كيف يمكننا أن نثبت أن الله في ثلاثة أقانيم؟
الله في ثلاثة أقانيم
*************
حاول الكثيرون من الفلاسفة توضيح إعلانات الكتاب المقدس عن وجود الأقانيم في وحدانية الله، حتى يستطيع الناس فهمها. لكنهم لم يبلغوا الهدف، لأنهم تركوا نصوص الكتاب نفسه واعتمدوا على أفكارهم الفلسفية لتوضيح الأمر.
كلنا يعلم أن تعليم التثليث، لم يرد في فصل واحد من أسفار الكتاب المقدس، بل ورد في آيات متفرقة منها. في العهد القديم، ورد اسم الجلالة في صيغة الجمع «إلوهيم» بالعبرانية.
وكذلك استعمل الله الفعل والضمير، العائدين إليه في صيغة الجمع، في أمكنة متعددة من الكتابة المقدسة. مثلاً على ذلك قوله: «نَعْمَلُ ٱلإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا» (تكوين 1: 26). «هُوَذَا ٱلإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا» (تكوين 3: 22) «هَلُمَّ نَنْزِلْ وَنُبَلْبِلْ هُنَاكَ لِسَانَهُمْ» (تكوين 11: 7) «مَنْ أُرْسِلُ، وَمَنْ يَذْهَبُ مِنْ أَجْلِنَا؟» (إشعياء 6: 8).
قد تكون هذه التعابير فوق إدراكنا، ولكن الله نفسه، ألا يفوق عقولنا؟ وهل يلزم رفض تعليم معلن من الله لسبب عجزنا عن إدراكه؟ كلا، لأنه لما كانت عقولنا محدودة القوى، كان لا بد من عجزها عن إدراك أسرار طبيعة الله.
إن في إعلانات الله تعاليم أخرى غير التثليث، لا نستطيع أن نحللها ومع ذلك قبلناها، كالتجسد، وحلول الروح القدس فينا، وتجديده إيانا، وقيامة الأجساد والحياة الأبدية. هذه كلها أسرار، يعجز العقل البشري أن يدركها. ولعل الكتاب المقدس لم يقدم شرحاً مستوفياً لهذه الأمور الإلهية، لأن اللغة البشرية قاصرة عن استيعابها.
ومما يجب ذكره في هذا المقام، أن قديسي الله الذين كتبوا الأسفار المقدسة، مسوقين من الروح القدس، ذكروا في كتاباتهم أن هناك أسراراً إلهية لا تدرك. فموسى رجل الناموس قال: «ٱلسَّرَائِرُ لِلرَّبِّ إِلٰهِنَا، وَٱلْمُعْلَنَاتُ لَنَا وَلِبَنِينَا» (تثنية 29: 29) وقال بولس: «لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ ٱلْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ ٱلتَّنَبُّؤِ... فَإِنَّنَا نَنْظُرُ ٱلآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ... ٱلآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ ٱلْمَعْرِفَةِ» (1كورنثوس 13: 9-12) وقال بطرس: «وَٱحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصاً، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا ٱلْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضاً بِحَسَبِ ٱلْحِكْمَةِ ٱلْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي ٱلرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضاً، مُتَكَلِّماً فِيهَا عَنْ هٰذِهِ ٱلأُمُورِ، ٱلَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ ٱلْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ ٱلْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ ٱلثَّابِتِينَ كَبَاقِي ٱلْكُتُبِ أَيْضاً، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ» (2بطرس 3: 15 و16) وقال بولس أيضاً: «يَا لَعُمْقِ غِنَى ٱللّٰهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ ٱلْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ ٱلٱسْتِقْصَاءِ! لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ ٱلرَّبِّ، أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً؟» (رومية 11: 33 و34) «وَلٰكِنَّ ٱلإِنْسَانَ ٱلطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ ٱللّٰهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ، وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً» (1كورنثوس 2: 14).
فمما لا ريب فيه أن قبول الأسرار الدينية يستلزم الإيمان وقبول الإعلانات بروح التواضع.