وللوقت صرخ بأعلى صوته قائلاً: "أيها القديس أنا أؤمن واعترف باسمه." وللوقت صرخ الشيطان وخرج منه فوثب الوالي علي القديس بحنق عظيم وأمر أن يربطوا القديس ابسخيرون ويضرب بالسياط. فأخذه الجند وجلدوه بالسياط ثم قال له الوالي: "قد تحققنا عظيم سحرك ورأيناه." وأمر أن يعذبوه ويسلخوا أجزاء من جلده. ثم ذهب الوالي إلى القديس ابسخيرون وهو غاضب وقال له: "أرفع البخور للآلهة فإن أعمال السحر لا تخلصك من يدي، لأن قوما كثيرين خالفوني فأحرقت أجسادهم بالنار وضربت رقابهم بالسيف ولم تقدر آلهتهم أن تخلصهم من يدي، فالآن اسمع قولي وأرفع البخور لئلا تهلك مع من خالف أوامر سادتنا الملوك." أما القديس فلم يلتفت إلى تهديدات الوالي ولم يرفع البخور للأوثان فأمر الوالي أن يضاعفوا عذابه بأن يكشط جلد رأسه إلى أسفه ورقبته وأن يثقب جنباه واكتافه ويعملوا فيها سلاسل ويربطوه في فرس ويطوفوا به في شوارع المدينة، ونفذت الأوامر وانطلق الفرس والقديس مربوط به وطافوا به في شوارع المدينة سبع دفعات وهم يصيحون أمامه وخلفه ويصرخون: "هذا جزاء من لا يخضع لأوامر الملوك ويرفع البخور للآلهة." وخرجت المدينة كلها لتشاهد هذا المشهد الحزين، أما القديس فكان يحتمل الآلام ودمه يسكب على الأرض في صمت وهدوء عظيمين.
جلس الوالي وقدموا إليه بقية المسيحيين، فقدموا أولا القديس ارسيفيوس وابتدره الوالي قائلا: "ياارسيفيوس ارفع البخور فقد رأيت العقاب الذى عاقبت به ابسخيرون واسجد للآلهة." فأجاب قائلاً: "إنني لا أرفع بخورا للأصنام ولن اترك إلهي الذي روحي بيده. وإني يا سيدي لن اطيعك في ذلك." فغضب الوالي وأمر أن يضرب بسياط من جلد الثيران، أما القديس ارسيفيوس فكان قوى القلب شديد العزم، فأمر الوالي أن يصلب منكسا علي عمود حتى يهرق دمه علي الأرض ووسط هذه الآلام اقترب منه الوالي محدثا أياه أن يرحم نفسه ويستريح من هذا العذاب بأن يطيع أوامره فيعفوا عنه وإلا سوف يتركه هكذا حتى يموت، فالتفت إليه القديس ارسيفيوس وأجابه في هدوء: "إننا لم نأت إلى هذا الموضع ونحن ذوو قلبين، بل متفقين بقلب واحد ونية مستقيمة ولا نهاب عذابك."