رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
امتزاج الإيمان بكلمة الخبر "لأنّنا نحن أيضًا قد بُشِّرنا كما أولئك، لكن لم تنفع كلمة الخبر أولئك. إذ لم تكن مُمْتزجة بالإيمان في الّذين سمعوا" (عب 4: 2). يحكي بولس الرّسول عن دور الإيمان في جعل كلمة الله فعّالة في النفس البشريّة . يُقارن بين تجاوب سامعيه مع كلمة البشارة وتجاوب شعب إسرائيل زمن خروجهم من مصر خلف موسى فدخلوا سيناء باتجاههم نحو كنعان. في كلتا الحالتين كان تجاوب النّاس ضعيفًا. فغالبيّة الخارجين خلف موسى لم يؤمنوا بكلمة الله، وحُرِموا من دخول أرض الموعد. كذلك أيّام بولس كثيرون سمعوا كلمة الله، وأكثرهم لم يتفاعل معها. يعزو بولس ذلك إلى "عدم الإيمان"، وما يرافقه من تمرّد وارتداد عن الله الحيّ. يقول، "ولمن أقسم: لن يدخلوا راحته، إلاّ للّذين لم يطيعوا؟ فنرى أنّهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الإيمان" (عب 3: 12، 18، 19). ما الّذي يسبق: الإيمان أو السّمع؟ في معالجته لهذه الظّاهرة يقول بولس إنّه لتصير كلمة الله فعّالة يجب امتزاجها بالإيمان. لا يسمح عدم الإيمان لكلمة الله أن تعمل في الإنسان، فلا يستفيد منها ويستحيل خلاصه. هنا نطرح الأسئلة التّالية: هل يقصد كاتب الرّسالة أنّ الإيمان يسبق سماع الكلمة، حتّى عندما تأتي تجد تربة مستعدّة، على حسب مثل يسوع عن "الزّرع في الأرض الجيّدة"؟ أو المقصود، كما يشيع الإعتقاد، أنّ كلمة الله عندما تأتي تفتعل إيمانًا بقلب سامعها ليؤمن فيخلص؟ نجد في العهد الجديد أمرين هامّين. أوّلًا، ضرورة القدوم إلى الله بإيمان. "ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنّه يجب على الّذي يأتي إلى الله أن يؤمن بأنّه موجود، وأنّه يجازي الّذين يطلبونه" (عب 11: 6). نرى هنا أسبقيّة الإيمان على القدوم إلى الله. ثانيًا، ضرورة قبول كلمة الله بإيمان. أي أن نقبل البشارة بإيمان على أنّها كلمة من عند الله كي نسمح لها أن تعمل في قلوبنا. "من أجل ذلك نحن أيضًا نشكر الله بلا انقطاع، لأنّكم إذ تسلّمتم منّا كلمة خبر من الله، قبلتموها لا ككلمة أناس، بل كما هي بالحقيقة ككلمة الله، الّتي تعمل أيضًا فيكم أنتم المؤمنِين" (1تس 2: 13). يتّضح هنا الإعتقاد بأنّ كلمة الله يسبق عملها في داخل من يؤمن بها. أمّا الخسارة كبيرة ولا تُعوّض لمن يُهمل كلمة الله، ولمن لا يتفاعل معها بإيمان. نقاش لاهوتيّ عويص: ما الحلّ؟ ينبري العقل البشريّ ليناقش، أين دور الله؟ ألا يفعل شيئًا لمن يرفض القدوم إليه بإيمان مُصدّقًا كلمة الحياة؟ الجواب هو أنّ الله في الوقت الذي يُساعد قليل الإيمان، كما فعل مع توما، يحترم أيضًا إرادة الإنسان العاصي ويتركه لخياراته ليحصد نتيجة عدم إيمانه فيهلك بعصيانه وبخطاياه. نعود إلى الشّعب في سيناء، "فأريد أن أذكّركم، ولو علمتم هذا مرّة، أنّ الربّ بعدما خلّص الشّعب من أرض مصر، أهلك أيضًا الّذين لم يؤمنوا" (يهوذا 5). توضح هذه الكلمات قاعدة ثابتة في موضوعَي الخلاص والهلاك. قال يسوع، "الّذي يؤمن به لا يدان، والّذي لا يؤمن قد دين" (يو 3: 18). وأكّد بولس، "من أجل عدم الإيمان قطعَتْ، وأنت بالإيمان ثَبَتَّ" (رو 11: 20). ثمّ ينتقل العقل ليبحث عن إجابات حول هذه المعضلة ذات الطابع اللّاهوتيّ والفلسفيّ والأنثروبولوجيّ والأخلاقيّ. يريد إدراك دور الله القدير وسيادته المطلقة وحريّته في اختيار من يشاء. يُجيب بعضهم إنّ لله مشيئة سامية تجاه خلاص البعض أو هلاك غيرهم، نجهل عمقها، وهو حرّ بها، فيبقى بعيدًا عن المساءلة. ينطلق آخرون في تحليل موضوع الإرادتين الإلهيّة والبشريّة. ويطول البحث. وبينما كنت أفتكر بأجوبة لهذه الأسئلة، حضرني سؤال مضادّ في ذهني، لماذا نطرح الأسئلة العويصة، ونخلص إلى أجوبة معقّدة لا يُمكننا برهنتها، كأن نقول إنّ لله مشيئة لا نعرفها؟ لربّما لا يجب البحث عن جواب عند الله لعدم الإيمان بل عند الّذي لا يؤمن. حذاري تجاهل القاعدة الوحيدة للخلاص يحسم بولس الرّسول الجدل أعلاه في كلامه لأهل أنطاكية بيسيدية موضحًا السرّ العميق الّذي يربط بين الإيمان البشريّ وفعاليّة كلمة الله من جهة، ومسؤوليّة كلّ من الله والإنسان من جهة أخرى. "كان يجب أن تُكَلَّموا أنتم أوّلاً بكلمة الله، ولكن إذ دفعتموها عنكم، وحكمتم أنّكم غير مستحقّين للحياة الأبديّة، هوذا نتوجّه إلى الأمم" (أع 13: 46). لقد حكموا بأنّهم غير مُستحقّين للحياة الأبديّة عندما رفضوا كلمة الله ولم يؤمنوا بها. إذًا، لتفعل كلمة الله فعلها يجب قبولها بإيمان، والسّماح لها العمل في القلب. "لكن ليس الجميع قد أطاعوا الإنجيل، لأنّ إشعياء يقول: يا ربّ من صدّق خبرنا؟ إِذًا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله" (رو 10: 16-17). أمّا من يرفض الإيمان بكلمة الله فيجلب لنفسه حتمًا حكمًا قاسيًّا، كما تُوضّح الآية التالية، "لكي يدان جميع الّذين لم يصدّقوا الحقّ، بل سرُوا بالإثم" (2تس 2: 12). تشير الآية في مستهلّ هذا المقال إلى أنّنا استلمنا ذات الرّسالة الّتي وصلت للآباء عندما عبروا البحر إلى سيناء. هناك في سيناء لم يقبلوا الكلمة بإيمان، فلم يدخلوا راحة كنعان. كذلك نحن ما لم نقبل كلمة الإنجيل ولم نؤمن بها، لا نختبر خلاص المسيح ولا ندخل ملكوته. يؤكّد بولس في مناداته على تزاوج "الإيمان بكلمة الله" ليُسبّبا خلاصًا لسامعي بشارة الإنجيل. الخَلْطَة المفيدة "علينا أن نلاحظ العلاقة بين الكلمة والإيمان. لا يجب فصل الإيمان عن الكلمة. والكلمة إن فُصِلت عن الإيمان لا تنفع شيئًا... الكلمة لا تضع من قوّتها فينا إلّا عندما يسمح لها الإيمان بالدّخول إلى قلوبنا. عندئذٍ فقط نختبر "إنجيل المسيح، لأنّه قوَة الله للخلاص لكلّ من يؤمن" (رو 1: 16)... وعندما يفصلون بين كلمة الله والإيمان، الإيمان ينطفئ ولا يعود ينفع شيئًا". ينتفع الإنسان حين يقبل كلمة الله "ممتزجة بالإيمان"، فيحصل الخلاص. يوضّح أحد المفسّرين قائلًا، "كلمة الله تُخلَط مع الإيمان"، كخلط مكوّنات الأطعمة أثناء الأكل، لتدخل حياة الإنسان وتفعل فعلها الكامل فيه فينتفع منها. هنا نسأل العقل المعاصر عمّا إذا كان يؤمن بكلمة الله ويسمح لها بأن تعمل فيه بكامل قوّتها؟ لا عجب من فتور حياتنا الروحيّة، فإلى أن نتجاوب بالإيمان مع كلمة الله لن نختبر قوّتها فينا. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|