رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الصّوم مكافأة للإنسان لأنّه انفتاح على برّ الله، وحرّيّة ممنوحة له دون استحقاق منه. ولمّا كان المسيح قد صام أربعين يوماً ليفتتح بعدها رسالته الخلاصيّة، منح الإنسان آفاقاً جديدة يطلّ من خلالها على أعماقه المرتبطة بالله. يكافئ الرّبّ الإنسان بالصّوم دون أن يفرض عليه شيئاً. وإنّما أعطاه نموذجاً عن قيمة الصّوم المقدّسة. وتتبيّن لنا هذه القيمة في إنجيل لوقا (12،1:4)، حيث صام يسوع أربعين يوماً وهو ممتلئ من الرّوح. "أمّا يسوع فرجع من الأردن ممتلئاً من الرّوح القدس، وكان يقتاد بالرّوح في البرّيّة أربعين يوماً يجرّب من إبليس. ولم يأكل شيئاً في تلك الأيّام. ولمّا تمّت جاع أخيراً." الّذين يصومون مع المسيح، يقتادهم الرّوح في برّيّة هذا العالم، ليتمكّنوا من مقاومة شرّ أنفسهم أوّلاً، فالنّفس الإنسانيّة بكبريائها أكبر مجرّب للإنسان. ثمّ لمقاومة مغريات العالم الّتي تغرقه في الوجع الرّوحي. ولمّا كنّا قد اصطبغنا بالمسيح، ولمّا كنّا هياكل للرّوح القدس، ففي كلّ مرّة نصوم نكون ممتلئين من روح الرّبّ، فنمضي في الصّوم كفعل حرّيّة وحبّ إلى أن نبلغ رؤية الرّبّ كما إيليا وموسى. نُقتاد من الرّوح فندخل قلب الله لنحيا فيه إنساننا المتفلّت من العالم، المشتاق للّقاء الإلهيّ. لذلك يمكننا أن نقطع صحراء هذا العالم بقوّة وغلبة. وإلّا فمن العسير التّغلّب على الإنسان العتيق والالتزام بالخلق الجديد. الرّبّ الّذي "كلّ شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء ممّا كان."(يوحنا 3:1)، يمنح الإنسان فرصة عيش الحقيقة السّماويّة وهو ما برح في العالم. ما يعني أنّ الصّوم نعمة إلهيّة وشوق إلهيّ لعلاقة حميميّة تفاعليّة بين الله والإنسان. فالرّبّ الّذي تصاغر وأخذ إنسانيّتنا، يدعونا في الصّوم إلى التّجرّد من كلّ شيء لنحيا أحراراً كما هو حرّ. صام المسيح عن كلّ شيء في سبيل إسعاد الإنسان، ولم ينقطع عن الطّعام والشّراب وحسب. "الّذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله. لكنّه أخلى ذاته، آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه النّاس." (فيليبي 7:2). إنّه الصّوم كفعل تجرّد من أجل الحبّ، ودعوة من الله للإنسان ليعود إلى بهائه الأوّل وحبّه الأوّل. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|