أنا عندي مشكلة في الفهم، مش قادر أفهم مشكلة الألم، وهل الله يتألم لآلامنا، هل يشترك في الألم أم لا يتألم لأنه منزه عن ذلك، سمعت كلام كتير من هنا وهناك، هناك رفض تام بأن الله يتألم، البعض بيتخذ اتجاه معاكس، أنا مش فاهم ومش عارف ايه الموضوع وازاي استوعبه مش مجرد كلام انا عايز حاجة تشبعني انا مش حاجة اعرفها لأني زهقت من المعرفة والجدل والمناقشات؟
_____ الإجابة _____
في الحقيقة أن مشكلة الألم في الكتاب المقدس = لا إجابة، لأنك لو نظرت لحالة أيوب مثلاً ستجد انه دخل في معضلة الألم وتسائل على مدى السفر كله عن هذه المشكلة وكل من حوله لم يستطع أن يعطيه إجابة شافيه تُشبعه وتريح قلبه لأنه لا يوجد إجابة فعلاً، ولكن في النهاية خرج بنتيجة واحدة فقط وهي خبرة رؤية الله لأنه قال: بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي (أيوب 42: 5)
وفي الواقع الروحي واللاهوتي ليس كل سؤال ينبغي أن تتم إجابته إجابه نموذجية لتُريح عقل وفكر الإنسان، فهناك أمور لا يستطيع إنسان أن يدرك مداها أو يفسرها ويشرحها ويُجيب عنها، بل بالعكس بيبرهن في تلك الساعة عن أن هناك جهل بسبب ظلمة موجوده في ركن معين من جهة انفتاح المعرفة الكاملة في كل شيء، لأن مشكلة الناس أنها تظن أن معرفتها السليمة تُستقى من الكتب، وهذه هي المعضلة الحقيقية، لأن هناك أمور تحتاج تذوق وخبرة واقعية في صميم الحياة الشخصية، وبالنسبة للألم من جهة الخبرة وليست المعلومة مكتوب:
هنا عن نفسي لا أستطيع بل وأعجز تماماً عن شرح معنى تضايق من ناحية الكيفية والشعور، وكل من يحاول يشرحها من جهة طبيعة الله بالتفصيل ويصف هذا الشعور في جوهر الطبيعة الإلهية فهو يبرهن على جهله الشديد وانه ارتقى فوق ما ينبغي، لأن هذا الموضوع يأتي بالخبرة والمشاهدة وليست بالفكرة والمعلومة.
فالله يُشاركنا أحاسيسنا وآلامنا ويشعر بها ويتدخل بالمحبة في صميم حياتنا اليومية، لكن كل هذا يتم بطريقة ما حسب قدرة استيعابنا، حسب قامتنا، لأنه بيتنازل لضعفنا ويتعامل معنا مثل الأب الذي يتعامل مع الطفل الصغير الذي لا يقدر أن يعرف اتساع الحب الأبوي إلا بعد أن ينضج وبختبر حالة الأبوة، والأبوة نتذوقها في البنوة، لذلك الله قصد يعطينا البنوة في المسيح لنتذوق أبوته ونرتقي فوق المشاعر والأحاسيس التي فسدت فينا بسبب عدم قدرتنا على الانفتاح على شخصه القدوس الذي يفوق في طبيعته كل أفكار البشر وقوانين الجسد.
فحينما تتقدس المشاعر وتدخل في حالة التجديد الواقعي الملموس ندخل في حالة وعي وإدراك لمشاعر تفوق كل تصور ذات حس فوقاني فوق الطبيعي، لأن الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً (1كورنثوس 2: 14)
عموماً أن كل حديث يقودنا للتفكير خارج نطاق خبرة البنوة في المسيح لن يجعلنا ندرك الطبيعة الإلهية التي تشدنا لفوق لنتغير لهذا الطبع وندخل في الأسرار العلوية الفائقة الإدراك والغير مُعبر عنها بكل نطق بشري، فكثيراً من الناس على مر العصور دخلوا في هذا النقاش والجدل عن الألم وتألم الله من عدمه، ووصلوا في النهاية لطريق مسدوود وفكر مبهم غير واضح وظل التشويش قائم، بل والبعض انجرف وراء مشاعره وتفكيره الفلسفي وأسقطه على الله مما أوقعه في هرطقات اقتنع بها، والبعض الآخر ألحد وترك الإيمان كله، وذلك لأنه في الواقع والحقيقة لم يختبر ولم يتذوق قوة المحبة الإلهية لأن معرفته بالله لم تتعدى الكتب ولم تتخطى المعلومات العقلية.
لكن كل من دخل في سرّ البنوة وانتظر النمو في القامة والنعمة وترك الروح القدس يدخله في سر الإعلان الإلهي ومعرفة الله شخص حي وحضور مُحيي، فأنه يعرف غنى وأسرار اللاهوت الغير معبر عنها وسيدرك في ذلك الوقت ويعي كل ما لا يستطيع أن يفهمه لا من كتب ولا من شروحات ولا مراجع، لأن هناك أمور لا تحتاج مراجع بل تحتاج انفتاح ورؤية.
فطبيعة الله المحبة وحقيقة المشاعر الحقيقية النابعة منها مستحيل تُعرف من كتب ولا مراجع ولا حتى آباء، بل من الله مباشرة بروحه لكل نفس تتذوق هذا الحب وتحيا به، فمن المستحيل - في المطلق - أن يصل إنسان لمدى أتساع طبيعة الله الغير مدركه حتى لجميع الملائكة والأنبياء وحتى الرسل، لأن اتساعه يفوق كل ما يعيه البشر والملائكة، فمن جهة حبه الفائق من هو هذا الجدير بأن يصفه أو يشرح مدى اتساعه الفائق والغير مُعبَّر عنه، لأن مهما ما عرفنا وأدركنا سنظل نعرف بعض المعرفة ونفهم بعض الفهم، وندرك بعض الإدراك، ولكن حينما يأتي الكامل سيبطل البعض، لكن علينا الآن أن نسعى جادين في طلب الخبرة وقيادة الروح القدس في استمرار وجودنا في مخادعنا ننتظر عمل نعمة الله ونطلبها بإصرار واستمرار حتى تأتينا وحينئذٍ فقط سنستوعب ونفهم ونعرف لا كلاماً بل خبرة شركة حياة حقيقية مع الله الذي دعانا بالمجد والفضيلة لكي نكون شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة الردية.
وفي النهاية اقول أن مهما ما تحدث الناس فأنهم لن يحلوا مشكلة الألم إطلاقاً، ممكن يحلوها نظرياً، لأن كل حل فكري وكلام منقول والا مكتوب حسب رؤية كل واحد وبحثه سيكون في النهاية عبارة عن مهاترات وصارع قائم لا ولم ولن ينتهي بين مؤيد ومعارض، وبين المتفلسف والعارف، وبين القارئ والغير قارئ، وبين المتعلم والأُمي، وبين السوي نفسياً والمريض والمعقد.. الخ، وستجد جميع الأطراف في النهاية بيحاولوا باستماته يقنعوا بعضهم البعض، وهيهات ان اتحل الموضوع وانتهت المشكلة، بل سيظل الصراع قائم والبعض سيقتنع إلى حين ثم يعود يتسائل ويشتكي ويعود لنفس الدوامه عينها حينما يقع في مشكلة الآلم من الناحية الشخصية، لكن من يدخل في الخبرة الحقيقية مع الله يدخل في نفس ذات خبرة أيوب عينها: