تعجبتُ عندما دعاني لحضنه مرة أخرى، بعد كل ظلامي وعنادي له رأيته يدعوني ولم ييأس، يدعوني وأنا المُتمسّك بالموت كمن وجد كنزاً يأبى أن يفرّط فيه.. وها هو من جديد يقرع باب قلبي العنيد منتظراً الرد..
في البداية لم أعلم بمَ أرد وبمَ أتكلم، فقد تماديتُ في ظلامي حتى اعتدتُ طعم الموت، ولا أعلم حقاً هل من شفاء لتلك الحالة ؟ ولكنّي لا أقدر أن أنكر اشتياقي له وللحياة معه؟ وها أنا أتعجب من دعوته مرة أخرى.. ألا يعلم الحالة التي وصلت لها؟ ألا يستطيع أن يكشف ظلام قلبي المُعتم؟
ظللتُ هكذا تائهاً قليلاً لا أعلم بمَ أجاوبه، وبعدَ فترة من الصمت منه ومني، قررت أخيراً أن أُعلمه بما يجول بخاطري من شكوك ويأس من جهة حالتي، وأترك له حق الإختيار.. إما أن يأتي ويُصلح الحال كما أراد، أو يبتعد ويُكمل طريقه لشخص آخر يستحق الحياة أكثر مني.
وقبل أن أُجيب دعوته بكلمة، سألته بكل خجلٍ قائلاً: "ياسيدي.. هل حقاً تريد رجوعي؟ هل أنت واثق من دعوتك هذه؟ ألا تعلم الى أي مدى وصل بيّ الحال؟ وهل يُمكنك حقاً اذا اقتربت أن تُخرج من موتي شئٌ صالح؟ هل يمكنك أن تعيد فيّ الحياة بعدما أنتنتُ سنيناً وسنين؟ "
أما هو فظلّ مُستمعاً حتى انتهيت، وبكل هدوء إبتسم لي كعادته وقال: " أنت تعلم يابنيّ أن الكل عندي مستطاع، وتعلم أني لم أحب مثلك منذُ تصورتَ في ذهني قبل أن آتي بك إلى الوجود. وتعلم أيضاً أني لن أيأس في بحثي عنك حتى تعود إلى حضني، وأنا أعرف أنك ستفعل.. لأني أثق بك، ليس لشئ إلا لأنك إبني، و صورتي مازلتُ أراها فيك.
هذا عنّي، أما عنك فأريد أن أسألك.. أيمكنك أنت أن تثق بي هذه المرة؟