رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لماذا يسمح الله بالألم للمؤمن ؟ «مَعَ أَنَّكُمُ الآنَ إِنْ كَانَ يَجِبُ تُحْزَنُونَ يَسِيرًا بِتَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ... لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ... كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ... يَتَأَلَّمُونَ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ» (1بط1: 6؛ 4: 12، 19). هو لغز على مَرِّ الزمن: لماذا يسمح الله بالألم؟ وإذا تطوَّع بعض مُدَّعي المعرفة - كأصدقاء أيوب - ليقولوا إن الأمر مفهوم بالنسبة لألم الأشرار؛ فيصبح السؤال أعوص: فلماذا يسمح بالألم للمؤمنين؟! لقديسيه؟! لمقتنى دمه؟! وإن كان هذا اللغز قديمًا قِدَمَ الزمن، فهو اليوم يُثار بقوة أكثر، بالنظر للظروف والضغوط التي تتزايد على القديسين، من فقر ومرض وفراق أحباء واضطهاد وغير ذلك. وفي هذه السطور، أضع، في بعض عناوين، أسبابًا أخبرتنا كلمة الله عنها، علّها تلقي ضوءًا على طريق الإجابة، على رجاء أن نعرفها كاملة قريبًا في المجد. 1- مشاركة «فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ. وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا» (رو8: 22-23). يختلف المؤمن عن العالم في الطبيعة الروحية والمصير الأبدي، لكن هذا لا يعني أنه لا يشاركه شيئًا؛ فما زال يسكن في الأرض عينها، وبجسد طبيعته كالآخرين، يتنفس الهواء الذي يتنفسونه بل الذي تتنفسه الخلائق غير العاقلة. لذا فمن الطبيعي أن يشارك هذه الخليقة أنينها وآلامها التي طالتها بسبب الخطية. لا بد أن يكون هذا؛ من جهة، حتى نقدِّر الألم والمتألمين ونَقدِر أن نمدّ يد المساعدة للآخرين ونجتذبهم لمصدر الراحة، فوجود هذا العامل المشترك يهيئنا للخدمة. ومن ناحية أخرى، حتى لا ترتبط قلوبنا بالعالم وننسى أن لا راحة لنا إلا بفداء الأجساد. في هذا قال القديس أغسطينوس: “صالح أنت يا الله لأنك لو لم تمزج مرارة هذا العالم بسعادته لكنت نسيتك”. 2- حصاد «قَبْلَ أَنْ أُذَلَّلَ أَنَا ضَلَلْتُ»، «لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا» (مز119: 67؛ غل6: 7) إنه منطق تعلِّمه لنا الطبيعة؛ أن للزرع حصادًا. ألم يحصد يونان المعاناة في بطن الحوت بسبب عصيانه؟ ألم يحصد داود في أورشليم وفي جت وفي صقلغ؟ أوَ لم نحصد - أنا وأنت - من جراء خطايانا وأخطائنا؟ لذا حسنًا يحرِّضنا الرسول بطرس «فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ» ولاحظ أنه ابتدأ بما يعتبره الناس أحدى الكبائر، لكنه لا يُغفل ذكر التي نعتبرها الأصغر؛ فحتى للتداخل في أمور الغير حصاد! ثم يكمل «لأَنَّهُ الْوَقْتُ لابْتِدَاءِ الْقَضَاءِ مِنْ بَيْتِ اللهِ» (1بط4: 15-17)، الأمر الجدير بالاعتبار. إن أمانة الله تغفر للمؤمن خطأه بالاعتراف به، لكن حكومة الله العادلة لا تُبطل مبدأ الزرع والحصاد، وإن كانت نعمة الله تستخدمه لصالح القديس، بردِّه إلى موضعه. 3- اختبار «وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟» (تث8: 2) كانت نظرية الشيطان في مواجهة أيوب أن الله إذا كفَّ عطاءَه ورفع سياجه عن أيوب «فَإِنَّهُ فِي وَجْهِكَ يُجَدِّفُ عَلَيْكَ». ومن السهل تصديق هذا المنطق الكاذب. لكن الله يمتحن المؤمن بالتجربة، ويسير معه خلالها معضِّدًا، حتى يعلن نتيجة الامتحان للكلّ. إنه يُظهِر ما في قلب الإنسان، هل طاعته مبنية على المنفعة، أم أنه يطيع الله في كل الأحوال؟ في أصعب الظروف ظهرت طاعة إبراهيم، وتكريس دانيآل، وتقوى رفقائه، ومشاعر بولس، وقلب يوحنا. وهكذا ما زالت التجارب تُظهِر قلوب القديسين. 4- تشكيل «لأَنَّكَ جَرَّبْتَنَا يَا اَللهُ. مَحَصْتَنَا كَمَحْصِ الْفِضَّةِ: أَدْخَلْتَنَا إِلَى الشَّبَكَةِ، جَعَلْتَ ضَغْطًا عَلَى مُتُونِنَا، رَكَّبْتَ أُنَاسًا عَلَى رُؤُوسِنَا، دَخَلْنَا فِي النَّارِ وَالْمَاءِ؛ ثُمَّ أَخْرَجْتَنَا إِلَى الْخِصْبِ» (مز66: 10-12). تخرج المعادن الثمينة من الأرض مادة خام مختلطة بالشوائب، ولاستخدامها يجب تنقيتها. وهذه تستلزم عملية “التمحيص”، أي إدخالها في نار حامية ثم في ماء بارد. وقد يستلزم الأمر بعد ذلك بعض المعالجات الكيميائية. والمؤمن في عيني الله هو أثمن المعادن؛ لذا يقتضي الأمر إجراء نفس العمليات لتشكيله ليصبح نافعًا. فهناك زوائد فيه تحتاج للإزالة، كيعقوب الذي كان لا بد أن يُنزع منه اتكاله على ذاته. أو قد تكون نواقص لا بد من تكميلها، كإدراك التلاميذ لـ«من هو هذا» وسط هياج البحر. ففي وسط الظروف الصعبة نعلم من هو الإنسان، ونتعلَّم من هو الله. في نهاية تجربته، في يوم إعلان النتيجة، جَمَع أيوب الدَرسين معًا في قوله «قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ... وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ... بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ (نفسي أو ألومها) وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ» (أيوب42: 1-6). 5- لأجل البر «إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ. لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ. اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ. لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي» (يوحنا15: 18-21). في هذه الكلمات شرح الرب الأمر بوضوح؛ فالعالم الرافض لله، الرفض الذي ظهر في رفضه للمسيح، رافضٌ لأتباعه. لذا فـ«جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ» (2تي3: 12)، فتقواهم تظهر أكثر شر العالم. ولا يمكن لمؤمن إمساك العصا من المنتصف، أي أن يهادن عَالمًا رافضًا لسيده ويعيش أمينًا لهذا السيد المرفوض في الوقت عينه. تذكَّر يوسف، ودانيآل ورفقاءه، والتلاميذ في سفر الأعمال. 6- وقاية «وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ» (2كو12: 7-10). حسب حكمة الله، غالبًا ما تلزم الشوكة؛ لأن الوقاية خير من العلاج، ولأن القلب البشري في أفضل صوره ميّال للغرور والتفاخر بما أعطاه الله، كأن له فضلاً فيه! إنها تلزم للحفظ من آفات روحية مدمِّرة. وظهور عجز الإنسان ولا شيئيته هو المجال الأمثل لتجلي نعمة الله في حياة المؤمن، ففي وسط الظروف الضيقة، فقط، يمكنه أن يسمع قول الله «تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ» وله أن يجيب «فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ... لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ». 7- مجد «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كورنثوس 4: 17). كان استفانوس يتعرَّض لعنفٍ شَرس يمزِّق جسده، لكنه إذ حاز للحظات لمحات من المجد وهو يرى يسوع قائمًا عن يمين الله، فقد نسى الكل. لقد كان المجد هنا أقوى تأثيرًا من الضيقة؛ فما بالك والمجد الذي ينتظر القديسين ليس للحظات ولا لمحات، بل هو ثقل (أي لا يُحَدّ) وهو أبدي. سيهون علينا الضيق إذا نظرنا إليه على أنه استثمار عظيم للأبدية يحصِّله الله الحكيم لصالحنا. * * *قريبًا سينتهي المدمع.. قريبًا سنعرف كما عُرِفنا.. يومها سنسجد لذاك الذي أخرج من الجافي حلاوة، ووظَّف كل الأشياء لتعمل معًا لخير الذين يحبونه. وإلى ذلك اليوم لنا أن نهدأ؛ لأن في سفينة حياتنا ذاك الذي: بحكمة يفعل.. وبسلطان يتحكم.. وبحبٍ يقود. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لماذا يسمح الله بالألم؟ |
لماذا يسمح الله لنا بالألم ؟ |
لماذا يسمح الله لنا بالألم ؟ |
لماذا يسمح الله لنا بالألم ؟ |
لماذا يسمح الله بالألم للبشر؟ |