كثيرون يتسائلون كيف نتكلم عن اللاهوت كلاماً صحيحاً، وكيف نُسلِّم التعليم الآبائي تسليماً يتقبله الناس ويصير عندهم كالآلئ الثمينة؟
من يُريد حقاً أن يتحدث عن اللاهوت
لا بُدَّ من أن يمتلئ من الحضور الإلهي أولاً، فلا يستقيم أي حديث عنه بدون تقوى نابعة من تكريس القلب وتقديس النفس أولاً، فأن لم نتطهر بالنار الإلهية وتنفتح بصيرتنا بالنور الإلهي كيف نشهد لهُ ونتحدث عنه، فكيف لأعمى أن يوصف ما يتحدث عنه وهو لا يراه لأنه مكتوب: الَّذِي رَأَيْنَاهُ وَسَمِعْنَاهُ نُخْبِرُكُمْ بِهِ، لِكَيْ يَكُونَ لَكُمْ أَيْضاً شَرِكَةٌ مَعَنَا. وَأَمَّا شَرِكَتُنَا نَحْنُ فَهِيَ مَعَ الآبِ وَمَعَ ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (1يوحنا 1: 3)
فنحن ينبغي أولاً أن نُعاين الله بالروح حتى نتكلم عن ما رأيناه وسمعناه
وما لمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة، فلننتبه للمكتوب: اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب (عبرانيين 12: 14).
فكيف لنا أن نتحدث عن القدوس ونحن لم نختبر حياة القداسة
كيف نتحدث عن طبيعة الله النورانية ونحن نحيا في الظلمة، لأنه مكتوب: وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ، إِنْ قُلْنَا إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ (1يوحنا 1: 5، 6)
يا إخوتي لا تتعجلوا وتظنوا في أنفسكم أنكم مؤهلون أن تتحدثوا لاهوتياً
بكونكم درستم وعرفتم وتبحرتم في البحث والتنقيب وعرفتم الآباء وكتابتهم ودرستموها عن ظهر قلب بدراسة واعية متخصصة عميقة، لأن هذا يؤهل الإنسان فكرياً، لكنه لا يؤهله أن يعرف الله من جهة الخبرة إلهاً حياً وروحاً مُحيياً، لأن الكلام عن الله شيء والكلام باسم الله شيء آخر تماماً، الأولى تحتاج فكر والثانية تحتاج قلب مكرس ممتلئ من روح الحياة في المسيح يسوع، لأن اَللَّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلاِبْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ (يوحنا 1: 18)، فأن لم يسكن الله في قلبنا ويشهد لنا عن ذاته بروحه فكيف لنا أن نتكلم عنه ونحن لم نتذوق بعد سكناه ولا نفعل إرادته:
ولا يوجد طريق آخر - في المطلق - للتحدث عن اللاهوت بشكل سليم وصحيح حسب مسرة مشيئة الله، لأن الله حينما يسكن في النفس ويُقيم فيها فأنها تنطق بتقوى وتتحدث بشهادة نابضة بالحياة لأنها رأت ونظرت وشاهدت وعاينت، لذلك الرسول حينما تكلم عن أن الله نور لم يدرس الموضوع بل تحدث بما رأى وشاهد وعاين، لأن معرفته معرفة اختبارية وليست معرفة فكر ولا دراسة، بل لأنه جلس بنفسه مع الرب وسمع من فمه وشاهد وعاين أعماله بل وقد تلامس معه وامتلأ منه وتعين رسولاً من فمه وليس من الناس.
فأن لم يكن لنا خبرة وتذوق للحضرة الإلهية
في مخادعنا ووسط القديسين المحبين لله الذين يتقونه ويصنعون البر حسب ما نالوا من نعمة، ولنا شركة معهم في النور، فنحن غير مؤهلين إطلاقاً في أن نتحدث عن الله تحت اي مُسمى أو اسم أو شكل، لأننا في تلك الساعة سنتكلم عن فكرة وندافع عنها، ويقف كل واحد أمام الآخر نداً لهُ، يتشاجرون ويتناحرون على التمسك بألفاظ وكلمات ومعاني لم يعيشوا بها ولم يتذوقوها خبرة في حياتهم الشخصية كما كانت عند الآباء الأتقياء محبي المسيح الرب، الذين كرسوا كل حياتهم لهُ وحبوه وحفظوا وصاياه.