رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أغاني الليل «مِنْ كَثْرَةِ الْمَظَالِمِ يَصْرُخُونَ. يَسْتَغِيثُونَ مِنْ ذِرَاعِ الأَعِزَّاءِ. وَلَمْ يَقُولُوا: أَيْنَ اللهُ صَانِعِي مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ؟» (أي35: 9، 10) اعتادت أن تردد: ”إحنا ربنا مدلَّعنا“! قد تتساءل عما وهبها الله لكي تكرر جملة مثل هذه! إنها شابة شاحبة الوجه، تساقط كل شعرها- الذي كان يومًا حريريًا مهفهفًا - إثر العلاج الكيماوي لسنتين متصلتين، تملأ الكدمات الزرقاء يديها من آثار المحاليل الوريدية الكثيرة، وقد تغيَّر لون جلد ساقها اليمنى ليصير داكنًا شديد السمرة، تسير بصعوبة بالغة على عكازين قبل أن يُقعدها المرض تمامًا. غير أنها ظلت حتى النهاية: جلد وجهها يلمع، والبريق يشع من عينيها، وابتسامة جميلة لا تفارق ثغرها، لتؤكِّد صدق ما كانت تُصَرِّح به.كان مرضها غايةً في الندرة، لم يتعرف عليه الأطباء إلا في جامعة ”هارفارد“ بالولايات المتحدة، ولم تسجِّل أشهر المراجع الأمريكية إلا حوالي 100 حالة بدون أي علاج معروف. لم تسأل الله: ”اشمعنى أنا من دون كل البشر؟!“ لكنها كانت تردد كثيرًا: أنا ربنا ميزني وسط الملايين بهذا المرض. كانت واثقة من تمييز الله للأتقياء حتى بالتجارب!! وفي أوقات كثيرة كانت تشكر الله لأن هذا المرض أصابها هي ولم يُصب أحدًا غيرها. كثيرًا ما كانت الدموع تتساقط مدرارًا من عينيها من جراء الألم الرهيب، ولكن سرعان ما كانت ابتسامتها تُشرق مرة أخرى، حتى وإن أصابها الوهن الشديد. كم كان معزيًا أن تراقبها وهي تطلب من أحبائها مرة تلو الأخرى أن يرنموا لها - ما قد كُتب خصيصًا لأجلها- وهي تردد معهم: تخطيطك رائع لحياتنا من كل كلامك الصالح عارف إيه الأفضل لينا حاشا في يوم إنك تأذينا ولا يمكن أبدًا تغلط مش ممكن كلمة هتسقط كل حياتنا معاك في أمان كله لخيرنا مهما ان كان أو ترنم: قوم نزل عودك من ع الصفصاف قوم رنم تاني ... مانتاش وحداني إنها أغاني الليل ... قال إيليا أبو ماضي: ابتسم ولئن جرعت العلقما! فلعل غيرك إن رآك مرنما طَرَحَ الكآبة جانبًا وترنَّما ولكن ما السبيل إلى هذا يا أبا ماضي؟! كيف يمكن لمن تجرع العلقم، أن يرسم الابتسامة على وجه أضناه الألم؟ وكيف يمكن لمن اشتد ليله أن ينشد الأغاني؟! لا يزعمن أحد أن له في ذلك فضلٌ، إنها: أولاً: معية إلهية خاصة إن الوعد بالمعية الإلهية هو لجميع أولاد الله، ولكن هناك رفقة خاصة لمن يجتازون ليل الضيقات، فالوعد الكريم لهم: «مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقِ» (مز91: 15). فيا له من وعد كريم! هو للمتألمين أثمن من غنيمة وافرة، ألم يرافق الفتية في الآتون؟ ألم يُظهر ذاته بمجدٍ عظيم لاستفانوس إبان رجمه بالحجارة؟ ألم يرافق بولس وسيلا في السجن الداخلي، فتعالت صوت أغنياتهم في ظلمة الليل الحالك؟ إنه تمتع خاص بحضور إلهي مُميَّز لمن يجتازون طريق الآلام والأحزان. نعم؛ «قَرِيبٌ هُوَ الرَّبُّ مِنَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ» (مز34: 18). إن رفقته فقط هي ما يمكن أن تحول وادي البكاء إلى ينابيع الرجاء. ثانيًا: تعزيات إلهية خاصة هل عرف أحد لذة أرضية تدوم طويلاً؟ إن كل أنواع المتع التي يلهث الإنسان وراءها لا تزيد عن كونها ”فرحٌ إلى لحظة“. أليس هناك نوعٌ من المتعة أنقى وأبقى؟ بلي. إن عروس النشيد تكتب عن تمتعها بالحبيب «تَحْتَ ظِلِّهِ اشْتَهَيْتُ أَنْ أَجْلِسَ» (نش2: 3)؛ أو جلست في لذة وابتهاج، نشوة وبهجة إلى أقصى حد. ولمن يجتازون ليل الأحزان، هناك نصيب وافر من هذه التعزيات التي تلذذ النفس؛ نعم «عِنْدَ كَثْرَةِ هُمُومِي، فِي دَاخِلِي تَعْزِيَاتُكَ تُلَذِّذُ نَفْسِي» (مز94: 19). فيا له من نصيب كريم!! ثالثًا: نور إلهي خاص ربما يكون كل ما يحيط بنا هو ظلام دامس، ليس من جانب واحد، ولكن ظلمة أطبقت من جميع الجوانب «مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟»، أو من ليس له بصيصٌ من نور يحمل في طياته شعاعًا من رجاء؟ إن مَن أظلمت سبلهم، لهم الرجاء في بقية الآية: «فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلَهِهِ» (إش50: 10). ويا له من سند! إنه النور الذي نلتمسه في قلب الظلمة، فنستطيع أن نرنم: «لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُورًا» (مز36: 9). نورٌ ليس مبنيًا على حساباتنا واستنتاجاتنا وظنوننا، كما أنه ليس نورًا من آراء الناس واعتقاداتهم، فهذا وذاك قد يؤدي إلى «فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ» (إش50: 11)، ليس نور نارنا، أو الشرار الذي نحاول إيقاده، بل نوره هو، وهو حسبُنا. أخي المتألم: مهما كان خَطْبَكَ فدعني أذكرك بهذه الوعود: «مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي» (مز91: 15)، وأيضًا: «كَأَيَّامِكَ رَاحَتُكَ» (تث33: 24). |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|