حكى جون هجاي في كتابه Lead On عن القيادة الروحية الرشيدة، تلك القصة الواقعية:
في عام 1945 تجمع آلاف القادة الدينين العالميين في أكبر كنيسة بولاية فلوريدا،
بينما كان المئات يتزاحمون في الخارج لسماع الخادم الشاب ذائع الصيت بورن كليفورد. وقدمه للسامعين الخادم الوقور م. ي .
دودد قائلاً: سيتحدث إلينا اليوم بورن كليفورد، وفي رأيي أنه أعظم واعظ بعد الرسول بولس.
اعتلى كليفورد المنبر وتحدث بثقة وقد صار سماع المديح أمراً طبيعياً بالنسبة له. وفي نفس العام، دُعي كليفورد ليتحدث لطلبة جامعة بايلور،
فتجمع آلاف الطلبة لسماعه، وأمر رئيس الجامعة بفصل كل الأجراس بالقاعة حتى لا تسبب إزعاجاً لكليفورد،
الذي ظل يعظ بدون انقطاع، لأكثر من ساعتين، عن المسيح وعثرة الفلسفة. أثَّر كليفورد في الكثيرين،
وكان أكثر شهرة من أي رجل دين في هذه السن في تاريخ أمريكا، حتى أن القادة و حكام الولايات كانوا يتهافتون على التعرف به.
وكان دائماً أنيق المظهر، وموضع إعجاب الجميع، حتى أن هوليود دعته لتقييم فيلمها "رداء مارسيلوس".
و بدا للجميع وقتها أنه لن ينزل عن القمة أبداً. لكن لم تمر عشرة أعوام حتى كان بورن كليفورد قد فقد خدمته!
فلقد فقد عفته وأدمن الكحوليات وتدهورت صحته. وعاش كليفورد أيامه الأخيرة وحيداً بعد أن ترك زوجته وطفليه.
وبحث عنه الخادم كارل باتيس حتى وجده في حجرة حقيرة بفندق من الدرجة الثالثة وهو يحتضر لإصابته بتليف الكبد.
وكان قد ترك عمله الجديد كبائع متجول لشدة مرضه. مات كليفورد وهو لم يتجاوز الخامسة و الثلاثين، غير مأسوف عليه،بلا كرامة، بدون جنازة.
وجمع بعض الخدام مبلغاً من المال اشتروا به أرخص تابوت ووضعوا فيه جثمان كليفورد ودفنوه في مقبرة للمشردين.
قد تتساءل عن الداعي لمثل هذه القصة المأساوية في كتاب عن التكريس!
الغرض من القصة هو التحذير من التراخي وعدم التكريس في حياة المؤمن.
إن قصة كليفورد تعيد إلى الذاكرة قصة شمشون وقصة لوط؛ فما أخطر التهاون وعدم التكريس!
لقد بدأ لوط حياته مع إبرام رجل الإيمان، وبالرغم من أن لوط كان مؤمناً حقيقياً،
إلا أنه لم يعِش حياة التكريس. وفيما يلي بعض خسائر لوط التي تبين خطورة عدم التكريس،
والتي أصابته نتيجة حياته في سدوم التي ترمز للعالم (رؤ8:11) وبسبب شهواته. لقد خسر لوط:
مشيئة الله:
فرفع لوط عينيه ورأي..فاختار لوط لنفسه (تك 10:13-12) بالمفارقة مع (رو1:12-2)
شركة المؤمنين: ونقل خيامه إلي سدوم وكان أهل سدوم أشراراً وخطاة لدي الرب جدا (تك12:13)
المذبح والصلاة: فبعد اعتزال لوط، بنى إبراهيم مذبحاً للرب (تك18:13). ولم نسمع أن لوط بنى مذبحاً.
الحرية: إذ سباه كدرلعومر مع أملاكه ونسائه (تك12:14و16) (يو34:8وعب14:2-16)
البركة: فحُرم من مقابلة ملكي صادق ومن بركته (تك 19:14) يو21:14-23)
العطاء: فأعطاه (إبراهيم) عشراً من كل شيء (لملكي صادق) (تك20:14) لكن لوط فقد العطاء.
التعفف: فإبراهيم رفض أن يأخذ شيئاً من ملك سدوم (تك22:14). ولم نسمع ذلك عن لوط.
الرؤيا السماوية: تمتع إبراهيم برؤيا رائعة (تك15). ولم نسمع ذلك عن لوط.
الزيارات الإلهية:
زار الرب إبراهيم مع ملاكين (تك18). أما لوط فقد زاره ملاكان فقط، ودخلا بيته بعد إلحاح منه (تك3:19)
التمييز الروحي: سجد لوط للملاكين وقال لهما: ميلا إلي بيت عبدكما (تك1:19و2)، خلاف إبراهيم الذي،
برغم زيارة ثلاثة رجال له، إلا أنه وجَّه حديثه للرب فقط وقال له يا سيد (تك3:188)
الإحساس بدفء العائلة والأهل: ترك لوط الخيام وجلس على باب سدوم، وتحدث كثيراً عن بيته (تك2:19)
الكرم: قارن ما قدم لوط إذ خبز فطيرا (تك3:19) بما قدم إبراهيم (تك6:18-8)
الحماية: ظن أن الحماية في البيت وليست في الخيمة، و لكن لم يحمِه البيت (تك14و9:19)
الكرامة: قالوا: "جاء هذا الإنسان ليتغرب وهو يحكم حكما الآن نفعل بك شراً أكثر منهما" (تك10:19)
المبادئ: إذ قال:"هو ذا لي ابنتان لم تعرفا رجلاً أخرجهما إليكم فافعلوا بهما ما يحسن في عيونكم"(تك8:19)
التأثير: كان كمازح في أعين أصهاره (تك14:19)
كل ممتلكاته: ولما توانى أمسك الرجلان بيده و بيد امرأته و بيد ابنتيه لشفقة الرب عليه وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة (تك17:19)
زوجته: ونظرت امرأته من ورائه (لاحظ ليس من ورائها ) فصارت عمود ملح (تك26:19)
الأمان: لأنه خاف أن يسكن في صوغر (تك30:19).. وفي الغالب أنه أصيب بأمراض نفسية.
شرفه وابنتيه: (تك31:19-37)
الشهادة: فكلما يُذكَر مؤاب وعمون تُذكَر حياة لوط وانطفاء شهادته (تك32:19-33)
الفرح والراحة:
لوط البار مغلوباً من سيرة الأردياء..يعذب يوماً فيوماً نفسه البارة بالأفعال الأثيمة (2بط7:2).
أما شمشون، ذلك البطل النذير من بطن أمه،
فماذا حصد من كسر مبادئ التلمذة والتكريس؟ لم يكن حاله أفضل من لوط!
وهذه نظرة على نهاية حياة شمشون وخسائر عدم التكريس (قضاة16: 16-30)
هُزِم بالإلحاح:
وَلَمَّا كَانَتْ تُضَايِقُهُ بِكَلاَمِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَأَلَحَّتْ عَلَيْهِ, ضَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَوْتِ, فَكَشَفَ لَهَا كُلَّ قَلْبِهِ,
وَقَالَ لَهَا: "لَمْ يَعْلُ مُوسَى رَأْسِي لأَنِّي نَذِيرُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّي, فَإِنْ حُلِقْتُ تُفَارِقُنِي قُّوَتِي وَأَضْعُفُ وَأَصِيرُ كَأَحَدِ النَّاسِ" (قض16:16-177).
اَلْبَطِيءُ الْغَضَبِ خَيْرٌ مِنَ الْجَبَّارِ وَمَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً (أم16: 32). مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ وَلِسَانَهُ يَحْفَظُ مِنَ الضِّيقَاتِ نَفْسَهُ (أم21: 22و23)
بيع بيد امرأة: وَلَمَّا رَأَتْ دَلِيلَةُ أَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَهَا بِكُلِّ مَا بِقَلْبِهِ, أَرْسَلَتْ فَدَعَتْ أَقْطَابَ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَقَالَتِ: "اصْعَدُوا هَذِهِ الْمَرَّةَ فَإِنَّهُ قَدْ كَشَفَ لِي كُلَّ قَلْبِهِ".
فَصَعِدَ إِلَيْهَا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ وَأَصْعَدُوا الْفِضَّةَ بِيَدِهِمْ (قضاة18:166)
أذلته دليلة: وَأَنَامَتْهُ عَلَى رُكْبَتَيْهَا وَدَعَتْ رَجُلاً وَحَلَقَتْ سَبْعَ خُصَلِ رَأْسِهِ, وابْتَدَأَتْ بِإِذْلاَلِهِ, ودليلة اسم عبري قد يكون معناه "مدلَّلة أو صاحبة الدلال" أو "معشوقة"،
وهي ترمز للعالم و ما يعمله في المكرس النذير إن أحبه: "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ.
إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ. لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ.
وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ" (1يوحنا2: 15-17)
فَارَقَتْهُ قُّوَتُهُ: التكريس وسيلة هامة للقوة الروحية و عدم التكريس يحزن الروح القدس (أفسس4: 30).
والروح القدس مصدر القوة فمكتوب: "لَكِنَّكُمْ سَتَنَالُونَ قُوَّةً مَتَى حَلَّ الرُّوحُ الْقُدُسُ عَلَيْكُمْ وَتَكُونُونَ لِي
شُهُوداً فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أعمال1:8)
و من ضمن أسماء الروح القدس أنه روح القوة" (إشعياء11: 2)
فقد التمييز الروحي:
"وَقَالَتِ: "الْفِلِسْطِينِيُّونَ عَلَيْكَ يَا شَمْشُونُ". فَانْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ وَقَالَ: "أَخْرُجُ حَسَبَ كُلِّ مَرَّةٍ وَأَنْتَفِضُ" وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَارَقَهُ! (قض20:166).
فمكتوب: لأَنَّ عِنْدَكَ يَنْبُوعَ الْحَيَاةِ. بِنُورِكَ نَرَى نُوراً. أَدِمْ رَحْمَتَكَ لِلَّذِينَ يَعْرِفُونَكَ وَعَدْلَكَ لِلْمُسْتَقِيمِي الْقَلْبِ (مزمور36:9-11)
الشمس صار ظلاماً: فَأَخَذَهُ الْفِلِسْطِينِيُّونَ وَقَلَعُوا عَيْنَيْهِ (قض21:16). معنى اسم شمشون هو شمس ولكن في عدم تكريسه صار ظلاماً.
قال الرب يسوع: "أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَلٍ وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجاً وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ
فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متى5: 14-16)
سُبِي: وَنَزَلُوا بِهِ إِلَى غَّزَةَ. ما أخطر أن يُسبى المكرس بالعالم: "سَمِعَ اللهُ فَغَضِبَ وَرَذَلَ إِسْرَائِيلَ جِدّاً
وَرَفَضَ مَسْكَنَ شِيلُوهَ الْخَيْمَةَ الَّتِي نَصَبَهَا بَيْنَ النَّاسِ." (مزمور78: 58-611)
أَوْثَقُوهُ بِسَلاَسِلِ نُحَاسٍ: ما أمرَّ أن يقيَّد النذير بالعالم: "لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَجَنَّدُ يَرْتَبِكُ بِأَعْمَالِ الْحَيَاةِ لِكَيْ يُرْضِيَ مَنْ جَنَّدَهُ" (2تيموثاوس4:2)
كَانَ يَطْحَنُ فِي بَيْتِ السِّجْنِ: ما أقسى هذه النتيجة، فالوضع انقلب؛ صار النذير والقاضي يطحن لإشباع شهوات هؤلاء الأشرار!
صار مجداً للأوثان:
وَأَمَّا أَقْطَابُ الْفِلِسْطِينِيِّينَ فَاجْتمعوا ليذبحوا ذبيحة عظيمة لداجون إلههم و يفرحوا وقالوا قد دفع إلهنا ليدنا شمشون عدونا.
و لما رآه الشعب مجدوا إلههم لأنهم قالوا قد دفع إلهنا ليدنا عدونا الذي خرب أرضنا وكثَّر قتلانا (قض23:16-24).
فبدلا من أن يكون لمجد الله كما هو مكتوب: فَإِذَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ أَوْ تَشْرَبُونَ أَوْ تَفْعَلُونَ شَيْئاً فَافْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ لِمَجْدِ اللهِ (1كو10: 31) صار النذير لمجد داجون!
يلعب للتسلية: و كان لما طابت قلوبهم قالوا ادعوا شمشون ليلعب لنا. فدعوا شمشون من بيت السجن فلعب أمامهم (قض25:16).
ما أرهب الخطية في حياة المكرس الجبار! حقا أن الخطية طَرَحَتْ كَثِيرِينَ جَرْحَى وَكُلُّ قَتْلاَهَا أَقْوِيَاءُ (أم7: 26-277).
مات مع الأعداء: وقال شمشون لتمُت نفسي مع الفلسطينيين (قض30:16). مات تحت التأديب.
وبالطبع وصل للسماء ولكن في نهاية مؤسفة كما هو مكتوب: مِنْ أَجْلِ هَذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ.
لأَنَّنَا لَوْ كُنَّا حَكَمْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا لَمَا حُكِمَ عَلَيْنَا وَلَكِنْ إِذْ قَدْ حُكِمَ عَلَيْنَا نُؤَدَّبُ مِنَ الرَّبِّ لِكَيْ لاَ نُدَانَ مَعَ الْعَالَمِ.(1كورنثوس11: 30-32)
الدرس في عبارة واحدة :
التكريس حتمي في حياة المؤمن لأن عدم التكريس مخاطرة رهيبة.
صلاة:
يا من كرست ذاتك لي عندما صليت لله ابنا قائلا:
"قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ.كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ
وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضاً مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ.
" احفظني يا رب حتي يوم مجيئك مكرساً لك وليس لسواك. آمين