رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
صرخة التسليم
صرخة التسليم: وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ. (لوقا 46:23) دخل يسوع مدينته الحبيبة أورشليم، فاحتفت به الجموع قائلة: "أُوصَنَّا! مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ!" (مرقس 9:11) • وكان الناس يهتفون ويلوّحون في حماسة بالغة وقد أمسكوا بسعف النخيل وأغصان الزيتون. كانوا يصرخون للمسيح الملك الآتي. كانوا يريدون تتويجه ملكًا ولكن إلى يوم واحد. أما يسوع فكان يريد أن يجلس حسب وعد الآب له، على عرش ملكٍ أبديٍّ. وبعد خمسة أيام من ذلك الدخول الظافر تحوّلت تلك الجماهير عنه، وصارت تصيح وراءه في طريق الصليب: «اصْلِبْهُ! اصْلِبْهُ!» .. «دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا». (لوقا 23: 21)(متى 27: 25) وصل اليهود إلى مآربهم وعلقوا مليكهم على الخشبة. وهكذا ظل معلّقًا بين الأرض والسماء لمدة ست ساعات، وبذلك أكمل العمل الذي أرسله الآب من أجله. فقد قدّمت الكفارة من أجل خطية العالم، وتصالح الإنسان مع يهوه . وتمت صلاة يسوع الشفاعية: " الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ ... أَنَا أَظْهَرْتُ اسْمَكَ لِلنَّاسِ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَالَمِ ... وَهُمْ قَبِلُوا وَعَلِمُوا يَقِينًا أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِكَ،...أَمَّا الآنَ فَإِنِّي آتِي إِلَيْكَ." (يوحنا 17: 4، 6، 8، 13) • أولاً: الصرخة التي انطلقت لم تكن صرخة بلا ضراعة وصلاة. والصلاة هي العنصر الحيوي الذي تميّزت به حياة سيدنا. فقد بدأ خدمته بالصلاة، وواصل خدمته بقوة الصلاة. وها هو يختم حياته بهذه الصلاة الأخيرة. وما أجمل أن نرى السيد يلجأ إلى عرش الصلاة في اللحظات الحرجة من حياته، فيحصل على نبع لا ينضب من القوة والعون! إنها اقتباس هذه الصرخة اقتباس نبوي من الأسفار المقدسة. إن يسوع في شدة محنته كان يجد العزاء والصبر في كلمة يهوه . لذلك نراه يردد على الصليب المزمور الحادي والثلاثين. لعله كان يتمتم به في سرِّه، لكن البشير سمعه ينبر على النص الذي تحقق وأُكمل في شخصه: " فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي.." (المزامير 31: 5) إن يسوع يتمسك دائمًا بكلمة يهوه. ففي صراعه مع المجرّب في البرّية غلبه في الجولات الثلاث بالمكتوب في كلمة الرب. وفي الناصرة حين هاج عليه بنو جنسه واجههم بالقول: ".. قَدْ تَمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ." (لوقا 21:4) ونحن كمؤمنين نفعل حسنًا حين نتمثّل بيسوع فنتمسّك بمعرفة كلمة الرب. إننا حين تهب علينا رياح الحياة وتجاربها لن نقدر أن نقف في وجه هجمات الشرير بدون قوة الكلمة، التي قال عنها النبي: " خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ. " (المزامير 119: 11) • إنها قمة المتناقضات إن صرخة يسوع على الصليب شيء يناقض الحقيقة البشعة التي كان فيها. إنه هنا يضع نفسه بين يدَي الآب، ولكنه في الحقيقة والواقع بين أيدي البشر. ولقد كان كل أيام إرساليته بين أيدي الناس، فقد جاء إلى خاصته، وخاصته لم تقبله. وفي البستان حيث نام التلاميذ قال يسوع: "هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ." (متى 45:26) وهنا نحن نتخيل يسوع في الاثنتي عشرة ساعة الماضية وقد أسلم نفسه بين أيدي الناس، فشتموه وبصقوا على وجهه، وضربوه بالسياط، ونتفوا لحيته، ولطموه على وجهه، وسخروا منه. ولمدة ثلاث ساعات كاملة كان يعاني من عزلة الآب عنه. ولكن الآن انتهى كل شيء. وها هو ينتقل من أيدي البشر التي لا ترحم إلى يدَي الآب : " فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي.." (المزامير 31: 5) يا له من تناقض عجيب أن ينتقل المسيا من أيدي الناس إلى يدَي الآب المحب! من يدي الشيطان إلى يدي الآب السماوي. إنهم لن يضحكوا عليه فيما بعد، ولن يسخروا منه، ولن يضربوه، لأنه بين يدي الآب. إنه جالس الآن عن يمين العظمة في الأعالي ينتظر الوقت الذي يتغيّر فيه كل شيء. نعم، فسوف يأتي الوقت الذي يعود فيه المسيا إلى العالم، ويكون كل العالم في قبضة يده. حكموا عليه، ولكن ستأتي الساعة التي يحكم هو فيها عليهم. كانت لهم الجرأة أن يقولوا له صراحة: ".. ابْعُدْ عَنَّا، وَبِمَعْرِفَةِ طُرُقِكَ لاَ نُسَرُّ." (أيوب 14:21) ولكن سيأتي الوقت الذي يقول هو فيه: "..اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ .." (متى 25: 41) وقع مرة بين أيديهم، ولكنهم سيكونون تحت طائلة يده طوال الأبدية. • إنها لغة الإيمان واليقين كانت الأم اليهودية تعلّم طفلها أن يرفع هذه الصلاة القصيرة كل يوم قبل النوم: " فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي. فَدَيْتَنِي يَا رَبُّ إِلهَ الْحَقِّ. " (مزمور 5:31) • • (ونحن نعلم ونؤمن أنه القدوس وعالم بكل شيء وفوق كل شيء خالقنا وخالق السماوات والأرض وبكل ما أعلنه في المكتوب على فم الأنبياء) {..لنتأمل..} • • كم مرة سهرت مريم بجوار سرير يسوع تعلّمه هذه الصلاة قبل النوم ؟ وكم عوّدته أن يرفع يديه إلى السماء كل ليلة بهذه الكلمات المقدسة ؟ والآن، وقد فتح ذراعيه إلى السماء يريد أن يحتضن العالم بأسره، يصلي كما في طفولته تمامًا: "فِي يَدِكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي" • ثانيًا: السلام الذي اختبره بعد أن رفع يسوع هذه الصلاة نكّس رأسه وأسلم الروح. ويا لها من صورة رائعة تعبر عن السلام والاطمئنان لرجل يواجه الموت! كان سلام المسيح أمام الموت مبنيًا على: الشركة مع الآب منذ فترة قصيرة صرخ يسوع من الظلمة: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي،" (المزامير 22: 1) كان الآب قد حجب وجهه عن الابن لأنه صار ذبيحة إثم من أجل العالم. أما الآن فإن الابن يتطلّع إلى وجه الآب ويقول: "الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ." (يوحنا 17: 4) لقد عاد الابن في شركة كاملة مع الآب. • اليقين الأكيد في الآب إن يسوع يقول: "في يديك." إنه لا يشك أبدًا في محبة الآب وعنايته. إنه لا يتساءل عن مقدرة الآب في استقبال الروح وحفظها. إننا في يدي الآب الذي لا نجد الأمان عنده واليقين فحسب، ولكن العناية والرعاية أيضًا. مهما كانت تجاربنا واختباراتنا في الحياة فإن الرب يرعى قطيعه، ويهتم بكل أمور حياتهم. ويشرح بولس ذلك في "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ يهوه، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ." (رومية 28:8) من يستطيع أن يدّعي منطقيًّا أن الصليب بركة وخير؟ لقد كان وما يزال عثرة للعالم. إن الصليب شرّ في ذاته، ولكن حين يتدخّل الرب يستطيع أن يحوّل الصليب الرهيب إلى بركة وخير لفداء العالم. إن الرب في نعمته يقدر أن يحوّل الشرور التي تصيبنا إلى خير وبركة. في صرخة اليقين هذه نستطيع أن نفهم موقف يسوع من الموت. كان الموت مرعبًا، ولكنه لم يكن كارثة. لم يكن النهاية البشعة لكل شيء كما نظن، ولكن بداية للحياة الحقيقية الأفضل. لم يكن الموت هزيمة بل نصرًا رائعًا. كان الموت بالنسبة ليسوع نهاية نار العذاب في العالم والخروج إلى عالم الراحة. • إكمال الرسالة للآب أكمل إرادة الآب. بعد أن صرخ: «قَدْ أُكْمِلَ». كان على استعداد أن يذهب إلى الآب. لم تكن حياته ناقصة. لقد سلم كل الحياة للآب. لم يكن هناك اضطرار بل تسليم كامل في طاعة ومحبة. لقد قال عن حياته: "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي" (يوحنا 10: 18) يا له من سلام عجيب يناقض ما نشعر به نحن. حياتنا اتّسمت بالنقص والعيب. حياتنا تشبه لوحة ناقصة. حين نكمل الرسالة نقول مع بولس: "فَإِنِّي أَنَا الآنَ أُسْكَبُ سَكِيبًا، وَوَقْتُ انْحِلاَلِي قَدْ حَضَرَ.قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ، وَأَخِيرًا قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ،.." (2تيموثاوس 6:4-8) • ثالثًا: المثال الذي تركه كان يسوع مثالنا للحياة المثلى في كل شيء. قال عنه الرسول بطرس: ".. تَارِكًا لَنَا مِثَالاً لِكَيْ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِهِ." (1بطرس 21:2) وفي ساعة احتضاره رسم لنا المثال الذي نتبعه، الذي يقول: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي» (لوقا 23: 46) كان يسوع مثالاً في الموت. قال داود: "إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرًّا،" (المزامير 23: 4) قال أحدهم: (المسيح يحوّل غروب الحياة عنده إلى شروق.) لو لم يكن يسوع قد عاش كل دقيقة من حياته لعمل مشيئة الآب، لما كان يواجه الموت بهذه الصورة. قال: ".. يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي" لذلك عند الموت وضع نفسه بين يدي الآب. إن موتنا سيكون كحياتنا تمامًا. فإن كنا ثائرين على الحياة سنثور على الموت. إن سلمنا للحياة سنسلم للموت. إن كنا قد أنكرناه في الحياة سننكره في الموت. إن سرنا مع يهوه في الحياة سنسير مع يهوه في الموت. هنا كلمة تحذير لغير المؤمنين: إنك لا تستطيع أن تقول: "في يديك أستودع روحي." لأنه مخيف هو الوقوع بين يدي يهوه الحي. (عبرانيين 31:10) * * * أشكرك أحبك كثيراً... بركة الرب لكل قارئ .. آمين . وكل يوم وأنت في ملء بركة إنجيل المسيح... آمين يسوع يحبك ... |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
صرخة إيمان صرخت المرأة الكنعانية |
أول صرخة تصدر من الخاطئ هي صرخة الألم |
كلمات ترنيمة صرخة ألم آه، صرخة ندم آه |
التسليم |
التصميم |