رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
المسيح والتجربة ونصرتنا العملية
المسيح الرب أتى في ملء الزمانمتحداً بجسم بشريتنا ليزرع فينا صلاحه الخاص نازعاً عنا شوكة الموت، ولم يأتي لكي يشترك في أعمال الجسد الميتة أو يقف في حالة صراع ما بين قبول الخطية ورفضها، لذلك لم يقل الرسول أن المسيح الرب أتى في جسد الخطية لكي نتحدث عن القبول والرفض ما بين الفعل وعمله، بل قال: لأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ فَاللَّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيَّةِ وَلأَجْلِ الْخَطِيَّةِ دَانَ الْخَطِيَّةَ فِي الْجَسَدِ (رومية 8: 3) فالمسيح الرب أتى في الجسد حسب التدبيرليأخذ قضية الموت، أي أنه وصل للحدود التي وضعت للإنسان بسبب الخطية، لأن القضية ليست في نوع الخطية في ذاتها بل ما سببته في الكيان الإنساني، لأنها تسلطت بالموت وأنهت الحياة المخلوقة حسب الله، لأن الإنسان لم يُخلق للموت، لكن الموت دخل بحسد إبليس عن طريق الخطية، والخطية هي العصيان وعدم حفظ الوصية، والذي دعمها هو شريعة الخير والشرّ الذي اغتصبها الإنسان لنفسه عن طريق الغواية، وهي شريعة فاسدة لأن النور لم يكن فيها، لأن الإنسان دخل في حالة من معرفة الخير والشر بدون الله فسادت الظلمة وانطفأ نور الذهن المتقد الذي كان فيه، فالله لم يكن له دخل في هذا الأمر لأنه نهاه أن يأخذ من هذه الثمرة التي أنشأت فيه كل صراع ما بين الخير والشرّ، وحينما تعرف الإنسان على الشرّ دخل إليه الفساد وبدأ يدخل في صراع ما بين قبول الخير والشرّ، بين قبول الوصية وطاعة الله، وبين أن يفعل الشرّ ويعصى الله، فدخل الإنسان في حالة من الحرية المشوشة، التي من خلالها ضاع منه التمييز بين النور والظلمة، الموت والحياة، فانحدر الإنسان من حالة مجد الحضرة الإلهية وتغيرت ملامحه النورانية وفقد بساطته الأولى، ودخل في تعقيد الشرّ الذي يعمل بالفساد في كل من يتعامل معهُ، ومنذ ذلك الحين صار في حالة صراع طاحن ما بين النور والظلمة، وصار صعب عليه أن يحيا ويثبت في النور، لأن ميل الشر عنده أقوى من الخير الأسمى، فضل وتاه ولم يعد يستطيع ان يصنع صلاحاً يُرضي الله بسبب استحواذ الظلمة التي انفرشت على كيانه كله. فالخطية حدت الإنسانوقلصت حياته وقيدته بالموت، فصارت كل حياته تحت العبودية، حتى الوصية النورانية نفسها صارت مجال عثرة وغير قادرة على أن تعمل شيء، بسبب ظلام الموت المسيطر على كل ملكاته الروحية، لأن الوصية صارت مكتومة بسبب الظلمة التي غطت الذهن كسحابة كثيفة سوداء حجبت نور الشمس بالتمام، لذلك لم تعد الوصية مفهومة على مستوى النور، فتعثر الإنسان فيها ولم يعد يقبلها أو حتى يفهمها ببساطة النور، لأن الوصية مقدسة وصالحة جداً، تهدي النفس لأنها نور يهدي خطوات السائرين في طريق الحياة، وهي تصير الجاهل حكيماً، لكن مشكلة عدم القدرة بالحياة بها والصراع أن نفعلها أو لا نفعلها هو الظلمة التي أطفأت نور الذهن وزحفت بالموت فأفسدت طبعنا المقدس وضلتنا عن الحق. فالصراع القائم في داخل الإنسانبين الخير والشر انتفى في شخص المسيح الرب، لأنه حينما جربه المُجرب لم يكن فيه هذا الصراع، لأنه لم يدخل التجربة منجذباً من شهوة الجسد أو شهوة العيون أو تعظم المعيشة، لأن الظلمة لا تسكنه، لأن هو بشخصه وذاته النور الحقيقي الذي أتى حسب التدبير ليُنير كل إنسان سادت وسيطرت عليه الظلمة، فهو دخل كنور حقيقي في ساعة الظلمة ليُجرب من ابليس، الذي جربه بكل حيله التي حارب بها الإنسان منذ البدء، فلم يقوى عليه، لأنه لم يكن فيه شيء يستطيع أن يمسكه منه، لأنه غير قابل للسقوط في شبه شرّ، لأنه لا يحمل في نفسه أي قبول للخطية أو حتى فيه شبه ظلمه، ولأن الرسول عرف هذا بإعلان لأنه شاهد وعاين مجد الابن الوحيد في الجسد وسمع منه قال: وَهَذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ (1يوحنا 1: 5). لذلك فأنه لا صحة لقول أن المسيح الرب قابل للخطية،وله أن يفعلها أو لا يفعلها، لأنه أولاً لم يأتي في جسد الخطية بل في شبه جسد الخطية، ولم نرى عنده أي صراع قائم بين الخير والشرّ، أو النور والظلمة، أو يفعل أو لا يفعل خطية ما، لأن هو النور وكيف له أن يتفق مع الظلمة او يقبلها حتى جدلاً: ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً قَائِلاً: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ» (يوحنا 8: 12). فالرب في التجربة لم يكن ينتصر لحساب نفسه،كأنه كان في حالة من الصراع ما بين الشر والخير، أو بين مشيئة الآب ومشيئة ذاته، فدخل في صراع يقبلها أو يرفضها، لأن هذا الصراع غير متواجد البتة في شخصيته ولا كيانه إطلاقاً، لأنه أتى في ملء الزمان لا من أجل نفسه بل من أجلنا، ودخوله في التجربة لينتصر لحساب بشريتنا الجديدة فيه، لكي يكون لنا النصرة باسمه وبفعل قوته، لأننا ندخل منذ البداية منتصرين باسمه، لأنه سلمنا نصرته الخاصة بالإيمان، فنحن حينما ندخل بهذا الإيمان الحي بشخصه نقف أمام عدو مهزوم في جبل التجربة، فنحن لا ندخل التجارب الشريرة أو في ساحة المعركة مع العدو لكي نحارب بقدرتنا الخاصة منفردين، بل ندخل باسم رب الجنود، لأن الحرب للرب، والانتصار فيها مؤكد وبلا صراع، لكن لو الرب كان فيه هذا الصراع وهذه المفارقة والقبول فكيف لنا أن ننتصر ونغلب هذا الصراع ما بين الإنسان العتيق والإنسان الجديد، لأن كل من هو في المسيح صار خليقة جديدة يحيا بحياته وينتصر بنصرته التي انتصر بها ببره الخاص، لأن كل من يلبس المسيح يحيا به، وكل من يحيا به يحيا بنصرته، لأنه أعطانا قدرته هو وألبسنا ذاته، لذلك النصرة لنا فعلياً لأنه مكتوب: وَلَكِنْ شُكْراً لِلَّهِ الَّذِي يَقُودُنَا فِي مَوْكِبِ نُصْرَتِهِ فِي الْمَسِيحِ كُلَّ حِينٍ، وَيُظْهِرُ بِنَا رَائِحَةَ مَعْرِفَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ؛ وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا (أو نُحْرِزُ مَا يَفُوقُ الانْتِصَارَ) بِالَّذِي أَحَبَّنَا (2كورنثوس 2: 14؛ رومية 8: 37) ولنا الآن نقف وقفة لنُجيب على سؤال هام،وهو لماذا نحن نُهزم أحياناً في هذه الحرب وما زال الصراع قائماً فينا؟ طبعاً نحن نلنا عربون المجد وما زلنا في الجسد، ففينا بواقي إنسان عتيق ولنا إنسان جديد، فأن خضعنا للعتيق وتركنا الجديد ولم نحيا بالإيمان متمسكين بشخص الابن الوحيد، فأننا نُهزم لأننا نقف أمام العدو في حالة عُري من قوة الإنسان الجديد وصدرنا مكشوف من درع البر وترس الإيمان، فمن الطبيعي نُهزم بسهولة، أما أن كنا نحيا صالبين الأهواء مع الشهوات ونحيا منكرين أنفسنا حاملين الصليب ونتبع الرب بإيمان حي دائم، فالنصرة لنا لأن الرب هو العامل فينا وهو الذي بيننا وبين العدو سور نار قوي فيه النصرة والغلبة، لأن ابليس الحية القديمة الذي خدعت بمكرها حواء انهزم في جبل التجربة ولا يقوى أن يقف أمام مسيح القيامة والحياة الذي اشهره جهراً في الصليب وافرغه من قوته تماماً، والرب نفسه قال: رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ (يوحنا 14: 30)، فالغلبة والنصرة لنا في المسيح يسوع وحده، فحينما نتمسك بشخص المسيح الرب ونحيا حسب الإنسان الجديد نجد الظلمة تتلاشى وحدها والصراع لا وجود لهُ. أما ان كان هناك ميل في القلب نحو العتيقوالحياة القديمة نجد الصراع قائم، لأن الإيمان بشخص المسيح غير واضح ولا ثابت، وليس معنى هذا أننا فقدنا إنسانيتنا الجديدة في المسيح، لكن معناه أن هناك ميل خفي يحتاج علاج، وتصحيح رؤية إيمان تحتاج يقظة، وفي كل الأحوال الله لا يترك النفس بل يقومها ويُربيها طالما ما زال فيها ميل نحوه وشوق للحياة معهُ، لكنها تعتبر حالة طفولة تحتاج لنضوج، فينبغي أن ننتبه لحياتنا ونعدل المسيرة أولاً بأول متمسكين بوصية الله، ثابتين في مخدعنا مصلين في الروح القدس، متمسكين بإنساننا الجديد الذي يتجدد كل يوم حسب صورة خالقه. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|