الفردوس, فمن الواضح أن من هو في الفردوس هو في كل الأحوال في أيدي الآب حيث هناك أسوار المدينة الالهية |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|