رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تارح... أبو إبراهيم. "ومات تارح فى حاران.(تك32:11). *هيا بنا يا أصدقاء لنذهب إلى هذا الكهل ونسأله من هو ؟؟؟ *سلام سلام يا أولادى أرى عيونكم تسأل فى لهفة عنى...أليس كذلك ؟؟ *تعالوا اجلسوا بجوارى تحت هذه الشجرة وسأروى لكم قصتى وأكشف لكم عن شخصيتى.... *أنا تارح أنا هو الرجل الذى توقف فى منتصف الطريق قبل أن يصل إلى كنعان... * أنا هو الرجل الذى سجل عنه الكتاب "ومات تارح فى حاران".. * وقد يسألنى البعض: وأى شىء فى هذا التعبير يمكن أن يثير أو يشير؟ *لقد مت شيخاً عن مائتين وخمس من السنين، فأنا لم أذهب فى قوة الصبا أو أوج الشباب حتى يمكن أن يتوقف الناس ليبكوا شبابى الضائع فى صبح الحياة؟... *أنا هو الرجل الذى خلف وراءه الأولاد إذ لم أمت عقيماً، بل تركت أولاداً على رأسهم إبراهيم الإبن العظيم.... * قد يكون هذا صحيحاً وحقاً،.. ولكننا لا ينبغى أن تنسوا أننى مت فى رحلة من أعظم رحلات الإنسان على الأرض.... *وقد خرجت القافلة الصغيرة من أور الكلدانيين، وكان على رأسها شيخ ورجل وشاب، وكان الشيخ هو أنا تارح، والرجل إبراهيم، والشاب لوط... * وسقطت أنا الشيخ الضعيف الكهل فى الطريق، وجرد الشاب من كل ما يملك، ولم يبق سوى الرجل الذى كان النموذج الأعظم الثانى فى الرحلة الخالدة.. *ومن المؤسف أننى قطعت أكثر من خمسمائة ميل فى الرحلة حتى وصلت إلى حاران، أو فى لغة أخرى قطعت أكثر من نصف الطريق، لكن لم ألبث أن أصابنى الملل والتعب والكلل والإعياء ، فرفضت أن أتقدم خطوة أخرى واحدة بعد هذا،.. ومت فى حاران دون أن أدخل أرض الموعد نعم يا أولادى هذه مأساتى أنا الرجل القديم الذى خرج يبحث عن الله، أو بتعبير أصح، خرج مع إبنه الذى إستجاب للدعوة السماوية وقطع شوطاً طويلاً فى الطريق دون أن يتمم أو يبلغ نهايته،.. * إننى أمثل الكثيرين الآن الذين يطلق عليم "المسيحيين الحاريين" الذين يبدءون الرحلة بالغيرة والحماس والقوة والنشاط، ولكنهم هم أبنائه أبناء "تارح" الذى سقط فى الأرض، وليسوا أبناء إبراهيم الذين وصلوا إلى نهاية المطاف إلى كنعان السماوية... * إن قصتى تعطى تحذيراً أكيداً للسالكين فى رحلة الحياة الأبدية إلى الله فى المجد، ولذا يحسن أن نراها من النواحى التالية: **تارح وتجاربه** وما أكثر ما واجهنى من تجارب وربما كانت تجربتى الأولى تجربة الإعجاب الوقتى، ولعلكم تلاحظون عند المقارنة الدقيقة بين إبراهيم وأنا ، أن الكتاب يقول: "ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو ما بين النهرين قبلما سكن في حاران". . وليس فى لغة الكتاب ما يدل على أنه ظهر( لى )لتارح، وقد صنع هذا الفارق القصة المختلفة بينى وبين إبنى إبراهيم... *وسيتاح لكم عندما تقرأون فى الشخصيات الكتابية التى ستتأملون فيها قريباً مثل شخصية إبراهيم، أن مفتاح حياته كان هذه الرؤية المجيدة، التى كانت بمثابة الجاذب المغناطيسى الذى حركه حيثما حل وذهب.... * وهكذا كان إبراهيم فى صداقته وعلاقته بالله ولقد ضرب فى الأرض، وهو لا يعلم إلى أين يأتى لأنه سبى بشخص الله الذى ظهر وهو ما بين النهرين قبلما سكن ... *أخبرنا أيها الشيخ المبجل كيف واجهت هذا التغيير العجيب الذى طرأ على إبنك وانت عابد للأوثان؟؟؟ .. * هل قاومته ؟؟ عندما أدار إبراهيم ظهره لعبادة القمر، وغيرها من ديانات الوثنية؟؟.. *قد يكون... إذ ليس من السهل التصور أن أبنى يخرج على دين آبائه، ثم أستقبل هذا الخروج بالهدوء أو التصفيق والإستحسان... * وإذا كانت التقاليد تقول إن نمرود إضطهد إبراهيم إضطهاداً مريراً عندما تحول عن العبادة الوثنية، على أن إبراهيم وقد تمكنت الرؤية من نفسه ومشاعره – تحمل كل شيئ كما يتحمل المؤمن الحديث الإيمان بفرح كل ما يمكن أن يفعله الأشرار فى نفسه؟.. *حقا يا أولادى لقد أضاءت حياة إبنى إبراهيم بهذا النور اللامع الجديد- وقد إستطاع أن يؤثر فى شخصى الضعيف ويثير إعجابى إلى أبعد الحدود.... *ولعلنا إعجاباً أو خوفاً على إبنى من الإضطهاد أبَيت أن أتركه وحده فى رحلته، بل سرت معه فى أرض المجهول حتى جاءت القافلة إلى مدينة حاران... *وهكذا ذهبت أنا وإبراهيم ولوط فى الطريق إلى الأرض الجديدة، وأنا معجب كل الإعجاب بإبنى العظيم.. والإعجاب فى العادة يصلح أن يكون ابتداءً، لكنه لا يمكن أن يصمد فى السير إلى النهاية، ما لم يكن مصحوباً بعوامل أخرى فعالة وعظيمة،.. * وهو أشبه الكل بالزرع الساقط على الأرض الذى وصفه السيد المسيح بالقول: "والمزروع على الأماكن المحجرة هو الذي يسمع الكلمة وحالاً يقبلها بفرح ولكن ليس له أصل في ذاته بل هو إلى حين فإذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة فحالاً يعثر".. * ولعل الرؤيا التى أبصرها إبراهيم ولم أراها هى التى صنعت الفرق العظيم بين القلبين أو التربتين، فكان الأصل العميق في قلب إبراهيم، والسطحية المحجرة في قلبى (تارح).. *وكان الفارق بين من قطع الطريق إلى آخر الشوط ومن تخلف فى منتصفه دون أن يتم الرحلة إلى أرض الموعد... *كما أن التجربة الثانية أمامى كانت ولا شك الإعياء، فأنا شيخ أضرب في القفار، مئات الأميال، بعد أن تركت أهلى وصحبتى وبيتى، والحياة التى درجت عليها وعشتها سنوات متعددة طويلة. *وكانت التجربة الثالثة أمامى هى تجربة الإغراء والعودة إلى الماضى القديم، إذ كانت حاران أقرب المدن جميعاً إلى أور الكلدانيين، فالمدينتان كانتا مركزين متماثلين لعبادة القمر، وكلتاهما كانت على درجة عالية من الحضارة والثروة والتجارة والصناعة... * فإذا سكنت فى حاران، فإنما أستعيد بذلك ما فاتنى أو ما ضاع منى فى أور الكلدانيين ، ولعل السؤال الملح الذي كان يطوف بذهنى ، ويطاردنى ليلاً ونهاراً.. * ألم أكن متعجلاً فى الخروج من أور الكلدانيين؟... أخبرنا يا أبانا هل صدقت ما رآه إبنك إبراهيم حقاً تلك الرؤيا الإلهية أم إفترضت أنها بعض الخيالات أو الأوهام التى ألمت به، فظنها رؤيا الله البعيد الساكن السموات؟ * أولادى *مسكين الإنسان عندما يقع بين شقى الرحى، التعب من جانب، والإغراء من الجانب الآخر. * القصة بكاملها فى كانت فى أرض حاران.. سقط الأب، ونجا الابن... *وعدت لعبادة القمر، وصرت هذا الإنسان الذى تقاعس فى الطريق دون أن يتم رحلته إلى آخر الشوط،ولم يكن لى من نصيب فى موعد الله ما كان لابنى فى الأرض. * وفى قصتى تجربة رابعة، هى تجربة الشيخوخة الطاعنة فى السن، ومع أن رحمة الله يمكن أن تنتقد الإنسان مهما طال عمره حتى إلى أخريات حياته لكن هناك فارقاً واضحاً بين إنسان كبلته الشيخوخة بالكثير من التقاليد والعادات والسير والماضى، وبين آخر لم تحكم حوله السنون شراكها بما يمكن أن يتركه أسيراً لا يفلت من شرها وخداعها.... . *ولعل هذا ما قصد الرسول يوحنا بعد آلاف من السنين أن يذكر به الأحداث فى القول: "كتبت إليكم أيها الأحداث لأنكم أقوياء، وكلمة الله ثابتة فيكم وقد غلبتم الشرير. لا تحبوا العالم ولا الأشياء التى فى العالم إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب لأن كل ما في العالم شهوة الجسد شهوة العيون وتعظم المعيشة ليس من الآب بل من العالم والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد".. *وقفت فى حاران شيخاً طاعناً فى السن، ووقف معى إبراهيم إلى أن دفننى هناك.. ** تارح وخطاياه** أما وقد أدركنا هذه التجارب التى ألمت بك يا أبانا ، فمن حقنا أن نعرف الخطايا التى أودت بك إلى أسوأ مصير ولعل أول خطية كانت بقاءك فى مكان التجربة. *من المؤكد أن يوسف لم يكن فى قوة شمشمون الخارقة ونجا يوسف من السقوط فى الخطية لأنه ترك ثوبه وهرب،ونام شمشمون على حجر دليلة ليسقط الجبار كما يسقط الأسد فى الشبكة... *إن النصيحة التى سمعها لوط من الملاك كانت "إهرب لحياتك" *حقا كنت فى حاجة إلى هذه النصيحة أكثر من إبراهيم، ولكننى توقفت فى حاران لأنتهى هناك.... *2*كانت خطيتى أيضاً خطية التأجيل،لقد إستحثنى إبراهيم على السير قدماً إلى الأمام؟ ولكننى راوغته يوماً وراء يوم حتى جاءت النهاية..... * لم أجعل حاران نقطة انتقال، بل مكان سكن،لقد إقتنت بيتاً هناك، ورفضت السكن فى خيام.... *هل تلكأت يا أبانا ، ومنعت إبنك سنة بعد أخرى عن الرحلة الخالدة؟ *حقا يا أولادى التأجيل يصاحبه الكثير من الأخطاء ... "اليوم إن سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم كما في الإسخاط يوم التجربة في القفر"... * لقد أوشك لوط أن يضيع فى سدوم رغم إنذار الملاكين بسبب التأجيل في مواجهة الخطر الداهم وقيل: "ولما توانى أمسك الرجلان بيده وبيد إمرأته وبيد إبنتيه لشفقة الرب عليه وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة وكان لما أخرجاهم إلى خارج أنه قال: "إهرب لحياتك، لا تنظر ورائك ولا تقف في كل الدائرة إهرب إلى الجبل لئلا تهلك".... *3*خطية الإرتداد أو العودة إلى دين آبائه * كانت البلاد المحيطة بحاران تعبد آلهة مختلفة فبعضها كان يعبد الشمس أو غيرها من الكواكب ، لكن حاران بالذات كانت تعبد القمر، مما أنها طابت لى مكاناً ومقاماً، حيث عدت إلى العبادة الوثنية التى رفضها إبنى إبراهيم.... *هل نشأ النزاع بينك وبين إبنك؟؟؟ هل كانت سنوات حاران إنقساماً فكرياً أو روحياً بينكما أنتما الاثنين؟... *لقد جاهد إبراهيم طوال هذه الفترة أن يقنعنى ببطلان القمر والشمس والنجوم كآلهة معبودة... *لست أدرى سوى أن الموت حسم النزاع، وذهبت بعيداً عن إله إبراهيم ومواعيده وأمجاده ، وتجددت الدعوة لإبراهيم بعد موتى، وأن يحمل عصا الترحال إلى أرض كنعان.... *مهما يكن الذى حدث، فمما لا شك فيه أن إبراهيم كان يمثل الإيمان بكل شجاعته وقوته وصلابته، وكان أباً للمؤمنين وما يزال فى كل العصور أو الأجيال.... * لقد كنت رمزاً للهزيمة والضياع والتراجع، وأبا للمرتدين الذين تذوقوا الحلاوة الأولى، ثم عافوا عنها، أو أضحت مراً لهم، إذ أفقدتهم الخطية الطعام والشهوة والمذاق الصحيح... *ليتنا نستيقظ الآن ونستعد أن نسافر إلى مدينتنا السماوية، ونفتح عيون قلوبنا وأذهاننا لسماع صوت الله، وهو يدعونا للحياة الأبديه، ولا نتمسك بأور وحاران. *هذا مجرد تأمل فى شخصية تارح، ولكنها قصة كل منا التمسك بالإنسان العتيق، الرب يعطينا أن نخلع إنساننا العتيق ونلبس الجديد. آميين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|