كَرَمُ النفس
الكريم مَن أَحبّ فأَعطى وجاد. أما إذا لم يحبّ وأعطى فيكون عطاؤه من كبرياء أو حياء، ومِن عملِ يده لا مِن انفتاح قلبه. يكون هذا قد استوفى أجره. لذلك يؤكد الكتاب أن اليد اليسرى لا ينبغي ان تعلم ما فعلته اليد اليمنى، ذلك أن الإحسان ليس بالدرجة الأولى علاقة بين الإنسان والإنسان بل بين الإنسان والله. الله هو من يأخذ من مخلوقه قربانًا عندما يستلم مخلوق ثان هبة من الأول. ليس الثاني مدينًا للأول لأن المعطي الحقيقي لا يطلب شيئًا لنفسه، وإذا كان معطيًا كبيرًا لا يلتمس من الله نفسه مكافأة. فقط تُسَرّ نفسُه بالله. الشخص الذي يأخذ منّا ظرفُ فرحنا.
إذا لم يكن في العطاء دَين، إذا كان يتم في الأخوّة، فمن يأخذ يجب أن يكون على الكرامة نفسها التي يكون عليها المعطي. ان قساوة الناس تجعلهم أحيانًا يعطون بكبرياء، يُذيعون ما يعملون، يُسجّلونه، أَوجدوا للتبرعات لوائح. بنتيجة ذلك يتحلّق حولهم الفقراء ويشعرون أنهم أذلاء. بسبب هذا الذُلّ المتراكم يُحسّون أن الأخذ تسوّل. ومن الناس من لهم روحية المتسوّلين ويسعون إلى الكسب بكل وسيلة. وكثيرًا ما يكون المتسوّل غير محتاج ويريد أن تساويه بالمحتاج. وهذا مؤذ لمن كان أشد حاجة.
أصلاً ليست كمية العطاء هي المهمة فقد تعطي القليل في تواضع ومحبة ولا تسأل عن شكر، وقد تعطي الكثير وأنت متبجّح. هناك من يقيم علاقة بين قلبه وقلب آخر، وهناك من أغلق قلبه ولو سخا.
مَنْ أعطاكَ بمحبة خُذ منه بمحبة، بلا شعور بالذل فإنه أخوك بالمسيح أو أخوك بالإنسانية الطيبة التي تُحسّان بها كلاكما. إذا كان الإنسان الصالح يعطي ببساطة، فالإنسان الصالح، إذا كان في عوز، يأخذ ببساطة أيضًـا. لا تُقم حاجزًا بينك وبين من أعطاك. إنه لمأثرة طيّبة أن تأخذ إن كنتَ في حاجة، لأنك عند ذاك تُتيح الفرصة لمن أعطاك أن يلتقي المسيح. إن من نُحسن إليه صار مجالًا لتقرّبنا من السيد.
خذ بكرامة كبيرة، في نبل. ولكن خذ في شكر أيضًـا. العبارات المألوفة أنك تشكر من أعطاك. الحقيقة أنك تشكر الله الذي ألهم إنسانًا أن يُخلّص نفسه. أنت سيّد على من أعطاك اذا كان فاهمًا روحيًّا. هو يحاول الدنوّ من الرب، وأنت إن استلمتَ إحسانه ترفعه. ولكن هذا ليس مدعاة تكبّر عندك. الإحسان الذي تتقبّله يفرض عليك الشكر ولا سيّما أن من وهبك شيئًا يكون قد قام بجهد.
المهم أن يكون عندنا حُبّ في العطاء مع جهد كثير، وأن يكون عندنا كرامة في الاستلام وحُبّ ونفس شكورة. نتمنى مردودًا روحيًّا واحدًا، أن يكون الإخوة الباذلون والإخوة المبذولُ لهم جميعًا في فرح واحد.
جاورجيوس، مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان)
عن “رعيّتي”، العدد 27، الأحد ٣ تموز ٢٠١٦