رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كيفية رؤية الله الحي
في الحقيقة أننا لن نستطيع ان نُبصر الله ونعاين نوره العظيم إن لم تُزال عن أعيُننا الغشاوة أولاً برفع البرقع الحاجز للنور؟ كما أنه لا يُمكننا أن نلتقي مع الله لقاء حقيقي إذا لم نفتح قلبنا لاستقباله!لأن القلب وحده المكان المخصص للقاء، وقد دلنا الرب يسوع بفمه الطاهر على الطريق الحقيقي السليم والصحيح لمعاينته ورؤيته الحقيقية، لأنه ينبغي أن نصغي إليه ولا نخترع طريق أو نُعين طريقة تعجبنا أو نُسر بها ونقول عنها أنها الطريقة الصحيحة، لأنه قال: طوبى لأنقياء القلب فأنهم يُعاينون الله (متى 5: 8)، فنقاوة القلب هو الطريق الوحيد للمعاينة حسب ما أظهر شخص ربنا يسوع لنا. لأن بدون نقاوة القلب وطهارة الضمير من المستحيل على أحد أن يُعاينه إطلاقاً، لأن في البدء كان آدم يرى الله عياناً بسبب بساطة طبيعته وقلبه الطاهر النقي، ولكن بدأ الهروب من الحضرة الإلهية حينما أخطأ فأحاطت الظلمة به وفقد بساطته الأولى ولم يعد قلبه طاهراً نقياً.فبدون القداسة ونقاوة القلب كيف يُعاين الإنسان الله، ومن منا لم يحاول – مُستميتاً – بكل أمانة وإخلاص أن يُنقي قلبه بكل طريقة يراها ممكنه، ولم يصل في النهاية إلا لطريق مسدود وقد فشل فشلاً ذريعاً حتى أنه اقتنع تماماً أن هذا الأمر مستحيل ولا يستطيع مهما ما كانت إرادته وإمكانياته أن يصل لهذه النقاوة التي قصدها الرب في كلمته!! نعم فلقد حاول الإنسان عَبر التاريخ الإنساني كله، أن يعود إلى نفسه ويُنقي قلبه ويغسل ضميره المتعب، لكي تعود له الصورة الأولى من البراءة والحُرية التي كانت متجذرة في طبيعته حسب الخلق، ولكنه ازداد ضلالاً وصار من تيه لتيه متغرباً عن الله، ومن ضعف لموت، إذ أنه حينما عاد إلى نفسه، عاد بمعزل عن خالقه، وحاول أن يُصلح نفسه بنفسه بكثرة من الأعمال الحسنة لكي يُرضي الله الذي وضع معرفته في فكره حسب ما توصل إليه من معلومات وأفكار جمعها من هنا وهناك، فصار إلى ضلالٍ أشد وابتعد جداً عن الحضرة الإلهية، لأن ما يجمعه الإنسان عن الله ويضع لهُ صورة معينه في عقله لكي يصل إليها، فهي تُعتبر الوثنية عينها، لأنه حاول أن يصل للإله المُصنع في فكره الشخصي، أي إله المعلومات القانع بها عقله والمرتاح لها قلبه، وليس الله الحي الذي يُعلن عن ذاته شخصاً حياً وروحاً مُحيياً؛فالنفس الميتة المُتغربة عن الحضرة الإلهية، لا تستطيع أن تدخل وترتفع للحي القيوم لأنها لا تقدر أن تقوم من تلقاء ذاتها وتستنير بقدراتها، لأننا لم نرى ظلمة تتحول للنور والنور غائب عنها، وأيضاً لم نرى ميتاً يموت ويفسد ثم يقوم من تلقاء ذاته ويحس ويشعر بالحياة مرة أُخرى!!! لأن هذا مستحيل مهما ما صنعنا له، بل ومهما ما وضعنا عليه أغلى العطور وأثمنها، بل وحتى لو تم تحنيطه في ناووس من الذهب والفضة والحجارة الكريمة، فهكذا هي أعمالنا، لأنها هي التابوت الخارجي الجميل الذي يحوي ممات نفوسنا الشقية في داخله، المتسلط عليها الموت، كقبور مُبيَّضة من الخارج ومن الداخل مملوءة عفونة وعظام نخرة يأكلها الدود وتعود للتراب التي أُخذت منها. ولكن الحل الوحيد الحقيقي أن اللوغوس الرب الحي من السماء أتانا من فوق مُتجسداً: والكلمة صار جسداً وحل فينا (حسب النص اليوناني) (يوحنا 1: 14)، فلقد عَبَرَ المسيح كلمة الله المتجسد الفجوة الهائلة التي أُنشأت بين الإنسان وإلهة مصدر حياته ووجوده، أي انه عَبر الفرقة والعُزلة التي بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان والله، فقد وَحَدَّ الكل في نفسه مع الله، لذلك فمنذ التجسد الإلهي لم يعُد الإنسان يُعرف بمعزل عن الله، ولا الله بمعزل عن الإنسان، لأن الكلمة اتخذ جسداً، أي انه اتحد بجسد إنسانيتنا اتحاداً حقيقياً لا يقبل الشك، بل اتحاداً لا انفصال فيه (لحظة واحدة ولا طرفة عين) أي اتحاداً أبدياً غير متغير، إذ أنه مجده بالقيامة وصعد به وجلس به عن يمين العظمة في الأعالي.وهذه الحقيقة التي أُعلنت لنا في الإنجيل ليست فكرة نفرح بها، أو معلومة نحفظها كدراسة، ولكننا نحتاج إليها بشدة كواقع نعيشه، أي نُريد أن تتحقق فينا فعلياً، أي نتذوقها على المستوى العملي، وذلك بقبولنا سرّ التجسد الإلهي على مستوى إيمان الخبرة الواقعية التي فيها نتحسس موضعنا فيه، لأننا لن نرتاح أن لم نجده فينا ساكناً ونحن به ملتصقين التصاقاً، فنكون معهُ روحاً واحداً (1كورنثوس 6: 17) لأن ما معنى أن الكلمة صار جسداً وحل فينا ورأينا مجده، أن لم ندخل في هذا السرّ العظيم الذي للتقوى (عظيم هو سرّ التقوى الله ظهر في الجسد – 1تيموثاوس 3: 16)، فنحن لا نتذوق سرّ التقوى الحقيقي إلا من خلال تجسد الكلمة فقط، وتجسد الكلمة بالنسبة لنا = الاتحاد بالله وحياة الشركة، لأن الرب نفسه طلب لأجلنا وأعلنها بوضوح قائلاً: ليكون الجميع واحداً كما انك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم انك أرسلتني؛ وعرفتهم اسمك وسأُعرفهم ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم (يوحنا 17: 21، 26)، فهذه هي مشيئته وتدبيره الخاص أنه يكون فينا ونحن فيه، لأن هذا هو سر التدبير كله وغاية التجسد.وبالطبع قبول تجسد الرب والإيمان به ليس هو مجرد إقرار شفتين أو قبول الفكرة في ذاتها، بل هو قبول تحولنا إلى صورة الابن بالروح القدس الذي يعمل في داخلنا سراً ويُعيد تشكيلنا داخلياً: وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ (2كورنثوس 3: 18)، أي هو قبولنا لصبغة المسيح الرب وتحقيقها فينا بمعموديتنا التي تتجدد فينا بالتوبة الذي يحركنا إليها الروح القدس لكي يهيأ أوانينا ويقدسها ليُغيرنا على صورته هوَّ وهذه هي القداسة عينها وحالة النقاوة. ومعموديتنا هي بالطبع قبولنا مسحة يسوع التي تجعلنا منتسبين إليه لكي يقودنا الروح القدس إلى البرية، وإلى الجلجثة مع شخصه القدوس، بل وإلى القبر لنموت معه عن إنسانيتنا القديمة عملياً، وندخل في سرّ قيامته، وهي قيامة النفس التي هي القيامة الأولى، وننتظر بسهر على حياتنا خاضعين للنعمة مستعدين للقيامة الثانية والأخيرة، قيامة الجسد وتمجيده وإعلان فداءه.ومن صميم هذه العلاقة الجديدة في المسيح الرب نتذوق خبرة حضور الله الشخصي والخاص جداً في أعماق القلب من الداخل سراً، ومن هُنا نُدرك سرّ كرامتنا في المسيح، ويقول القديس مقاريوس الكبير: أعرف أيها الإنسان سموك وكرامتك وشرفك عند الله، لكونك أخاً للمسيح (من جهة أنه اتخذ بشريتنا مقراً لهُ متحداً بها اتحاد لا يقبل الافتراق ولا للُحيظة واحدة قط)، وصديقاً للملك، وعروساً للعريس السماوي، لأن كل من استطاع أن يعرف كرامة نفسه، فأنه يستطيع أن يعرف قوة وأسرار اللاهوت، وبذلك ينسحق ويتضع أكثر (عظة 27: 1) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
رؤية آيات اعمال يسوع هي بلوغ الحد الأقصى في الايمان |
الإيمان رؤية استعلان مجد ابن الله الحي |
الوقاية من سرطان الثدي كيفية الحد من خطر الإصابة |
رؤية الله و رؤية الناس |
كيفية علاج الأكياس الزلالية فى اليد؟ |