إذ صــرت عزيزاً في عيني مُكرماً وأنا قد احببتك
محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة
(أشعياء 34: 4؛ إرميا 31: 3)
عودة الابن وقبلة المحبة الأبوية
سرّ السقوط واليقظة ورحلة العودة (لوقا 15)
شرح مثل الابن الضال
(1) تمهيــــــــــد
الإنجيل – في واقعه الاختباري – يخص حياتنا على نحو شخصي،
فكل ما فيه من مواقف وأمثال تكلم بها شخص ربنا يسوع هي لنا نحن (بالدرجة الأولى) الذين انتهت إلينا أواخر الدهور، فكل من لا يدخل لسرّ الإنجيل ليصير محور حياته الخاصة والنبع الصافي الذي يرتوي منه، فأنه يظل فقيراً معوزاً معزولاً في عالمه الخاص مبتعداً بعيداً عن الله، يعاني من الجوع والعطش والعُري، يعوزه مجد الله الحي ليكسي عورته، فبدون الإنجيل – بشارة الحياة الجديدة في المسيح – ليس لنا رجاء، إذ نتعرى من النعمة ونموت في خطايانا يومياً، ويصير قبنا صلداً كقطعة حديد أعتلاها الصدأ، ولن تدخل حياة الله فينا، لأن كل إنسان لا يأكل ولا يشرب فأنه – طبيعياً وبالضرورة – يبدأ يدخل في حالة من الضعف والوهن فلا يقوى جسده على مقاومة أبسط الأمراض، إذ تدخل إليه بسهولة وتقتحم كل أعضاءه وتعمل فيه للموت، لذلك مكتوب: أيها العطاش جميعاً هلموا إلى المياه، والذي ليس له فضة، تعالوا اشتروا وكلوا، هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمراً ولبناً (إشعياء 55: 1)
فانتبهوا أرجوكم لإنجيل الخلاص وشفاء النفس،
لأن فيه كنز عظيم مخفي عن نظر العقل والفكر الإنساني الطبيعي التي تُحيط به الظلمة من كل جانب، فهو يحتاج استنارة بنور المسيح الذي يُعلي النفس ويُنير العينين، يمنح الشفاء والحياة والبركة، الرب يُعطي حكمة، من فمه المعرفة والفهم (سيراخ 34: 20؛ أمثال 2: 6)، لأن التفكير الدماغي الإنساني المنحصر في الفلسفة وشهوة المعرفة الإنسانية لإشباع الفكر، لا يستطيع من ذاته أن يرتقي لما هو أعلى منه، لأن العالم السماوي يحتاج عقل مملوء بالنور الإلهي ليستطيع أن ينفتح وينظر الله بلا عائق أو مانع، لأنه من المستحيل أن يُعاين أحد النور السماوي إلا بالنور السماوي ذاته، لذلك الرب بنفسه فتح ذهن التلاميذ ليفهموا الكتب[1]، ونفس ذات الانفتاح عينه، هو من يُعطيه بنفسه لكل من يسأل ويطلب ليرتقي ويرتفع للعلو الروحاني الذي لله الحي.