رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
بين شخصيّات العهد الجديد كلّها، وحده اللصّ المصلوب تجرّأ ونادى يسوع باسمه فقط من دون أيّ لقب: "يا يسوع، أذكرني في ملكوتك" (لوقا 23: 42). غيره ناداه: "يا معلّم"، "رابّي"، "المسيح"، "ابن الله"... ومن امتيازات هذا اللصّ أيضًا في إنجيل لوقا، أنّه كان آخرَ شخصٍ بشريّ يتكلّم معه يسوع قبل موته على الصليب. من بعده، لن يتكلّم يسوع إلاّ مع أبيه: "يا أبتِ، بين يديك أستودع روحي" (لو 23: 46). يبدو أنّ لنا دالّة على قلب الربّ، وإن كنّا خطأة؟! - لم يعلم جنودُ رئيس الكهنة الذين كانوا يضربون يسوع ويسخرون منه قائلين "تنبّأ"، أنّ إحدى نبوءاته تتحقّق في الوقت عينه الذي كانوا يضربونه فيه: في الأسفل، كان تلميذه بطرس ينكره ثلاث مرّات، تمامًا كما سبق وأنبأ (مرقس 14: 65). الربّ يبقى سيّد آلامه! - برأبّا، المجرم الذي طالب الشعبُ بإطلاقه عوضًا من يسوع، اسمه أيضًا "يسوع"، حسبما نقل إلينا القدّيس متّى (متّى 27: 16). كان على الشعب إذًا أن يختار بين "يسوعَين": يسوع المسيح ابن الآب ويسوع برأبّا "ابن الأب" (اسم برأبّا في الآراميّة يعني: "ابن الأب"). هوذا اختيارنا على المحكّ: فلنختر يسوع الحقيقيّ! - لا وجود للقدّيسة فيرونيكا في أناجيل الآلام، وبالتالي لا وجود لمسحة وجه يسوع المتألّم. إنجيل لوقا يتكلّم بالأحرى على نسوةٍ من أورشليم بكين على يسوع لمّا رأينه يحمل صليبًا ويتوجّه نحو جلجلة العذاب: "وتبعه جمع كثير من الشعب، ومن نساءٍ كنَّ يضربن الصدور، وينحن عليه. فالتفت يسوع إليهنّ وقال: يا بناتِ أورشليم، لا تبكين عليّ، بل ابكين على أنفسكنّ وعلى أولادكنّ" (لوقا 23: 27-28). قصّة فيرونيكا هذه أتت نتيجة تقاليد شعبيّة تقويّة تناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، استلهمت مشهد لوقا عن نسوة أورشليم وأدخلتها ضمن رتبة "درب الصليب" المنتشرة كثيرًا في الغرب المسيحيّ. أمّا اسم فيرونيكا، فقد يكون مشتقًّا من اسم Vera Icona ومعناه "الأيقونة الحقيقيّة"، أو "الأيقونة غير المصنوعة بيد"، وهي من التسميات التي أُطلقت على صورة وجه يسوع، التي يُعتقد أنّها هي نفسها صورة كفن تورينو الذي كان يُطوى قديمًا أربع طيّات، فلا يرى الناس منه سوى صورة وجه ذاك الرجل المتألّم الظاهر على القماش. قصّة هذه الصورة نجد جذورها في التقليد السريانيّ، وبالتحديد في أسطورة قديمة تخبر أنّ الملك أبجر الخامس ملك الرها (حاليًّا في تركيّا)، بعث رسالةً إلى يسوع يطلب منه فيها أن يأتي ويشفيه من مرض البرص. فأجابه يسوع خطّيًّا واعتذر عن القدوم وبعث إليه رسولاً بدلاً منه. ولمّا مات يسوع وقام، هرّبَ الرسل الكفن إلى الرها، فاحتفظ به الملك وطواه أربع طيّات فصار بحجم المنديل ولم يُرَ منه سوى شكلَ الوجه. في نهاية المطاف، ما هي "الأيقونة الحقيقيّة" لوَجهِ يسوع؟ هي كلّ مؤمن يتبع يسوع ويحمل كلّ يومٍ صليبه مثله! - في الأناجيل لم يقع يسوع ولا مرّة تحت صليبه. لا تذكر الأناجيل إلاّ قصّة سمعان القيرينيّ الذي سخّره الرومان ليحمل صليب يسوع (متّى 27: 32)، أو ليساعده في حمله من "الخلف" (لوقا 23: 26). هذا الخطأ مصدره أيضًا رتبة "درب الصليب" الشعبيّة. أضف إلى ذلك أنّ الدراسات الحديثة أشارت إلى أنّ يسوع لم يحمل الصليب بكامله بعارضتَيه الأفقيّة والعاموديّة، كما تصوّر لنا ذلك بعض الصور التقويّة، بل فقط العارضة الأفقيّة. أمّا تلك العاموديّة فكانت تظلّ ثابتة في مكان الصلب، لتعذُّر حملها بسبب ثقلها، ورغبة في اختصار الوقت في عمليّة الصلب. وفي بعض الأحيان كانت تستعمل لأكثر من شخص، سعيًا وراء التوفير في قطع الخشب. يسوع لم يقع تحت صليبه صحيح، لكنّ خطاياي قد تكون عليه أثقلَ من الصليب الخشبيّ، يقع تحتها مرّة ومرّتين وثلاث...! - من الأخطاء الشائعة أيضًا الكلام على "لصّ اليسار". في الأناجيل لا وجود لأي تصنيف بين لصّ "اليمين" ولصّ "اليسار". الإنجيل يتكلّم فقط على لصَّين "أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال" (لوقا 23: 33)، أيّ أنّ يسوع صُلبَ بينهما. وعندما ذكر لوقا أنّ واحدًا من هذين اللصَّين كان يعيّر يسوع، لم يقل إنّه لصّ اليسار، ولا على الذي قال "أذكرني يا يسوع إذا جئتَ في ملكوتك" (لوقا 23: 42) إنّه لصّ اليمين. اللصّان إذًا موجودان، ولكنّ تصنيف الصالح على أنّه لصّ اليمين، والسيء على أنّه لصّ اليسار، فهذا ما لم يقله الإنجيل. هذا التصنيف جاء من الإيجابيّة التي يعطيها الناس عادةً لجهة اليمين (تذكّروا أنّ الجلوس عن اليمين هو رتبة شرف وعظمة) ومن السلبيّة التي تُعطى لجهة اليسار. أذكرني أيّها الربّ، كما ذكرتَ اللصّ في ملكوت السماوات! - نُنهي بمريم. أين مريم؟ أينها يوم القيامة؟ تغيب في النصوص: لا عند القبر الفارغ هي، ولا مع الرسل في العلّيّة عندما تراءى يسوع لتلاميذه. غابت، فاحتلّت مريم الأخرى مكانها: مريم المجدليّة "وأخواتها". أليس من المفترض أن تدّلج إلى القبر فجرًا معهنّ، أو بالأحرى هنّ معها، ليطيّبن جسد الربّ المدفون؟ لتطيّب ابنها، أو على الأقلّ لتزور قبره في اليوم الذي يلي موته (على حسب عادة الشرقيّين). أليس بالحريّ أن يتراءى القائم أوّلاً لأمّه من بعد انبعاثه من الموت، ومن ثمّ للباقيات والباقين من أتباعه؟ تُرى ألم يتمزّق فؤادها ألمًا لمّا رأته على الصليب معلّقًا، مائتًا بلا نسمة؟ ألم تحتج بالتالي لأن تكون أوّل من يتعزّى، ومن تطرب وتهلّل لقيامة وليدها، كما نرنّم يوم الفصح؟ غياب مريم يوم القيامة فضيحة في الشكل. غير أنّه في العمق، روعةٌ في الإيمان. لم تأتِ القبر لتطيّب ابنها كي توفّر على نفسها مفاجأة الحجر المدحرج واللفائف المنحلّة. غيرها أتى لأنّه اعتقد أنّ يسوع مات وشبع موتًا. النسوة أتين وبيدهنّ الأطياب، لظنّهنّ أنّ الوفاء لميت عزيز هو شيمة ما بعدها شيمة. غير أنّ مريم هي غير ذلك. لم تأتِ لأنّ وفاءها في غير مكان، وإيمانها أبقاها في مكانها. من حيث كانت، آمنت بأنّ الطيب لن ينفع، والوفاء في لحظة كهذه ينقلب قلّة إيمان، قلّة إيمان بما سبق ابنها وأعلنه: "في اليوم الثالث أقوم". لم تأتِ ولم تُذكَر لأنّ ابنها قائم مسبقًا في قلبها ووجدانها، وإن رأته ميتًا قبل يومين. لم تأتِ، لأنّ القيامة حدثت فيها يوم الصلب حتّى. "يا امرأة، هذا ابنك"، قال لها ابنها من على الخشبة (يوحنّا 19: 26). في تلك اللحظة، لا بكاء ولا نحيب على وجهها. ولا دموع في عينها. مريم لم "تكفّ البكاء"، لأنّها أصلاً ما بكيت. "كانت واقفة" تحت صليب ابنها. شاركته الانتصار بوقوفها. في تلك اللحظة أيقنت أنّها لم تَعد أمًّا لذلك الابن المصلوب وحسب، بل غدت امرأة "فوق نساء العالمين"، تلد البنين تلو البنين لذلك الابن الأكبر والأوّل. "... وأنتِ يا نقيّة، اطربي بقيامة ولدك الأب ميلاد الجاويش |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|