بقلم الانبا ارميا سُئل حكيمًا: ممن يجب أن يتعلم الإنسان؟ فأجاب: من كل إنسان، ومن كل موقف يمر به فى الحياة، ولٰكن عليه أن يدرك اتجاه ما يتعلمه . تحير السائل، وتردد فى السؤال عن معنى الكلمات لئلا يظن رفقاء الرحلة أنه بطيء الفَهم قليل الذكاء ! ولٰكنه قرر أن يستمر فى حواره: ماذا تقصد بـ" اتجاه ما يتعلمه "؟! ابتسم الحكيم وقال : دائمًا لكل عُملة وجهان، وهٰكذا أيضًا لكل موقف فى الحياة، وما عليك سوى أن تختار: أى وجه ستتبع؟ أجاب الرجل : لا أعتقد أننى أدركتُ تمامًا ما تقصد!! قال الحكيم : فى جميع ما يمر بنا من صعاب فى الحياة وجهان : أحدهما يشجع ويَزيد من عزيمتنا وإصرارنا، والآخر يحاول أن يُغرق أنفسنا بالفشل والإحباط ومن ثَم التوقف عن المسير فى الحياة؛ والاختيار بكل ما يحمل من تبعيات هو لكل إنسان. على سبيل المثال: ماذا تفعل عند التعثر؟! هناك من يسرع بالقيام لاستكمال الطريق، وهناك من يقوم ولا يرى سوى ما أحدثه التعثر من جراح ويستكمل المسير حاملاً آلامًا وأتعابًا يئن تحت وطئتها أو يتوقف إلى حين الشفاء؛ والنتيجة: لا يصل وِجهته. هناك من يرى فى الموت حفنة التراب، وهناك من يرى فيه الأبدية: والأمر لك. تعلَّم من كل إنسان ومن كل موقف جميع ما هو إيجابى يساعدك على الحياة فى سعادة وسلام.
تذكرتُ مع كلمات الحكيم، كلمات طفلة تُدعى "تانا"، أعتقد أنها لم تتجاوز الخامسة من عمرها، وهى تتحدث إلى أمها التى تستعد للانفصال عن زوجها! فتقول لها الطفلة: "هل أنت مستعدة، يا أمي، أن تكونى صديقة أبي؟!" تجيب الأم فى هدوء: "نعم". تستكمل الطفلة كلماتها: "إذًا حاولى ألا تجعلى المسافة بينكما بعيدة (تقصد ألا تكون هناك مطالبات كبيرة من أحد الطرفين) لتصبحا صديقين. أريد أن يكون كل شيء قريبًا بسيطًا وسهلًا؛ حاولى كل جُهدك، فأنا لا أريد لزواجك أنت وأبى أن ينتهى بالانفصال، أو أن يرحل أحدكما مرةً ثانية. أريد لكما أنتِ وأبى أن تستقرا وتكونا صديقين.". ثم تقدم فى كلمات بسيطة مثلاً عميقًا: "إن كنت أنا أستطيع التصرف بلطف نحو الآخرين، فأعتقد أننا جميعًا يمكننا أيضًا التصرف بلطف نحو بعضنا البعض". وبقلب لا يحمل سوى الحب والبراءة للجميع وكأنها تتحدث إلى العالم: "أريدكم، يا أمي، أنتِ وأبي، وجميع الناس، أن تكونوا أصدقاء؛ أريدكم أن تبتسموا، لا أن تَغضَبوا. ابتسموا: هٰذا ما أريده.". نعم، فالحياة تختلف فى كثير من معانيها حين نلقاها بالمودة وبالمحبة، وبالابتسامة التى تهب بصيصًا من أمل يجلب كثير من الراحة والهدوء لكل من نلتقيه: ذلك الأمل فى أنه لا يزال يوجد خير وسعادة يمكننا أن نحيا بهما ونستكمل مسيرة أيامنا.