من ردهم إلى أرض الأحياء
برغم أن هذه العبارة ، يمكن أن تؤخذ بطريقة روحية أخرى . ولنبدأ ببطرس الرسول . إنه بعد أن أنكر السيد المسيح ، بكى بكاء مراَ , إذ شعر أنه قد انفصل عن الرب وعن محبته . وانفصل عن باقى الرسل , وعن الخدمة وكل العمل الرعوى . ولاشك أنه قد رنت فى اذنيه عبارة الرب " من أنكرنى قدام الناس ، يُنكر قدام ملائكة الله " (لو 9:12) . ولكن عزاه بنفس العبارة , والتى سبق فعزى بها أبانا يعقوب " أنا معك , وأردك .... " . ولكن كيف رده الرب , ومتى ؟ حينما ظهر له , وقال له فى حنو " إرع غنمى . وارع خرافى " ( يو15:21) ... وحينئذ شعر بطرس أن الرب قد رده إلى جماعة الرسل . * * * * وداود النبى , حينما زنى وقتل , وسقط من ذلك العلو العظيم الذى كان فيه , ولعله كانت فى فكرة عبارة اوريجانوس [ أيها البرج العالى , كيف سقط ؟! ]. وبكى داود بكاء شديد مستمراَ , وفى كل ليلة كان يبلل فراشه بدموعه , ولكن إلهنا الحنون الطيب , لم يتركه وحيداَ فى أحزانه ، بل قال له " أنا معك ، وأردك إلى تلك الأرض " . أردك إلى أرض التوبة والنقاوة , والمصالحة مع الله . واستطاع الر أن يرد داود , وأن يغسله فيبيض أكثر من الثلج , وأن يرد له بهجة خلاصه (مز12:51). * * * وبنفس الطريقة رد الرب شمشون بعد سقوطه . ولعله بنفس الوضع أيضاَ رد سليمان بن داود ، الذى قال له عنه :" إن تعوج اؤدبه ... ولكن رحمتى لاتنزع منه , كما نزعتها من شاول " (2صم14:7-15) . لقد مر وقت علىداود ، ظن أنه لا خلاص ... وهكذا صرخ إلى الرب قائلآ : " يارب لماذا كثر الذين يحزنوننى ؟ كثيرون يقولون لنفسى : ليس له خلاص بإلهه " (مز3) . ووسط هذه الأفكار التى يزرعها الشياطين , تبدو وعود الرب مملوءة رجاء " أنا معك ، وأردك إلى هذه الأرض" .... * * * هذه العبارة هى أقوى سلاح فى التوبة والرجوع ... فمشكلة كثيرين أنهم يظنون بأنهم سيعودون إلى الله , بقوة أرادتهم , وبعزيمتهم , وبصدق عزمهم على الرجوع , دون أن يضعوا العامل الإلهى فى قصة عودتهم إلى الله !! كلا , صدقونى ... فلو كان الأنسان الخاطئ هو الذى يعيد نفسه إلى الله , ما عاد أحد... إنما الإنسان يصرخ إلى الله : توبنى يارب فأتوب , خلصنى فأخلص ( أر14:17) . والسيد المسيح يقول فى وضوح " بدونى لاتقدرون أن تعملوا شيئاَ " (يو5:15) . إن النفس الميالة إلى الخطية ، وكذلك الأرادة الضعيفة , وحروب الشياطين , والمعطلاا الروحية .... كل هذه تصد الإنسان , وتحاول منعه عن الرجوع إلى الله . ولكن نعمة الله أمام هذه المعطلات . وصوت الرب يقول فى حنو للخاطئ : " لا تخف . أنا معك .أحفظك ... وأردك إلى تلك الأرض " . أنا أردك إلى تلك الأرض , مهما نعدت انت وضللت ... ومهما كان يبدو لك أولغيرك , أن الخلاص بعيد عنك أومستحيل , أو أن التوبة غير ممكنة ... أنا معك , عندما يحاربك الشيطان باليأس ... حينما يحاربك عدو الخير , ويقول لك : إن الخطية لم تعد مجرد عادة عندك , بل صارت طبيعة فيك . ولن تقدر على تركها . لقد صارت ملتصقة بك . أكثر من ألتصاق جلدك بلحمك . وصارت تسرى فيك , أكثر من سريان دمك فى عروقك ....!! لاتخف منه ومن أفكاره , بل قل له فى ثقة : أنا لن أرجع إلى الله وحدى , أو بقوتى ... هوالله الذى سيردنى إليه , الله الذى قال : " أنا معك . وأحفظك . وأردك إلى تلك الأرض " . ما دام الله هو الذى يردنى . إذن فغير المستطاع عند الناس , هو مستطاع عند الله (مز27:10) . أن الله يقول لنا فى وعوده : " أعيطكم قلباَ جديداَ , وأجعل روحاَ جديدة فى داخلكم . وانزع قلب الحجر من لحمكم , وأعيطكم قلب لحم . وأجعل روحى فى داخلكم . وأجعلكم تسلكون فى طرقى وتحفظون احكامى " (حز26:36-27) . ويقول أيضاَ " هلم نتحاجج - يقول الرب - إن كانت خطاياكم كالقرمز , تبيض كالثلج " (إش18:1) . إنه الرب الذى يعمل العمل كله , ويردنا إليه ... * * * بأنواع وطرق شتى , يردنا الرب إلى أرضه . بالحب والحنان , يردنا الرب إلى تلك الأرض ... وإلآ ... فبالشدة والعقوبة يردنا , أو بالتجارب والضيقات . أو بالتعليم والإرشاد .. أو بصبره علينا وطول أناته . بأية الطرق ...بالوسيلة المناسبة لكل نفس على حده ... المهم , أنه يخلص على حال قوماَ. لأنه يريد أن الجميع يخلصون ، وإلى معرفة الحق يقبلون (1تى 4:2). وهو لايسر بموت الخاطئ , بل بالحرى أن يرجع ويحيا ( حز11:33) . * * * إنه الرب الراعى الشفوق , الذى يحافظ على غنمه .. هوالذى يحنن عليك قلوب الناس .. وهو الذى من أجلك يربط الشيطان , فلا يستطيع أن يؤذيك . هوالذى يحوط حولك من كل ناحية , فتغنى وتقول : سبحى الرب يا أورشليم , سبحى إلهك يا صهون لأنه قوى مغاليق أبوابك , وبارك بنيك فيك الذى جعل تخومك فى سلام , ويملأك من شحم الحنطة . الله هو الذى يقوى مغاليق أبوابك , ويجعل تخومك فى سلام.
من كتاب (الرجاء ) لقداسة البابا شنوده
|