رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
الفرح ... ما هو؟ الفرح هو تيار من المشاعر يتدفَّق داخل الكيان البشري في ظروف معيَّنة، يجعل الشخص يُحبّ اللحظة التي يحدث فيها هذا، ويتمنى استمراره. وهو رد الفعل الإنساني مع الأشياء المُحبَّبة والمرغوبة، سواء محسوسة أو مرئية أو مُدرَكة بالذهن. أفراح وهمية وأفراح حقيقية ما أدخلته الخطية من الحزن وأسبابه الكثيرة جعل الإنسان يسعى جاهدًا لإزالة الغَمّ الذي أحاطه، ويحاول ملء فراغه النفسي وشعوره بالخواء؛ فأصبح يبحث عن الفرح، بكل الطرق، للتعويض عن بؤس الخطية. الأفراد يبحثون والمجتمعات تبحث، والعالم أصبح ممتلئًا من الدعاية عن طرق اللهو والترويح عن النفس، وهناك قطاع كبير في الحياة مخصَّص للبحث عن هذه المتع وتجهيزها واستحضارها له، وتجديدها بين الحين والآخر حتى لا تكون مملة. والأفراح أنواع: 1. أفراح إنسانية مؤقتة متزعزعة فيها يفرح الإنسان بعطايا الله له: زوجة، أولاد، صحة، ممتلكات، مواهب. كما يفرح بإشباع احتياجاته الضرورية: أكل، شرب، جنس، قبول الآخرين له، علاقات اجتماعية. ويفرح باجتهاده وتحقيق طموحاته ونجاحه، وهذا حقه الشرعي؛ إلا أن جميع هذه الأفراح مؤقَّتة يتبعها مزيد من الشعور بالاحتياج. ولعل أقرب النماذج لهذا النوع من الفرح نجده في سليمان الملك، الذي أخذ من عطايا ومباهج الحياة أقصاها، وقرَّر أن يمتِّع نفسه حتى آخر الشوط منها، وعمل لنفسه ما لم يعمله آخر قبله أو بعده، مستخدمًا ما عنده من إمكانيات لم يكن لها نظير. إلا أن تقريره النهائي بعد كل هذا «ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ (يبعث على الانقباض والخواء)، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ!» (جا2: 11). وهذه هي النتيجة الحتمية لكل مَن يجعل الأفراح الإنسانية هدفه. 2. أفراح وهمية غير مشروعة عندما تسيطر رغبة اللذة على الإنسان، ويكون هدفه الحصول على الفرح بأي ثمن، وعندما لا تكفيه الوسائل الإنسانية المؤقَّتة والمشروعة التي أشرنا إليها، تدفعه هذه الرغبة إلى الوصول للفرح ولو بطرق غير مشروعة، حتى وإن جعله هذا يتخلى عن بعض القيم والمبادئ؛ فإلحاح رغبة الحصول على المتعة يكون أقوى في تأثيره من قوة الإدراك الروحي لخطورة ما يفعل. هذا ما حدث مع شمشون في تاريخه (قض14-16)، وهو ما أشار إليه الكتاب بالقول: «الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ الْخُفْيَةِ لَذِيذٌ» (أم9: 17). وهذا يحدث مع الكثيرين من علاقات، ومكالمات، ومناظر، وربما قرارات غير مشروعة تُمَارَس في الظلام بعيدًا عن الأعين. لكن هذه الأفراح ليست فقط وهمية لكنها أيضًا مُكلّفة جدًا «فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ» (أم23: 32). 3. الفرح الحقيقي هو تيار الفرح الذي يتدفَّق في كيان الشخص الداخلي الممتلئ والذي لا ينقصه شيء. هو الحالة المزاجية الدائمة للشخص، وهي تختبئ في كيانه الداخلي، تحت أي نوع من التفاعل الخارجي، سواء ابتسامات أم دموع، ينام الشخص ويستيقظ بها. ليست هي بالضرورة رد فعل لشيء مُفرح ظاهر، بل هي مبنية على إدراكٍ واعٍ ليقينيات ثابتة لا تتزعزع تملأ كيانه. وتجعل الروح مستقرة، وكل الكيان يتجاوب معها، فيقول: «قَلْبِي وَلَحْمِي يَهْتِفَانِ بِالإِلَهِ الْحَيِّ» (مز84: 2). كل سُحب الحياة وضبابها تعبر سريعًا ولا تزيلها. إنه حقيقة «اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ» (في4: 4). ينابيع الفرح الحقيقي واضح أن هذا الفرح هو فقط من نصيب المؤمن المسيحي الذي وُلِد من الله وقَبِل المسيح مخلِّصًا شخصيًا له، ومن وقتها تم فيه القول: «ذَهَبَ فِي طَرِيقِهِ فَرِحًا» (أع8: 39). هذا الفرح هو نفس نوع فرح المسيح الذي عاش به على الأرض «لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ» (يو15: 11). وبالتالي هو فرح سماوي في نوعه، فيه يتذوق المؤمن عيّنات من الأفراح التي ستغمره في السماء. المؤمن ليس مستودع لهذا الفرح، لكن المسيح هو المستودع، والمؤمن يحصل عليه على قدر حجم اتصاله بهذا المستودع غير المحدود. جميع عطايا الدنيا ومسرَّاتها بدون المسيح لا تأتي بهذا الفرح. وحرمان المؤمن من كل العطايا في الوجود، لا ينزع هذا الفرح، طالما أن المسيح آخذ مكانه في الحياة. بل حتى المرض والألم والظلم والحرمان أو التجارب المتنوعة، لا تعيق سريان هذا الفرح. لقد جُلِد التلاميذ قديمًا «أما هم فذَهَبُوا فَرِحِينَ» (أع5: 41). هذه الأشياء تمنع الأفراح الإنسانية المؤقَّتة العادية، لكنها لا تمنع فرح السماء. الأفراح الإنسانية يحاول الشخص الحصول عليها، ويتعب في طريق ذلك ويُنفق، أما هذا الفرح فهو يتدفق تلقائيًا في كيان المؤمن الروحي طالما المسيح أمام القلب، ويجدِّد القوة في كيان المؤمن «لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (نح8: 10). سبيكة الفرح عرفنا أن هناك ثلاثة أنواع من الفرح. فهل أفراح المؤمن هي من النوع الروحي الحقيقي فقط، ولا علاقة له ببقية الأفراح؟ المؤمن إنسان وله حياة إنسانية، وهذه الحياة تفرح بكل عطايا الله. ومَن مِن المؤمنين لا يفرح في نجاحه أو زفافه؟ لكن المؤمن فيه حياة الله، والمسيح في حياته هو محور الأفراح الحقيقية. كما أن فيه أيضًا الجسد، الذي يسعى أحيانًا لرغبات ممتعة، ليست بريئة. إذًا فأفراح المؤمن هي سبيكة من كل أنواع الفرح. ونسبة كل نوع مِن هذه الأفراح الثلاثة يتناسب مع حالته الروحية، ووجود المسيح أمام قلبه. كلما ارتفعت حالته وثبَّت عينه على المسيح، كلما زاد الفرح الروحي لديه، وبالتالي انخفضت بقية أنواع الفرح؛ والعكس صحيح. وعندما تسمو حالته فحتى أفراحه الإنسانية تكون مطبوعة بالطابع الروحي، ففي نجاحه لا يفرح فقط كإنسان نجح، بل أيضًا لأنه مؤمن مجد الله في نجاحه. كما يُسر في كل أموره الزمنية لأن الله هو الذي أعطاها له ويشكره عليها. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|