رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" من الأعماق صرخت " القديس يوحنا ذهبي الفم "من الأعماق صرخت إليك يارب. يارب اسمع صوتي" ما معنى "من الأعماق"، فهو لم يقل ببساطة "من فمي"، لم يقل ببساطة "بلساني"، لم يكن الذهن يتجول عندما خرجت الكلمات، بل خرجت الصلاة من أعماق القلب، بغيرة شديدة وحماسة، من عمق أعماق الذهن. هكذا تكون أنفس الحزانى، ينفعلون بكامل قلوبهم، مصلين لله بندم وإنسحاق عميق، وهذا هو بالضبط السبب في أن صلاتهم تُسمع. فصلاة مثل هذه، تكون لها في الحقيقة قوة هائلة، بحيث لا تسقط ولا يمكن تقويضها، حتى ولو هاجم الشيطان بشدة. على سبيل المثال، الشجرة القوية ترسل جذورها إلى عمق كبير في الأرض فتقاوم بذلك أي رياح عاصفة، بينما الشجرة التي تبقى على السطح تتزحزح من أي نسمة هواء خفيفة تهب، فتُقتلع وتسقط على الأرض. كذك أيضاً الصلوات الصاعدة من العمق بعد أن ترسل الجذور إلى الأعماق، تبقى شديدة وثابتة غير متزعزعة، ولا تفشل أبداً، حتى لو هاجمتها مصادر تشويش بلا عدد أو مجموعة كاملة من الشياطين. أما الصلوات التي تنطلق من الفم والشفاة فقط، ولا تصعد من الأعماق، لا يمكنها أن ترتفع إلى الله، وذلك بسبب لامبالاة المصلي. أعني، أنه إذا صدر أي صوت مباغت أثناء الصلاة، مثل هؤلاء ينزعجون، وأي تشويش يحدث يفصلهم بعيداً عن الصلاة، وعلى الرغم من أن الفم يعطي نفساً، إلا أن القلب يكون فارغاً والذهن شاغراً. ولكن القديسين لا يصلون بهذه الطريقة، لكنهم يصلوا بحرارة شديدة حتى أنهم أحياناً ينحنون بكامل الجسم. على سبيل المثال، إيليا المبارك في صلاته، بحث أولاً عن العزلة، ثم وضع رأسه بين ركبتيه، متضرعاً بغيرة وحرارة شديدة، وبهذه الطريقة قدَّم صلاته. وإذا كنت تُفضِل أيضاً رؤية شخص واقف أمام الله منتصباً في الصلاة، تطلع إليه مرة أخرى وهو يبلغ إلى السماء بصلاته بغيرة شديدة، حتى أنه يحضر ناراً من السماء (1 مل 1" الأعماق صرخت " القديس. وعندما أراد أن يقيم ابن الأرملة، تمدد تماماً عليه وأجرى هذه الإقامة، لم يصيبه الذهول أو الصدمة - كما قد يحدث معنا أمام الموت - بل كان ملتهباً بحماسة متقدة في صلاته (1 مل 17) لماذا أذكر إيليا وغيره من القديسين؟ كثيراً ما رأيت نساءً تنطق صلواتهن من الأعماق بهذه الطريقة، من أجل زوج مسافر أو طفل مريض، ويذرفن دموع غزيرة من أجل تحقيق هدف صلاتهن. إذا كانت المرأة تظهر مثل هذه الحرارة في صلواتهن من أجل طفل أو زوج متجول، فأي عذر يكون هناك للرجل الفاتر ذو الروح المائتة؟ لهذا السبب، بلا شك، كثيراً ما ننصرف خالين الوفاض من صلاتنا. استمعوا إلى قصة حنة، وكيف صلت من الأعماق، وسكبت دموع غزيرة، وكيف أرتقت من جراء صلاتها (1 صم 1). من يصلي هكذا، حتى قبل أن يحصل على ما يطلبه، يجني فوائد جمة من صلاته، فيقمع كل أهوائه، ويُسكّن الغضب، ويُقاوم الحسد، ويُخمِد شهوة أمور هذه الحياة، ويُخضِع النفس إلى هدوء كامل، وأخيراً يُصعِد النفس إلى السماء عينها. بعبارة أخرى، تماماً كما يسقط المطر على أرض قاسية - أو النار على الصلب - فيلينها، هكذا أيضاً الصلاة التي من هذا النوع تُليّن وتُخفف قسوة النفس في أهوائها بشكل أكثر فعالية من النار، وأكثر تأثيراً من المطر. النفس البشرية طيعة ومرنة، لكن كما يحدث أحياناً مع مياة النهر إذ تتجمد وتصير جليداً، هكذا أيضاً نفوسنا قد تتقسى وتتحجر من جراء الخطية واللامبالاة الشديدة. لذلك، نحن في حاجة إلى الحرارة والغيرة حتى يمكننا تليين القساوة الداخلية. هذا هو ما تُحققه الصلاة على وجه التحديد. لذلك، عندما تمارس الصلاة، لا تتطلع فقط للحصول على ما تطلبه، بل تطلع أيضاً لكي تجعل النفس في حالة أفضل من الصلاة ذاتها، فهذه هي وظيفة الصلاة بالنهاية. الإنسان الذي يصلي بهذه الطريقة يرتفع فوق الإهتمامات الدنيوية، ويعطي أجنحة للذهن، ويجعل الدماغ أقل ثقلاً، ولا يقع ضحية لأي من الأهواء. القديس يوحنا ذهبي الفم |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|